الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عبد الملك بن هذيل
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص218-219
24-7-2016
4458
هو أبو مروان عبد الملك بن هذيل، كان أبوه هذيل بن خلف بن رزين من أكابر جند البربر، و في أول الفتنة بقرطبة سمت نفسه إلى اقتطاع كورة السهلة بين طليطلة و سرقسطة، و تم له ذلك بالاتفاق مع أمراء البلدتين بحسن سياسته و تدبيره. و مرّ بنا أنه أول من أفرط من ثمن القينات من أمراء الطوائف و أنه اشترى قينة بثلاثة آلاف دينار كانت أديبة تحسن الغناء مع معرفة بالطب و التشريح و علم الطبيعة و اللعب بالسيوف و الخناجر المرهفة، و ابتاع لها هذيل قينات مغنيات مشهورات بالتجويد فكانت ستارته أرفع ستائر أمراء الطوائف. و الستارة عندهم تعنى المسرح الذي كانت تغني و ترقص عليه القينات مع العود و غيره من آلات الطرب. و في هذه البيئة نشأ عبد الملك نشأة فيها كثير من اللهو و العناية بالشعر، فكان طبيعيا أن تتفتح فيها ملكته. و توفي أبوه سنة 4٣6 فخلفه على السهلة، و يقول الفتح بن خاقان إنه كان غيثا في النّدى، و ليثا في العدا» بينما يقول ابن الأبار إنه «كان-مع شرفه و أدبه-متعسفا على الشعراء، متعسرا بمطلوبهم من ميسور العطاء» و يقول ابن بسام: «كان له طبع يدعوه فيجيبه، و يرمي ثغرة الصواب عن قوسه فيصيبه» . و ظل على إمارة السهلة حتى تغلب على ما بيده ابن تاشفين و توفى سنة 4٩6 و كانت له نجدة و فيه شجاعة، و كان يختلط بجنده و يتحبب إليهم حتى إنه كان لا يمتاز منهم في مركب و لا ملبس. و له وقائع مع النصارى مشهورة، و ربما كانت مطالب هذه الوقائع من أموال للسلاح و إعداد هي التي اضطرته إلى عدم الاتساع في النوال على الشعراء لا عن شحّ و بخل، و لكن عن حاجة للأموال و اضطرار، و قد تدل على ذلك دعوته للجود في بعض شعره قائلا:
اهدم بناء البخل و ارفض له من هدم البخل بنى مجده
لا عاش إلا جائعا نائعا من عاش في أمواله وحده
و هو يدعو على البخيل الشحيح الذى يقيض يده عن العطاء للناس و لا يشركهم في أمواله أن يعيش جائعا نائعا أو ظامئا و بعبارة أخرى فقيرا بائسا. و كان موقفه كريما من ابن طاهر حين سلبه ابن عمار مرسية-كما مرّ بنا-فقد كتب إليه يسأله أن ينزل عنده و أن يقاسمه خاصّ ضياعه و أملاكه، و إن شقّ عليه ذلك لبعد السهلة و برد هوائها فإنه يهبه بلدة من بلدانها الجنوبية، هي شنتمرية و يقف طاعتها عليه و تصريف أمورها بيديه، و من قوله مفاخرا:
شأوت آل رزين غير محتفل و هم-على ما علمتم-أفضل الأمم
قوم إذا سئلوا أغنوا و إن حربوا أفنوا و إن سوبقوا جازوا مدى الكرم (1)
جادوا فما يتعاطى جود أنملهم مدّ البحار و لا هطّالة الدّيم
و ما ارتقيت إلى العليا بلا سبب هيهات هل أحد يسعى بلا قدم
فمن يرم جاهدا إدراك منزلتي فليحكني في النّدى و السّيف و القلم
و مبالغة منه مسرفة أن يقول عن أسرته من آل رزين إنها أفضل الأمم، و هو يصفهم- و يصف نفسه معهم-بالكرم الفياض، و يقول إنه لم يرتق مصعدا إلى ذروة العلياء إلا بجوده و بأسه و قلمه و ما يدونه من جيد المنظوم و المنثور. و يقول:
أنا ملك تجمّعت في خمس كلّها للأنام محى مميت
هي ذهن و حكمة و مضاء و كلام في وقته و سكوت
و هو يفتخر بذكائه و حكمته و شجاعته، و أنه يصمت حين ينبغي الصمت و لا يتكلم إلا حين يطلب الكلام و حينئذ يكون الكلام نافذا ماضيّا كالسهام المصمية. و روى له ابن بسام مقطوعة ذم فيها ذما شديدا من يتناولون الناس بالسخرية و الإزراء عليهم و ثلبهم بينما هم في الدرك الأسفل من الدناءة و الغباء، كما روى له مقطوعة ثانية يعجب فيها من رهبته أمام عيون صاحبته و ما تسلّه من ألحاظها بينما لا يخشى السيوف في القتال و لا يرهبها، يقول:
إذا سلّت الألحاظ سيفا خشيته و في الحرب لا أخشى و لا أتوقّع
و لعل في كل ما قدمت ما يشهد لعبد الملك بن هذيل بأنه كان على حظ غير قليل من الفضل و النبل و الشيم الكريمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حربوا: طعنوا. جازوا: قطعوا و تعدّوا.