الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو فراس الحمداني
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج2، ص495-500
28-12-2015
6139
هو أبو العلاء الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث، ولد في الموصل سنة 320 ه(932 م) ، و نشأ يتيما لأنّ ناصر الدولة أخا سيف الدولة قتل أباه، فكفل سيف الدولة أبا فراس. و تنقّلت أم أبي فراس بابنها بين الموصل و آمد و ميّافارقين و ماردين و الرّقّة ثمّ استقرّت به في منبج قرب حلب.
و تلقّى أبو فراس علوم زمانه على علماء بلاط سيف الدولة و أشهرهم ابن خالويه. و لمّا بلغ السادسة عشرة قلّده سيف الدولة ولاية منبج و حرّان و عهد اليه بالدفاع عن التخوم الشّمالية ضدّ الروم و بقتال القبائل البدوية التي تشقّ عصا الطاعة على الحمدانيين.
في سنة 337 ه دخل المتنبّي بلاط سيف الدولة، أراد سيف الدولة بذلك أن يكسف نور أبي فراس في الشعر و الحرب. ثم وقع أبو فراس في أسر الروم في شوّال من سنة 351 ه و بقي فيه إلى رجب 355 ه(962-966 م) و لم يرغب سيف الدولة في افتدائه افتداء خاصّا بعظيم من عظماء الروم، بل تركه في الأسر حتّى فودي بالطريقة العاديّة في مبادلة الأسرى.
و توفّي سيف الدولة وشيكا (صفر 356 ه-كانون الثاني-يناير 967 م) فخلفه ابنه أبو المعالي، فاستبد أبو فراس بحمص ثم وقعت الحرب بين أبي المعالي و بين أبي فراس فسقط أبو فراس في المعركة قتيلا (3 جمادى الأولى 357 ه- 4-4-968 م) .
خصائصه الفنّيّة:
أبو فراس شاعر مطبوع مشبوب العاطفة يقول الشعر إرضاء لنفسه و لم يتّخذ الشعر حرفة. و شعره وجداني خالص يدور على فنّين: الفخر و الغزل. و هو من أتباع المذهب الشامي و لكن قد يبدو على شعره أحيانا شيء من الضّعف. و غزله المؤنّث عفيف رقيق، و بعض شعره صريح. و فخره على عمود الشعر متين فخم. و له وصف للطبيعة و خمر.
نظم أبو فراس في الأسر قصائد عرفت بالأسريات و الروميّات، و كان بعضها إخوانيّات (يرسلها إلى إخوانه كما ترسل الرسائل) ، و لكن لم يظهر على هذه الروميّات خصائص جديدة سوى أنها كانت أكثر رقّة و أكثر شكوى. و قد صنع ديوانه بنفسه.
المختار من شعره:
- قال أبو فراس يفتخر:
أ لم ترنا أعزّ النّاس جارا... و أمنعهم و أمرعهم، جنابا (1)
لنا الجبل المطلّ على نزار...حللنا النّجد منه و الهضابا
تفضّلنا الأنام و لا تحاشي... و نوصف بالجميل و لا نحابى
و قد علمت ربيعة بل نزار... بأنّا الرأس و النّاس الذنابى
منحناها الحرائب، غير أنّا... إذا جارت منحناها الحرابا (2)
و لمّا ثار سيف الدّين ثرنا... كما هيّجت آسادا غضابا
أسنّته إذا لاقى طعانا... صوارمه إذا لاقى ضرابا
دعانا و الأسنّة مشرعات... فكنّا عند دعوته الجوابا
- و سمع هديل حمامة على شجرة قرب سجنه في القسطنطينية فقال:
أقول و قد ناحت بقربي حمامة... أ يا جارتا، لو تشعرين بحالي
معاذ الهوى! ما ذقت طارقة النوى... و لا خطرت منك الهموم ببال
أتحمل محزون الفؤاد قوادم...على غصن نائي المحلّة عال
أ يا جارتا، ما أنصف الدهر بيننا... تعالي أقاسمك الهموم تعالي
أ يضحك مأسور و تبكي طليقة... و يسكت محزون و يندب سال
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة... و لكنّ دمعي في الحوادث غال
- و من قصيدة يستحث بها سيف الدولة على فدائه:
دعوتك للجفن القريح المسهّد... لديّ، و للنوم القليل المشرّد
و ما ذاك بخلا بالحياة، و إنّها... لأوّل مبذول لأول مجتد (3)
و لكنّني أختار موت بني أبي...على صهوات الخيل غير موسد (4)
و تأبي و آبى أن أموت موسّدا... بأيدي النّصارى موت أكمد أكبد (5)
نضوت على الأيّام ثوب جلادتي... و لكنّني لم أنض ثوب التجلّد
متى تخلف الأيّام مثلي لكم فتى... طويل نجاد السّيف رحب المقلّد (6)
فإن تفتدوني تفتدوا شرف العلا... و أسرع عوّاد إليها معوّد (7)
و إن تفتدوني تفتدوا لعلاكمُ... فتى غير مردود اللسان أو اليد
يطاعن عن أعراضكم بلسانه... و يضرب عنكم بالحسام المهنّد
-و له من قصيدة في الفخر و الغزل:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصّبر... أما للهوى نهي عليك و لا أمر
بلى، أنا مشتاق و عندي لوعة... و لكنّ مثلي لا يذاع له سرّ
إذا اللّيل أضواني (8) بسطت يد الهوى...و أذللت دمعا من خلائقه الكبر
تسائلني من أنت و هي عليمة...و هل بفتى مثلي على حاله نكر
فقلت، كما شاءت و شاء لها الهوى... قتيلك قالت أيّهم فهمُ كثر
فقلت لها لو شئت لم تتعنّتي (9) ...و لم تسألي عني، و عندك بي خبر
فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا(10)... فقلت معاذ اللّه، بل أنت لا الدّهر
و يا رب دار، لم تخفني، منيعة... طلعت عليها بالردى أنا و الفجر (11)
و ساحبة الأذيال نحوي، لقيتها... فلم يلقها جهم اللقاء و لا وعر
وهبت لها ما حازه الجيش كلّه... و رحت و لم يكشف لأبياتها ستر
و لا راح يطغيني بأثوابه الغنى... و لا بات يثنيني عن الكرم الفقر
و ما حاجتي بالمال أبغي و فوره... إذا لم أفر عرضي فلا وفر الوفر (12)
أسرت و ما صحبي بعزل، لدى الوغى... و لا فرسي مهر و لا ربّه غمر(13)
و لكن إذا حم القضاء على امرئٍ... فليس له برٌّ يقيه و لا بحر(14)
و قال أصيحابي الفرار أو الرّدى... فقلت هما أمران أحلاهما مرّ
و لكنّني أمضي لما لا يعيبني... و حسبك من أمرين خيرهما الأسر
يمنّون أن خلّوا ثيابي؛ و إنما... عليّ ثياب من دمائهم حمر
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم... و في الليلة الظلماء يفتقد البدر
و نحن أناس لا توسّط عندنا... لنا الصّدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا... و من خطب الحسناء لم يغلها المهر
أعزّ بني الدّنيا و أعلى ذوي العلا... و أكرم من فوق التراب و لا فخر
____________________
1) أمنعهم: أكثرهم منعة (بكسر الميم: تحصنا) أبعدهم عن وصول العدو. أمرعهم: أخصبهم.
2) الحرائب جمع حريبة: المال المسلوب من العدو (أحسنا اليهم بإعطائهم الأموال التي نغنمها) . جارت: حادت عن طريق القرابة (ثارت على دولتنا و هم أقاربنا) . منحناها الحرابا (جمع حربة: سلاح) : حاربناها، قاتلناها (تغلبنا عليها و قتلنا رجالها) .
3) مجتد: طالب للمال (أغامر بحياتي عند أول مهاجم من الأعداء) .
4) على صهوات الخيل: في الحرب. غير موسد: لا أريد أن أموت حتف أنفي على الفراش.
5) الأكمد و الأكبد ليستا في القاموس بالمعنى الذي يقصده أبو فراس (المملوح: شديد الحزن و شديد التألم) .
6) طويل نجاد (حمالة) السيف: طويل القامة (يقصد: شجاع قادر على الوصول إلى اعدائه) . رحب المقلد: واسع مكان القلادة (أعلى الصدر) : حليم!
7) عواد اليها: إلى الحرب بجانبكم في وجه أعدائكم الروم.
8) إذا الليل أضواني: جاء علي و غطاني، جعلني أشعر أني وحيد. بسطت يد الهوى: جعلت أفكر في طلب الرحمة منك. و اذللت دمعا من خلائقه الكبر: و بكيت، مع أنني لا أبكي عادة حتى لا يرى أحد ضعف عزيمتي (أما بيني و بين نفسي فأنا أبكي و أظهر التذلل في الحب) .
9) تتعنتين: تتشددين، تتطلبين فوق ما يألفه الناس في الأمور.
10) أزرى الدهر به: عابه (أصبح مظهرك رثا) .
11) الردى: الموت (هاجمتها باكرا) .
12) الوفر: المال، الغنى.
13) العزل جمع أعزل (بلا سلاح) . غمر: جاهل، غير مجرب.
14) حم القضاء: نزل القضاء. إذا أراد اللّه أمرا قضاه.