حكم الشريعة الاسلامية في الاستثمار في البورصة
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص62 - 64
2025-12-05
16
الفصل الرابع
الاستثمار في البورصة
حلال.. ولا حرام؟
أحاول في هذا الفصل عرض أهم المفاهيم المتعلقة بحكم الشرع في الاستثمار في البورصة، وحصر بعض الأمور التي تستغرق الوقت في الجدال حولها دون عائد على أطراف الحوار المجادلين في هذه الأمور، أو الوصول إلى قرار نهائي فيها، وكذلك عرض لأهم ما توصل إليه علماء الفقه في هذا الموضوع محاولة لعرض رؤية شاملة لما تم الانتهاء إليه في هذا الموضوع. ولقد حضرت بنفسي مثل هذا النوع من الحوار، فمنذ عام تقريباً كنت في زيارة لصديقة لي، وكان زوجها يسألني عن البورصة، ففوجئت بابنتهم (خريجة إحدى كليات الصيدلة وتعمل في شركة أدوية دولية كبيرة) تتدخل في الحديث وتقول بحدة غريبة: (لا لا البورصة حرام .. دي ،قمار)، استوقفني ردها، ودخلت معها في حوار لأستوضح منها ما هي الأسباب التي جعلتها تقول ذلك وعلى أي أساس، ومن الذي قاله لها وأرسخه في ذهنها، ولماذا.. وعرفت منها أن هذا المفهوم ليس لديها فقط، بل ولدى الكثير من زملائها أيضاً في العمل، فتناقشنا كثيراً، وقد كان هذا بداية بحثي لهذا الموضوع. فرجعت إلى أوراقي وكتبي وإلى كتب الفقه والفتاوى وإلي المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت لأبحث فيها، وأري ما سبب استمرارية هذا الحوار في بعض الأوساط، وأراجع الأمر، وما كتبه فقهاء الدين الإسلامي للوصول إلى رأي في هذا الشأن، ولا أناقش هنا الجدل حول مسائل فقهية متفق على بعضها ومختلف على البعض الآخر، ولن أدخل في تفاصيل دينية تثير جدلاً ليس هذا محله ولكنني سأتعرض لبعض النقاط المحسومة التي لا جدال فيها، لعل هناك من لم يكن يعرفها أو لم يطلع عليها من قبل فيستفيد من قراءتها، وأعرض بعض الأمور التي ينبغي على كل مستثمر في البورصة إدراكها، ليعلم منها ما هو الحلال المتفق عليه وما هو الحرام المتفق عليه، وما هي دائرة الشبهات التي يشار حولها الجدل، ويحكم عقله ويتخذ قراره وفقاً لهذا.
عن أبي عبد الله النعمان بن بشير قال: سمعت الرسول يقول: إن الحلال بين والحرام بينة وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيمة ألا و أن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله محارمه ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلة و إذا فسدت فسد الجسد كلمة الا وهي القلب.
أولاً.. حكم الشرع في الاستثمار في البورصة
بداية نقول أن عملية الاستثمار على مستوى الأفراد في حد ذاتها تعتبر أمراً مشروعاً ومتفق على شرعيته، وذلك لتعدد النصوص الشرعية في أهمية المال بحياة الفرد والجماعة، وتقديم المال على النفس بمعظم الآيات، والمساواة بين المجاهدين والساعين في سبيل الرزق، حتى أن العامل أو التاجر يتم تسميته في أحاديث كثيرة بالمجاهد في سبيل الله، ووصف الله المال بأنه زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا. كما يعتبر الإسلام المال نعمة تستوجب الشكر، حتى يحفظها الله لصاحبها ويزيده منها، قال تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم ) ومن أدعية الرسول (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشية واجعل الحياة زيادة لي من كل خير) أي أن رسولنا جمع في دعاءه بين خيري الدنيا والآخرة. كل ذلك إذن يوضح لنا وجوب العناية بالمال(1) وتثميره وتقويته حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتقدم والتطور والسعادة والنهضة والحضارة، كما يقول الله تعالي: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها). وقد سمى الله تعالي المال بأنه قيام للمجتمع الإسلامي، وهذا يعني أن المجتمع لا يقوم إلا به ولا يتحرك إلا به ولا ينهض إلا به، كما أن قوله تعالى وارزقوهم فيها، ولم يقل: "منها" يدل بوضوح على وجوب الاستثمار حتى تكون نفقة هؤلاء المحجور عليهم (من الأطفال والمجانين) في الأرباح المتحققة من الاستثمار وليست من رأس المال نفسه حيث يمكن القول هنا أن استثمار الأموال بوجهها العام واجب كفائي، إذ يجب على الأمة أن تقوم بعمليات الاستثمار حتى تتكون وفرة الأموال وتشتغل الأيدي ويتحقق حد الكفاية للجميع إن لم يتحقق الغنى، ومن القواعد الفقهية في هذا المجال "أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . كما أن قوة المجتمع والأمة بقوة أفرادها لاسيما على ضوء منهج الاقتصاد الإسلامي الذي يعترف بالملكية الفردية ويحد من ملكية الدولة، ومن هنا تقع على الأفراد مسئولية كبرى في زيادة الأموال وتقويتها عن طريق الاستثمار فيما أحل الله تعالى بطبيعة الحال. ومن المعالم الأساسية للمنهج الإسلامي في هذا المجال أن منهج الاستثمار لا ينفصل عن العقيدة والفكر الإسلامي، فكما أن الفكر الرأسمالي يُسير عجلة الاستثمار في النظام الرأسمالي، والفكر الشيوعي كان يسير عملية الاستثمار في الإتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية نحو إطاره الفلسفي وأهدافه من خلال وسائله الخاصة، كذلك فإن العقيدة الإسلامية هي المهيمنة في الفكر الاقتصادي الإسلامي وفي منهج الاستثمار وأدواته ووسائله وآلياته المختلفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كتاب حكم الاستثمار في الأسهم - د. على محيي الدين القره داغي - أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر – الطبعة الأولى - 2005م - الإمارات العربية المتحدة.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة