1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الألف : سورة آل عمران :

تفسير الآية (42-44) من سورة ال عمران

المؤلف:  اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

26-2-2021

5508

قال تعالى : {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران : 42 - 44] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قدم تعالى ذكر امرأة عمران ، وفضل بنتها على الجملة . ثم ذكر تفصيل تلك الجملة فقال : {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ} إذ هذه معطوفة على {إذ} في قوله : {إذ قالت امرأة عمران} أو يكون معناه : اذكر إذ قالت الملائكة . وقيل : يعني جبريل وحده {يا مريم إن الله اصطفاك} أي : اختارك وألطف لك ، حتى تفرغت لعبادته ، واتباع مرضاته . وقيل : معناه اصطفاك لولادة المسيح ، عن الزجاج {وطهرك} بالإيمان عن الكفر ، وبالطاعة عن المعصية ، عن الحسن وسعيد بن جبير . وقيل : طهرك من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء من الحيض والنفاس ، حتى صرت صالحة لخدمة المسجد ، عن الزجاج . وقيل : طهرك من الأخلاق الذميمة ، والطبائع الردية {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} أي : على نساء عالمي زمانك ، لأن فاطمة بنت رسول الله ، صلى الله عليها ، وعلى أبيها ، وبعلها وبنيها ، سيدة نساء العالمين ، وهو قول أبي جعفر (عليه السلام) . وروي عن النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) أنه قال : " فضلت خديجة على نساء أمتي ، كما فضلت مريم على نساء العالمين " . وقال أبو جعفر : معنى الآية اصطفاك من ذرية الأنبياء ، وطهرك من السفاح . اصطفاك لولادة عيسى (عليه السلام) من غير فحل . وخرج بهذا من أن يكون تكريرا ، إذ يكون الاصطفاء على معنيين مختلفين .

{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} أي : اعبديه وأخلصي له العبادة ، عن سعيد بن جبير .

وقيل : معناه أديمي الطاعة له ، عن قتادة . وقيل : أطيلي القيام في الصلاة ، عن مجاهد {واسجدي واركعي مع الراكعين} أي : كما يعمل الساجدون والراكعون ، لا أن يكون ذلك أمرا لها بأن تعمل السجود والركوع معهم في الجماعة . وقدم السجود على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيب ، فإنها في الأشياء المتغايرة نظيرة التثنية في المتماثلة . وإنما توجب الجمع والاشتراك . وقيل : معناه واسجدي لله شكرا ، واركعي أي : وصلي مع المصلين . وقيل : معناه صلي في الجماعة ، عن الجبائي .

 

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} .

{ذَلِكَ} إشارة إلى ما تقدم ذكره من حديث مريم وزكريا ويحيى {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} أي : من أخبار ما غاب عنك ، وعن قومك {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} أي : نلقيه عليك معجزة وتذكيرا ، وتبصرة وموعظة وعبرة . ووجه الإعجاز فيه أن ما غاب عن الانسان ، يمكن أن يحصل علمه بدراسة الكتب ، أو التعلم ، أو الوحي .

والنبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) لم يشاهد هذه القصص ، ولا قرأها من الكتب ، ولا تعلمها . إذ كان نشؤه بين أهل مكة ، ولم يكونوا أهل كتاب . فوضح الله أن أوحى إليه بها . وفي ذلك صحة نبوته .

{وَمَا كُنْتَ} يا محمد {لَدَيْهِمْ} عندهم {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء ، على ما تقدم ذكره قبل . وقيل أقلامهم : أقداحهم للاقتراع ، جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم على جهة القرعة {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} وفيه حذف أي : لينظروا أيهم تظهر قرعته ، ليكفل مريم . وهذا تعجيب من الله نبيه (صلَّ الله عليه وآله وسلم) من شدة حرصهم على كفالة مريم ، والقيام بأمرها ، عن قتادة . وقيل : هو تعجيب من تدافعهم لكفالتها ، لشدة الأزمة التي لحقتهم ، حتى وفق لها خير الكفلاء لها زكريا .

{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} فيه دلالة على أنهم قد بلغوا في التشاح عليها إلى حد الخصومة . وفي وقت التشاح قولان أحدهما : حين ولادتها ، وحمل أمها إياها إلى الكنيسة ، تشاحوا في الذي يحضنها ، ويكفل تربيتها ، وهذا قول الأكثر .

وقال بعضهم : كان ذلك وقت كبرها وعجز زكريا عن تربيتها . وفي هذه الآية دلالة على أن للقرعة مدخلا في تميز الحقوق . وقد قال الصادق (عليه السلام) : ما تقارع قوم ، ففوضوا أمورهم إلى الله تعالى ، إلا خرج سهم المحق . وقال : أي قضية أعدل من القرعة ، إذا فوض الأمر إلى الله تعالى ، يقول : {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات : 141] .

وقال الباقر : أول من سوهم عليه مريم ابنة عمران ، ثم تلا {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} الآية . والسهام ستة ثم استهموا في يونس ، ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة بنين ، فنذر في العاشر إن يرزقه الله غلاما أن يذبحه ، فلما ولد له عبد الله لم يقدر أن يذبحه ورسول الله في صلبه ، فجاء بعشرة من الإبل فساهم عليها ، وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله . فزاد عشرا فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ، ويزيد عشرا . فلما أن أخرجت مائة خرجت السهام على الإبل . فقال عبد المطلب : ما أنصفت ربي ، فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الإبل ، فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي بها ، فنحرها .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص290-292 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهً اصْطَفاكِ :

{وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهً اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ} . ذكر أولا أم مريم وحملها ونذرها ، وزكريا الذي كفل مريم ، ثم ذكر مريم ، ورزق اللَّه لها بغير حساب ، ثم ذكر زكريا ودعاءه واستجابته ، والآن يعود إلى مريم . . على عادة القرآن ، حيث يستطرد من قضية إلى غيرها لمناسبة بين القضيتين ، ثم يعود إلى الأولى لغرض في العودة .

والمراد بالاصطفاء الأول قبولها محرّرة لخدمة بيت اللَّه ، وكان ذلك خاصا بالرجال ، أما الاصطفاء الثاني فلولادتها نبيا دون أن يمسها بشر ، وقيل : هو تأكيد للأول . أما التطهير فقال صاحب تفسير المنار ما نصه : « قد فسر الطهر بعدم الحيض . وروي ان السيدة فاطمة الزهراء ما كانت تحيض ، وانها لذلك لقبت بالزهراء » .

والذي نرجحه ان التطهير شهادة بنزاهة مريم ، وبراءتها من كل شبهة حول ولادتها .

وتجمل الإشارة إلى أن مريم ليست نبية للإجماع على انه لم تنبّأ امرأة ، قال تعالى : {وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف - 109] .

أما كلام الملائكة معها فلا يستدعي أن تكون نبية ، فلقد أوحى اللَّه إلى أم موسى ، كما في الآية 7 من سورة القصص ، ولم يدّع أحد لها النبوة ، وإذا انقطع الوحي بعد محمد (صلَّ الله عليه واله وسلم) عن الأنبياء ، وغير الأنبياء فقد كان من قبله ينزل على الأنبياء وغير الأنبياء ، والدليل هذه الآية ، وآية : أوحينا إلى أم موسى . أما قوله تعالى : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} فنتعرض له قريبا بفقرة مستقلة بعنوان : «من هي سيدة نساء العالمين» .

 

فضل القرآن على النصارى :

سبق القول : ان وفدا من نصارى نجران جاؤوا إلى المدينة يحاجون رسول اللَّه في نبوته ، ويدعون ألوهية عيسى ، فتلا عليهم الرسول (صلَّ الله عليه واله وسلم) من أنباء الغيب طرفا من قصة امرأة عمران وزكريا ومريم ، ليثبت لهم انه لا ينطق إلا بوحي من اللَّه ، ثم تلا هذه الآية : {يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهً اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ} .

وتلاوة النبي هذه الآية لوفد نجران المسيحي الذي جاء يحاجه ويجادله دليل قاطع على عظمة الإسلام ، وصدق نبيّه الكريم . . ان اليهود لم يتورعوا أن يلصقوا الأكاذيب والافتراءات بمريم ، ويثيروا الشبهات والتهم حول ولادتها . . فكذبهم اللَّه ، وسجل في كتابه الذي يتلوه الملأ أبد الدهر ، سجل فيه نزاهتها وبراءتها ، وقطع الطريق على كل متقول ومزوّر . ولو لم يكن محمد صادقا في رسالته ، واثقا بدعوته لأخفى ذلك عن النصارى الذين لاقى منهم العنت والتكذيب .

لقد أسدى الإسلام بهذه الآية أعظم الأيادي إلى النصارى ، ولولاها لسمعوا الكثير من بعض المسلمين عند التخاصم ، كما سمعوا من اليهود في حق مريم الطاهرة . . ولكن المسلم يعلم ان نزاهة السيدة مريم من صلب عقيدته ، وان التهجم عليها كفر وخروج عن دين الإسلام . . ويأتي المزيد في البحث عند تفسير الآية 82 من سورة المائدة : {ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْباناً وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} .

{يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} . أمرها بالعبادة للإعداد والتهيئة للأمر الخطير ، وهو ولادة عيسى (عليه السلام) ، وما من أمر خطير الا سبقته مقدماته التي تمهد لحدوثه ، وكذلك أوصى اللَّه سبحانه عيسى بالصلاة والزكاة ما دام حيا .

{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} . الخطاب موجه من اللَّه لرسوله ، والمعنى ان ما تتلوه على الناس بعامة ، والنصارى بخاصة ، ووفد بحران بصورة أخص ، كقصة مريم وأمها امرأة عمران ، وقصة زكريا ويحيى ، كل ذلك ، وما إليه لم تقرأه في كتاب ، ولم تسمعه من الحفّاظ ، لأنك أمي في أمة أمية ، وانما هو علم بالغيب ، ووحي من اللَّه . . وهذه حجة لك على خصمك ، وبرهان على صدقك . . وما نقل الرواة ان وفد نجران رد هذه الحجة أو اعترض عليها ، ولو كانت موضع جدال لما سكتوا .

{وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} . القلم معروف ، وهو الذي يكتب به ، وجمعه أقلام ، والمراد بالأقلام هنا السهام التي يضربون بها القرعة ، والمعنى : ان إخبارك إياهم بهذه الحقائق والدقائق عن مريم وزكريا لم تقرأها في كتاب ، ولم تسمعها من الحفاظ ، فلم يبق - إذن - الا أن تكون قد شاهدتها بنفسك ، مع العلم ان بينك وبينها مئات السنين ، فتعين أن يكون علمك بها وحيا من اللَّه إليك .

أما قصة الاقتراع وإلقاء الأقلام فخلاصتها ان حنة امرأة عمران حين ولدت مريم كانت قد نذرتها لبيت المقدس ، وولدتها بعد أن مات أبوها عمران ، فتنافس عليها الكهنة والأحبار من بني إسرائيل ، وأخيرا اقترعوا فيما بينهم ، فخرج قلم زكريا زوج خالتها ، وعندها تركوها له ، فتكفلها ، وصار وليها والقائم بأمرها .

 

من هي سيدة نساء العالمين ؟

سبق ان اللَّه سبحانه خاطب السيدة مريم (عليها السلام) بقوله : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} . وقد أحدثت هذه الآية اختلافا بين علماء المسلمين : هل مريم بنت عمران أفضل ، أم فاطمة بنت محمد أفضل ؟ .

ذهب جماعة إلى أن خير النساء أربع ، وأحجموا عن المفاضلة بينهن ، لحديث : « خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد» . وهذا الحديث مذكور في صحاح السنة ، ورأيته في تفسير الطبري والرازي والبحر المحيط ، وروح البيان والمراغي وصاحب المنار .

وقال آخرون : مريم أفضل للظاهر {نِساءِ الْعالَمِينَ} .

وقال الشيعة وشيوخ من السنة : ان فاطمة أفضل ، وننقل هذا القول عن جماعة من شيوخ السنة ، استنادا إلى تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي عند تفسيره لآية : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} .

قال ما نصه بالحرف : « قال بعض شيوخنا : والذي اجتمعت عليه من العلماء انهم ينقلون عن أشياخهم ان فاطمة أفضل نساء المتقدمات والمتأخرات ، لأنها بضعة من رسول اللَّه » .

ومما استدل به القائلون بأفضلية فاطمة (عليها السلام) ما تواتر عن أبيها من طريق السنة والشيعة : « فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني » .

أما قوله تعالى لمريم : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} فالمراد به عالم زمانها ، لا كل زمان ، وهذا التعبير معروف ومألوف ، يقال : فلان أشعر الناس ، أو أعلمهم ، ويراد بذلك انه أشعر أو أعلم أهل زمانه ، أو أبناء أمته ، ونظيره كثير في القرآن ، ومنه قوله تعالى عن بني إسرائيل : {وفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ}[الجاثية - 15] . ولا يختلف اثنان بأن المراد عالم زمانهم ، فكذلك تفضيل مريم التي هي من بني إسرائيل . . ومنه قوله تعالى : {وإِسْماعِيلَ والْيَسَعَ ويُونُسَ ولُوطاً وكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ} [الانعام - 86] : ولا قائل بأن لوطا أفضل من عيسى ، أو مساويا له في الفضل ، ولا إسماعيل أفضل من أبيه . ومنه : {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل - 23] . أي كل شيء في زمانها .

ونعود إلى النسوة الأربع ، وهن آسية ومريم وخديجة وفاطمة اللائي ورد الحديث بأنهن خير النساء ، ونقول : لو نظرنا إليهن صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنة لألفينا ان كل واحدة منهن تختص بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات فآسية امرأة فرعون آمنت باللَّه مخلصة له لائذة به وحده ، وهي في بيت شر العباد ، ورأس الكفر والإلحاد ، وقد جاهرت بإيمانها منكرة على فرعون كفره وفساده ، متحدية ظلمه وطغيانه ، فأوتد لها الأوتاد ، حتى قضت شهيدة الحق والايمان ، ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاث .

أما السيدة مريم فقد كرّمها بولادة السيد المسيح من غير أب ، وما عرفت هذه الكرامة لامرأة على وجه الأرض .

أما السيدة خديجة فإنها أول من آمن وصدّق رسول اللَّه ، وصلَّت هي وعلي ابن أبي طالب مع الرسول الأعظم (صلّ الله عليه واله وسلم) أول صلاة أقيمت في الإسلام ، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين . . ولولا أموالها ، وحماية أبي طالب لمحمد (صلَّ الله عليه واله وسلم) لقضي على الإسلام في مهده ، ولم يكن له عين ولا أثر . . ولم تكن هذه الكرامة لغيرها من نساء العالمين .

أما فاطمة فإنها بضعة من رسول اللَّه ، بل هي نفسه خلقا وخلقا ومنطقا وصلاحا وتقى ، يرضيه ما يرضيها ، ويؤذيها ما يؤذيه ، وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنة ، وعقيلة سيد الكونين بعد رسول اللَّه ، ولم تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ، ولا لآسية ولا مريم .

أما التفاضل بين هذه الكرامات فإنه تماما كالتفاضل بين الورد والياسمين ، وثنتين من الحور العين . . لكن يكفي أن تكون لفاطمة الزهراء واحدة من خصال أبيها ، حتى ترجح على نساء العالمين قاطبة من الأولين والآخرين ، فكيف إذا كانت بضعة منه ؟ انه أفضل الأنبياء ، وهي بضعة منه فتثبت لها الأفضلية .

وفي الجزء الخامس من صحيح البخاري ، باب مناقب قرابة رسول اللَّه عن أبيها انه قال : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة . وإذا كانت فاطمة بضعة من الرسول فان بعلها عليا هو نفس رسول اللَّه ، والدليل قوله تعالى : أَنْفُسَنا ، في آية المباهلة 61 آل عمران .

ملحوظة : هذا البحث معطوف على البحث السابق عند تفسير الآية 37 من هذه السورة ، فقرة « فاطمة ومريم » . . فإن كلا منها متمم للآخر .

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص51-60 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)   :

 

قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} ، الجملة معطوفة على قوله : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} ، فتكون شرحا مثله لاصطفاء آل عمران المشتمل عليه قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} ، الآية .

وفي الآية دليل على كون مريم محدثة تكلمها الملائكة وهي تسمع كلامهم كما يدل عليه أيضا قوله في سورة مريم : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} إلى آخر الآيات ، وسيأتي الكلام في المحدث .

وقد تقدم في قوله تعالى : {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} الآية : أن ذلك بيان لاستجابة دعوة أم مريم : {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، الآية وأن قول الملائكة لمريم : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} إخبار لها بما لها عند الله سبحانه من الكرامة والمنزلة فارجع إلى هناك .

فاصطفاؤها تقبلها لعبادة الله ، وتطهيرها اعتصامها بعصمة الله فهي مصطفاة معصومة ، وربما قيل : إن المراد من تطهيرها جعلها بتولا لا تحيض فيتهيأ لها بذلك أن لا تضطر إلى الخروج من الكنيسة ، ولا بأس به غير أن الذي ذكرناه هو الأوفق بسياق الآيات .

قوله تعالى : {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} قد تقدم في قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} إلى قوله : {عَلَى الْعالَمِينَ} أن الاصطفاء المتعدي بعلى يفيد معنى التقدم ، وأنه غير الاصطفاء المطلق الذي يفيد معنى التسليم ، وعلى هذا فاصطفاؤها على نساء العالمين تقديم لها عليهن .

وهل هذا التقديم تقديم من جميع الجهات أو من بعضها ؟ ظاهر قوله تعالى فيما بعد الآية : {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ} الآية ، وقوله تعالى : {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 91] وقوله تعالى : {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم : 12] ، حيث لم تشتمل مما تختص بها من بين النساء إلا على شأنها العجيب في ولادة المسيح (عليه السلام) أن هذا هو وجه اصطفائها وتقديمها على النساء من العالمين .

وأما ما اشتملت عليه الآيات في قصتها من التطهير والتصديق بكلمات الله وكتبه ، والقنوت وكونها محدثة فهي أمور لا تختص بها بل يوجد في غيرها ، وأما ما قيل : إنها مصطفاة على نساء عالمي عصرها فإطلاق الآية يدفعه .

قوله تعالى : {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، القنوت هو لزوم الطاعة عن خضوع على ما قيل ، والسجدة معروفة .

والركوع هو الانحناء أو مطلق التذلل .

ولما كان النداء يوجب تلفيت نظر المنادى اسم مفعول وتوجيه فهمه نحو المنادي اسم فاعل كان تكرار النداء في المقام بمنزلة أن يقال لها : إن لك عندنا نبأ بعد نبإ فاستمعي لهما وأصغي إليهما : أحدهما ما أكرمك الله به من منزلة وهو ما لك عند الله ، والثاني ما يلزمك من وظيفة العبودية بالمحاذاة ، وهو ما لله سبحانه عندك ، فيكون هذا إيفاء للعبودية وشكرا للمنزلة فيئول معنى الكلام إلى كون قوله : {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي} "الخ" بمنزلة التفريع لقوله : {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} "الخ" أي إذا كان كذلك فاقنتي {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، ولا يبعد أن يكون كل واحدة من الخصال الثلاث المذكورة في هذه الآية فرعا لواحدة من الخصال الثلاث المذكورة في الآية السابقة ، وإن لم يخل عن خفاء فليتأمل .

قوله تعالى : {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} ، عده من أنباء الغيب نظير ما عدت قصة يوسف (عليه السلام) من أنباء الغيب التي توحى إلى رسول الله ، قال تعالى : {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف : 102] ، وأما ما يوجد من ذلك عند أهل الكتاب فلا عبرة به لعدم سلامته من تحريف المحرفين كما أن كثيرا من الخصوصيات المقتصة في قصص زكريا غير موجودة في كتب العهدين على ما وصفه الله في القرآن .

و يؤيد هذا الوجه قوله تعالى في ذيل الآية : {وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ} "الخ" .

على أن النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) وقومه كانوا أميين غير عالمين بهذه القصص ولا أنهم قرءوها في الكتب كما ذكره تعالى بعد سرد قصة نوح : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود : 49] ، والوجه الأول أوفق بسياق الآية .

قوله تعالى : {وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}"الخ" ، القلم بفتحتين القدح الذي يضرب به القرعة ، ويسمى سهما أيضا ، وجمعه أقلام ، فقوله : {يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} أي يضربون بسهامهم ليعينوا بالقرعة أيهم يكفل مريم .

وفي هذه الجملة دلالة على أن الاختصام الذي يدل عليه قوله : {وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} إنما هو اختصامهم وتشاحهم في كفالة مريم ، وأنهم لم يتناهوا حتى تراضوا بالاقتراع بينهم فضربوا بالقرعة فخرج السهم لزكريا فكفلها بدليل قوله : {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ، الآية .

وربما احتمل بعضهم أن هذا الاختصام والاقتراع بعد كبرها وعجز زكريا عن كفالتها ، وكان منشؤه ذكر هذا الاقتراع والاختصام بعد تمام قصة ولادتها واصطفائها وذكر كفالة زكريا في أثنائها ، فيكونان واقعتين اثنتين .

وفيه أنه لا ضير في إعادة بعض خصوصيات القصة أو ما هو بمنزلة الإعادة لتثبيت الدعوى كما وقع نظيره في قصة يوسف حيث قال تعالى بعد تمام القصة - : {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف : 102] يشير بذلك إلى معنى قوله تعالى في أوائل القصة .

{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .. - إلى أن قال : {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف : 8 - 10] .

____________________

1. تفسير الميزان ، ج3 ، ص 163-166 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الانتخاب الإلهي لمريم :

بعد الإشارات العابرة إلى مريم في الآيات السابقة التي دارت حول عمران وزوجته ، هذه الآية تتحدّث بالتفصيل عن مريم .

تقول الآية إنّ الملائكة كانوا يكلّمون مريم : {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ . . .}(2) .

ما أعظم هذا الإفتخار بأن يتحدّث الإنسان مع الملائكة ويحدثونه . وخاصة إذا كانت المحادثة بالبشارة من الله تعالى بإختياره وتفضيله . كما في مورد مريم بنت عمران . فقد بشرتها الملائكة بأن الله تعالى قد إختارها من بين جميع نساء العالم وطهّرها وفضلها بسبب تقواها وإيمانها وعبادتها .

والجدير بالذكر أن كلمة «اصطفاك» تكررت مرتين في هذه الآية ، ففي المرّة الاُولى كانت لبيان الاصطفاء المطلق ، وفي الثانية إشارة إلى أفضليّتها على سائر نساء العالم المعاصرة لها .

هذا يعني أن مريم كانت أعظم نساء زمانها ، وهو لا يتعارض مع كون سيّدة الإسلام فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيّدة نساء العالمين ، فقد جاء في أحاديث متعدّدة عن رسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) والإمام الصادق (عليه السلام) قولهما :

«أمّا مريم فكانت سيّدة نساء زمانها . أمّا فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين» (3) .

كما أنّ كلمة «العالمين» لا تتعارض مع هذا الكلام أيضاً ، فقد وردت هذه الكلمة في القرآن وفي الكلام العام بمعنى الناس الذين يعيشون في عصر واحد ، كما جاء بشأن بني إسرائيل {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة : 122] . فلا شكّ أنّ تفضيل مؤمني بني إسرائيل كان على أهل زمانهم .

{يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} .

هذه الآية تكملة لكلام الملائكة مع مريم . فبعد أن بشّرها بأنّ الله قد اصطفاها ، قالوا لها : الآن اشكري الله بالركوع والسجود والخضوع له اعترافاً بهذه النعمة العظمى .

نلاحظ هنا أنّ الملائكة يصدرون إلى مريم ثلاثة أوامر :

الأول : القنوت أمام الله . والكلمة ـ كما سبق أن قلنا ـ تعني الخضوع ودوام الطاعة .

الثاني : السجود ، الذي هو أيضاً دليل الخضوع الكامل أمام الله .

والثالث : الركوع ، وهو أيضاً خضوع وتواضع .

أمّا القول : {وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} فقد يكون إشارة إلى صلاة الجماعة ، أو طلب إلتحاقها بجموع المصلّين الراكعين أمام الله . أي إركعي مع عباد الله المخلصين الذين يركعون لله .

في هذه الآية ، الإشارة إلى السجود تسبق الإشارة إلى الركوع ، وليس معنى هذا أنّ سجودهم قبل ركوعهم في صلاتهم ، بل المقصود هو أداء العبادتين دون أن يكون القصد ذكر ترتيبهما ، كما لو كنّا نطلب من أحدهم أن يصلّي ، وأن يتوضّأ ، وأن يتطهّر ، إذ يكون قصدنا أن يقوم بكلّ هذه الأُمور . إنّ العطف بالواو لا يقتضي الترتيب . ثمّ إنّ الركوع والسجود أصلاً بمعنى التواضع والخضوع ، وما حركتا الركوع والسجود المألوفان سوى بعض مصاديق ذلك .

 

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} .

 

كفالة مريم :

هذه الآية تشير إلى جانب آخر من قصة مريم وتقول بأن ما تقدّم من قصة مريم وزكريّا إنّما هو من أخبار الغيب {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} لأنّ هذه القصة بشكلها الصحيح والخالي من شوائب الخرافة لا توجد في أيِّ من الكتب السابقة . مضافاً إلى أن سند هذه القصة هو وحي السماء .

ثمّ تضيف الآية : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}أي أنكِ لم تكن حاضراً حينذاك . بل جاءك الخبر عن طريق الوحي .

سبق أن قلنا إن أُمّ مريم بعد أن وضعتها لفّتها في قطعة قماش وأتت بها إلى المعبد وخاطبت علماء بني إسرائيل وأشرافهم بقولها : هذه المولودة قد نُذرت لخدمة بيت الله ، فليتعهّد أحدكم بتربيتها . ولمّا كانت مريم من أُسرة معروفة «آل عمران» ، أخذ علماء بني إسرائيل يتنافسون في الفوز بتعهّد تربيتها . وأخيراً اتّفقوا على إجراء القرعة بينهم ، فجاؤوا إلى شاطىء نهر وأحضروا معهم أقلامهم وعصيّهم التي كانوا يقترعون بها . كتب كلّ واحد منهم اسمه على قلم من الأقلام ، وألقوها في الماء ، فكلّ قلم غطس في الماء خسر صاحبه ، والرابح يكون من يطفو قلمه على الماء : غطس القلم الذي كتب عليه اسم زكريا ، ثمّ عاد وطفا على سطحه ، وبذلك أصبحت مريم في كفالته ، وقد كان في الحقيقة أجدرهم بذلك ، فهو نبيٌ وزوج خالة مريم .

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص273-275 .

2-المراد من طهارة مريم (عليه السلام) طهارتها من العادة الشهرية وأن تكون في خدمة ((بيت المقدس)) أو طهارتها من كل رجس او دنس اخلاقي او معنوي .

3 ـ نور الثقلين : ج 1 ص 337و338 ، والبحار : ج 37 ص 85 .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي