أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2018
22351
التاريخ: 24-11-2018
3770
التاريخ: 25-11-2018
5526
التاريخ: 25-11-2018
4120
|
نظرية الفونيم والكتابة:
من الملاحظ في دراسة أية لغة من اللغات، أن مجموعة من الأصوات، التي قد تختلف فيما بينها، من ناحية المخرج أو الصفة، ينظر إليها من ناحية الكتابة والمعنى المعجمي، كما لو كانت صوتا واحدًا، وذلك مثل صوت "النون" في اللغة العربية مثلا، فقد لاحظنا من قبل أن ما يسمى بصوت النون في لغتنا العربية يندرج تحته عدد من الأصوات، يختلف فيما بينه في المخرج إلى حد ما، فالنون الموجودة في كلمة: "نقول" مثلا، غيرها في "إن ثار" أو "إن ظهر" و"إن شرق" أو "إن قام" وغير ذلك. وهذه الأصوات المختلفة المخارج، نطلق عليها جميعا اسم "صوت النون".
ومثال ذلك أيضا، أن السين في كلمة: "سماء" تختلف من ناحية الصفة، عنها في كلمة: "سطاء" مثلا، فهي في الثانية ذات قيمة تفخيمية، ليست في الأولى، ومع ذلك فإننا نسمي كل واحدة منهما سينا، ونرمز لهما في الكتابة برمز واحد، كما نرمز لأصوات النون المختلفة فيما مضى، برمز واحد في الكتابة كذلك.
هذه الأصوات المختلفة، التي يعبر عنها في الكتابة برمز واحد، ولا تستخدم في اللغة للتفريق بين المعاني المختلفة، هي ما يطلق عليه الغربيون اسم: "فونيم(1)Phoneme= وحدة صوتية/ عائلة صوتية. وفي إمكاننا نحن أن نطلق عليه اسم: "حرف" مقصودًا به الرمز الكتابي، ونعمل بذلك على التفريق بين الاصطلاحين: "صوت" و"حرف". فالصوت هو ذلك
ص83
الذي نسمعه ونحسه، أما الحرف فهو ذلك الرمز الكتابي، الذي يتخذ وسيلة منظورة، للتعبير عن صوت معين، أو مجموعة من الأصوات لا يؤدي تبادلها في الكلمة، إلى اختلاف المعنى.
فالفرق بين الصوت والحرف "هو فرق ما بين العمل والنظر، أو بين المثال والباب، أو بين أحد المفردات والقسم الذي يقع فيه، فالصوت عملية نطقية تدخل في تجارب الحواس، وعلى الأخص السمع والبصر، يؤديه الجهاز النطقي حركة، وتسمعه الأذن، وترى العين بعض حركات الجهاز النطقي حين أدائه. أما الحرف فهو عنوان مجموعة من الأصوات، يجمعها نسب معين، فهو فكرة عقلية لا عملية عضلية. وإذا كان الصوت مما يوجده المتكلم، فإن الحرف مما يوجده الباحث"(2).
ويقول "فندريس": "لسنا في حاجة إلى القول بأننا لا نستطيع إحصاء الأصوات في لغة ما، بعدد الحروف الموجودة في أبجديتها. فكل لغة فيها من الأصوات، أكثر مما في كتابتها من العلامات. تلك حال الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية، ومع ذلك فإن عدد الأصوات في أية لغة، لا يكاد يتعدى الستين عادة، بل يمكن أن ينزل عن ذلك، نزولا محسوسا"(3).
وهذه التفرقة بين "الصوت" و"الحرف" على هذا النحو نتوصل بها إلى جعل "الحرف" مساويا للاصطلاح الغربي: "فونيم". أما القدماء من علماء العربية، فإنهم كانوا يستخدمون الكلمتين بمعنى واحد أحيانا، أو يفرقون بينهما تفرقة تختلف عما نعنيه نحن بهما هنا.
ص84
فابن جني مثلا يفرق بينهما، فيقول: "اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلا متصلا، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين، مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا. وتختلف أجراس الحروف، بحسب اختلاف مقاطعها، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك، ألا ترى أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرسا ما، فإن انتقلت عنه راجعا منه، أو متجاوزًا له، ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول، وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها، سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت إلى الجيم، سمعت غير ذينك الأولين"(4).
فابن جني يفهم الصوت هنا -فيما يبدو- على أنه صوت ذبذبة الأوتار الصوتية، وإن لم يصرح بذلك. أما الحرف فإنه يرادف في كلامه، ما سبق أن سميناه بمخرج الصوت، وذلك واضح من قوله بعد ذلك: "الحرف حد منقطع الصوت وغايته"(5). ومثل هذ الفهم للصوت والحرف عن ابن جني، يوجد كذلك عند ابن سينا؛ إذ يقول: "والحرف هيئة للصوت عارضة له، يتميز بها عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تميزا في المسموع"(6).
وتصور "الفونيم" أو "الحرف" بالمعنى الذي قدمناه تصور حديث جدا في علم اللغة، وفي علم الأصوات اللغوية، وكان الذي دعا العلماء
ص85
المحدثين للقول به، أنهم لاحظوا أن أصوات أي لغة من اللغات، لا حد لها في واقع الأمر، وأن ما نسميه صوتا واحدا، قد يتردد هو نفسه في كلمة من الكلمات، أكثر من مرة، ولكنه لا ينطق بنفس الصورة في كل مرة، فإننا إذا نطقنا كلمة مثل: "بَطَرَ"، فإننا نجد أن صوت الفتحة الأولى في هذه الكلمة، غير الفتحة الثانية، من الناحية الصوتية، وغير الفتحة الثالثة. ومع أن هذه الفتحات الثلاث متغايرة فيما بينها، فإن هذا التغاير لا يؤدي إلى تغير في وظيفة أي منها، فلا يكون للكلمة معنى معين إذا استخدمنا فيها فتحة من هذه الفتحات، ثم يتغير المعنى إذا غيرنا هذه الفتحة بفتحة أخرى.
والوظيفة اللغوية هي التي تجعلنا نتغاضى عن أمثال هذه التنوعات، التي يقضي بها سياق صوتي معين، فنسوي بين الفتحات الثلاث، في كلمة: "بَطَرَ" مثلا، ونرى فيها شيئا واحدا، فإن هذه الفتحات -وهي مختلفة من حيث تكوينها- متطابقة من حيث الوظيفة اللغوية، التي تؤديها، فهي تنوعات أو أفراد لنفس "الفونيم"، فإن أي واحدة منها لو وضعت مكان واحدة أخرى في أي كلمة من الكلمات العربية، لم يتغير معناها.
ويشرح الدكتور السعران هذه الفكرة بقوله: "إن النونات المختلفة صوتيا في اللغة العربية، لا تعارض أو لا تقابل بينها؛ لأننا لا نستطيع أن نغير معنى كلمة، بإحلال إحداها محل سواها، ولكن ثمة تقابل في العربية بين التاء والدال مثلا؛ لأننا نقول: "تاء" ثم نحل محل التاء دالا، ولا ندخل أي تغيير آخر على الكلمة فنقول: "داء" وهي من كلمات العربية، فالتاء فونيم والدال فونيم"(7).
ص86
وتقابل الأصوات، يختلف من لغة إلى أخرى في العدد والنوع، فالسين تقابل الزاي في اللغة العربية، من ناحية الهمس والجهر، وكل واحد منهما "فونيم" أو "حرف"؛ لأن معنى الكلمة يتغير بإحلال إحداها محل الأخرى فيها، مثل: "سار" و"زار". وهذا بعكس اللغة الألمانية مثلا، فإن "الفونيم" أو الحرف s فيها ينطق زايا، قبل الحركة، مثل: Sehen= يرى، وسينا بعد الحركة، مثل: bis= إلى، فصوت الزاي موجود في اللغة الألمانية، غير أنه ليس فونيما مستقلا، وإنما هو فرع من فونيم آخر؛ لأنه لا توجد كلمة ألمانية، يختلف فيها المعنى بإحلال السين محل الزاي، أو العكس، كما هي الحال في "سار" و"زار" في اللغة العربية.
وفي اللغة العربية تتقابل السين والصاد، في الترقيق والتفخيم، فكل صوت منهما "فونيم". ومع أن صوت الصاد يوجد في اللغة الإنجليزية في مثل: Sun= شمس، فإنه لا يعد من فونيمات اللغة الإنجليزية؛ لأنه لا يستخدم فيها للتفريق بين المعاني، أي أنه ليس فيها كلمتان، لكل منهما معنى مستقل، وتطابق أصوات إحداهما أصوات الأخرى، إلا أنه يقابل السين في إحداهما الصاد في الأخرى كما هو الحال في اللغة العربية، في مثل: "سار" و"صار". فالسين العربية فونيم، أما صوت الصاد المسموع في الإنجليزية، فهو فرع من فونيم السين S.
تلك هي نظرية "الفونيم"، وإذا تدبرناها عرفنا أن الكتابة وسيلة ناقصة، لتسجيل أصوات اللغة، فقد قامت الأبجديات المختلفة -على الأقل في أذهان واضعيها الأوائل- على أساس الرمز لكل "فونيم" برمز كتابي معين، يدل على جميع أفراد عائلة هذا الفونيم ولم تخصص هذه الأبجديات رموزا معينة، لفروع الفونيمات المتعددة. وهذه إحدى عيوب تسجيل اللغة
ص87
بالكتابة، فإن الأجنبي الذي يتعلم اللغة العربية بواسطة الكتاب، لا يستطيع أن يدرك فروع "فونيم" النون، في تلك اللغة مثلا، ولذلك فإنه سينطقها أو يحاول نطقها كلها بطريقة واحدة.
وكذلك العربي الذي يتعلم الألمانية من الكتاب، لا شك أنه سيلغي كذلك الفروق الموجودة بين فروع عائلة السين، وستظهر في نطقه سينا، لا أثر فيها لصوت الزاي في أية كلمة من الكلمات.
ويشرح لنا "ماربو باي" تضليل الكتابة، وعدم دلالتها على فروع الفونيم الواحد، في كثير من اللغات، فيقول: "الراء في معظم اللغات مكررة أو ترددية، نطقها في مقدمة اللسان، مع حدوث ذبذبة في الأوتار الصوتية. والصوت الممثل كتابة في الفرنسية ب "R" مجهور نتيجة ذبذبة اللهاة معه. وفي الإنجليزية الأمريكية، يتم إنتاجه غالبا بتقعير اللسان، والسماح لتيار الهواء بالمرور على امتداد حوافه. هذه التنوعات الثلاثة، لصوت تمثله الأبجديات الإملائية في كل اللغات برمز واحد، أوضح مثال على وجوب عدم الثقة في نظام الكتابة العادي، لتمثيل الصوت المنطوق. ولو أن أمريكيا أراد أن يتعلم الفرنسية عن طريق الصورة المكتوبة، فإنه ولا شك سينطق ما يراه ممثلا على شكل "R" تماما بنفس قيمته في الإنجليزية الأمريكية"(8).
وهكذا يؤدي اشتراك بعض الأمم، في استخدام أبجدية ذات أصل واحد للدلالة على أصواتها المختلفة إلى وقوع كثير من الأخطاء، عند تعلم أحد الأفراد لغة أمة من تلك الأمم الأخرى، عن طريق تلك الأبجدية لا غير.
ومن أمثلة ذلك أن الحروف اللاتينية، تستعملها بلاد مختلفة من
ص88
شعوب أوربا ذات اللغات المتعددة، كالإنجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم. وقد عرفنا من قبل أن السين والزاي فرعان لفونيم واحد في اللغة الألمانية. وذلك على العكس من الإنجليزية، فكل واحد منهما فونيم مستقل فيها، ويرمز للأول بالرمز S والثاني بالرمز Z، وهذا الرمز الأخير في الألمانية، يدل على فونيم مختلف عن ذلك كل الاختلاف، هو الصوت المزدوج "تس" الذي سبق أن تحدثنا عنه، ولهذا فإننا نجد أن الألماني الذي لا يعرف الإنجليزية، ويقرأ كلمة إنجليزية فيها هذا الرمز Z، فإنه ينطقه: "تس". ومثل ذلك يحدث للإنجليزي الذي لا يعرف الألمانية، ويقرأ كلمة ألمانية فيها هذا الصوت Z، فإنه ينطقه زايا.
وهذا هو السر، في أن من يعرف الإنجليزية من المصريين، ولا يعرف الألمانية، ينطق اسم المدينة الألمانية: Leipzig ليبزج، وصوابها: "ليبتسج". كما ينطقون اسم المستشرق الألماني: Goldziher جولدزيهر، وصوابه: "جولدتسيهر" ... وهكذا.
ويقول "ماريو باي" في ذلك: "يحدث الخطأ بسبب وقوع المحلل اللغوي، تحت تأثير عاداته اللغوية الخاصة وإن محللا يتكلم اللغة الإنجليزية، ربما غررت به طبيعته، وجعلته يخلط الكاف والقاف العربيتين. ويضعها تحت فونيم واحد، مماثل للأصوات الطبقية، الموجودة في الإنجليزية في: kin و cool ولكن الاختلاف الدلالي بين كلمتي: كلب، وقلب العربيتين، كاف لإثبات خطئه. ومن ناحية أخرى فإن المحلل العربي، ربما ظن خطأ وجود خلاف فونيمي، بين الألوفونين الإنجليزيين للصوت المهموس الطبقي الانفجاري، اللذين يقع أحدهما قبل العلة الأمامية والآخر قبل العلة الخلفية "cool kill" فيتصور خطأ أنهما فونيمان اثنان، إلى أن يلاحظ اختفاء
ص89
الأساس في التقسيم الفونيمي، وهو تغير المعنى مع تغير الفونيم، ويعجز عن العثور على أي ثنائيات صغرى"(9).
ومن أجل هذا العيب في دلالة الكتابة على النطق الصحيح، حاول علماء الأصوات، وضع أبجديات صوتية، تمثل النطق تمثيلا صحيحا، وبذلوا في ذلك جهودا كبيرة، وتشعبت بهم السبل في ذلك. وأشهر تلك الأبجديات الصوتية، أبجدية "الجمعية الصوتية الدولية" التي كانت نتيجة لجهود كثير من علماء الأصوات المختلفين.
ص90
__________
(1) انظر لنظرية "الفونيم" أسس علم اللغة لما ريوباي 48، 87.
(2) انظر: اللغة بين الوصفية والمعيارية 130.
(3) اللغة لفندريس 62.
(4) سر صناعة الإعراب 1/ 6.
(5) سر صناعة الإعراب 1/ 16.
(6) أسباب حدوث الحروف 6.
(7) علم اللغة 215.
(8)أسس علم اللغة 86، 87.
(9)أسس علم اللغة 124.
|
|
بـ3 خطوات بسيطة.. كيف تحقق الجسم المثالي؟
|
|
|
|
|
دماغك يكشف أسرارك..علماء يتنبأون بمفاجآتك قبل أن تشعر بها!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تواصل إقامة مجالس العزاء بذكرى شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
|