الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو الفضل بن العميد (الأول)
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج2، ص500-504
26-12-2015
18060
أبو الفضل بن العميد (الأول)(1)أسرة ابن العميد فارسية من بلدة قمّ كانت ذات وجاهة و أدب. أمّا ابن العميد هذا نفسه فهو أبو الفضل محمّد بن العميد أبي عبد اللّه الحسن؛ العميد لقب والده (وفيات الاعيان 2:463) . و قد ولد أبو الفضل بن العميد نحو سنة 300 ه(912 م) و نشأ في بيئة علم و فضل، و لكننا لا نعرف شيوخه و أساتذته على الحصر. و شبّ ابن العميد عارفا بالفلسفة و الأدب و التاريخ. و في سنة 328 ه(940 م) ولي الوزارة لركن الدولة بن بويه، و كان والده في ذلك الحين وزيرا للملك السعيد نصر بن أحمد السامانيّ.
و لما ثار حسنويه بن الحسن الكردي بنواحي الدينور بعث ركن الدولة لقتاله جيشا بقيادة ابن العميد. فلما وصل ابن العميد إلى همذان، و الزمان برد، اشتدّت علته عليه، و كان مصابا بالنقرس (داء المفاصل) و القولنج (الإمساك المزمن) ، فتوفّي في صفر 360 ه(آخر 970 م) .
خصائصه الفنّيّة:
ابن العميد ناثر شاعر، و لكنه شهر بنثره وفاق أقرانه حتى قيل: بدئت الكتابة بعبد الحميد (2) و ختمت بابن العميد. و ابن العميد صاحب مذهب في الكتابة هو مزيج من أسلوب ابن المقفع و أسلوب الجاحظ مع التوسّع في الصناعة و الميل إلى التكلّف. و كان يسمّى الجاحظ الثاني (وفيات الأعيان 2:463 س) .
و في نثر ابن العميد موازنة كثيرة و سجع قليل مع التأنّق و الإسهاب و التضمين للأشعار و الأمثال. و لكنّ في نثره شيئا من الغموض مردّه إلى الإسهاب و إلى كثرة ما يجمعه في رسائله من فنون المعرفة و الإشارات التاريخية و اللغوية و إلى تداخل جمله أحيانا.
و على شعر ابن العميد شيء من الطبع و الرونق، و لكنه مثقل بالصناعة و التكلّف، و هو على كلّ حال أقلّ شأنا من نثره.
المختار من نثره و شعره:
- لما استعصى ابن بلكا على ركن الدولة كتب اليه ابن العميد يلومه و يتوعّده معا:
كتابي و أنا مترجّح بين طمع فيك و يأس منك، و إقبال عليك و إعراض عنك؛ فإنّك تدلّ بسابق حرمة و سالف خدمة أيسرهما يوجب رعاية و يقتضي محافظة و عناية. ثم تشفعها بحادث غلول و خيانة (3)، بآنف (4) خلاف و معصية؛ و أدنى ذلك يحبط أعمالك و يسحق كل ما يرعى لك.
لا جرم أني وقفت بين ميل اليك و ميل عليك، أقدّم رجلا لصدّك و أؤخّر أخرى عن قصدك، و أبسط يدا لاصطلامك و اجتياحك (5) و أثني ثانية لاستبقائك و استصلاحك، و أتوقّف عن امتثال بعض المأمور فيك ضنّا بالنعمة عندك و منافسة في الصنيعة لديك و تأميلا لفيئتك و انصرافك، و رجاء لمراجعتك و انعطافك؛ فقد يغرب العقل ثم يئوب، و يعزب اللّب ثم يثوب (6)، و يذهب الحزم ثم يعود، و يفسد العزم ثم يصلح، و يضاع الرأي ثم يستدرك، و يسكر المرء ثم يصحو، و يكدر الماء ثم يصفو. و كلّ ضيقة إلى رخاء، و كل غمرة إلى انجلاء. . . .
- و كتب إلى القاضي ابن خلاّد:
وصل كتابك الذي وصلت جناحه بفنون صلاتك و تفقّدك، و ضروب برّك و تعهّدك (7)؛ فارتحت لكل ما أوليت، و ابتهجت بجميع ما أهديت، و أضفت إحسانك في كل فضل إلى نظائره التي وكلت بها ذكري، و وقفت عليها شكري. و تأمّلت النظم فملكني العجب به، و بهرني التعجّب منه. و قد رمت أن أجري على العادة في تشبيه بمستحسن من زهر جنيّ، و حلل و حليّ، و شذور الفرائد في نحور الخرائد (8):
كالعذارى غدون في الحلل البيـ...ـض و قد رحن في الخطوط السود!
فلم أره لشيء عدلا، و لا أرضى ما عددته له مثلا. و اللّه يزيدك من فضله و لا يخليك من إحسانه، و يلهمك من برّ إخوانك ما تتمّم به صنيعك لديهم و يربّ معه إحسانك إليهم (9).
- و لابن العميد من قصيدة اخوانية وجدانية:
قد ذبت غير حشاشة و ذماء ... ما بين حرّ هوى و حرّ هواء (10)
لا أستفيق من الغرام، و لا أرى... خلوا من الأشجان و البرحاء (11)
و صروف أيامي أقمن قيامي... بنوى الخليط و فرقة القرناء
و جفاء خلّ كنت أحسب أنه... عوني على السرّاء و الضرّاء
أبكي و يضحكه الفراق، و لن ترى... عجبا كحاضر ضحكه و بكائي
من يشف من داء بآخر مثله... أثرت جوانحه من الأدواء
لا تغتنم إغضاءتي فلعلّها... كالعين تغضيها على الأقذاء
و استبق بعض حشاشتي فلعلّني... يوما أقيك بها من الأسواء
____________________
1) تمييزا له من ابنه أبي الفتح: علي ذي الكفايتين (ت 366 ه) ، و قد تولى الوزارة بعده (راجع معجم الأدباء 14:191-240) .
2) راجع الجزء الأول 723-731.
3) مترجح (متردد في الحكم) بين طمع (في رجوعك إلى الطاعة) . الحرمة: الصلة من القرابة أو العهد أو الدين أو العرض لا يجوز أن تهتك. سالف: سابق. خدمة: القيام بعمل فيه ولاء و طاعة و نفع لشخص آخر. أيسرهما (أقل شيء قمت به منهما نحو الدولة) يوجب (على الدولة) رعاية (مراعاتك و الاهتمام بأمرك) . الغلول: الخيانة في احتجان (سرقة مال الدولة) المال خاصة.
4) آنف: مستجد، متجدد.
5) أقدم رجلا (أحاول مرة، و أنا مطمئن) لصدك (عن العصيان) ؛ بالنصيحة و أوخر (رجلا) أخرى (أتحرج، أمنع نفسي) عن قصدك (بالجيوش لمحاربتك) . الاصطلام: قطع جزء من كل. الاجتياح: الذهاب بالشيء كله. اثني ثانية: . . . . . . عن امتثال (طاعة، تنفيذ) بعض المأمور به (معاقبتك) . ضنا بالنعمة عندك: محافظة على أن تبقى نعمة الدولة عليك (و تبقى لها صداقتك) . و منافسة للصنيعة لديك: ليكون لنا عندك فضل أكبر مما كان لك من الخدمة عندنا. الفيئة: الرجوع (إلى الحق، أو الطاعة) .
6) المراجعة: أن يعاود الرجل التفكير في ما كان قد عزم عليه. غرب-عزب: غاب، زال، بعد. آب-ثاب: عاد، رجع. الرخاء: السعة في العيش. الغمرة: الموجة العظيمة، معظم الماء من البحر (المصيبة تأتي فتغمر الناس: تصيبهم جميعا) . انجلاء: انكشاف، انقضاء، زوال.
7) فنون-ضروب: أنواع. الصلات و التفقد ثم البر و التعهد: العطاء و الاحسان (الماديان و المعنويان) . النظائر: الأمثال (ما يماثل أو يشابه بعضه بعضا) . أضفت احسانك في كل فضل إلى نظائره: أحسنت إلي الآن احسانا جديدا مثل الذي كنت قد أحسنته إلي من قبل (فذكرت أنا الفضلين معا) . وكلت بها ذكرى: جعلت دأبي أن أتذكرها دائما. وقفت عليها شكري: جعلت كل شكري لها (لم أشكر غير على فضل إلي) .
8) النظم: الشعر، القصيدة. زهر جني: طري (مقطوف حديثا) . الحلل: الثياب الثمينة. الحلي: الزينة الثمينة من الذهب و الجواهر. شذور الفرائد: عقود من الفرائد (اللآلي الكبار) تفصل فيها بين كل لؤلؤة و لؤلؤة شذرة (قطعة صغيرة من الذهب) . الجيد: أعلى الصدر. الخريدة: الفتاة البكر لم تمس بعد.
9) العدل (بكسر العين) : الند (بكسر النون) : المثيل و الشبيه المكافئ. يلهمك من بر اخوانك-البر باخوانك: اصطناع المعروف إلى اخوانك. . . . رب يرب: زاد.
10) الحشاش و الحشاشة (بضم الحاء فيهما) : بقية الروح في المريض أو الجريح. الذماء (بفتح الذال) : بقية النفس (بسكون الفاء) .
11) الأشجان جمع شجن (بفتح ففتح) : الحزن. البرجاء: شدة الأذى (من الشيء الذي يصاب الإنسان به، كالحمى و الحب الخ) .