القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
القيود الملزمة للسلطة الاتحادية لأبرام الاتفاقيات الدولية
المؤلف:
اسعد كاظم وحيش الصالحي
المصدر:
التنظيم القانوني لأبرام الاتفاقيات الدولية لدى الدولة الاتحادية
الجزء والصفحة:
ص167-174
2025-04-19
143
يمكن تقسيم هذا النوع من القيود المفروضة على السلطة الاتحادية إلى قيدين قيود شكلية ، وقيود موضوعة ، لذا سنتناول تلك القيود تباعاً.
اولاً: القيود الشكلية :
ترتبط عادة القيود الشكلية على إبرام الاتفاقيات الدولية بالنمط الدستوري المحدد لجهة الاختصاص بالإبرام، وهذا النمط إما أن يعطي صلاحية الإبرام إلى السلطة التنفيذية بمفردها ، أو إلى السلطة التشريعية ، أم إلى السلطتين معاً ، وتظهر القيود الشكلية المنظمة لعملية إبرام الاتفاقيات الدولية في مواضع عديدة ، منها لابد من الحصول على الموافقة التشريعية بوصفها إجراءً شكلي يتطلب موافقة البرلمان على عقد الاتفاقيات ، ويظهر هذا القيد الشكلي على رئيس الدولة . وفي ضوء ذلك يجب أن نميز بين حالتين حالة تجاوز رئيس الدولة اختصاصه الدستوري المتعلق بالإبرام ، أو قيامه بفعل لا يملك إتيانه بموجب النصوص الدستورية ، ففي الحالة الأولى يحصل عندما تكون عملية الإبرام مشتركة بين رئيس الدولة والسلطة التشريعية (1)، كما هو الحال في الدستور الأمريكي ، إذ اسند مهمة الإبرام إلى رئاسة الدولة بعد الحصول على موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ (2) ، وكذلك حرص الدستور العراقي النافذ على تأكيد هذه القاعدة الدستورية من خلال إعطاء مجلس النواب صلاحية الموافقة على الاتفاقيات المبرمة ، ومن ثم يتعين على رئيس الجمهورية الحصول على تلك الموافقة حتى يتم المصادقة على الاتفاقية الدولية (3) ، وفي هذه الحالة لا نواجه حالة انعدام الاختصاص بالإبرام، لأن رئيس الجمهورية يملك الاختصاص بالأبرام، الا انه مقيد بقيد شكلي مؤداه ، عدم جواز اجراء التصديق إلا بعد الحصول على موافقة السلطة التشريعية .
أما في حالة إتيان رئيس الدولة فعلاً لا يملك القيام به، إذ في هذه الحالة سوف نواجه انعدام في الاختصاص (4) ، ومثال ذلك قيام رئيس الجمهورية في العراق بإجراء المفاوضات أو التوقيع على الاتفاقيات الدولية ، على الرغم من انه لا يملك هذا الاختصاص، لأنه انيط بمجلس الوزراء العراقي، لذا لا يكون للعمل آية قيمة قانونية في هذه الحالة لكونه معيباً من حيث الاختصاص نتيجة لعدم القدرة القانونية لرئيس الدولة على إتيانه (5).
وقد اشار قانون عقد المعاهدات رقم (111) لسنة 1979 الى هذا المعنى، إذ بين أن أي عمل يتعلق بعقد معاهدة يقوم به شخص لا يعد بموجب هذا القانون مأذوناً بتمثيل جمهورية العراق، لا يكون له اي اثر قانوني إلا إذا تمت اجازته في وقت لاحق طبقاً للإجراءات القانونية المقررة في هذا القانون (6) ، كما اشار مشروع قانون عقد المعاهدات العراقي لسنة 2010 إلى المعنى ذاته (7) .
وتمارس المحكمة الاتحادية العليا في العراق ولايتها في صحة التصديق الناقص ، في حالة قيام رئيس الجمهورية بالتصديق من دون موافقة مجلس النواب ، طبقاً للمادة ( 93 / أولاً) التي اعطت للمحكمة حق الرقابة على دستورية القوانين لأن المادة (73/ ثانيا ) من الدستور تشترط موافقة مجلس النواب على الاتفاقية الدولية بموجب قانون التصديق قبل التصديق عليه وإصداره من رئيس الجمهورية .
كذلك أكد القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية على احترامه لحق اللاندرات في المجال الخارجي، إذ فرض قيداً على السلطة الاتحادية من خلال وجوب استشارة اللاندرات في الاتفاقيات التي تروم السلطة الاتحادية عقدها ، اذا كان من شأنها أن تمس بشكل خاص ظروف الولاية الاتحادية ، بنصه في الفقرة (2) من المادة (32) على أنه ( قبل عقد أي اتفاقية من ش أنها إن تمس بشكل خاص الظروف القائمة في إحدى الولايات الاتحادية ، لابد من الاصغاء إلى وجهة نظر تلك الولاية في الوقت المناسب ).
ومن الناحية العملية ، شاركت اللاندرات الألمانية في إبداء رأيها في الاتفاقيات التي عقدها الاتحاد ، وعلى سبيل المثال شارك (شمال الراين وستفاليا ) في مناقشة نصوص الاتفاقية المعقودة سنة 1952 الخاصة بالفحم والصلب الأوربية ، إذ كانت هذه الاتفاقية المعقودة تمس بشكل خاص مصالح تلك اللاندرات ، وعلى اثر المناقشات استطاعت الاخيرة أن تلزم الاتحاد بتعديل بعض نصوصها التي رأت انها لا تنسجم مع مصالحها (8).
وبذلك فلق المشرع الألماني وفر ضمانة للاندرات ، وذلك بضرورة الاصغاء إلى وجهة نظر اللاند ر إذا كان الاتحاد يروم عقد اتفاقيات دولية ، وكانت تلك الاتفاقية الدولية تمس بشكل خاص ظروف اللاندرات ، وفي الوقت ذاته تشكل قيداً على السلطة الاتحادية في ابرامها الاتفاقيات الدولية.
وأشار الدستور السويسري النافذ إلى احترام حق الجمعية الاتحادية من قبل المجلس الاتحادي في إدارة الشؤون الخارجية ، وبذلك يمثل قيداً على المجلس الاتحادي في إدارته للشؤون الخارجية (9)، ومن القيود الدستورية التي يفرضها الدستور السويسري على ابرام الاتفاقيات الدولية هو استفتاء الشعب للتعبير النهائي عن قبول الاتفاقية، إذ لابد من استيفاء هذه الشكلية لبعض المعاهدات و الاتفاقيات الدولية التي تعقدها سويسرا (10) . واستناداً الى ذلك ، إن سويسرا قد انضمت إلى منظمة الأمم المتحدة بموجب نص دستوري تم التصويت الشعبي على هذا النص في 2002/3/3 (11).
وفرض الدستور السويسري التزاما على عاتق الاتحاد لمصلحة المقاطعات بضرورة إخطار المقاطعات بوقت مناسب بالمسائل الخاصة بها إذْ نص على أن ( يقوم الاتحاد بإخطار المقاطعات في الوقت المناسب وبالتفصيل ويأخذ رأيها ) (12).
أما الدستور الإماراتي فقد فرض قيداً على مجلس الوزراء في مباشرته للشؤون الخارجية ، بأن يكون تصريف جميع الشؤون الخارجية تحت الرقابة العليا لرئيس الاتحاد والمجلس الأعلى (13) ، كما أوجب على السلطات الاتحادية قبل إبرام أية معاهدة أو اتفاقية دولية يمكن أن تمس الوضع الخاص لإحدى الإمارات استطلاع رأي الإمارة مسبقا قبل الإقدام على إبرام الاتفاقيات الدولية ، وفي حالة حصول خلاف يعرض الأمر على المحكمة الاتحادية العليا للبت فيه (14).
ويُعد هذا النص الدستوري قيداً على السلطات الاتحادية عند ابرامها اتفاقية دولية يمكن أن تمس بشكل خاص وضعية الامارات، وفي الوقت ذاته ضماناً للأخيرة باحترام مركزها ومصالحها الخاصة نتيجة الاتفاقيات التي تبرمها السلطة الاتحادية ، وخاصة تلك الاتفاقيات المتعلقة بتخطيط الحدود التي تمتلك السلطة الاتحادية إبرامها من دون الإمارات (15).
ثانياً:- القيود الموضوعية :-
حرصت الدساتير على تحديد صلاحية الدولة الاتحادية لإبرام الاتفاقيات الدولية من الناحية الموضوعية ويمكن القول : أنّ القيود الموضوعية تمثل اتجاهات واضعي الدستور في الميادين الداخلية والخارجية.
ومن القيود الموضوعية التي ترد على عملية الإبرام ، ضرورة احترام الاتفاقيات للقواعد الدستورية المنظمة لنظام الحكم ومقوماته الأساسية، إذ تعد تلك القواعد لها الأولوية والصدارة بين القواعد القانونية الداخلية المتعلقة بالنظام العام الداخلي، ومن ثم يتعين على الجهات المختصة بالإبرام احترامها والتقيد بها بوصفها أسمى القواعد الآمرة في النطاق الداخلي (16) ، وبناءً على ذلك يجب أن تحترم الاتفاقيات المعقودة المقومات الأساسية التي بني عليها نظام الحكم الدستوري من الناحية الموضوعية (17).
كما إن من القيود الموضوعية التي ترد على صلاحية الإبرام ، ما ينصرف إلى ضرورة احترام الحقوق والحريات الواردة في الوثيقة الدستورية، فالحقوق والحريات التي أطلقها المشرع الدستوري لا يمكن تقيدها بأي صورة من الصور، سواء كان بإبرام اتفاقية دولية تحد من الحقوق والحريات، أو من خلال إصدار قانون يقيدها (18)، وعليه يجب على الاتفاقيات إن تلتزم بالحدود والضوابط الموضوعية إذا كان موضوعها هو تنظيم الحقوق والحريات، ومن ابرز تلك الحقوق هو حظر التمييز بين المواطنين بسبب الجنس ، أو الأصل ، أو اللغة ..... الخ ، وحظر إبعاد الوطنيين ، أو منعهم من العودة ، وكذلك حظر تسليم اللاجئين السياسيين، فتلك الحقوق لا يمكن المساس بها من أي سلطة من سلطات الدولة عند ابرامها الاتفاقيات الدولية.
وقد اقترح فريق من مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1951 تعديلا للدستور، بأنه لا يجوز عقد اتفاقية دولية او اتفاق يمت بصلة إلى حقوق المواطنين في الولايات المتحدة التي يصونها الدستور، أو الى تقييد الممارسة المطلقة لهذه الحقوق أو الى حجبها ، ولعل هذا النص هو تعبير عن القاعدة القاضية بأنه لا يجوز للاتفاقية ان تعدل أحكام الدستور (19) .
وسارت المحكمة العليا الأمريكية في قضية (ويد كوفر ) عام 1957 على هذا التوجه ، حيث قضت بعدم مشروعية أي اتفاقية من شأنها المساس بالحقوق الفردية المعترف بها الدستور (20) ، كما أفتت المحكمة في فتوى كثيراً ما استشهد بها ، إذ قالت : ( إن صلاحية عقد المعاهدة كما أعرب عنها لا تحدها حدود سوى الموانع الواردة في الوثيقة الدستورية ضد افعال الحكومة أو دوائرها النابعة من طبيعة الحكومة ذاتها ، وطبيعة الولايات ، لذلك لا يمكن الزعم بأن هذه الصلاحية تمتد امتداد يجيز لها ما ينهى الدستور عنه .....) (21).
وتعتبر حالة الحياد من القيود الموضوعية التي ترد على إبرام الاتفاقيات الدولية ، وهو من القيود الجزئية الاختيارية ، لأنه يصيب الاستقلال الخارجي للدولة إصابة جزئية ، اذ يحظر على الدولة إبرام أية اتفاقية دولية تتنافى مع حالة الحياد ، ويحصل ذلك عن طريق اتفاقية دولية تبرمها الدولة تمتنع بموجبها بالاشتراك في حرب مستقبلية ، إلا إذا كانت الحرب دفاعاً عن النفس ، وهذا الحياد في حالة الحرب ، وقد يكون الحياد في زمن السلم، ويكون ذلك بامتناع الدولة عن عقد الاتفاقيات تقتضيها الاشتراك في الحرب ، أو تنتقص من اقليمها ، أو تمتنع بها من الاشتراك في المنظمات الدولية ، ويكون الغرض منها منع الحرب (22)، ومن أمثلة الدول المحايدة (23) التي نص دستورها على حالة الحياد دستور سويسرا (24) لعام 1999، إذ بين في مادته (185) أن يتخذ المجلس الاتحادي الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن الخارجي واستقلال وحياد سويسرا ، كذلك اشار الدستور ذاته من ضمن الاختصاصات التي تمارسها الجمعية الاتحادية على أن تتخذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن الخارجي واستقلال سويسرا وحيادها (25) .
كذلك حرص المشرع في دستور 2005 على ايراد بعض القيود الموضوعية على عملية ابرام الاتفاقيات الدولية، وقد خصص المشرع الباب الأول لمعالجة المبادئ الاساسية ، ونص في المادة الأولى (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ، ذات سيادة كاملة ، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي ، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) (26) .
" ويفهم من هذا النص ، ان على السلطات العامة في العراق التقيد بنظام الحكم ومقوماته الاساسية ، لما لهذا النص من مقام الصدارة الذي يتعين مراعاته والالتزام به ، كما ان المشرع في هذا النص قد تبنى المنهج التوكيدي والبرنامجي ، اذ تبنى المنهج التوكيدي من خلال تأكيده استقلال دولة العراق وتمتعها بالسيادة الكاملة، أما المنهج البرنامجي الذي تبناه المشرع ، إذ انه أسس لبرنامج سياسي وقانوني يتطلب توافر مظاهر السيادة الداخلية والخارجية ، ويتعين على السلطات العامة تنفيذ ذلك البرنامج على وفق ما رسمه المشرع" (27).
ومن بين القيود المتعلقة بشرعية الاتفاقيات من الناحية الموضوعية ، وجوب احترام الاتفاقيات الدولية المبرمة في العراق لمبادئ الشريعة الاسلامية (28) ، لأنها تمثل المصدر الرئيس للتشريع ، وهذا ما يتضح من حكم المادة (2/أولا) من الدستور التي نصت على أن ( الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام .........) ، وبموجب هذه المادة ، أصبحت مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع في العراق ، وهذا الأمر يلزم المؤسسة التشريعية بعدم سن أي قانون ، بما فيه قانون التصديق على الاتفاقيات الدولية مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية ، و إلا سيصبح هذا القانون مشوباً بعدم الدستورية ، ومن ثم نستطيع أن نقول بأن ثوابت الإسلام هي قيد على السلطات العامة في دستور 2005 في أثناء إبرامها الاتفاقيات الدولية ، بما فيها السلطة التشريعية خلال سنها قانون تصديق الاتفاقيات الدولية.
ومن القيود الموضوعية التي أوردها المشرع العراقي ، احترام مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات ، فمبادئ الديمقراطية المجمع عليها والحقوق والحريات التي أطلقها المشرع الدستوري، ولم يرد عليها أي قيد يحظر على الاتفاقيات المبرمة ، والقانون تقييد تلك الحقوق والحريات ، ومفاد هذا الحظر، هو التزام السلطات العامة بعدم سن قانون لتصديق الاتفاقيات الدولية يبيح التعرض لتلك الحقوق والحريات التي أطلقها المشرع العراقي (29).
وحرص الدستور العراقي لسنة 2005، على تقنين قاعدة حظر تسليم العراقيين إلى أية جهة ، إذ نص في مادته (21/ أولا) على أن (يحظر تسليم العراقي إلى الجهات والسلطات الأجنبية ) ، ويتضح من خلال هذا النص ، أن المشرع منع تسليم المواطن ين العراقيين إلى أية جهة أو سلطة أجنبية ، أي أنه تبنى نظام الحظر المطلق، ومن ثم يقع على السلطات العامة كافة في الدولة بعدم إتخاذ أي قرار ، أو إصدار أي قانون يبيح تسليم العراقي إلى الجهات الأجنبية ، بما فيها إبرام الاتفاقيات الدولية بين العراق والدول الأخرى (30)، كما أوجب الدستور على السلطات العامة في العراق اتخاذ التدابير كافة لغرض مكافحة الإرهاب بجميع اشكاله، إذ بين في المادة (7/ ثانياً) بأن تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله ، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقرا، أو ممرأ، أو ساحة لنشاطه، وهذا الموقف ينسجم مع قرار مجلس الأمن المرقم ( 1373) الصادر في 2001/9/28 الذي عد الاعمال الارهابية تشكل تهديداً للسلم والامن الدوليين . ويفهم من نص المادة (7/ ثانيا) إن باستطاعة العراق إن يبرم الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب لغرض تنظيم مس ألة التعاون بين الدول لمكافحة الإرهاب بجميع اشكاله ، على أن لا يمس سيادة الدولة العراقية واستقلالها (31).
والتساؤل الذي تقدمه بهذا الصدد ، ما هو الحل لو أبرمت اتفاقية في العراق مخالفة للمتطلبات الدستورية، هل تستطيع المحكمة الاتحادية العليا ممارسة رقابتها على تلك الاتفاقية ؟.
للإجابة على هذا التساؤل ، بالرجوع إلى نصوص الدستور لسنة 2005، لم ينص بشكل صريح على ممارسة المحكمة الاتحادية للرقابة على دستورية الاتفاقيات الدولية ، وكذلك قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 (23) لم ينص على هذا الأمر ، إلا إن الدستور أعطى في المادة (93) للمحكمة الاتحادية العليا صلاحية الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والتعليمات بعد نفاذها (33) ، وإذا كان لابد للاتفاقيات الدولية من موافقة مجلس النواب عليها عن طريق إصدار قانون التصديق على وفق المادة (61/ رابعا ) والمادة ( 73 / ثانيا ) من الدستور، لذا فإن الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا تكون على قانون تصديق الاتفاقية المبرمة بعد سنه، إذ لا يجوز سن قانون يتعارض مع أحكام الدستور، وذلك لأن الأخير القانون الأسمى على وفق نص المادة ( 13 / ثانيا) من الدستور التي نصت على أن ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم ، أو أي نص قانوني أخر يتعارض معه ) ، ومن ثمَّ أَن المادة (13) من الدستور، تُمكن للمحكمة من تقرير بطلان القانون الذي يتعارض مع إحكام الدستور، ووفقا لهذه المادة إن الاتفاقية التي يصدر بشأنها قانون تصديق مخالف للقواعد الشكلية والموضوعية في الدستور، يمكن أن يكون عرضة للبطلان علماً إن المادة ( 4 /ثانيا ) من قانون المحكمة الاتحادية تعطي المحكمة صلاحية إلغاء القانون المتعارض مع قانون إدارة الدولة ، في حين نص المادة ( 13 / ثانيا ) من دستور 2005 يعطي للمحكمة صلاحية الإبطال ، وبما إن الدستور يعلو على القانون ، فإن للمحكمة الاتحادية صلاحية الحكم ببطلان قانون التصديق المخالف للقواعد الدستورية الشكلية والموضوعية.
يتضح مما سبق إن الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية على دستورية الاتفاقيات الدولية هي رقابة لاحقة ، أي بعد سن نفاذ قانون التصديق ، وهذه الرقابة لا تؤدي إلى إلغاء الاتفاقية بل الى إبطال قانون التصديق ، لان المعاهدة المبرمة دوليا لا يمكن إن تلغى بعمل داخلي .
_________
1- ينظر ، د محمود سامي جنينه : القانون الدولي العام ، ط 2 ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة ، 1938 ، ، ص 313-314
2- الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور الأمريكي لسنة 1787
3- البند (ثانيا ) من المادة (73) من الدستور العراقي لسنة 2005 .
4- من الجدير بالإشارة إلى إن هذا النمط من القيود لا يشمل الاتفاقيات التنفيذية لأن توقيع رئيس الدولة يمثل القبول النهائي لها.
5- ينظر، استاذنا د. رافع خضر صالح شبر دراسات في مسؤولية رئيس الدولة العراقية ( دراسات في الدستور العراقي) ، ط 1 مركز العراق للدراسات ، مطبعة البينه ، بغداد ، من دون سنة طبع ، ص164 165.
6- تنظر المادة (6) من قانون عقد المعاهدات رقم (111) لسنة 1979.
7- المادة (6) من مشروع قانون عقد المعاهدات لسنة 2010.
8- د. علي يوسف الشكري ، رئيس الدولة في الاتحاد الفيدرالي ، مرجع سابق ، ص 268.
9- الفقرة (1) من المادة (184) من الدستور السويسري الصادر سنة 1999.
10- تنظر الفقرة (1) من المادة (141) من الدستور السويسري الصادر سنة 1999.
11- تنظر الفقرة (1) من المادة (197) من الدستور السويسري الصادر سنة 1999.
12- الفقرة (2) من المادة (55) من الدستور السويسري الصادر لسنة 1999.
13-تنظر المادة (60) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 المعدل.
14- المادة (124) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 المعدل . وكذلك تنظر الفقرة (6) من المادة (32) من قانون المحكمة الاتحادية العليا الإماراتي رقم (10) لسنة 1973
15- د. عادل الطبطبائي، النظام الاتحادي في دولة الامارات العربية (دراسة مقارنة ) ، من دون مكان طبع ، 1978، ص 106.
16- حرصت الدساتير الاتحادية المقارنة على التأكيد على ضرورة احترام نظام الحكم الدستوري إذ نص الدستور الألماني في المادة (20) (1- جمهورية المانيا الاتحادية هي دولة فيدرالية وديمقراطية بعدالة اجتماعية ............ 3. ترتبط وتلتزم السلطة التشريعية بالنظام الدستوري بينما ترتبط وتلتزم السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بالقانون والشرعية) ، وكذلك حرص الدستور الإماراتي على احترامه لنظام الحكم إذ نص في المادة الأولى ( الإمارات العربية المتحدة دولة اتحادية مستقلة ذا سيادة ...) ، كذلك أشار في المادة العاشرة من الدستور ذاته بان من أهداف الاتحاد هي الحفاظ على استقلالية وسيادته .
17- د. عوض عبد الجليل الترساوي، المعاهدات الدولية إمام القضاء الدستوري، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2008 ، ص82.
18- في التأكيد على الالتزام باحترام الحقوق والحريات جرت الدساتير الاتحادية على تضمين دستورها بعض النصوص التي تحرم المساس بتلك الحقوق والحريات اذ نص الدستور السويسري لسنة 1999 في المادة (2) على أن (1- يحمي الاتحاد السويسري الحرية وحقوق الشعب ويحافظ على استقلال وامن البلاد.). كذلك أشارت الفقرة (4) من المادة (36) من ذات الدستور إلى عدم المساس بالحقوق الأساسية حيث نصت (لا يحق المساس بالنواة الرئيسية للحقوق الأساسية). وسار على ذات الاتجاه القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لسنة 1949 اذ نصت المادة (1) (1- كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها فاحترامها وحمايتها يمثلان واجباً إلزامياً على جميع سلطات الدولة 2- يؤمن الشعب الألماني بعدم المساس والإخلال بحقوق الإنسان كقاعدة أساسية للتعايش ضمن أي مجموعة بشرية وللسلام و العدالة في العالم. 3- تلتزم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالحقوق الأساسية .......... كذلك حرص الدستور الإماراتي على التأكيد على احترام الحقوق والحريات ، اذ نص في مادته العاشرة ان من أهداف الاتحاد ... حماية حقوق وحريات شعب الاتحاد ...) ، وكذلك حرص الدستور الأمريكي بعدم إصدار أي قانون للتجريد من الحقوق والحريات اذ نصت الفقرة التاسعة من المادة الأولى ( 3- لا تجوز إصدار قانون يقضي بالإدانة والعقاب او بالتجريد من كافة الحقوق ............. )
19- روبرت بوي وكارل فريدريك، دراسات في الدولة الاتحادية ، الجزء الثالث ، ترجمة وليد الخالدي وبرهان دجاني ، بيروت، 1966 ، ص 438.
20- د. علي يوسف الشكري، (الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية ) ، دراسات حول الدستور العراقي، ط 1 مؤسسة افاق للدراسات والابحاث العراقية، من دون مكان نشر ، 2008 ،ص50.
21- روبرت بوي وكارل فريدريك ، مرجع سابق ،ص438.
22- د. حسني محمد جابر : القانون الدولي العام ، ط 1 دار النهضة العربية، القاهرة ، من دون سنة طبع ، ص 58
23- من الدول المحايدة النمسا منذ عام 1955، بناءً على معاهدة الصلح التي أبرمت معها في سنة 1955 وقد أصدرت تصريحات فردية من أربعين دولة بالاعتراف بذلك الحياد ثم اصبح حياد النمسا معترف به عالمياً .
24- تم وضع سويسرا بموجب هذا الحياد الدائم بموجب مؤتمر فينا عام 1815 الذي وقع فيه كل من النمسا وبروسيا وفرنسا وانكلترا وروسيا والبرتغال وتأييد هذا الاتحاد بموجب المادة (435) من معاهدة فرساي و المادة (375) من معاهدة سان جرمان .
25- الفقرة (1) من المادة (173) من دستور سويسرا الصادر سنة 1999.
26 - كذلك نص قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 على هذا المبدأ، اذ نص في المادة (4) من هذا القانون (نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي (فيدرالي) ديمقراطي تعددي........ )
27- نقلاً عن استاذنا د. رافع حضر صالح شبر واخرون ، الاستفتاء العام والالية الدستورية لإبرام الاتفاقيات الدولية ، مرجع سابق ، ص 82.
28- كذلك حرص المشرع الدستوري الاماراتي على ايراد هذا المبدأ اذ نص في مادته السابعة الاسلام (هو الدين الرسمي للاتحاد ، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه...... وكذلك اشار دستور جزر القمر لسنة 2003 في ديباجته الى ان يستمد من الاسلام ، مصدر الالهام الدائم، المبادئ والقواعد التي تحكم الاتحاد ، وسار على ذلك الدستور الماليزي لسنة 1957، إذ اشار في ف 1م (3) بأن الإسلام هو دين الاتحاد.
29- ينظر البند (أولا) من المادة (2) وكذلك المادة (46) من الدستور العراقي لسنة 2005 . وتنظر المادة (7) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004.
30- استاذنا د. رافع خضر صالح شبر واستاذنا .د. علي هادي حميدي الشكراوي، الاستفتاء العام والآلية الدستورية لإبرام الاتفاقيات الدولية ، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد ، 2013 ، ص84.
31- استاذنا د. رافع خضر صالح شبر وآخرون ، الاستفتاء العام والالية الدستورية لإبرام الاتفاقيات الدولية ، مرجع سابق ، ص83.
32- منشور في الوقائع العراقية العدد (3996) في 2005/3/17.
33- د. ماهر فيصل صالح ، الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، دراسة مقارنة في ضوء إحكام القانون الدستوري والدولي) ، منشور في مجلة جامعة الانبار للعوم القانونية والسياسية ، العدد (3) 2011 ، ص87.