الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو الفرج البَبَّغاء
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج2، ص612-615
26-12-2015
3058
هو أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمّد النصيبي من أهل نصيبين في جزيرة ابن عمر، و كان يعرف أيضا بالمخزوميّ و لكن لم يكن من بني مخزوم. أما لقبه الببّغاء فلقّب به للثغة بالفاء كانت في لسانه، و لذلك كان ابن جنّيّ يسمّيه الففّغاء بفاءين (وفيات 1:535) .
ولد أبو الفرج الببّغاء في نصيبين، نحو سنة 315 ه (٩٢٧ م) ، و لا نعرف من أخباره شيئا قبل اتّصاله بسيف الدولة (نحو سنة 334 ه - 945-946 م) ، فقد نال حظوة عند سيف الدولة و كان أكثر مقامه في
حلب. و ربّما تنقّل بين حلب و دمشق (حينما تكون دمشق تحت حكم سيف الدولة) ، كما اتّفق له أن زار بغداد في ذلك الحين و لقي فيها المتنبّي، حينما زارها المتنبّي (350 ه) بعد رجوعه من مصر.
و بقي الببّغاء، بعد وفاة سيف الدولة (354 ه) ، مدّة في حلب ثم سار إلى بغداد. ثم إنّه استقرّ في الموصل و لكنّه ظلّ يتردّد على بغداد، و قد كان فيها سنة ٣٩٠ ه (يتيمة الدهر ١:٢١٠) .
و كانت وفاة الببّغاء في أواخر شعبان من سنة ٣٩٨ ه (أوائل أيار- مايو ١٠٠٨ م) .
خصائصه الفنّيّة:
أبو الفرج الببّغاء شاعر مكثر فخم الألفاظ متين التركيب يميل إلى الصنعة و لا يتكلّف فتأتي معانيه جيادا و صوره الشعرية جميلة، ثم هو معجب بالمتنبّي يطبع الشعر على غراره أحيانا و على غرار شعر البحتريّ. و هو بارع في الوصف و الخمر و الغزل حسن المديح و الرثاء.
و أبو الفرج الببّغاء أديب ناثر جيّد الترسّل و السرد، غير أنه لا يبلغ في ذلك مبلغ أعلام عصره كبديع الزمان مثلا. إنه أقرب في نثره إلى السليقة و أبعد عن التكلّف، لذلك كان نثره سهلا عذبا.
المختار من شعره و نثره:
- قال أبو الفرج الببّغاء يصف ركض الخيل (في أثناء مديح) :
و كأنّما نقشت حوافر خيله... للناظرين أهلّة في الجلمد (1)
و كأنّ طرف الشمس مطروف و قد... جعل الغبار له مكان الإثمد (2)
- و قال الببّغاء في الغزل:
و مهفهف لمّا اكتست و جناته... حلل الملاحة طرّزت بعذاره (3)
لمّا انتصرت على عظيم جفائه... بالقلب، كان القلب من أنصاره (4)
كملت محاسن وجهه فكأنما اقـ...ـتبس الهلال النور من أنواره
و إذا ألحّ القلب في هجرانه... قال الهوى لى: لا بدّ منه فداره
- و للببّغاء في وصف الربيع و الخمر:
زمن الورد أظرف الأزمان... و أوان الربيع خير أوان (5)
أدرك النرجس الجنيّ، و فزنا... منهما بالخدود و الأجفان (6)
أشرف الزهر زار في أشرف الدهـ...ـر، فصل فيه أشرف الإخوان
و اجل شمس العقار في يد بدر ال حسن يخدمك منهما النيّران (7)
و أدرها عذراء و انتهز ال...ـإمكان قبل عوائق الإمكان
في كؤوس كأنّها زهر الخشـ...ـخاش فيه شقائق النّعمان (8)
و اختدعها عند البزال بألفا...ظ المثاني و مطربات الأغاني (9)
فهي أولى من العرائس، ان زفـ...ـت، بعزف النايات و العيدان.
- و قال يصف بركة ثم يستطرد من وصف مائها إلى وصف كرم الممدوح:
و قوراء كالفلك المستديـ...ـر تروق العيون بلآلائها (10)
حبتها البحار بأمواجها... و سحب السماء بأنوائها (11)
كأنّ تدفّق تيّارها يداك تفيض بنعمائها.
وجودك أغزر من جريها، و خلقك أعذب من مائها!
- من رسالة كتب بها إلى سيف الدولة بعد غزوة ظافرة لسيف الدولة: الرياسة-أيّد اللّه سيّدنا-حلّة مرموقة و مرتبة مرموقة (12) يتفاضل الناس فيها بقدر الهمم و ينالونها بحسب مراتبهم من الكرم، فما تدرك إلاّ بالسماح، و لا تملك إلاّ بأطراف الرماح. . . . فكلّ من أدركها طلبا و استحقّها بأفعاله لقبا-من غير الدخول لسيّدنا تحت شرف التعبّد، و رقّ الإخلاص لا التودّد-فقد حرم نيل الكمال و عدل عن الحقيقة إلى المحال:
لأنّه الغاية القصوى التي عجزت... عن أن تؤمّل إدراكا لها الهمم
ما تستحقّ ملوك الأرض مرتبة... في الفضل إلاّ له من فوقها قدم
_____________________
١) يصف الشاعر اقتدار الممدوح (سيف الدولة) على الغزو باستعارة تمثيلية مأخوذة من أثر حافر الخيل. الجلمد (الصخر الصلد) -كل حافر حصان ينقش هلالا في الصخر.
٢) إذا طرفت العين صعب عليها التفتح المستمر للرؤية بثبات و وضوح. إن الشمس كانت مطروفة بالغبار (الذي أثارته خيول سيف الدولة في الذهاب إلى الغزو) فهي لا تظهر باستمرار و لا تضيء بوضوح. و بما أن الشمس في مثل هذه الحال تكون أطرافها أقل لمعانا، فقد شبهها الشاعر بعين كحلت بالأثمد.
3) المهفهف: النحيف الضامر الخصر. -لبست خدوده ثوبا من الجمال ثم بدأ عذاره (لحيته) بالظهور في ذلك الثوب كأنها طراز (علامة مزخرفة) .
4) انتصرت بالقلب: استعنت بقلبي حتى ينصرني (يساعدني) على المحبوب. . . .
5) الأوان: الحين (الزمن المناسب، الموافق) .
6) أدرك الثمر: نضج، بلغ أحسن حاله. أدرك الزهر: نور كله و أصبح في أحسن حاله. الجني: الذي تم و صار بالإمكان قطفه. منهما: من الورد (المقابل للخدود بلونه) و النرجس (المقابل للعيون للعيون بشكله) .
7) اجل: أبرز، أظهر. شمس العقار: الخمر. في يد بدر الحسن: في يد ساق جميل. يخدمك منهما النيران-تتمتع بالنيرين: بالشمس (بالنشوة من الخمر التي تشبه الشمس) و بالجمال من الساقي (الذي يشبه بالبدر) .
8) أدرها: أسق (صحبك) الخمر. زهر الخشخاش أبيض اللون (كناية عن زجاج الكأس) و شقائق النعمان حمراء اللون (كناية عن لون الخمر) .
9) اختدعها (اختدع الخمر: خادعها، احتل عليها، قاربها بالحيلة) عند البزال؛ البزال (بضم الباء) : الثقب الذي يثقب في جنب الدن حتى تخرج منه الخمر. و الشاعر يستعمل البزال مصدرا متعديا: استخراج الخمر من الدن، و ليست هذه الصيغة بهذا المعنى في القاموس. اختدعها بالعزف على العود و بالأغاني (لأن الخمر تود أن تبقى مصونة في الدن لا تخرج منه)
10) قوراء: مستديرة.
11) النوء: المطر الشديد (في الأصل: النجم الذي يوافق طلوعه سقوط أمطار غزيرة) .
12) مرموقة: محبوبة. مرموقة: يتطلع الناس إلى الحصول عليها.