القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
أهلية الوحدات الاتحادية في إبرام الاتفاقيات الدولية في دستور 2005
المؤلف:
اسعد كاظم وحيش الصالحي
المصدر:
التنظيم القانوني لأبرام الاتفاقيات الدولية لدى الدولة الاتحادية
الجزء والصفحة:
ص122-130
2025-04-16
200
اقر دستور 2005 بأنّ إقليم كردستان وسلطاته القانونية إقليم اتحادي، إذ نص على ما يأتي (يقر هذا الدستور، عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحاديا ) (1) ، كما أكد الدستور على إقراره للأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقا لإحكامه (2).
إن آلية إبرام الاتفاقيات الدولية على وفق دستور 2005 ، ومدى أهلية الاقاليم بالاختصاص في الإبرام ، تتضح من خلال نص البند (أولاً) من المادة (110) من الدستور ، التي حددت الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية وجعلت من بينها الاختصاص بإبرام الاتفاقيات الدولية ، إذ نصت هذه المادة على ان ( تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية : أولا - رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بش أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .) .
وقد اختلفت الآراء في تفسير هذا النص في تحديد أهلية الاقاليم في إبرام الاتفاقيات الدولية ، إذ يذهب بعض من الباحثين إلى أن مصطلح إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية على وفق البند (أولا) من المادة (110) وحسب التفسير الضيق، هي قاصرة على السلطة الاتحادية ، لان النص جاء بصورة مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد بنص، ومن ثم لا تمتلك الاقاليم او المحافظات أية اختصاصات في هذا الصدد ، وذلك لأن السلطة الاتحادية هي صاحبة السيادة في هذا المجال لامتلاكها الشخصية القانونية الدولية ، ولا يتمتع غيرها بأي أهلية لإبرام الاتفاقيات الدولية ، إلا إذا وجد نص دستوري يخوله ا بذلك ، كما هو الحال في بعض الدساتير الاتحادية ، وإذ لا وجود لمثل هذا النص ، لذا ف إن مسألة الاختصاص بإبرام الاتفاقيات الدولية تعد من الاختصاص الحصري للسلطة الاتحادية بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية (3).
فيما يرى بعضهم الآخر عند تفسيره لنص البند (أولا) من المادة (110) من الدستور، أن النص اقتصر على بيان رسم السياسة الخارجية ، وهنا يظهر أن للسلطات الاتحادية الحق في رسم السياسة الخارجية من دون تنفيذها ، فإذا كان رسم السياسة الخارجية من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، فإن مفهوم المخالفة يعني أن التنفيذ ليس من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ما يدخل في نطاق صلاحية الاقاليم ، ويكون ذلك عن طريق إبرام الاتفاقيات الدولية لغرض تنفيذ السياسة الخارجية ، ويضيف هذا الرأي أن هذا البند من الدستور خول الإقليم إبرام الاتفاقيات الدولية ، لأن النص حدد الاختصاص الحصري في مجال رسم السياسات الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية ، ومفهوم المخالفة لهذا النص أن السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية غير السيادية هي ليست من الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ، بل هي من اختصاص الاقليم، ويستشهد هذا الرأي بنص الفقرة (ج) من المادة (25) من قانون إدارة الدولة لمرحلة الانتقالية التي نصت على أن رسم السياسة المالية ، وإصدار العملة ، وتنظيم الجمارك وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق .....) ، ومثل هذا النص لم يرد في دستور 2005، ما يعني أنّ للإقليم الحق في تنظيم السياسة التجارية والاقتصادية عبر الحدود ، وآلية ذلك إبرامه للاتفاقيات الدولية في جميع المسائل التي لم ترد ضمن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية (4) .
ويمكن القول إن هذا الرأي لا يمكن الاستناد عليه لتسويغ حق الإقليم في إبرام الاتفاقيات الدولية للأسباب الأتية :-
1 - إنه يجب التفريق بين السياسة الخارجية والشؤون الخارجية، إذ يجب إن تبقى السياسة الخارجية بجوانبها كلها من رسم وتنفيذ بيد السلطة الاتحادية لكونها ترتبط بسيادة الدولة ، وهذا ما تؤكده المادة (109) من دستور 2005 التي نصت على أن ( تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي ) ، أما بشأن إبرام الاتفاقيات الدولية ومدى حق الإقليم بممارسة هذا الاختصاص ، فنرى أنها تدخل ضمن الشؤون الخارجية وليس السياسة الخارجية ، وقد حسمها الدستور وجعلها بيد السلطة الاتحادية
2 - لا يمكن تسويغ حق الاقليم بإبرام الاتفاقيات الدولية استنادا إلى الاختصاصات الاقتصادية والتجارية الخارجية غير السيادية ، بالمفهوم المخالف للبند (أولاً) من المادة (110) التي نصت على السيادية فقط ، لأننا لو أخذنا بذلك ، لأصبحنا أمام سياستين اقتصادية وتجارية واحدة تعود إلى السلطة الاتحادية ، والأخرى تعود للإقليم، ثم من يحدد أن بعض هذه السياسات ذات طبيعة سيادية ، وأخرى لا تتمتع بهذا الوصف ، حتى يمكن أن نفرز الاختصاصات الحصرية عن اختصاصات الأقاليم في مجال السياسة الاقتصادية والتجارية (5)
فضلاً عن ذلك، إن الجهة المختصة بتفسير الدستور هي المحكمة الاتحادية العليا بموجب المادة (93) من الدستور ، لذا إذا كان حق الإقليم نابعاً من السياسات الاقتصادية والتجارية غير السيادية ، فيتم إرجاء هذا الأمر إلى المحكمة الاتحادية العليا لكونها هي المختصة بتفسير نصوص الدستور ، خاصة أن الاختلاف يتعلق بالمسائل الحصرية للسلطة الاتحادية .
مما سبق يتضح لنا ، أن الرأي الأصوب والسديد في تحديد الاختصاص بإبرام الاتفاقيات الدولية بكل جوانبها في العراق ، هو حصر ذلك الاختصاص بيد السلطة الاتحادية ، وهذا ما ينسجم مع نصوص الدستور في البند (أولا) من المادة (110) التي جعلت اختصاص إبرام الاتفاقيات الدولية بيد السلطة الاتحادية بصورة مطلقة، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يتقيد بنص ، ومن ثم فان الدستور قد سكت عن منح الأقاليم او المحافظات صلاحية إبرام أية اتفاقيات دولية .
وقد حرص الدستور على تأكيد عدم التجاوز على الاختصاص الحصري للسلطة الاتحادية ، إذ نص على أنَّ (لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لإحكام هذا الدستور باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية) (6) ، وعليه ، فإن إبرام الاتفاقيات الدولية يدخل في ضمن الاختصاصات الحصرية وليس في ضمن الاختصاصات المشتركة أو المتبقية ، وليس للإقليم ممارسة اية اختصاص من الاختصاصات الحصرية، ومن ضمنها الاتفاقيات الدولية .
وبعد أن حدد الدستور الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ومن بينها إبرام الاتفاقيات الدولية ، أفرد الباب الخامس لسلطات الأقاليم ، وأكد على إقراراه عند نفاذه بإقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحاديا (7) ، وكذلك اقر الدستور بالأقاليم الجديدة التي تؤسس على وفق أحكامه (8).
وقد منح الدستور للأقاليم والمحافظات ، الحق في تأسيس مكاتب في السفارات إذ نص على أن ( تؤسس مكاتب للإقليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية ) (9).
ويتضح من هذا النص ، انه اقر للإقاليم والمحافظات فتح مكاتب في السفارات العراقية لغرض متابعة الأمور الثقافية والاجتماعية والإنمائية التي لها التأثير المباشر في الأقاليم والمحافظات ، إلا أن مصطلح المتابعة يحمل دلالات عديدة، وفي الوقت ذاته ينطوي على ممارسة اختصاصات تدخل في صميم الوظائف المتعارف عليها للسفارات والبعثات الدبلوماسية ، وهذا ما حصل فعلاً من قبل حكومة اقليم كردستان ، فضلاً عن ذلك إن الاختصاصات الدولية قد جعلها الدستور من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، لذا نقترح على المشرع العراقي ضرورة تعديل هذا النص وحصر اختصاصات المكاتب بالسفارة والبعثة الدبلوماسية في السلطة الاتحادية ، لأن هذه الاختصاصات لا تختلف في طبيعتها عن المهام الملقاة على عاتق السفارات والبعثات الدبلوماسية .
وما يُعاب على النص المتقدم ايضاً ، انه ساوى بين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في فتح هذه المكاتب ، وهناك اختلاف واضح بين المحافظة والإقليم، إذ تعد الأولى وحدة أداريه ضمن حدودها الجغرافية تتكون من أقضية ونواح وقرى (10) ، وتختلف عن الإقليم الذي يُعد وحدة سياسية ، لها اختصاصات تشريعية وتنفيذية وقضائية ، بخلاف المحافظة التي تتبع المركز على وفق نظام اللامركزية الإدارية الاقليمية الذي أعتمده الدستور (11).
كذلك يرى البعض ، إن هذا النص فيه تفتيت لوحدة الدولة العراقية ، فالتمثيل الدولي وفتح المكاتب يجب أن يقتصر على نطاق السلطة الاتحادية بوصفها المالكة للشخصية القانونية الدولية على الصعيد الدولي ، لذا فإن هذا الحق الذي منحه الدستور العراقي لا يتفق مع روح النظام الفيدرالي ، فضلاً عن ذلك فلفه سيؤدي إلى الازدواجية في الاختصاصات على النطاق الدولي، اضافة الى ان تأسيس هذه المكاتب في انحاء العالم فيه اثقال لكاهل موازنة الدولة الاتحادية لما يتطلب من رواتب ونفقات (12).
واستنادا للنص المتقدم أبرمت حكومة إقليم كوردستان اتفاقية تعاون مع الحكومة الفرنسية في 2010/6/15 تضمنت تلك الاتفاقية، التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والإنمائية ونظمت المادة الثالثة منها ، المشاركة في المشاريع النفطية الحالية والمستقبلية ، ووضع مصفى على مقربة من الزاب الكبير (13) .والحقيقة إن هذه المكاتب ، مختصة في متابعة الأمور الثقافية والاجتماعية والإنمائية التي لها التأثير المباشر في داخل الأقاليم والمحافظات، ومن ثم فان هذا النص لا يخول الأقاليم والمحافظات إبرام اتفاقيات دولية تقع في ضمن الإطار الثقافي أو الإنمائي أو الاجتماعي، لذا فان اتفاقية التعاون بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الفرنسية لا تتمتع بأي غطاء دستوري .
وقد بينت المحكمة الاتحادية العليا ، في قرار لها بمناسبة اجابتها على الطلب المقدم لها من محافظة الديوانية ، بخصوص تفسير نص المادة (121/ رابعا) من الدستور، ومن هي الجهة التي تتولى تطبيقه ، إذ اوضحت ان طلب محافظة الديوانية ، ينصب في تطبيق نص المادة ( 121 / رابعا ) وليس على تفسير هذا النص الواضح في مضمونه ، وأن مهمة تطبيقه تتولاه السلطة التنفيذية في ضوء الحاجة الحقيقية والامكانات اللوجستية والمادية ، وفي ضوء الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحكم التمثيل الدبلوماسي بين الدول وعلى وفق قاعدة (المقابلة بالمثل) ، فاذا توفرت كل هذه الامكانيات ، وتوفر الغطاء الكامل من نصوص المعاهدات والاتفاقات ، وكان هناك تعامل بالمثل مع الدول التي للعراق سفارات فيها ، ووجدت الحاجة الحقيقية لتأسيس المكاتب موضوع البحث ، فإن وزارة الخارجية بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة ملزمة بتطبيق نص المادة (121/ رابعا) من دستور جمهورية العراق (14).
ويشير الواقع العملي ، إلى أن هذا النص اسيء استخدامه من حكومة إقليم كردستان ، إذ إن النص يشير إلى أن فتح المكاتب يجب ان يكون داخل السفارات والبعثات العراقية ، إلا أن حكومة إقليم كردستان لم تلتزم بحدود النص الدستوري ، إذ عمدت إلى فتح مكاتب خاصة لدى الدول الأخرى ، إِذْ تم فتح ممثليه للإقليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في بريطانيا (15)، فضلاً عن ذلك يوجد مكتب ممثلية للإقليم لدى مدينة برن السويسرية ، على الرغم من أن وزارة الخارجية السويسرية أكدت عدم موافقتها على فتح هذه الممثلية (16)
والحقيقة إن فتح تلك الممثليات في الدول الأخرى من حكومة الإقليم، لا يتمتع بأي غطاء قانوني على الصعيد الدولي والداخلي ، إذ تنص اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 على انه ( ليس للدول المعتمدة بدون الحصول مقدما على موافقة الدولة المعتمدة لديها ان تنشى مكاتب تابعة لبعثتها في نواح أخرى غير التي توجد فيها البعثة ) (17) ، إذ يشير هذا النص إلى الدول من دون وحدات الدولة الاتحادية ، فضلاً عن ذلك لابد من الحصول على الموافقة المسبقة للدولة المعتمد لديها لفتح مكاتب للبعثة الدبلوماسية ، وهذا ما تؤكده الاتفاقية ذاتها التي نصت على ان ( يجب على الدولة المعتمدة إن تتأكد من الحصول على موافقة الدولة المعتمد لديها قبل إن تعتمد مرشحها رئيسا لبعثتها لدى الدولة الثانية ) (18).
وبذلك يتضح من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية ، أنّ البعثة الدبلوماسية ، والمكاتب الدبلوماسية ، لا تمنح الا للدولة صاحبة السيادة ، وهي من المسائل الداخلية للدول (19). وعلى أساس ما تقدم لا يمكن لحكومة اقليم كردستان فتح تلك المكاتب ، إلا بعد الحصول على موافقة السلطة الاتحادية المركزية ، لان النص الدستوري يجيز فتح المكاتب ضمن السفارات والبعثات العراقية فحسب .
وبشأن موقف مشروع دستور إقليم كردستان (20) ، من أهلية الإقليم لإبرام الاتفاقيات الدولية ، إذ بين دستور العراق لسنة 2005 بأن يقوم الاقليم بوضع دستور له ، يحدد هيكل سلطات الإقليم وصلاحياته وآليات ممارسة تلك الصلاحيات ، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور (21) . وبين المشروع موقفه حيال عقد الاتفاقيات الدولية ، فقد نص في المادة الثامنة منه على أن :-
أولاً - تكون المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع أية دولة أو طرف أجنبي تمس وضعية أو حقوق إقليم كردستان نافذة في إقليم كردستان ، إذا اقترنت بموافقة برلمان كردستان العراق بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
ثانياً - لا تكون المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع الدول الأجنبية نافذة بحق إقليم كردستان، إذ تناولت أمورا خارجة عن الاختصاص الحصري بموجب المادة (110) من الدستور الاتحادي، ما لم يوافق برلمان كردستان العراق على إنفاذها في الإقليم بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه .
ثالثا - لإقليم كردستان الحق في عقد اتفاقيات مع دول أجنبية ، أو أقاليم داخل دول أجنبية بشأن المسائل التي لا تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية المنصوص عليها في المادة (110) من الدستور الاتحادي .
رابعا - ترفع الاتفاقية التي تبرم بين إقليم كردستان وحكومات الدول الأجنبية الى الحكومة الاتحادية لاستحصال موافقتها ، ولا تكون الاتفاقية نافذة ،إذا رفضت الحكومة الاتحادية الموافقة عليها لأسباب دستورية وقانونية .
من تحليل نص المادة (8) من مشروع دستور إقليم كردستان يتضح ما يأتي :-
1- إن المشروع ميز بين الاتفاقيات الدولية التي تبرمها السلط ة الاتحادية وتمس وضع الإقليم ، وبين الاتفاقيات التي لا تمس وضعه ، واشترط في الأولى دون الاخيرة لإنفاذها في الإقليم موافقة برلمان الإقليم بالأغلبية المطلقة لأعضائه ، والحقيقة أن هذه النسبة المطلوبة مرتفعة ، قد تشكل عائقاً في سبيل إنفاذ الاتفاقيات التي تبرمها السلطة الاتحادية في الإقليم، ثم من يحدد ما إذا كانت هذه الاتفاقية تمس وضع الإقليم او حقوق، والأخرى لا تحمل هذا الوصف ؟.
2 - ميز المشروع بين الاتفاقيات الدولية التي تبرمها السلطة الاتحادية وتدخل ضمن الاختصاصات الحصرية في المادة (110) من الدستور الاتحادي، وبين الاتفاقيات التي لا تدخل ضمن المسائل الحصرية واشترط في الأخيرة دون الأولى لإنفاذها في الإقليم موافقة برلمان الإقليم بالأغلبية المطلقة لأعضائه ، وعلى أساس ذلك فإن جميع الاتفاقيات التي لا تدخل في المسائل الحصرية للسلطة الاتحادية لا تكون نافذة في الإقليم، إلا بموافقة برلمان الإقليم بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ، مما قد يشكل عائقا إما سريان الاتفاقيات التي تهم المصلحة العامة للدولة ، وقد يثير المسؤولية الدولية للسلطة الاتحادية عن عدم تنفيد الاتفاقية المبرمة من جانبها، إذا ما احجم الاقليم عن انفاذها، بسب عدم حصول الاغلبية المطلقة لبرلمان كردستان ، لكونها نسبة مرتفعة .
3- إن المشروع أعطى للإقليم أهلية في إبرام الاتفاقيات الدولية ، بشرط أن لا يكون موضوع الاتفاقية المعقودة من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، وهنا نتساءل أليس إبرام الاتفاقيات الدولية تقع في ضمن الاختصاصات الحصرية ؟ فما هو الأساس الدستوري لهذه الفقرة من المشروع ؟ ، لذا هذه الفقرة تتعارض مع الدستور في مادته ) 110 اولاً التي جعلت إبرام الاتفاقيات الدولية من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، والمادة (13) (22) من الدستور ذاته.
4- إن المشروع عندما أعطى للإقليم الحق في إبرام الاتفاقيات الدولية رتب على عاتقه التزام أ ، في الفقرة (رابعا ) من المادة (8) من المشروع ، بان يتم رفع الاتفاقية المعقودة إلى الحكومة الاتحادية لغرض استحصال موافقتها ، ولا تكون تلك الاتفاقية نافذة إذا رفض ت الحكومة الاتحادية الموافقة عليها لأسباب دستورية أو قانونية.
والحقيقة ، أن الفقرة ( رابعا ) من المادة (8) من المشروع فضلاً عن كونها تخالف الدستور الاتحادي ، تثير العديد من التساؤلات والإشكاليات ، لأننا لو رجعنا إلى جميع النظم الفيدرالية (23) ، التي تمنح لوحداتها الاختصاص في إبرام الاتفاقيات الدولية ، نجدها تتطلب الموافقة المسبقة وليس اللاحقة ،كما هو الحال في المشروع ، لان الغاية من الموافقة المسبقة ، حتى لا تُسيء الاتفاقية المعقودة للاتحاد، فضلاً عن ذلك من الذي يضمن بأن الاقليم سيعلم الحكومة الاتحادية بذلك ، وما هو الحل إذا رفضت الحكومة الاتحادية الاتفاقية المبرمة من الاقليم ، هل تستطيع الغاءها بعد ما التزم بها الاقليم على الصعيد الدولي ، لذا فإن موافقة الحكومة الاتحادية كما حددها المشروع هي موافقة كاشفة وليست منشئة ، بخلاف النظم الفيدرالية التي منحت وحداتها الاختصاص بالإبرام ، إذ جعلتها منشئة للاختصاص بالأبرام ، وذلك لأن الاتفاقية بعد الإبرام تصبح ملزمة في النطاق الدولي ، أما الإشكالية الأخرى التي يثيرها النص ، إن الاتفاقية لا تكون نافذة إذا رفضت من السلطة الاتحادية لأسباب قانونية أو سياسية ، وهذا الأمر يثير تساؤلات عديدة ، تتعلق بتحديد المعيار المتبع في تحديد الأسباب القانونية والسياسية من عدمها ، ومن الذي يحدد ذلك السلطة الاتحادية أم الإقليم ، وما هو الحل في حالة الخلاف بين الطرفين على ذلك ؟.
وبالنتيجة إن الفقرة المذكورة لا يمكن قبولها ، لأنها تخالف الأساس الدستوري المحدد للاختصاص الحصري لإبرام الاتفاقيات الدولية ، وتخالف الواقع العملي الذي سارت عليه الدول المانحة لوحداتها الاختصاص بالأبرام جديرٌ بنا أنْ تُذكر ان هناك رأي يذهب لتفسير هذا النص بأنه يدخل في ضمن الاختصاصات المشتركة التي نص عليها الدستور الاتحادي ، ضمن مشاركة الأقاليم للسلطة الاتحادية في رسم سياسة التنمية والتخطيط العام (24) ، إلا إن نص المادة (8) من المشروع لا يوحي بذلك ، لأنها أشارت إلى عقد الاتفاقيات الدولية من دون إن تحدد نوعها ، بالإضافة إلى ذلك فإن الاختصاصات المشتركة تتعلق في النطاق الداخلي وليس الدولي .
نخلص مما تقدم ، إن المادة (8) من المشروع لا يمكن قبولها ، لكونها تتعارض مع أحكام الدستور وبالذات مع المادة (110) من الدستور ، التي حددت الاختصاص الحصري للسلطة الاتحادية ومنها إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية بكل جوانبها ، لذلك فان إقليم كردستان في تضمينه هذا النص يسعى إلى تنظيم تعامله على النطاق الخارجي.
________________
1- البند (أولا) من المادة (117) من دستور العراق لسنة 2005 .
2- البند (ثانيا ) من المادة (117) من دستور العراق لسنة 2005.
3- د. شورش عمر حسن ، خصائص النظام الفدرالي في العراق ( دراسة تحليلية مقارنة) ، مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ، السليمانية ، 2009، ص 164، وكذلك ينظر ، د. صلاح جبير البصيصي (إبرام المعاهدات الدولية في الدولة الفيدرالية ) ، بحث منشور في مجلة القانون والسياسة، كلية القانون والسياسة ، جامعة صلاح الدين ، عدد خاص ، 2010 ، ص 252.
4- د. قاسم احمد قاسم ، (أهلية إقليم كوردستان في إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ) ، بحث منشور في مجلة القانون والسياسة ، كلية القانون والسياسة ، جامعة صلاح الدين ، العدد التاسع ، السنة التاسعة ، 2011 ، ص 16 - 127 . وكذلك ينظر د. معروف عمر کول ود جلال كريم رشيد الجاف ( اتفاقية التعاون بين الجمهورية الفرنسية واقليم كردستان العراق - دراسة تحليلية مقارنة )، مجلة القانون والسياسة ، كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين ، العدد (10) ، السنة (9) ، 2011 ، ، ص92.
5- ينظر، د. منذر الشاوي : فلسفة الدولة، ط1، دار ورد للنشر والتوزيع، الاردن ، 2012، ص 177.
6- البند (أولا) من المادة (121) من دستور العراق لسنة 2005.
7- البند (أولا) من المادة (117) من دستور العراق لسنة 2005.
8- البند (ثانيا) من المادة (117) من دستور العراق لسنة 2005.
9- البند (رابعا) من المادة (121) من دستور العراق لسنة 2005 .
10- تنظر المادة الأولى من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 منشور في الوقائع العراقية العدد (4070) في 2008/3/31. وكذلك المادة (122) من الدستور العراقي لسنة 2005.
11- نص البند (ثانيا) من المادة (122) من الدستور العراقي لسنة 2005 (تمنح المحافظات التي لم تنظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية ، وينظم ذلك بقانون )
12- استاذنا د. ميثم حنظل شريف و د . علي هادي عطية التنظيم الدستوري لاختصاصات محافظات العراق ) ، بحث منشور في مجلة جامعة ذي قار العدد (4) ، المجلد (2) ، 2007، ص 198. وايضاً د. أحمد احمد الموافي، رؤية حول الفيدرالية في العراق في ضوء الدستور الجديد، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2008 ، ص 42-43. و د. ميادة عبد الكاظم الحجامي (دراسة قانونية للنظام النيابي والدولة الاتحادية في الدستور العراقي لعام )2005، بحث منشور في مجلة القانون المقارن ، جمعية القانون المقارن ، العدد (48) ، 2007، ص 140
13- د. معروف عمر کول ود جلال كريم رشيد الجاف ( اتفاقية التعاون بين الجمهورية الفرنسية واقليم كردستان العراق - دراسة تحليلية مقارنة )، مجلة القانون والسياسة ، كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين ، العدد (10) ، السنة (9) ، 2011 ، ، ص 102-103.
14- قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم ( 49) / اتحادية في 18 /7/ 2011. منشور على الموقع الالكتروني الاتي :
.www.iranja iq
15- ينظر ، د. قارمان ممند فرج ، التكييف القانوني للعلاقات الخارجية لإقليم كوردستان العراق (دراسة تحليلية)، ط 1 ، مركز ابحاث القانون المقارن اربيل ، ص 155.
16- قارمان ممند فرج ، التكييف القانوني للعلاقات الخارجية لإقليم كوردستان العراق (دراسة تحليلية)، ط 1 ، مركز ابحاث القانون المقارن اربيل ، 158، ولمزيد من التفاصيل ينظر الموقع الرسمي لحكومة إقليم كردستان على الرابط الالكتروني الآتي:
www.krg .org.
17- المادة (12) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961.
18- الفقرة (1) من المادة (4) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961
19- إن مسألة اختيار المبعوثين الدبلوماسيين وفتح المكاتب هي من المسائل الداخلية التي تنظمها القوانين الداخلية ولهذا تحدد التشريعات الشروط الواجب توافرها في الوظائف الدبلوماسية وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من قانون البعثات الدبلوماسية العراقي ( الملغي ) رقم 15 لسنة 1936 المنشور في الوقائع العراقية العدد (1493) في 1936/2/24 إذ نصت على إن (تؤلف البعثات الدبلوماسية والقنصليات بقرار مجلس الوزراء ....... وكذلك نص قانون الخدمة الخارجية رقم (45) لسنة 2008 المنشور في الوقائع العراقية العدد (4097 في 2008/11/17 على أن تقام العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدول الاخرى باقتراح من الوزير وموافقة مجلس الوزراء) وكذلك تنص الفقرة الأولى من المادة (5) من القانون الاتحادي في الامارات العربية المتحدة الخاص بنظام السلك الدبلوماسي والقنصلي رقم (4) لسنة 1998 على ان يكون تعيين أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي بمرسوم ....... )
20- تمت المصادقة على مشروع الدستور لإقليم كردستان في 2009/2/24 ، الا انه لم يتم الاستفتاء عليه ، إذا كان من المقرر إن يتم الاستفتاء عليه في 2009/7/25 وهذا ما أشارت إليه المادة (1) من قانون رقم (9) لسنة 2009 قانون التعديل الاول لقانون اقرار دستور إقليم كردستان رقم (16) لسنة 2008.
21- المادة (120) من دستور العراق لسنة 2005 .
22- نصت المادة (13) من دستور العراق لسنة 2005 ( أولا يعد هذا القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزما في أنحانه كافة وبدون استثناء ثانيا- لا يجوز من قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه ).
23- تنظر الفقرة الثانية من المادة (32) من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية وكذلك الفقرة الثانية من المادة ( (56) من الدستور السويسري لسنة 1999 وكذلك تنظر المادة (123) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 .
24- اياد ياسين حسين ، المفاوضات الدولية ودورها في حل المنازعات الدولية في اطار القانون الدولي العام ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين ، 2008 ، ص 140.