الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
السَرِيُّ الرَفَّاء
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج2، ص509-513
29-12-2015
3251
هو أبو الحسن السريّ بن أحمد بن السري الكنديّ الموصليّ الرفّاء، وضعه أبوه صغيرا عند الرفّائين (في سوق البزّازين) فتعلّم صناعة الرفو و التطريز ليتكسّب بها، و لكنّه كان ميّالا إلى قول الشعر. فلما جاد شعره ترك صناعة الرفو و اشتغل بالوراقة (نسخ الكتب) . غير أن رزقه لم يتّسع.
و يبدو أن المنافسة بينه و بين الخالديّين (انظر: تحت) بدأت منذ كانوا كلّهم في الموصل. ثم اجتمعوا في بلاط سيف الدولة في حلب فحالت المنافسة بينه و بينهما عداوة و ضغينة. و يبدو أن سبب ذلك كلّه كان فقر السريّ الرفاء و حسده بينما كانا هما يتمتعان بحظوة عند الأمراء و الكبراء أقبلت بها الدنيا عليهما.
و لما توفّي سيف الدولة، سنة 356 ه(967 م) ، رحل السّريّ عن حلب إلى بغداد؛ و كان المهلّبي قد توفّي قبل أربع سنوات، فتكسّب بمدح الكبراء و الأعيان؛ و لكنّ الدنيا أبت أن تقبل عليه حتّى توفّي سنة 362 ه (973 م) ، في رواية ياقوت (معجم الأدباء 11:185) .
خصائصه الفنّيّة:
كان السريّ الرفّاء شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتنان (التفنّن) في التشابيه و الأوصاف، و لكنّه كان لا يحسن من العلوم إلا قول الشعر. و كان معجبا بكشاجم «في طريقه يذهب و على قالبه يضرب» . أما فنون شعره فكانت المديح و الرثاء و الهجاء و الغزل و الخمريات و الأوصاف. و كل شعره جيّد.
و اشتغال السريّ الرفّاء بالوراقة سهّل عليه تصنيف الكتب، فمن تصانيفه كتاب المحبّ و المحبوب و المشموم و المشروب (1). و ديوان شعره جمعه بنفسه.
المختار من شعره:
- قال يصف الهلال:
مرحبا بالصبوح في الظلماء... و بعذراء من يدي عذراء
و بسكرين: من لحاظ غزال... ساحر لحظه، و من صهباء
و كأن الهلال نون لجين... غرقت في صحيفة زرقاء
- و قال في النسيب:
أظباء وجرة أقصدتـ...ـك بسحر أجفان فواتر (2)
جنت الهوى و تنصّلت... باللحظ من تلك الجرائر
لأخاطرنّ، و ما المنى... في الحبّ إلاّ للمخاطر
و لأوضحنّ صبابتي... بالدّمع في الدمن الدواثر (3)
تاللّه، أغدر في الهوى... ما دمت مسودّ الغدائر (4)
- و له في الهجاء:
كيف يخشى الملحيّ رقّة... حال بعد أن فاز من قفاه بكنز (5)
قد لعمري، رفعته بهجائي... و ارتفاع المصلوب ليس بعزّ
- و قال يمدح الوزير المهلّبي:
و تاجرة بالخمر تؤثر صونها ... عن البيع أو تلقى الغنى فتبيعها
إذا زارها وفد الرّضاع تبرّعت... بعذراء لا يهوى الفطام رضيعها (6)
فلا طيب إلاّ أن يفوح نسيمها... و لا فجر إلاّ أن يلوح صديعها
أقمنا لديها في رياض أنيقة... نمارقها موشيّة و قطوعها (7)
نروع بأسياف المدام همومنا... كأنّا بأسياف الأمير نروعها (8)
و أزهر ينقاد الزمان لأمره... و تأمره زهر العلا فيطيعها
همام وقى الاعداء من سطواته... تباعدها من سخطه فنزوعها (9)
أعلّ صدور السمر و هو حبيبها... و فلّ شفار البيض و هو ضجيعها (10)
و قد علمت أمواله حين سامها... حفاظ المعالي أنّه سيضيعها
و معركة يسودّ للنقع أفقها... و تحمرّ من فيض الدماء ربوعها
إذا ازدحمت فيها السيوف حسبتها... ينابيع ماء ضاق عنها نجيعها
و كم خطّة حاولتها فاستطعتها... بسيفك، و الأيام لا تستطيعها
- قال السري الرفّاء في السلوّ و النسيان:
سلوت محمّدا لمّا تمادى... به الهجران و انقطع العتاب
و قد ينسى الربيع إذا تولّت... لياليه، و قد يسلى الشباب
- و قال في الإخفاق في السعي للغنى:
سفر رجوت به النهاية في الغنى... فبلغت منه نهاية الإملاق (11)
مثل الهلال أغذّ شهرا كاملا... فرماه آخر شهره بمحاق (12)
- و قال يصف منزل لهو:
منزل في فناء دجلة، ير... تاح اليه الخليع و المستور (13)
طائر في الهواء: فالبرق يسري... دون أعلاه، و الحمام يطير
ليس فيه إلاّ خمار و خمر... و ممات من سكرة و نشور (14)
__________________
1) يلمح من النسخة المطبوعة من معجم الأدباء ان هذه الألفاظ الأربع اسمان لكتابين.
2) أظباء (مختارات البارودي 4:267) مضبوطة بالنصب. وجرة: علم بين مكة و البصرة مشهور بالظباء، يبدو أنه قريب من الكويت اليوم. أقصد: أصاب فقتل.
3) سأشرح صبابتي (شدة عشقي) و أقيم الدليل عليها بكثرة بكائي في المنازل التي هجرت بعد أن كانت معمورة.
4) أغدر: لا أغدر (الفعل المضارع في جواب القسم يكون منفيا من غير حرف نفي. قال اللّه تعالى: تاللّه، تفتأ تذكر يوسف-سورة يوسف، رقم 12:85) مسود الغدائر (الضفائر) : اسود الشعر، شاب.
5) الملحي-الملتحي: الذي نبتت لحيته. في الشطر الثاني من هذا البيت كناية قبيحة.
6) وفد الرضاع كناية عن الجماعة الذين يريدون شرب الخمر. عذراء: (خمر في دن لم يشرب أحد منه بعد) . لا يهوى الفطام رضيعها: الذي يشرب من هذه الخمر لا يريد أن ينقطع عنها (لطيبها و لاكتفائه بالعيش عليها) .
7) النمارق و القطوع: الطنافس و البسط (و المقصود هنا أن أرض الرياض و نباتها المرتفع عن مستوى الأرض مزدهر بأنواع الازهار المختلفة الألوان) .
8) نروع: نخيف. -شبه الخمر بجيش يحمل أفراده السيوف و يهجمون على الهموم فتخاف الهموم و تهرب عنا. في هذا البيت استطراد بارع من وصف الخمر إلى مدح الأمير.
9) حمى الاعداء من بطشك بهم أنهم يسكنون بلادا بعيدة عنك و نزوعهم (امتناعهم عن الاقدام عليك: مسالمتك) .
10) لقد أمرض السمر من الرماح لكثرة ما طعن بها (مع أن السمر من النساء يحببنه) ، ثم هو قد قطع حد البيض من السيوف (مع أنه يحب البيض من النساء) . لاحظ التورية أيضا بين شفار السيوف (حدها) و بين شفار العيون (الشعر النابت في أجفانها) .
11) النهاية في الغنى: غاية الغنى (المال الكثير) . الاملاق: الفقر.
12) أغذ السير: أسرع. المحاق: الامحاء الكامل لنور القمر في آخر الشهر.
13) الفناء: الباحة الفسيحة أمام البيت و غيره. الخليع: الذي لا يبالي بكلام الناس. المستور: الذي يحاذر أن يتكلم الناس فيه (فإما أن يجتنب اللهو مرة واحدة و إما أن يأتي شيئا يسيرا من اللهو في ستر) .
14) الخمار (بضم الخاء) : السكر (ما يصيب الإنسان بعد شرب الخمر) . ممات: سكر من الخمر (غيبة عن الوعي) . النشور في الأصل: قيام الأموات من القبور يوم القيامة (هنا: الاستفاقة و الوعي-الصحو من السكر (حتى نعاود شرب الخمر لنرجع إلى السكر، فصحونا و سكرنا متصلان) .