الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
القاضي الجُرجاني
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج2، ص585-589
29-12-2015
4955
ولد أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ في جرجان و تطوّف في صباه في فارس و العراق و الشام، و سمع الحديث في نيسابور. و قد تولّى القضاء على المذهب الشافعيّ مرارا في بلدان مختلفة حتّى أصبح قاضي القضاة في الريّ.
اتّصل القاضي الجرجاني بالصاحب بن عبّاد و توثّقت الصلة بينهما برغم ما كان بينهما من اختلاف الرأي في المتنبّي: فلمّا ألّف الصاحب بن عبّاد رسالته في الكشف عن مساوئ المتنبّي ألّف الجرجانيّ كتابه القيّم «الوساطة بين المتنبّي و خصومه» . و لمّا مات الصاحب بن عبّاد (سنة 385 ه) تصرّفت الأحوال بالجرجانيّ كثيرا. ثم توفّي الجرجاني، و هو قاضي القضاة في الريّ، سنة ٣٩٣ ه (1) (1002-1003 م) ، و دفن في جرجان.
خصائصه الفنّيّة:
كان القاضي الجرجاني إماما فاضلا و شاعرا و ناثرا و فقيها و متكلّما، و لكنّه شهر بالشعر و بالتأليف في الأدب. و شعره متين السبك عالي النفس مع سهولة و عذوبة في المقطّعات و القصائد على السواء. و هو مكثر، و أحسن فنونه الحكمة و الغزل. أما نثره فسهل ممتنع مرسل حسن التقسيم و المعالجة للموضوعات التي يتناولها. و له كتب منها: تفسير القرآن المجيد، تهذيب التاريخ، الوساطة بين المتنبّي و خصومه، و قد ألّفه للردّ على الصاحب بن عبّاد (راجع فوق، ص 562) .
المختار من شعره و نثره:
- قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ في حقّ العلم على العالم:
يقولون لي: فيك انقباض، و إنّما... رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما (2)
أرى الناس: من داناهم هان عندهم... و من أكرمته عزّة النفس أكرما
إذا قيل: هذا مشرب؛ قلت: قد أرى... و لكنّ نفس الحرّ تحتمل الظما
و ما كلّ برق لاح لي يستفزّني... و لا كلّ أهل الأرض أرضاه منعما (3)
و لم أقض حقّ العلم إن كنت كلّما... بدا طمع صيّرته لي سلّما (4)
و لم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أ أشقى به غرسا و أجنيه حنظلا... إذن، فاتّباع الجهل قد كان أحزما (5)
و لو أنّ أهل العلم صانوه صانهم... و لو عظّموه في النفوس لعظّما
و لكن أهانوه فهان، و دنّسوا... محيّاه بالأطماع حتى تجهّما (6)
- و قال القاضي الجرجاني في الغزل و الخمر:
أفدي الّذي قال و في كفّه... مثل الذي أشرب من فيه (7)
الورد قد أينع في وجنتي... قلت: فمي باللّثم يجنيه (8)
- و قال في الوحدة (البعد عن الناس) :
ما تطعّمت لذّة العيش حتّى... صرت للبيت و الكتاب جليسا
ليس شيء عندي أعزّ من العلـ...ـم، فلم أبتغي سواه أنيسا (9)
إنّما الذلّ في مخالطة النّا...س، فدعهم و عش عزيزا رئيسا
- الشعر و الشعر المحدث (من الوساطة بين المتنبّي و خصومه ٢٣) :
و متى سمعتني أختار للمحدث هذا الاختيار، و أبعثه على التطبّع و أحسّن له التسهيل، فلا تظنّن أني أريد بالسمح السهل الضعيف الركيك، و لا باللطيف الرشيق الخنث المؤنّث، بل أريد النمط الأوسط: ما ارتفع عن الساقط السوقي و انحطّ عن البدويّ الوحشيّ، و ما جاوز سفسفة نصر و نظرائه و لم يبلغ تعجرف هميان بن قحافة (10) و أضرابه. نعم، و لا آمرك بإجراء أنواع الشعر كلّه مجرى واحدا، و لا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه. بل أرى لك أن تقسّم الألفاظ على رتب المعاني، فلا يكون غزلك كافتخارك، و لا مديحك كوعيدك، و لا هجاؤك كاستبطائك، و لا هزلك بمنزلة جدّك، و لا تعريضك مثل تصريحك؛ بل ترتّب كلا مرتبته و توفّيه حقّه: فتلطّف إذا تغزّلت، و تفخّم إذا افتخرت، و تتصرّف للمديح تصرّف مواقعه، فإنّ المدح بالشجاعة و البأس يتميّز عن المدح باللباقة و الظرف، و وصف الحرب و السلاح ليس كوصف المجلس و المدام. فلكلّ واحد من الأمرين نهج هو أملك به و طريق لا يشاركه الآخر فيه. . . . . فأمّا الهجو فأبلغه ما جرى مجرى الهزل و التهافت، و ما اعترض بين التصريح و التعريض، و ما قربت معانيه و سهل حفظه و أسرع علوقه بالقلب و لصوقه بالنفس. فأما القذف و الإفحاش فسباب محض، و ليس للشاعر فيه إلاّ إقامة الوزن و تصحيح النظم.
-المطبوعون في الشعر و النقد الصحيح (الوساطة ٢٣-24) :
و إذا أردت أن تعرف موقع اللفظ الرشيق من القلب، و عظم غنائه في تحسين الشعر، فتصفّح شعر جميل و ذي الرمّة في القدماء ثم البحتريّ في المتأخّرين، و تتبّع نسيب متيّمي العرب و متغزّلي أهل الحجاز كعمر و كثيّر و جميل و نصيب و أضرابهم و قسهم بمن هم أجود منهم شعرا و أفصح لفظا و سبكا، ثمّ انظروا حكم و أنصف، و دعني من قولك: هل زاد على كذا، و هل قال إلاّ ما قال فلان! فإنّ روعة اللفظ تفضي بك إلى الحكم (السريع) ، و إنما تفضي (أنت) إلى المعنى عند التفتيش و الكشف. و ملاك الأمر ترك التكلّف و رفض التعمّل و الاسترسال للطبع و تجنّب الحمل عليه و العنف به. و لست أعني بهذا كلّ طبع، بل المهذّب الذي صقله الأدب و شحذته الرواية و جلّته الفطنة و ألهم الفصل بين الرديء و الجيّد و تصوّر أمثلة الحسن و القبح.
-القول في المتنبّي (الوساطة 48) :
إن خصم هذا الرجل فريقان: أحدهما يعمّ بالنقص كلّ محدث، و لا يرى الشعر إلاّ القديم الجاهليّ و ما سلك به ذلك المنهج و أجري على تلك الطريقة. . . . فإذا نزلت به إلى أبي تمّام و أضرابه نفض يده و أقسم و اجتهد أنّ القوم لم يقرضوا بيتا و لم يقعوا من الشعر إلا بالبعد. و أنا أرى لك، إذا كنت متوخّيا للعدل مؤثرا للإنصاف أن تقسم شعره (شعر المتنبّي) فتجعله في الشطر الأول تابعا لأبي تمام، و فيما بعده واسطة بينه (بين أبي تمّام) و بين مسلم (بن الوليد) . . . .
_________________
1) ابن الأثير (9:67) . في معجم الأدباء (14:15) : مات بالري يوم الثلاثاء لست (ليال) بقين من ذي الحجة سنة اثنتين و تسعين و ثلاثمائة، و ورد نيسابور سنة سبع و ثلاثين و ثلاثمائة. و في وفيات الأعيان (1:584) : ذكر الحاكم في تاريخ النيسابوريين أنه (الجرجاني) توفي في سلخ (آخر) صفر سنة 366 ه بنيسابور، و عمره ست و سبعون سنة؛ و ورد به أخوه محمد نيسابور في سنة ٣٣٧ ه و هو صغير غير بالغ؛ و سمعا من سائر الشيوخ: مات بالري سنة ٣٩٢ ه. . . . و نقل الحاكم أثبت و أصح
2) انقباض: انكماش، قلة رغبة في الانبساط إلى الناس. أحجم: تأخر، أمسك نفسه عن الاقدام.
3) لا أركض وراء كل أمل يبدو لي، و لا أرضى التفضل على من أي انسان اتفق.
4) . . . . صيرت (العلم) سلما (وسيلة) إلى كل حاجة أو مطمع مادي.
5) طال شقائي و تعبي في غرس العلم (في التعلم و أنا صغير) فلا أريد أن أقطف الآن ثمراته بإذلال نفسي للآخرين (تسخير علمي للاستفادة المادية من الناس) . لو كنت أرغب في مثل ذلك لما كنت تعلمت (فأنا أستطيع بإذلال نفسي للآخرين أن أتكسب منهم كثيرا، سواء أ كنت عالما أو جاهلا) .
6) المحيا: الوجه. تجهم: غلظ، قبح (لقد سخر نفر من الناس علمهم في سبيل أغراضهم الدنيا حتى كره الناس العلم) .
7) مثل الذي أشرب من فيه «كناية عن الخمر و تشبيه ريق المحبوب بها»
8) الورد في الخد (حمرة الخد، جمال الوجه) لا يقطف باليد (كورد الشجر) بل يلثم (يقبل بالفم) .
9) . . . . فلما ذا أبتغي (أطلب) مؤنسا سوى العلم.
10) نصر-الخبز أرزي (راجع، فوق، ص 430-431) ؛ هميان بن هميان بن قحافة: شاعر قديم (أموي) راجز من بني عامر.