الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن جابر الأندلسي
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص376-377
24-3-2016
5407
هو أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن جابر الهوارى، من أهل المرية ولد بها سنة 6٩٨ و حفظ القرآن و اختلف إلى الشيوخ من مثل ابن أبي العيش في العربية و محمد بن سعيد الرندى في الفقه و أبي عبد اللّه الزواوي في الحديث. و كان كفيف البصر، و رأى أن يستتم ثقافته بالرحلة إلى الديار المصرية و الشامية، و صحبه صديقه أبو جعفر أحمد بن يوسف الغرناطي، فكان ابن جابر ينظم و أبو جعفر يكتب. و حجّا و عادا إلى الشام، و سمع ابن جابر بدمشق على شيوخ عصره، و اتجه مع صاحبه في سنة 64٣ إلى حلب و تغلغلا شماليها حتى ماردين (1)، إذ يذكر ابن بطوطة في رحلته عن سلطان ماردين ابن الملك الصالح أنه كان بحرا فياضا في الكرم، يقصده الشعراء و الفقراء من الصوفية فيجزل عطاياهم، و يقول إنه قصده أبو عبد اللّه محمد بن جابر الأندلسي الهواري الكفيف مادحا، فأعطاه عشرين ألف درهم. و عاش طويلا في حلب و توفى بإلبيرة سنة ٧٨٠. و قد أكثر من النظم في المديح النبوي، و له فيه ديوان سماه «العقدين في مدح سيد الكونين» و بالمكتبة التيمورية مخطوطة منه. و له بجانب ذلك مشاركة خصبة في الشعر التعليمي إذ نظم فيه فصيح ثعلب و كفاية المتحفظ و غير ذلك، و له بديعية اشتهرت بين البديعيات، و هي قصائد في المديح النبوي، عارض بها أصحابها-منذ صفي الدين الحلّي-بردة البوصيري الميمية، و أودعوا كل بيت فيها لونا-و أحيانا لونين-من ألوان البديع، و شرحها رفيقة في رحلته أبو جعفر الغرناطي، و اشتهرت باسم بديعية العميان و قد سمّاها:
«الحلة السّيرا (2)في مدح خير الورى» و في النفح طائفة كبيرة من نبوياته، منها مقصورة في نحو ثلاثمائة بيت نقتطف منها قوله:
إنّ رسول اللّه مصباح هدى يهدى به من في دجى الليل مشى
إن تحسب الرّسل سماء قد بدت فإنّه في أفقها نجم هدى
و إن يكونوا أنجما في فلك فإنّه من بينهم بدر بدا
أحسن أخلاقا من الرّوض إذا ما اختال في برد الصّبا أو ارتدى
تفديه نفسى من شفيع للورى و قلّت النفس له منّى فدا
و قد بدأ ابن جابر المقصورة بالغزل و ضمنها في تضاعيف المديح النبوي كثيرا من الخواطر و الحكم، و فصّل القول في شمائل الرسول و معراجه و معجزاته، و تحدث عن الدهر و سطواته بأولى البأس و الدول، كما تحدث عن حجه إلى البيت الحرام و زيارته بعده للرسول و اكتحال عينيه بنور قبره، و يقول إنه ملاذه و عدّته و ذخره لربه. و أنشد له المقري مدحة من غرر مدائحه للرسول ورّى فيها بسور القرآن الكريم، و يقول المقري:
لو لم يكن له في مديحه سواها لكفى، و هي تمضي على هذا النحو:
في كلّ فاتحة للقول معتبره حقّ الثّناء على المبعوث بالبقره
في آل عمران قدما شاع مبعثه رجالهم و النساء استوضحوا خبره
من مدّ للناس من نعماه مائدة عمّت فليست على الأنعام مقتصره
أعراف نعماه ما حلّ الرّجاء بها إلا و أنفال ذاك الجود مبتدره
و الطريف أنه يحكم وضع اسم السورة في مديح البيت و يلتحم بمعناه التحاما رائعا على نحو ما نرى من ذكره في هذه الأبيات لسور الفاتحة و البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و الأنفال. و آل عمران آل السيدة مريم كما جاء في السورة، و الأنعام اسم السورة و هي الإبل، و الأعراف كذلك اسم السورة، و هي في البيت جمع عرف بمعنى المعروف، و الأنفال اسم السورة و هي العطايا. و اطردت هذه الدقة في استظهار أسماء السور الكريمة في جميع أبيات القصيدة. و يهدى في نهايتها أزكى صلواته للرسول و عترته و صحابته، و خصوصا عشرة منهم، و يسميهم، كما يهدى أزكى تحيتين للسيدتين الكريمتين خديجة و عائشة زوجتي الرسول صلى اللّه عليه و سلم و لابنته فاطمة الزهراء و ابنيها الحسن و الحسين، و يقول انه سيظل يهدى كل من سماهم مدائحه. و له قصيدة مطولة في فضائل الصحابة العشرة و آل البيت، و لكل علم منهم في أبياتها حظ مقسوم. و نشعر دائما عنده أنه يستمد من نبع فياض لا يتوقف و لا يتقطع، بل يتدفق تدفقا غزيرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ماردين: قرية بتركيا الآن.
2) السّيرا: المخطّطة خطوطا بديعة.