الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو ذؤيب الهذلي
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج1، ص290-293
28-12-2015
5907
هو خويلد بن خالد بن محرّث من بني سعد بن هذيل، ولا نعلم من حياته في الجاهلية إلا أنه كان راوية لساعدة بن جؤيّة الهذليّ.
تأخّر دخول بني هذيل في الاسلام على قرب مساكنهم في الحجاز. وكان أبو ذؤيب ممن حسن اسلامهم، فلما ندب عثمان بن عفّان المسلمين إلى الفتح في إفريقية خرج أبو ذؤيب في جيش الفتح (26 ه-646 م) مع خمسة من أبنائه. وهلك أبناء أبي ذؤيب الخمسة بالطاعون في مصر، فتابع هو طريقه إلى افريقية وشهد فتح قرطاجة (الضاحية الشمالية لمدينة تونس اليوم)، وكانت عاصمة للروم. وعهد عبد اللّه بن أبي سرح إلى عبد اللّه بن الزبير وأبي ذؤيب الهذلي بحمل خمس الغنائم إلى المدينة. فلما وصلا إلى مصر لدغت حية أبا ذؤيب فمات (28 ه-649 م).
قال ابن سلاّم (1): «كان ابو ذؤيب شاعرا فحلا لا غميزة فيه ولا وهن.... وسئل حسّان: من أشعر الناس؟ قال: أشعر الناس حيا (2) هذيل، وأشعر هذيل أبو ذؤيب غير مدافع». وأكثر شعر أبي ذؤيب الذي وصل الينا مراث، وله شيء من الخمريات (3) ومن وصف الخيل وبراعة في الطرد، وفي وصف النحل والعسل خاصة. وله قصائد قصرها على الغزل.
-المختار من شعره:
قال يرثي أبناءه الخمسة الذين هلكوا في الطاعون:
أ من المنون وريبها تتوجّع...والدهر ليس بمعتب من يجزع (4)
قالت أميمة: ما لجسمك شاحبا...منذ ابتذلت؛ ومثل مالك ينفع (5)
أم ما لجسمك لا يلائم مضجعا... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع (6)
فأجبتها: أمّا لجسمي، إنه...أودى بنيّ من البلاد فودّعوا (7)
أودى بنيّ وأعقبوني حسرة... بعد الرّقاد وعبرة ما تقلع (8)
سبقوا هويّ واعنقوا لهواهم... فتخرّموا، ولكلّ جنب مصرع (9)
فغبرت بعدهم بعيش ناصب... وإخال أني لاحق مستتبع (10)
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم...وإذا المنيّة أقبلت لا تدفع
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها... ألفيت كلّ تميمة (11) لا تنفع
فالعين بعدهمُ كأنّ حداقها...سملت بشوك، فهي عور تدمع (12)
حتّى كأني للحوادث مروة...بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع (13)
وتجلّدي للشامتين أريهم...أنّي لريب الدهر لا أتضعضع
لا بدّ من تلف مقيم فانتظر... أ بأرض قومك أم بأخرى المضجع
ولقد أرى أن البكاء سفاهة...ولسوف يولع بالبكا من يفجع (14)
وليأتينّ عليك يوم، مرة... يبكى عليك مقنّعا (15) لا تسمع
والنفس راغبة إذا رغّبتها... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
كم من جميعي الشمل ملتئمي الهوى... كانوا بعيش واحد فتصدّعوا
فلئن بهم فجع الزمان وريبه... إني بأهل مودتي لمفجّع
بعدئذ يمضي أبو ذؤيب فيضرب أمثلة على ان الموت لا يبقي على أحد كالثور النشيط الذي يرتع مع شاته (زوجته) في روضة غناء. بعد حين يجف ماء الروضة وعشبها ثم يجيء قانص فيرميهما فيقتل الثور وشاته. وكذلك الفارسان يتنازلان في حومة الوغى:
فتنازلا وتوافقت خيلاهما... وكلاهما بطل اللقاء مخدّع (16)
يتحاميان المجد، كلّ واثق... ببلائه فاليوم يوم أشنع (17)
فكلاهما متوشّح ذا رونق...عضبا إذا مسّ الضريبة يقطع (18)
وكلاهما في كفّه بزنيّة...فيها سنان كالمنارة أصلع(19)
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود أو صنع السّوابغ تبّع (20)
فتخالسا نفسيهما بنوافذ...كنوافذ العبط التي لا ترقع (21)
وكلاهما قد عاش عيشة ماجد...وجنى العلى، لو ان شيئا ينفع (22)
فعفت ذيول الريح، بعد، عليهما...والدهر يحصد ريبه ما يزرع (23)
_____________________
1) طبقات الشعراء 29.
2) أهل الحي-بمجموعهم.
3) الشعر والشعراء 416.
4) المنون: الدهر، الموت. اعتب: أرضى-الموت لا يهتم بمن يحزن على هالك له.
5) ابتذل: امتهن نفسه في العمل والسفر-كان بنوك يكفونك أمر العيش، وأراك بعدهم تعمل فهزل جسمك مع ان لك مالا يغنيك عن العمل للكسب.
6) أصبحت لا تستطيع النوم على فراش.
7) أما: أما الذي. أودى: هلك.
8) عبرة ما تقلع: دمع لا يجف أبدا.
9) هوي: هواي «ماتوا قبلي وكنت أود أن أموت قبلهم». تخرمهم الموت: أخذهم واحدا واحدا.
10) غبر: بقي. ناصب: متعب.
11) حجاب: حرز.
12) حداق جمع حدقة: موضع النظر من العين. سملت: فقئت. عور جمع أعور جمع أعور وعوراء: مصابة بأذى.
13) مروة: صخرة. ويروى: بصفا المشرق-كأني صخرة في السوق (صفا المشقر) يمر الناس عليها دائما. والمشقر أيضا جبل لهذيل. ولعله يعني صخرة المشقر عند مكة وهي التي ترجم في مواسم الحج، يمر بها كل حاج فيقذفها بسبع حجارة صغار.
14) لا فائدة فيه من البكاء ولكن سيظل الناس يبكون كلما فجعوا.
15) على وجهك قناع؛ ميت.
16) اللقاء: القتال. مخدع: مجرب في الحرب-فتنازلا مدة طويلة لا يتغلب أحدهما على الآخر.
17) ببلائه: بمقدرته وشجاعته. أشنع: كريه. كل واحد منهما يحاول أن يدافع عن مجده وشهرته.
18) ذو رونق: سيف براق ماض. عضب: قاطع. الضريبة: ما يقع عليه السيف.
19) رمح.
20) مسرودة: درع. قضاهما: صنعهما. داود كان مشهورا بصنع الدروع أو بما عنده من دروع جيدة. الصنع: الحاذق. السوابغ: الدروع. تبع: لقب لملوك اليمن. أي دروع جيدة كأنما صنعت لداود أو لتبع.
21) النافذة: الطعنة التي تنفذ من جانب في الجسد إلى جانب آخر. العبط جمع عبيط: (كثرت ثقوبها فلا يمكن رقعها).
22) وكل واحد منهما كان قد عاش من قبل عيشة عزيزة وبلغ المراتب الرفيعة، ولكن ذلك كله لا يدفع الموت. عن صاحبه.
23) محت الريح مكان موتهما (غطت قبريهما بالرمال). ريبه: حوادثه.