المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2777 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية
2025-01-12
أسباب ودوافع الكفران وطرق علاجه
2025-01-12
عواقب كفران النعمة
2025-01-12
معنى كفران النعمة
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 2
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 1
2025-01-12

كامل بن ثابت المنصوري
5-9-2016
الـفرق بيـن البيانـات والمـعـلومات والمعـرفـة
2024-12-30
قصور ووصاية (912–919).
2023-10-29
Interlanguage
1-3-2022
حكم من برأ من مرضه زمانا يتمكّن فيه من القضاء ولم يقض حتى مات.
19-1-2016
فن الطهي الكمي
17-1-2023


منهج الدلالة (النظرة الاستاتیكیة)  
  
2242   07:43 مساءً   التاريخ: 11-2-2019
المؤلف : تمام حسان
الكتاب أو المصدر : مناهج البحث في اللغة
الجزء والصفحة : ص251- 268
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / مناهج البحث في اللغة / منهج الدلالة /

 

 النظرة الاستاتيكية:

يقول فيرث(1): إن دي سوسير أول من فرق تفريقا فنيا بين دراسة التغير في المعنى، ودراسة المعنى في حالة سينكرونية، وأطلق على الأخيرة "Semiologie"، ورأى أن هذا النوع من فروع الدراسة، يجب أن يستخدم نتائج علم النفس، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، ليقرر أبوابه، ويصف حقائقه؛ وأن علم اللغة لن يصبح علما بغير اعتبار هذا الفرع.

والآن ننفض أيدينا من وجهة النظر التاريخية، لننشئ منهجا لدراسة الصيغة، والوظيفة، في اللغة فنجعل الفكرة المركزية في هذا المنهج هي "الماجريات"،

 

ص251

 

وهي تدل -بأحد معانيها- على مجموع عناصر محيطة بموضوع التحليل، تشمل حتى التكوين الشخصي، والتاريخ الثقافي، للشخص؛ ويدخل في حسابها الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهذا الاصطلاح -بالنسبة لعلم اللغة- قصد به دائمًا سياق النص، أما في السلوك الكلامي العادي، فكل وضَع -مهما كان- يعتبر عنصرًا من عناصر الماجريات.

وقد تكون الصيغة أصواتية "ويشمل ذلك التنغيم"، أو إملائية، ولكنها يجب أن يقصد بها الشكل الخالص في الموضع المعين، مع إخراج الأبواب المنطقية، والجراماطيقية، وكما ينبغي أن نؤكد ضرورة الدراسة الصرفية الصحيحة، باعتبارها ضمانًا لدراسة الدلالة، من الناحية التاريخية، يجب أن نقول: إن أية دراسة دلالية وصفية للكلام، لا يمكن أن يعتمد عليها، إذا لم تأخذ في اعتبارها الأصوات "والتنغيم داخل هنا"، ونحن لا نستطيع أن نبدأ الصرف بلا دراسة الأصوات، بل إننا في بعض الحالات نجد الأصوات دراسة ضرورية للنحو أيضا. فالأبواب الشكلية أصواتية تنغيمية موقعية، ولكن هناك أبوابًا عامة نحوية في طبيعتها، كالجملة المؤكدة، وغير المؤكدة، والطلب والتقرير، والتمني، والاستفهامات الخاصة، وما إلى ذلك.

ويعتبر الدكتور جاردنر الوحيد من بين علماء اللغة تقريبا، الذي خصص مكانا للتنغيم في الجراماطيقا والدلالة، وقد تبعه في المنهج الشكلي الخاص الذي يعتبر الماجريات "الدكتور شتراومان"، في كتابه "Newspapers Headilines"، وحقائق العناوين ذات الحروف الضخمة، حقائق منظورة فحسب، على وجه التقريب، ولكن هذا المنهج يتجه إلى الصيغ المسموعة كذلك، فعند فيرث أنه لا دلالة بلا صرف.

ولقد لاحظنا في الكلام السابق، أن المعنى تشقق فأصبح علاقة، أو منظمة من العلاقات، وهذا هو السبب الذي فضل الكثيرون من أجله، أن يكتفوا بدراسة التغير، لوضوح العلاقة بين المعنى الأصلي، والمعنى المنقول، لقد سبق أن

 

ص252

 

شرحنا وجهة نظر أجدن ريتشارد في دراسة المعنى، فهم يرونه في عناصر ثلاثة الرمز، والفكرة، والمقصود، ولكن المعنى بالنسبة إليهما علاقة ذهنية بين الحقائق، والأحداث من ناحية، وبين الرموز أو الكلمات من ناحية أخرى، ولنقارن العناوين الآتية لحادثة واحدة، هي الحكم على أحد اللوردات في حادث معين:

The Time: R.M. S.P. Case.

Daily Heraald: Lord X sent to Prison for a year.

News Chronicle: Lord X sentensed.

Daily Mirror: Lord X sent to gaol for 12 months.

Daily Mail: Lord X sentence shokcs the City.

Daily Worker: Lord Xgets 12 Nonths sevrve him right.

فبالنسبة لأوجدن وريتشارد، هناك مقصود واحد هو الحكم على اللورد، ورموز مختلفة للحكم في عناوين مختلفة، وأما الأفكار فهي العلاقات بين الحكم والرموز.

ولكننا لا نعلم كثيرا عن العقل، وإن دراسة اجتماعية في جوهرها، لا تحب أن تعيد ثنائية الروح والجسد، والفكرة والكلمة، ولكنها تقنع بالشخص جميعه فكرًا وعاملا، مرتبطًا بزملائه ومحيطه، فالمعنى إذًا علاقة جوهرية في ماجريات، وفي هذا النوع من اللغة الذي يشوش الهواء، وآذان الآخرين، كنوع من أنواع السلوك ذي علاقة بعناصر أخرى من الماجريات، فالمنهج الذي يجري على أساس الماجريات، لا يؤكد العلاقات بين المفهومات التاريخية، ولا العقلية، ولكنه يدخل في العلاقات التي في الماجري الملاحظ نفسه.

فنحن نشقق المعنى إلى نسق من الوظائف المكونة له، ونحد كل وظيفة بأنها استعمال شكل لغوي معين، أو عنصر لغوي معين في سياق، ومعنى هذا أننا ننظر إلى المعنى باعتباره مركبًا من علاقات الماجريات، والجراماطيقا "بفروعها"، والمعجم، والدلالة، وكل من هذه الجهات، يتناول نصيبه الدراسي من هذا المركب بالبحث في ماجرياته المناسبة.

ليس هناك علم للدلالة بلا دراسة للصرف، أي دراسة الصيغ، ويجب هنا

 

ص253

 

أن نخطط طريقة لوصف الصيغ، وأن نرى المقصود بالوظيفة الأصواتية، والوظيفة الصرفية، والوظيفة النحوية، كأجزاء من مركب وظيفي يلمح في دراسة أي صيغة لغوية.

وتزداد معارفنا كلما تقدمنا خطوة في تحليل هذه الوظائف، وإن دراسة الصوت الإنساني في وقت عمله لمهمة خطيرة جدا، لدرجة أننا يجب أن نشقق الكلام باعتباره نمطا سلوكيا مترابطًا، وأن نطبق على كل شق منه منهجًا مختصًا، بوصف انقسام عناصر الكلام، التي نعزلها للتحليل، فنجعل منجها للأصوات، وآخر للتشكيل الصوتي، وللصرف، وللنحو، وهلم جرا، ويمكننا أن نحدد حدود هذه العناصر، ونعين ماهية كل منها، على طريقة الاستبدال، فالكلمة مقابل استبدالي معجمي "lexical substitution counter"، والصوت مقابل استبدالي أصواتي، أو صرفي "phonetic or morphological substitution counter"، وهلم جرا، ونحن نجد في السياق الأصواتي الذي يبدأ بصوت "b"، وينتهي بوصت "d" سنة عشر مقابلا استبداليًا من أصوات العلة

فالوظيفة الأصواتية لكل صوت من هذه الأصوات العلية الستة عشر بين صوتي "b" و"d"، وهي استخدامه في مقابل الخمسة عشرة صوتا الأخرى، وبين "P" و"I"، يمكن وجود أحد عشر صوتًا عليا، وبين "h" و"d"، يمكن وجود ثلاثة عشر، ويمكن إجراء طريقة الاستبدال أيضا على "b" و"d"، ثم"P" و"i"، ثم"h، و"d"، كل على حدة، فإذا قارنا هذه الأصوات الصحيحة،

 

ص254

 

فإذا درسنا توزيع هذه المقابلات الاستبدالية في كل السياقات الممكنة، وذلك بإجراء توزيع موقعي للمقابلات، فإننا نحصل على نسبة ورود هذه المقابلات في المواقع المختلفة "frequency of occurrance"، وعلى مجموع الوحدات الخلافية في صيغة ما من صيغ الكلام، ووصفها، وتنظيمها، حتى يتكون منها النظام التشكيلي للغة.

فالوظيفة الأصواتية لصيغة، أو صوت، أو مظهر موقعي، هي استخدامه في مقابل الوحدات الخلافية الأخرى، والقيمة الأصواتية لأي صوت، إنما يقررها مكانه في النظام الأصواتي العام، والوظيفة الصغرى، أو الأصواتية، لأي صوت تظهر بدراسته بالنسبة للمواقع الأصواتية التي يقع فيها، وبالنسبة للأصوات الأخرى، التي يمكن أن تحل محله في نفس الموقع، أو بعبارة أخرى، وبالنسبة لماجريات النظام التشكيلي العام.

ولقد سمى اللغويون المقابل الاستبدالي الأصواتي "الفونيم"، وقد استعمله في الإنجليزية لأول مرة، "ر. ج. لوبد"، في استعراضه لرأي بودوان دي كورتيني "Boudoin de Courtenay"، وكمثال من أمثلته، نورد أصوات "t" في كلمات مثل:

tik- stik0 trik- bete- vtmoust - biitn- biitl- eti.

 

ص255

 

فأصوات "t" هذه مختلفة في كل كلمة عنها في الأخرى، وكل منها منسوب نسبة خاصة إلى الموقع الذي يقع فيه، حتى إن صح أن أصوتا أخرى تحل محلها مثل "I" أو"P"، فإن واحدا من أصوات "t" لا يحل محل الآخر، فعندنا إذا ثمانية أصوات "t" محددة تحديدا موقعيًا، ولكل صوت منها موقعه الخاص به، في أسلوب كلام نوع من المتكلمين، من مكان أو أمكنة معينة، ولهذا يجب أن يوضع لكل هذه الأصوات رمز "t"، الذي يصبح له معنى أصواتي خاص في كل موقع، وإن اتحد معناه التشكيلي في الجميع، بتسميته رمز "t"، ويبدو في علاج "و. ف. توارل"، للفونيم أن هذه النظرية لا تزال في البوتقة، وأن عمله ليظهر كأنه تعميد قبل الولادة، وأخيرًا نحن مضطرون إلى القول: إن مجموعة من الفونيمات ليست إلا مجموعة من الرموز الكتابية، وإذا رمزنا إلى الأشكال اللغوية رمزا واضحا بنظام رمزي كتابي، ورمزنا لما في هذه الأشكال من ملامح ثانوية موقعية، برموز فرعية مصاحبة "diacritic"، فلربما يمكن استعمال كلمة "فونيم"، لوصف الوحدة الرمزية الكتابية في هذا النظام الرمزي.

ولكن العناصر الاسبتدالية في الكلام رموز كتابية، ولكنها طرق لأشياء يمكن استخراجها من الصوت الإنساني الحي، وهو يعمل، ثم تحليلها، ولسنا نقصد بذلك النطق فحسب، وإنما نقصد أيضا عددا من الصفات العامة، والعلاقات التي ترتبط، كالكمية، والنغمة، والنبر، والقوة.

وتجعل نظرية الفونيم في قدرة واصفي الأبجديات أن يضعوا قواعد للنطق، ولكن الكمية والنغمة، والنبر، ومثل هذه العناصر الاستبدالية، تواجه هؤلاء بصعوبات كثيرة من الناحيتين النظرية والعملية، ولهذا توسعوا في نظرية الفونيم، لتشمل هذه العناصر، ومن هنا جاءت الاصطلاحات "فونيم"، و"كرونيم"، وما أشبهها، لتدل على وحدات التنغيم، والنبر، والكمية، وهلم جرا.

وكما يتشقق المعنى إلى عناصره الأصواتية، والتشكيلية، والصرفية، والنحوية وهلم جرا، يجري تحليل الكلام المنطوق إلى عناصره التي يمكن تشقيق بعضها،

 

ص256

 

وهو الأصوات، إلى عناصره أيضًا، فهذه الأصوات يمكن تحليلها بطرق متعددة منها:

1- النطق.

2- الصفات العامة أو العلاقات، كالكمية، والنبر والنغمة، والجهر، التي ترتبط بالنطق، لتؤدي وظيفة خاصة.

ففي النظام التشكيلي لأي لغة تتكون الصلات الأصواتية من حالات النطق، والعلاقات "أي من المخارج، والصفات"، ومن مهمة علم الأصوات أن يختبرها، ويصفها، ويخضعها للكتابة بواسطة الرموز الأصواتية، ومن الحقائق المبدئية أن عددا من الأصوات، قد يشترك في مخرج واحد، مثل "m", "b" ,"p". أو يشترك في صفة واحدة، كالجهر، أو الهمس، اللذين يسميها فيرث "علاقة الجهر" أو "Voice Correlation"، ومن الأصوات المهموسة في الفرنسية "f" "s" "t" "p"، أي أن بينها علاقة الجهر السلبية، ولكن "v" "z", "d"," b"، تتميز من هؤلاء بعلاقة الجهر الإيجابية.

وليست هناك صعوبات نظرية في الأصوات؛ لأن التحليل إلى مجهور، ومهموس ليس من الضرروي أن يطابق الرموز الكتابية الرومانية، التي وضع نسقها ليعبر عن ذلك، وغالبا ما نتهم علماء التشكيل المتقدمين بشغلهم بالرمزية، والنوعية عن اللغة، وقد تتجه نفس التهمة إلى بعض علماء الأصوات المحدثين أيضا.

وليس تيار الكلام خيطا من الرموز الرومانية، فهذه الرموز الكتابية في العادة تدل على النطق، وربما دلت على علاقة، أو علاقتين، كالجهر، والهمس.

 

ص257

 

 

والغنة تاركة بقية العلاقات كالغنة، والنبر، ليرمز لها برموز فرعية مصاحبة (diacritic marks) أولا يرمز لها. فصوت (z) و (s) يمثلان علاقة الجهر الايجابية والسلبية، ولكننا نتكلم أحيانا عن (z) التي لحقها بعض الاهماس أو (s) التي لحقها بعض الإجهار في موقع معين. وهكذا تصبح الأبواب أربعة جهر وجهر موقعي (إجهار)، وهمس و همس موقعي (اهماس).

واستعمال علامات طول الكمية مستحسن وعلمي في الانكليزية ولكن إياك أن تظنه مبنيا على تقسيم علمي فهو يستعمل مع الأصوات

ولكن لا يجب أن ندعى إطراد الكميتين الطويلة والقصيرة في كل وقت، فالطول والقصر ينتج عشرة أشكال من هذه الأصوات الخمسة كل منها مقابل استبدالي، وإحدى العلاقات الطولية الخمس تستدعي تفكيرا في علاقة النبر أيضا؛ تلك هي علاقة  لأن لا يقع عليها النبر، على حين يمكن أن يقع هذا النبر على الأصوات الأربعة الأخرى في حالتي الطول والقصر وليس هناك من سبب يمنع اعتبار الصوت علاقة كالكمية، فهناك مثلا إقفال شفوي واحد، إذا صحبه جهر كانت نتيجة (b) وإذا صحبه همس كانت (p) ومن هنا توجد العلاقة p- b ).

وإذا أردنا أن ننشئ دراسة صرفية على أساس سليم، فسوف لا يمكننا أن نفصل بين النطق بين الجهر والهمس. ليس هناك علم للدلالة بلا صرف ولا علم للصرف بلا أصوات. ولقد جعل التحليل الأصواتي من الممكن أن ينشأ نحو للكلام الإنجليزي، وقد يلحق الغموض هذا النحو أيضا من جراء كتابة أصواتية. ويتضح ذلك في استخدام علامتي (s) (d) مجهورتين أو مهموستين، وأولاهما للجمع، والإضافة والغائب، وثانيتيهما للماضي ولاسم المفعول. قارن.

وعلاقة الجهر الايجابية والسلبية توجد في جميع الأصوات الشديدة، والرخوة، الإنجليزية إلا صوت (r) الذي لا مهموس له.

ونصف العلة في الانجليزية (كما في كلمة   ) لا تقسمه

ص258

 

 

علاقة الجهر مع أنه في (w) يفرق الناس في النطق بين (what= wat , hwat) وبين . ولكن التفريق الانجليزي بين الايجاب والسلب في علاقة الجهر لا يأتي في الأنفيات، كما في لغة بورما مثلا، لأن كل الأنفيات الانجليزية مجهورة. والصفيريات التي تأتي بعد الانفيات والجانبيات  في الانجليزية تجعل للجهر والهمس وظيفة معجمية تتضح في مقارنة:

ونقول بالاختصار، إن تحليل تيار الكلام إنما يجري بتشقيقه إلى عناصر ووحدات على طريقة الاستبدال. والمقابل الاستدلالي الأصواتي يدرس بالنسبة للمواقع الأصواتية، وفي هيكل النظام الأصواتي للغة. وهذا المقابل إما أن يكون مخرجا، أو صفة، وعلاقة، أو مجموع هؤلاء. ودراسة الاستبدال في الموقع تساعد على الكشف عن الوظيفة الصغرى، وتتناول البضعة الأولى من المعنى على مستوى أصواتي من مستويات الفهم.

أما الوظائف الصرفية والنحوية، فسوف تفسر مكوّنات أخرى للمعنى في السياقات الجراماطيقية، على مستوى جراماطيقي من مستويات الفهم. ونعود بالقارئ مرة أخرى الى الجملة الهرائية التي أوردناها في الكلام عن منهج النحو، وسنجد أنها مليئة بالمعنى من الناحيتين الصرفية والنحوية، ولكنها خلو منه من الناحيتين المعجمية والدلالية. والأبواب الجراماطيقية عامة، وبخاصة أقسام الكلام، والزمن، والحالة، يجب أن تنبني على أبواب شكلية لغوية. فالاسماء والأفعال في العربية يتميز أحدها عن الآخر، بمجرد النظر إليه أو سماعه.

ص259

 

وبهذا التوزيع تحددها في الاول اسما مفردا، وفي الثاني فعلا بسيطا، وفي الثالث فعلا ماضيا لحقته علامة المضي، ومضارعته bore.

وما دامت الصيغة في الحالتين الأوليين محايدا دلاليا، فإننا نستطيع أن نمحو هذا الحياد بالاتساع في التوزيع، حتى يشمل مشتقات الكلمة، ومركباتها، ليتضح تحديدها من هذه الناحية. ويمكن الوصول إلى كل ذلك بالتذكر، وسؤال المتكلم الأصلي للغة، وبجمع النصوص.

ص260

 

فإذا حددنا العناصر (b)،  ، (d) باعتبارها ثلاث مقابلات استبدالية أصواتية، فق كشفنا عن جزء من المعنى، ولكن هذا الجزء ليست له أية وظيفة دلالية، فنحن لا نستطيع حتى أن نمنح الصيغة تحديدًا صرفيا عند هذه النقطة، دون أن ندخلها في تحليلات جديدة، في توزيعات شكلية، ومواقع في السياق.

فهي عند هذا الحد صيغة محايدة، إلا من الناحية الأصواتية، وفي "Not on the board"، تدخل في وضوح سياقي جديد، ويتضح جزء آخر من المعنى، هو الصرفي، لوضوح أسميتها، واتضح وظيفتها الصرفية، وأما وظيفتها الدلالية، فإنها لا تزال غامضة عند هذا الحد، فالجملة كلها محايدة من الناحية الدلالية، ولا تتضح وظيفتها الدلالية، إلا بتحليلها في نطاق الماجريات أولا: إيجابيا باستعمال الكلمات بالنسبة للظروف المحيطة بالحدث الكلامي، وثانيا: سلبيا باستخدام ما يسمى الاستبعاد من الماجريات، فوجود "Chess board" في هذا الظرف الذي تم فيه النطق، ربما يتسبب في استبعاد اعتبار "Commercial borard"، أو"board of studies"، فهذه داخلة فيما سميناه من قبل استخدام القيم الخلافية في تحديد المعنى.

وأما "Not on the board?", "Not on the board! "، فنوعان مختلفان اختلافا نحويا، لا دلاليا؛ لأن إحداهما تقرير، والأخرى استفهام، ومن هنا يتضح فيهما الجزء النحوي من أجزاء المعنى.

والفكرة المركزية في علم الدلالة، هي فكرة الماجريات "Context of situation"، وأول من استخدام هذ الاصطلاح بالمعنى الذي يستخدمه فيه هذا البحث، هو العالم البولندي الإنجليزي "برونسلو مالينوفسكي"، في الملحق الذي دبجه في

كتاب "The Meaning of Meaning"، تأليف أوجدن وريتشارد، وإلا فقد جرى الاصطلاح Context على أقلام الكثيرين من الكتاب في دارسة المعنى بمعان مختلفة، باختلاف فرع المعرفة، الذي يستخدم فيه الاصطلاح، وأحيانا باختلاف الكتاب في نفس الفرع، حتى لقد لحقه بعض الغموض، "ومن المجدي أن نؤكد على أي حال -لا أن الاصطلاح "Context"، قد أصبح

أخيرًا غامضًا جدًا، كما يرى ذلك حماته الأصليون- بل إن استعمالاته ليست متساوية جميعها في

 

ص261

 

الاتصال بهذه المشكلة، مشكلة استقلال الكلمات"(2)، ويستعمل فيرث هذا الاصطلاح، باعتباره دالا على عناصر موقف كلامي كامل، كالمتكلم، والسامع، أو السامعين، والكلام، وكل ما يحدث في أثناء الكلام من انفعالات، واستجابات، ومسالك، وكل ما يتصل بالموقف ويؤثر فيه، من قريب أو بعيد.

وفي هذه الماجريات المركبة يجد عالم الأصوات ما جراه، والنحوي والمعجمي كذلك ما جرياتهم، وإذا أردت أن تدخل في ذلك الظروف الثقافية العامة(3)، فسوف تحصل منها على ماجريات التجربة لطرفي التبادل في الكلام، فكل إنسان يحمل معه ثقافته، وكثير من حقائقه الاجتماعية، أينما ذهب، فالإنجليزي في عزلته في أفريقيا، يحمل معه كثيرا من الطوابع الثقافية، والاجتماعية والإنجليزية، فربما عبر عن دهشته "exclaim"، باللغة الإنجليزية، إذا فاجأه شيء ما، وربما تكلم إلى أفراد الحيوان باللغة الإنجليزية أيضًا، وكتب مذكرته الخاصة، وقرأ كتبًا انجليزية، ولكن حتى بعد أن ينتهي الأصواتي، والنحوي، والمعجمي، من مهمتهم، يبقى بعد ذلك قسط كبير من تحليل المعنى، يكون بإيجاد الترابط

بين نتائج أعمالهم، وفي دراسة دلالية تعتمد على الماجريات والتجارب، ويحتفظ

فيرث لهذه الدراسة باسم Semantics، ولكن حتى لو لم تكن الماجريات نهاية الطريق في تحليل "The house that jack built"، فإن عملية التمييز بين بقية العناصر، ستكون من مجال التاريخ الاجتماعي.

وبعد، فلسنا نستطيع أن نتنبأ بما يخبئه المستقبل من تطور في هذا الفرع، ولكننا نستطيع أن نعين، ونميز، ونقترح حلا لتلك المشكلة الصعبة، التي نصادفها أولا في وصف الماجريات النوعية، وتقسيمها في نطاق الثقافة، وثانيا في وصف أنواع الوظائف اللغوية، وتقسيمها في نطاق هذه المجريات، وأكبر صعوبة نقابلها هي عدم وجود وثائق، تستخدم في استقصاء كيفية اكتسابنا للكلام أثناء نمونا.

 

ص262

 

ولسنا نلقى اللوم في هذا على علماء النفس والاجتماع، ما دام من السهل أن يحصل اللغوي على تمرين كاف في علمي النفس والاجتماع، يمكنه من السير بمفرده في هذا السبيل؛ ولنسا بهذا نهدف إلى علم اللغة الاجتماعي، بل نبني على قواعد من علم اللغة، فبلا وجود الأصوات، لا يمكن وجود صرف لأي لغة من لغات الكلام، وبلا وجود التنغيم، لا يمكن أن يوجد النحو وجودًا كاملا.

خذ منذ مثلًا كلمة "set"، في قاموس أو كسفورد، فستجدها تغطي ثماني عشرة صفحة، ونهرا واحدًا، فوق ذلك، ونقسم إلى 154 مدخلا آخرها "set up"، الذي ينقسم بدوره إلى أقسام فرعية، تستغرق رموز الأبجدية ترقيما، فتتكرر الرموز لها إلى "rr"، وهذا يدعونا إلى التفكير في أبواب لأنواع الوظائف اللغوية المختلفة، فالماجريات المتكاثرة، والموضحة، يمكن أن تستمر في تكاثرها إلى ما لا نهاية، حتى تملأ جزءا كاملا، ولكننا نجد من الناحية العملية أن هذه الماجريات

يمكن أن تنتظمها أقسام، هي أنواع الاستعمال، وحتى لو استخدمنا الأبواب

الاجتماعية القليلة المذكورة في قاموس، أو كسفورد، مثل عامي Colloquial، وسوقي common وطارئ slang، وأدبي literary، وفني tencnical، وعلمي scientific، وتخاطبي conversational، وخاص بلهجة dialectal، ثم تذكرنا قاعدة الورود النسبي في الاستعمال

"relative frequency"، مهما كان ذلك على وجه التقريب، فسوف نحصل عن طريق تلك القاعدة على كلمات لا ترد إلا في ماجريات نوعية، ونحن بحاجة في دراسة الجملة إلى أبواب لغوية محددة تحديدًا أكثر في دقته مما هو الآن، بأن نحدد أنواع الجملة، واستعمالاتها في الأدوار الاجتماعية المختلفة التي يلعبها المتكلم، كلنا يبدأ الحياة بدورين اثنين هما النعاس والتغذي، ولكننا نبدأ نشاطنا الاجتماعي في الشهر الثالث، ومنذ ذلك الوقت نضيف إلى تجاربنا أدورًا اجتماعية أخرى بالتدريج، وفي خلال مرحلة النمو يزداد اندماجنا في النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه، وأهم الشروط والوسائل لهذا الاندماج هو أن نتعلم، كيف نقول ما يتوقع الآخرون منا أن نقول، في الظروف الخاصة به، وفي الحق

 

ص263

 

أن الكلمة إذا تعددت ماجرياتها، فإن المواقف كذلك تتعدد إلى ما لا نهاية. ولكن هناك روتينا من الأيام، والليالي، والشهور، والأعوام، ومعظم وقتنا ينقضي في خدمات روتينية، عائلية، أو مهنية، أو اجتماعية، أو وطنية، وليس الكلام هو الفوضى، التي لا حد لها كما ظن "بسبرسن"؛ لأنه محدد بالطرق والأدوار الاجتماعية، فإذا سلمنا بهذا، انتقلنا إلى القول بأن هذه الطرق يمكن تقسيمها، وإيجاد علاقاتها بالدور، وبالحوادث، والمناظر، والحركات، فالمحادثة طقوس معيارية محددة الطريقة والسلوك، فإذا تكلم إنسان إليك، فأنت في مجريات محددة، ولا تستطيع أن تكون حرا في قول ما يخطر على بالك، أو يسرك أن تقوله، لقد خلقنا أفرادًا، ولكننا نصبح اجتماعيين لحاجتنا إلى ذلك، وإلى أن نقوم بمجموعة من الأدوار، ونتقمص مجموعة من الشخصيات، ولهذا لا يصعب الفهم والتناول لأبواب المواقف، والأبواب اللغوية، وقد يجد كثير من الأبواب، نتيجة الملاحظة المنظمة للحقائق.

وتعلمنا الكلام روتين في الدورة اليومية أيضًا، والكلام عمل صوتي للتحكم في الأشياء، والناس، ومنهم المتكلم نفسه؛ عمل له علاقة بالماجريات، والمواقف أو له تكيف بكيفيتها، أن مما بيننا وبين بيئتنا إباحة الكلام، وتزداد كلماتنا باختلاطنا بما في هذه البيئة، وإن دراسة الكلمات في هذا الاختلاط الثقافي(4) التنشيئي، ربما تصف هذه الناحية الدلالية.

ونحن قد نولد لنرث تركة ثقافية واسعة، ولكننا نأمل أن ننجح في حسن استخدام جزء منها على مراحل، ولسنا بحاجة إلى أن نؤكد أن لكل مرحلة من مراحل الطفولة، والشباب، لكل نوع من الأطفال، بيئة، وصيغا لغوية تتصل بها، وهناك حقل واسع للبحث في السير الكلامية، وهناك نصيب لكل فرع من فروع اللغة في دراسة أجزاء المعنى في تاريخ حياة المتكلم، وتاريخ اكتسابه

ص264

 

للكلام، باعتباره عضوًا نشطا في المجموعة التي في سنه، وباعتباره تلميذا في طفولته، وشبابه.

وهناك إمكانيات عظيمة في دراسة تاريخ تغير المعنى من الطفولة إلى الكبر، في كلمات مثل: أب، أم، حب، طفل، لعب، لعبة، علم، نقود، ملابس، شراب، وهلم جرا، ويخصص فيرث اسم semasiology لدراسة التغير في المعنى، ويقترح أن يجعل الأصوات، والدلالة من الدراسات اللغوية العامة، وما يقابلها في لغة خاصة كالعربية سمي Phonology، و semasiology، ولقد كتب جماعة كتابة تخطيطية عن السير الأصواتية لبعض الأطفال، وأضافوا إليها شيئا من السير الجراماطيقية في عمومها، ولكننا لا نعلم الكثير حتى الآن عن تطور الفرد في اللغة، ومما له صلة بهذا النوع من السير ما يسميه فيرث تجميع الأدورا الاجتماعية، فعلى الرجل أن يلعب أدورًا مختلفة، ووظائف مختلفة، ويتقمص شخصيات مختلفة؛ في حياته العادية اليومية، فإذا لم يعلم كيف يقوم بتمثيل هذه الأدوار، ويحفظ ما يقال فيها، أخفق في تمثيل دوره في الدراما الاجتماعية الكبرى، بل ربما كان سببا في إخفاق الممثل الآخر الذي يقف أمامه، ما دام لا يعطيه مفاتيح جُمَله.

وتعدد الأدوار الاجتماعية، كعضوية المجموعة الشعبية العربية، وعضوية الأمة المصرية، وعضوية طبقة منها، وعضوية عائلة، أو مدرسة، أو ناد، وكالبنوة، والأخوة، والحب، والأبوة، وكون صاحب الدور عاملا، أو مصليا في مسجد، أو كنيسة، أو لاعبًا رياضيًا في مجموعة، أو قارئ جريدة خاصة لها قراؤها، أو خطيبًا، يتطلب قسطا من التخصص الاستعمالي اللغوي.

وتشابك الأدوار ذو نفوذ محافظ؛ لأن الكلمة ربما تستعمل في أدوار مختلفة، وربما يحدد استعمالها، ولكن ما دام الاستعمال الخاص لا يكتسب ضيقا، بسبب ظروفه الاستعمالية، أو توسعا في نسبة الورود Frequency، فلن تتأثر الاستعمالات الأخرى، ولصوت الراديو في المنازل نفس النفوذ؛ ما دامت ظروف السماع تسمح بذلك، ولكنه إحدى الأدوات التي جاء بها العصر لكسر الحواجز، والسماح

 

ص265

 

بتشابك الدوائر الاجتماعية، واللغوية، ولمنع انقسام لغوي أكثر على ما يبدو، ولتخفيف القوى المحافظة.

والتصميم التقسيمي المناسب للماجريات، يقتضينا أن نوسع من مدى فهمنا اللغوي، فبعض الأبواب الأولية في هذا التقسيم مثل التكلم، والسماع، والكتابة، والقراءة، والمحادثة، والتخاطب الرسمي، ولغة المدارس والقانون، والدين؛ كل أولئك أشكال كلامية خاصة، وربما أضفنا لذلك الكلام الذي يقوله المنفرد، وهو ما يسمى في الاصطلاح اللغوي "المونولوج"، والمواقف التي تقتضي معونة صوتية كما في الأدعية العامة، والهتاف، والغناء الجمعي، وما يسميه مالينوفسكي "Phatic communication"، وهو نوع من المحادثة لخلق صلة اجتماعيا بتبادل الكلمات، كتبادل التحيات، والكلام عن الطقس، وفي السياسة، وفي التبرم بشيء ما، أو مدحه، ويتم ذلك بين شخصين ليس بينهما ما يشتركان في الحديث فيه مما عدا ذلك، فيمنعان بالتخاطب السكوت المحرج.

وأصر مالينوفكسي أيضا على نوع من الكلام، يقوم التبادل الكلامي فيه بوظيفة هامة، هي المساعدة على إنجاز عمل، كالصيد، ورفع الأحمال، والبناء، والحفر، ويقول: إن معنى هذه الكلمات ليس إلا قيمتها العلمية في إنجاز العمل، وإلا فأي معنى في "يا سالمة يا سلامة" مثلًا؟ ومعظم العلامات اللغوية البصرية في أيامنا هذه ملاحظات، وتوجيهات من هذا النوع، كعلامة "احترس من القطارات"، و"اتجه إلى اليمن"، و"ممنوع الجلوس على الحشيش"، وهلم جرا.

وكثيرا من محادثاتنا، ومناقشاتنا يجور حول أعداد العمل الجماعي، أو المحدد اجتماعيا، فلغة الإدارة والحكومة لغة تخطيط، وتنظيم، وقيادة عامة، وما يتبع ذلك من مناقشة حول النجاح، أو الإخفاق في التخطيط والتنظيم، والقيادة إنما هو خلق صلة جماعية، في موقف الإخفاق والفشل، أو النجاح في العمل.

ولنا أن نلاحظ بعض المواقف العامة مثل.

 

ص266

 

1- الخطاب:

اسمع يا فلان: يا سيدي الفاضل. عن إذن سيادتك.

2- التحية:

وألفاظ الوداع -التأثر بتوقع الفراق في هذا الموقف وما يقال فيه، اللقاء وما يقال فيه.

3- المواقف الإلزامية:

كما في الكلمات المحدودة الاستعمال بالعرف أو القانون، حيث تربط الكلمات الإنسان بواجب، أو تحله منه، فكلمة إرساء المزاد العلني على شخص تلزمه بالشراء، وما يقال أمام المحقق ملزم للمتهم، والتوقيع بالاسم ملزم على أية وثيقة، ويمكن أن نقوم بدراسة ممتعة لحيثيات الأحكام، وما فيها من معلومات دلالية، واعتراف بالماجريات، ولبعض الكلمات قيمة عرفية خاصة في خلق الارتباط، مثل "أنا أعلم أنك لن تخدعني"، و"عد الحردين عليه"، و"ما تبقاش جلف"؛ لأن استعمال هذه الكلمات، يخلق خوف السامع من الرأي الرقيب أن يرميه بأنه خذول، أو غير حر، أو جلف.

ومن الكلمات السحرية في هذا العصر، كلمة "مشروع" التي يمكن أن تكسب احتراما لأي عمل، لاتصالها بمجريات ذات نفوذ، وأخيرًا نحن بحاجة إلى خلق أبواب لهذه الدراسة الاجتماعية.

ولأن نقترح أنواعا من الوظائف اللغوية أسهل من أن نقسم المواقف، ومن أنواع الوظائف الاتفاق، والتشجيع، والمصادفة، والاختلاف، والتثبيط، والشتم، وما دامت اللغة طريقة من طرق المعاملة بين الناس والأشياء، أي طريقة للسلوك، وحض الآخرين على السلوك المراد، فيمكننا أن نضيف إلى ذلك أنواعا أخرى من الوظائف كالتمني، والدعاء، واللعن، والفخر، والتحدي،

 

ص267

 

والرجاء وعدم الاكتراث، والتحقير، وإثارة الغيظ، والإيلام، وإعلان العداوة، واستعمال الكلمات لمنع عمل عدواني، أو تأخيره، أو تعديله، ولإخفاء النوايا فتكون من ذلك دراسة ممتعة للمعنى، ويجب ألا ننسى في هذا المقام لغة الملق، والتحبب، والغزل، والمدح، واللوم، والدعاية، والإغراء، إن التقويم والحكم في المدح والذم الموجه إلى الأفراد، والأمم، والكتب والقصص، محدودة الشكل والصيغة أكثر مما يظن الكثير من الناس، ومعظم المتكلمين بالإنجليزية يعرفون نسبة كل تعبير، مما يأتي إلى التعبيرات الأخرى:

"a good man" , "agood chap", " agood felowl", a good sort" "a good scout'.

فلكل واحد من هذه التعبيرات دلالته الاجتماعية، وإن دراسة للتعليق على الكتب الجديدة في الصحف، لتظهر إلى أي مدى أصبح تقويم هذه الكتب في أسلوبه محددًا من الناحية الشكلية، وطرق التعبير، والمفردات، وليس معنى ذلك أن هذه التقويمات أصبحت لا معنى لها، ولكنها أصبحت مجموعة بسيطة من العلامات المحشودة، النافعة من الناحية العملية.

وإن التوسع في تقسيم الوظائف اللغوية الشكلية، ليؤدي إلى ملاحظة أنواع مختلفة من الكلام، كالكلام التقليدي، والديني، والإلحادي، والحر، والمحادثة العادية، ويأسف فيرث لتغلب النمطية، والمحدودية على المحادثات اليومية، وأن النظرة إلى هذه المحادثات ضيقة من وجهة نظر الثقافة، فكل ما يقال يدل على ما سيقال، وهذا نوع من أنواع الماجريات، فهناك قوة إيجابية في ما تقوله في موقف معين، وقوة سلبية في استخراج الحوادث، والظروف من الموقف الذي تستخدم فيه الكلمات، وسنجد في المحادثة مفتاح الفهم الحقيقي لطبيعة اللغة، وكيف تؤدي وظيفتها.

والترجمة من لغة إلى لغة في الواقع مليئة بمشاكل الدلالات، وهذه النظرية التي جاء بها فيرث تحليلات إمبريكالية عملية، لا نظرية للمعنى، ويمكن وصفها بأنها نسق من الماجريات، كل ما جرى منها في داخل الآخر، وتتجه جميعها إلى شرح

 

ص268

 

الحقائق اللغوية، وكل ما جرى منها وظيفة الماجري الذي يشتمل عليه، ولا يزال يشتمل كل من هذه الماجريات على الآخر، حتى تحتويها جميعا ماجريات الثقافة التنشيئية، فالمعنى في رأي فيرث كل مركب من وظائف لغوية هي وظائف الصيغة، والعناصر الهامة في هذا الكل المركب هي الوظيفة الأصواتية "الصغرى"، ثم الوظائف الكبرى المعجمية، والصرفية والنحوية، ووظيفة الماجريات الدلالية بصفة عامة، وإليك طريقة من طرق تحليل هذه العناصر:

 

 

 

 

 

__________

(1) Technique of Semantics, Trans. Phil. Soc. 1935.

(2) Ulman, Principles of Semantics, p. 60.

(3) المقصود بالثقافة هنا كيفية التنشئة، بالمعنى الأنثروبولوجي الذي يشمل العادات، والتقاليد، والمعتقدات، وطرق السلوك المحددة، وهلم جرا.

)4) بالمعنى الأنثربولوجي لا التربوي.

 

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.