أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2019
2821
التاريخ: 11-2-2019
2243
|
النظرة الاستاتيكية:
يقول فيرث(1): إن دي سوسير أول من فرق تفريقا فنيا بين دراسة التغير في المعنى، ودراسة المعنى في حالة سينكرونية، وأطلق على الأخيرة "Semiologie"، ورأى أن هذا النوع من فروع الدراسة، يجب أن يستخدم نتائج علم النفس، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، ليقرر أبوابه، ويصف حقائقه؛ وأن علم اللغة لن يصبح علما بغير اعتبار هذا الفرع.
والآن ننفض أيدينا من وجهة النظر التاريخية، لننشئ منهجا لدراسة الصيغة، والوظيفة، في اللغة فنجعل الفكرة المركزية في هذا المنهج هي "الماجريات"،
ص251
وهي تدل -بأحد معانيها- على مجموع عناصر محيطة بموضوع التحليل، تشمل حتى التكوين الشخصي، والتاريخ الثقافي، للشخص؛ ويدخل في حسابها الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهذا الاصطلاح -بالنسبة لعلم اللغة- قصد به دائمًا سياق النص، أما في السلوك الكلامي العادي، فكل وضَع -مهما كان- يعتبر عنصرًا من عناصر الماجريات.
وقد تكون الصيغة أصواتية "ويشمل ذلك التنغيم"، أو إملائية، ولكنها يجب أن يقصد بها الشكل الخالص في الموضع المعين، مع إخراج الأبواب المنطقية، والجراماطيقية، وكما ينبغي أن نؤكد ضرورة الدراسة الصرفية الصحيحة، باعتبارها ضمانًا لدراسة الدلالة، من الناحية التاريخية، يجب أن نقول: إن أية دراسة دلالية وصفية للكلام، لا يمكن أن يعتمد عليها، إذا لم تأخذ في اعتبارها الأصوات "والتنغيم داخل هنا"، ونحن لا نستطيع أن نبدأ الصرف بلا دراسة الأصوات، بل إننا في بعض الحالات نجد الأصوات دراسة ضرورية للنحو أيضا. فالأبواب الشكلية أصواتية تنغيمية موقعية، ولكن هناك أبوابًا عامة نحوية في طبيعتها، كالجملة المؤكدة، وغير المؤكدة، والطلب والتقرير، والتمني، والاستفهامات الخاصة، وما إلى ذلك.
ويعتبر الدكتور جاردنر الوحيد من بين علماء اللغة تقريبا، الذي خصص مكانا للتنغيم في الجراماطيقا والدلالة، وقد تبعه في المنهج الشكلي الخاص الذي يعتبر الماجريات "الدكتور شتراومان"، في كتابه "Newspapers Headilines"، وحقائق العناوين ذات الحروف الضخمة، حقائق منظورة فحسب، على وجه التقريب، ولكن هذا المنهج يتجه إلى الصيغ المسموعة كذلك، فعند فيرث أنه لا دلالة بلا صرف.
ولقد لاحظنا في الكلام السابق، أن المعنى تشقق فأصبح علاقة، أو منظمة من العلاقات، وهذا هو السبب الذي فضل الكثيرون من أجله، أن يكتفوا بدراسة التغير، لوضوح العلاقة بين المعنى الأصلي، والمعنى المنقول، لقد سبق أن
ص252
شرحنا وجهة نظر أجدن ريتشارد في دراسة المعنى، فهم يرونه في عناصر ثلاثة الرمز، والفكرة، والمقصود، ولكن المعنى بالنسبة إليهما علاقة ذهنية بين الحقائق، والأحداث من ناحية، وبين الرموز أو الكلمات من ناحية أخرى، ولنقارن العناوين الآتية لحادثة واحدة، هي الحكم على أحد اللوردات في حادث معين:
The Time: R.M. S.P. Case.
Daily Heraald: Lord X sent to Prison for a year.
News Chronicle: Lord X sentensed.
Daily Mirror: Lord X sent to gaol for 12 months.
Daily Mail: Lord X sentence shokcs the City.
Daily Worker: Lord Xgets 12 Nonths sevrve him right.
فبالنسبة لأوجدن وريتشارد، هناك مقصود واحد هو الحكم على اللورد، ورموز مختلفة للحكم في عناوين مختلفة، وأما الأفكار فهي العلاقات بين الحكم والرموز.
ولكننا لا نعلم كثيرا عن العقل، وإن دراسة اجتماعية في جوهرها، لا تحب أن تعيد ثنائية الروح والجسد، والفكرة والكلمة، ولكنها تقنع بالشخص جميعه فكرًا وعاملا، مرتبطًا بزملائه ومحيطه، فالمعنى إذًا علاقة جوهرية في ماجريات، وفي هذا النوع من اللغة الذي يشوش الهواء، وآذان الآخرين، كنوع من أنواع السلوك ذي علاقة بعناصر أخرى من الماجريات، فالمنهج الذي يجري على أساس الماجريات، لا يؤكد العلاقات بين المفهومات التاريخية، ولا العقلية، ولكنه يدخل في العلاقات التي في الماجري الملاحظ نفسه.
فنحن نشقق المعنى إلى نسق من الوظائف المكونة له، ونحد كل وظيفة بأنها استعمال شكل لغوي معين، أو عنصر لغوي معين في سياق، ومعنى هذا أننا ننظر إلى المعنى باعتباره مركبًا من علاقات الماجريات، والجراماطيقا "بفروعها"، والمعجم، والدلالة، وكل من هذه الجهات، يتناول نصيبه الدراسي من هذا المركب بالبحث في ماجرياته المناسبة.
ليس هناك علم للدلالة بلا دراسة للصرف، أي دراسة الصيغ، ويجب هنا
ص253
أن نخطط طريقة لوصف الصيغ، وأن نرى المقصود بالوظيفة الأصواتية، والوظيفة الصرفية، والوظيفة النحوية، كأجزاء من مركب وظيفي يلمح في دراسة أي صيغة لغوية.
وتزداد معارفنا كلما تقدمنا خطوة في تحليل هذه الوظائف، وإن دراسة الصوت الإنساني في وقت عمله لمهمة خطيرة جدا، لدرجة أننا يجب أن نشقق الكلام باعتباره نمطا سلوكيا مترابطًا، وأن نطبق على كل شق منه منهجًا مختصًا، بوصف انقسام عناصر الكلام، التي نعزلها للتحليل، فنجعل منجها للأصوات، وآخر للتشكيل الصوتي، وللصرف، وللنحو، وهلم جرا، ويمكننا أن نحدد حدود هذه العناصر، ونعين ماهية كل منها، على طريقة الاستبدال، فالكلمة مقابل استبدالي معجمي "lexical substitution counter"، والصوت مقابل استبدالي أصواتي، أو صرفي "phonetic or morphological substitution counter"، وهلم جرا، ونحن نجد في السياق الأصواتي الذي يبدأ بصوت "b"، وينتهي بوصت "d" سنة عشر مقابلا استبداليًا من أصوات العلة
فالوظيفة الأصواتية لكل صوت من هذه الأصوات العلية الستة عشر بين صوتي "b" و"d"، وهي استخدامه في مقابل الخمسة عشرة صوتا الأخرى، وبين "P" و"I"، يمكن وجود أحد عشر صوتًا عليا، وبين "h" و"d"، يمكن وجود ثلاثة عشر، ويمكن إجراء طريقة الاستبدال أيضا على "b" و"d"، ثم"P" و"i"، ثم"h، و"d"، كل على حدة، فإذا قارنا هذه الأصوات الصحيحة،
ص254
فإذا درسنا توزيع هذه المقابلات الاستبدالية في كل السياقات الممكنة، وذلك بإجراء توزيع موقعي للمقابلات، فإننا نحصل على نسبة ورود هذه المقابلات في المواقع المختلفة "frequency of occurrance"، وعلى مجموع الوحدات الخلافية في صيغة ما من صيغ الكلام، ووصفها، وتنظيمها، حتى يتكون منها النظام التشكيلي للغة.
فالوظيفة الأصواتية لصيغة، أو صوت، أو مظهر موقعي، هي استخدامه في مقابل الوحدات الخلافية الأخرى، والقيمة الأصواتية لأي صوت، إنما يقررها مكانه في النظام الأصواتي العام، والوظيفة الصغرى، أو الأصواتية، لأي صوت تظهر بدراسته بالنسبة للمواقع الأصواتية التي يقع فيها، وبالنسبة للأصوات الأخرى، التي يمكن أن تحل محله في نفس الموقع، أو بعبارة أخرى، وبالنسبة لماجريات النظام التشكيلي العام.
ولقد سمى اللغويون المقابل الاستبدالي الأصواتي "الفونيم"، وقد استعمله في الإنجليزية لأول مرة، "ر. ج. لوبد"، في استعراضه لرأي بودوان دي كورتيني "Boudoin de Courtenay"، وكمثال من أمثلته، نورد أصوات "t" في كلمات مثل:
tik- stik0 trik- bete- vtmoust - biitn- biitl- eti.
ص255
فأصوات "t" هذه مختلفة في كل كلمة عنها في الأخرى، وكل منها منسوب نسبة خاصة إلى الموقع الذي يقع فيه، حتى إن صح أن أصوتا أخرى تحل محلها مثل "I" أو"P"، فإن واحدا من أصوات "t" لا يحل محل الآخر، فعندنا إذا ثمانية أصوات "t" محددة تحديدا موقعيًا، ولكل صوت منها موقعه الخاص به، في أسلوب كلام نوع من المتكلمين، من مكان أو أمكنة معينة، ولهذا يجب أن يوضع لكل هذه الأصوات رمز "t"، الذي يصبح له معنى أصواتي خاص في كل موقع، وإن اتحد معناه التشكيلي في الجميع، بتسميته رمز "t"، ويبدو في علاج "و. ف. توارل"، للفونيم أن هذه النظرية لا تزال في البوتقة، وأن عمله ليظهر كأنه تعميد قبل الولادة، وأخيرًا نحن مضطرون إلى القول: إن مجموعة من الفونيمات ليست إلا مجموعة من الرموز الكتابية، وإذا رمزنا إلى الأشكال اللغوية رمزا واضحا بنظام رمزي كتابي، ورمزنا لما في هذه الأشكال من ملامح ثانوية موقعية، برموز فرعية مصاحبة "diacritic"، فلربما يمكن استعمال كلمة "فونيم"، لوصف الوحدة الرمزية الكتابية في هذا النظام الرمزي.
ولكن العناصر الاسبتدالية في الكلام رموز كتابية، ولكنها طرق لأشياء يمكن استخراجها من الصوت الإنساني الحي، وهو يعمل، ثم تحليلها، ولسنا نقصد بذلك النطق فحسب، وإنما نقصد أيضا عددا من الصفات العامة، والعلاقات التي ترتبط، كالكمية، والنغمة، والنبر، والقوة.
وتجعل نظرية الفونيم في قدرة واصفي الأبجديات أن يضعوا قواعد للنطق، ولكن الكمية والنغمة، والنبر، ومثل هذه العناصر الاستبدالية، تواجه هؤلاء بصعوبات كثيرة من الناحيتين النظرية والعملية، ولهذا توسعوا في نظرية الفونيم، لتشمل هذه العناصر، ومن هنا جاءت الاصطلاحات "فونيم"، و"كرونيم"، وما أشبهها، لتدل على وحدات التنغيم، والنبر، والكمية، وهلم جرا.
وكما يتشقق المعنى إلى عناصره الأصواتية، والتشكيلية، والصرفية، والنحوية وهلم جرا، يجري تحليل الكلام المنطوق إلى عناصره التي يمكن تشقيق بعضها،
ص256
وهو الأصوات، إلى عناصره أيضًا، فهذه الأصوات يمكن تحليلها بطرق متعددة منها:
1- النطق.
2- الصفات العامة أو العلاقات، كالكمية، والنبر والنغمة، والجهر، التي ترتبط بالنطق، لتؤدي وظيفة خاصة.
ففي النظام التشكيلي لأي لغة تتكون الصلات الأصواتية من حالات النطق، والعلاقات "أي من المخارج، والصفات"، ومن مهمة علم الأصوات أن يختبرها، ويصفها، ويخضعها للكتابة بواسطة الرموز الأصواتية، ومن الحقائق المبدئية أن عددا من الأصوات، قد يشترك في مخرج واحد، مثل "m", "b" ,"p". أو يشترك في صفة واحدة، كالجهر، أو الهمس، اللذين يسميها فيرث "علاقة الجهر" أو "Voice Correlation"، ومن الأصوات المهموسة في الفرنسية "f" "s" "t" "p"، أي أن بينها علاقة الجهر السلبية، ولكن "v" "z", "d"," b"، تتميز من هؤلاء بعلاقة الجهر الإيجابية.
وليست هناك صعوبات نظرية في الأصوات؛ لأن التحليل إلى مجهور، ومهموس ليس من الضرروي أن يطابق الرموز الكتابية الرومانية، التي وضع نسقها ليعبر عن ذلك، وغالبا ما نتهم علماء التشكيل المتقدمين بشغلهم بالرمزية، والنوعية عن اللغة، وقد تتجه نفس التهمة إلى بعض علماء الأصوات المحدثين أيضا.
وليس تيار الكلام خيطا من الرموز الرومانية، فهذه الرموز الكتابية في العادة تدل على النطق، وربما دلت على علاقة، أو علاقتين، كالجهر، والهمس.
ص257
والغنة تاركة بقية العلاقات كالغنة، والنبر، ليرمز لها برموز فرعية مصاحبة (diacritic marks) أولا يرمز لها. فصوت (z) و (s) يمثلان علاقة الجهر الايجابية والسلبية، ولكننا نتكلم أحيانا عن (z) التي لحقها بعض الاهماس أو (s) التي لحقها بعض الإجهار في موقع معين. وهكذا تصبح الأبواب أربعة جهر وجهر موقعي (إجهار)، وهمس و همس موقعي (اهماس).
واستعمال علامات طول الكمية مستحسن وعلمي في الانكليزية ولكن إياك أن تظنه مبنيا على تقسيم علمي فهو يستعمل مع الأصوات