الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الحكم بن عَبدل الأسدي
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج1، ص613-616
29-12-2015
7793
هو الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال من بني غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد، و لذلك شهر باسم الحكم ابن عبدل الأسدي، كما كان يقال له أيضا الحكم بن عبدل الغاضري. و قد كان منزله و منشأه في الكوفة.
كان الحكم بن عبدل من أول أمره شيعة لبني أميّة. فلمّا ظفر عبد اللّه ابن الزبير بالعراق، سنة 64 ه، و أخرج منه عمّال بني أميّة خرج الحكم ابن عبدل معهم إلى الشام. و يبدو أنه لم يتّصل بالبلاط الأمويّ اتّصالا وثيقا إلاّ بعد أن جاء عبد الملك إلى الخلافة. (أواخر رمضان 65 ه، أوائل ايار- مايو 685 م) . . . ثم انّه كان فيما بعد يتردّد بين بلاط دمشق و بين الكوفة يتكسّب من الخلفاء و من الولاة. و بما أن الحكم بن عبدل كان أعرج أحدب فقد كان يترك الوقوف كغيره من الشعراء بأبواب الممدوحين. و كان يكتب حاجته على عصاه التي يستعين بالمشي بها ثم يبعثها إلى الذين يأمل في نوالهم فلا يحبس له رسول و لا تؤخّر له حاجة. و لقد أعفاه الحجّاج بن يوسف و عمر ابن هبيرة من الغزو للزمانة (العاهة الدائمة) التي كانت فيه.
اتّصل الحكم بن عبدل بعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب أمير الكوفة (البيان و التبيين 3:76) ؛ و عبد الحميد هذا ناب في الكوفة عن يزيد بن المهلّب سنة 99 ه. ثم ان الحكم اتّصل بعمر بن هبيرة، فأعفاه عمر بن هبيرة من الجهاد (الاغاني 2:417) . . . و بما ان عمر بن هبيرة لم يل البصرة إلاّ في سنة 102 ه(721 م) ، فلعلّ وفاة الحكم بن عبدل الاسدي كانت بعد ذلك بمدّة (سنة 106 ه) ، لأن الحكم بن عبدل كان قد أقعد قبل موته.
كان الحكم بن عبدل بعيدا عن الخلق الكريم يتكسّب بالشعر و يذلّ في ذلك نفسه بالخضوع و بالكذب، و كان مدمنا للشراب كثير المجون، كما كان مرحا في حياته فكها طيّب العشرة و المنادمة.
و كان الحكم بن عبدل شاعرا مجيدا للقصيد و للزجر، و في المقطّعات و الطوال. و أكثر شعره الهجاء، فقد كان هجّاء خبيث اللسان. و لقد كان له مدح و رثاء و غزل و مجون و قول كثير جيّد في الأدب (الحكمة) . و قد كان يتهم بأن كثيرا من اغراضه اغراض غير شريفة، في «الفأر» و أمثاله (راجع الأمالي 2:265) .
المختار من شعره:
- اختار أبو تمّام في ديوان الحماسة للحكم بن عبدل أبياتا في الأدب منها:
أطلب ما يطلب الكريم من الرز... ق لنفسي، و أجمل الطلبا (1)
إنّي رأيت الفتى الكريم إذا... رغّبته في صنيعة رغبا (2)
و العبد لا يطلب العلاء و لا... يعطيك شيئا إلاّ إذا رهبا
و لم أجد عروة الخلائق إلاّ الد... ين لمّا اعتبرت و الحسبا (3)
قد يرزق الخافض المقيم و ما... شدّ بعنس رحلا و لا قتبا (4)
و يحرم المال ذو المطيّة و الرّ... حل و من لا يزال مغتربا
- كان الحكم بن عبدل ممّن يدخل على عبد الملك و يسمر عنده، فقال ليلة لعبد الملك يتحبّب اليه بالتعريض بعبد اللّه بن الزبير و أنصاره:
يا ليت شعري و ليت ربّما نفعت ... هل أبصرنّ بني العوّام قد شملوا (5)
بالذلّ و الأسر و التشريد إنّهم... على البريّة حتف أينما نزلوا
أم هل أراك بأكناف العراق، و قد... ذلّت لعزّك أقوام و قد نكلوا (6)
- كان الحكم بن عبدل الاسديّ منقطعا إلى بشر بن مروان، و كان بشر يأنس به و يحبّه و يستطيبه. فلمّا ولي بشر البصرة اصطحب الحكم بن عبدل اليها. فلمّا مات بشر جزع الحكم عليه و قال يرثيه (و في هذه المرثية تحليل و فيها حكمة) :
أصبحت جمّ بلابل الصّدر... متعجّبا لتصرّف الدهر (7)
ما زلت أطلب في البلاد فتى... ليكون لي ذخرا من الذخر (8)
و يكون يسعدني و أسعده... في كل نائبة من الأمر(9)
حتّى إذا ظفرت يداي به... جاء القضاء بحينه يجري (10)
إنّي لفي همّ يباكرني... منه و همّ طارق يسري (11)
فلأصبرنّ، و ما رأيت دوى... للهمّ غير عزيمة الصبر (12)
و اللّه، ما استعظمت فرقته... حتّى أحاط بفضله خبري (13)
- و للحكم بن عبدل أبيات في الأدب منها (الأمالي 2:265-266) :
و إنّي لأستغني فما أبطر الغنى، و أعرض ميسوري لمن يبتغي عرضي (14)
و أعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي فأدرك ميسور الغنى و معي عرضي (15)
لأكرم نفسي أن أرى متخشّعا لذي منّة يعطي القليل على النّحض (16)
أكفّ الأذى عن أسرتي و أذوده، على أنني أجزي المقارض بالقرض (17)
و أبذل معروفي و تصفو خليقتي إذا كدّرت أخلاق كلّ فتى محض (18)
و أقضي على نفسي، إذا الحقّ نابني؛ و في الناس من يقضى عليه و لا يقضي (19)
و لست بذي وجهين في من عرفته... و لا البخل فاعلم من سمائي و لا أرضي
______________________
1) أجمل الطلبا: أطلب (الرزق) بغير عنف أو فظاظة بل باللين و الخطة الجميلة.
2) الصنيعة: العمل الحميد الكريم.
3) عروة الخلائق: جامع الاخلاق، الأساس الذي تقوم عليه الاخلاق كلها. لما اعتبرت: لما تأملت و فكرت. الحسب: العمل الحميد.
4) الخافض: العائش في نعمة و ترف. المقيم: الذي لا يبرح بلده. العنس: الناقة الصلبة. الرحل و القتب: ما يشد على الناقة ليركب عليه المسافر. -قد يرزق الانسان رزقا حسنا من غير أن يسافر في طلب الرزق أو يكد.
5) بني العوام: أسرة عبد اللّه بن الزبير بن العوام. شملوا: أحيط بهم (عمهم الذل و الاسر و التشريد) .
6) أكناف: أطراف. نكلوا (بالبناء للمجهول) : أبعدوا عن المناصب و عن النعمة التي يتمتعون بها الآن ثم عذبوا.
7) البلابل جمع بلبال: شدة الهم و القلق. تصرف الدهر: سلوكه الغريب في الناس.
8) الذخر: ما يعده الانسان للمستقبل ليعتمده و يدفع به الأذى أو الحاجة عن نفسه. من الذخر: من أنواع الذخر المفيدة.
9) الاسعاد: المساعدة و العون على احتمال الصعاب و المصائب. كل نائبة من الأمر: كل مصيبة مهما كان نوعها.
10) القضاء: الأمر المحتوم على الناس. الحين: الموت.
11) باكرني: يأتي علي باكرا (في الصباح) . الطارق: القادم مع مجيء الليل. يسري: يسير في الليل (يدوم طول الليل) .
12) الدوى: الدواء، العلاج.
13) ما أدركت عظم المصيبة بموت بشر بن مروان إلا بعد أن كنت قد اختبرت فضله و كرمه اختبارا عاما صحيحا.
14) أبطر الغنى: أبطر بالغني، يبطرني الغنى (يجعلني متكبرا فأسيء التصرف به) . «الغنى» مفعول به. و أعرض (أبدي استعدادا للمساعدة) ميسوري (بما يتيسر لدي من الخير، بالخير القليل الحاضر لدي) لمن يبتغي (يريد، يحتاج إلي، يطلب، يقبل) عرضي (استعدادي للمساعدة، اقتراحي) .
15) الاعسار و العسرة: اشتداد الحاجة إلى المال، الفقر. أدرك: أنال، أكسب. ميسور الغنى: الشيء الممكن من المال. و معي عرضي: من غير أن أدنس عرضي (من غير أن أهدر كرامتي بعمل قبيح أو غير لائق، من غير أن أذل نفسي) .
16) متخشعا: ذليلا، مستكينا، راكعا، النحض: كثرة اللحم (و المال) ؛ الالحاف (الالحاح) في السؤال. ذو المنة: الذي إذا أعطى أحدا شيئا أذله و هو يعطيه ذلك الشيء ثم استمر يذكره بفضله عليه. من الناس من يكون غنيا جدا و لا يعطي إلا شيئا قليلا (بعد الحاح المحتاجين في الطلب منه) ثم هو يظل بذكرهم بإحسانه اليهم.
17) أذوده: أدفعه، أرده (أحمي أسرتي من الأذى و أدفعه عنها) . أجزى المقارض (الذي يسلف إلي خيرا أو شرا) بالقرض (بمثل ما صنع معي من خير أو شر) .
18) المحض: الخالص، النقي. الفتى المحض: الرجل النبيل الشريف الاصل الحميد الافعال.
19) و أحكم على نفسي بما عليها من الحق أو الباطل. إذا الحق نابني (أصابني) : إذا كان الحق علي (إذا كنت مخطئا) . و في الناس فرد قد لا يعرف الحق من الباطل أو لا يحفظ كراما نفسه فلا يرجع إلى الحق من تلقاء نفسه، بل يجبره الآخرون دائما على الاقرار على نفسه بأنه مخطئ.