أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
992
التاريخ: 20-5-2020
1433
التاريخ: 23-8-2016
840
التاريخ: 23-8-2016
927
|
إعلم أنّ النهي عن نقض اليقين لا بدّ بدلالة الاقتضاء من حمله على النهي عن النقض العملي؛ إذ النقض الحقيقي غير قابل لورود النهي، ومعنى النقض العملي هو عدم المعاملة في حال الشكّ المعاملة التي كانت لوصف اليقين بعنوان الطريقيّة، والنهي عن النقض بهذا المعنى قد يكون موجبا لجعل حكم مماثل للسابق، وقد يوجب جعل أثره، وقد لا يوجب شيئا منهما.
مثلا المتيقّن بوجوب صلاة الجمعة سابقا الشاكّ فيه في اللاحق إذا قيل له: عامل مع الشكّ معاملتك التي كنت تعاملها سابقا لوصف اليقين بما هو طريق، فمعنى ذلك إيجاب صلاة الجمعة، وهو مماثل للمستصحب، والمتيقّن بحياة زيد الشاك فيها إذا قيل له: عامل عمل اليقين، فمعناه انفق على زوجته، والمتيقّن بعدم التكليف في الأزل الشاك فيه إذا قيل له: اعمل عمل اليقين بعدم التكليف، فمعناه جعل الإباحة، وهو غير المستصحب وغير أثره، وقد مرّ هذا في ما تقدّم أيضا.
وعلى هذا فكلّ مورد كان لليقين السابق على تقدير بقائه عمل فهو مجرى الاستصحاب بلا كلام، وأمّا ما لم يكن لليقين السابق عمل فهو على أقسام يختلف وضوحا وخفاء في عدم الاندراج تحت لا تنقض.
منها: أن ينتهي إلى ما له عمل وكان الانتهاء من الملزوم إلى اللازم العقلي أو العادي.
ومنها: أن ينتهي إلى ما له عمل، ولكن كان الانتهاء من أحد المتلازمين في الوجود إمّا عقلا وإمّا اتّفاقا إلى الآخر.
ومنها: أن لا ينتهي إلى العمل، ولكن كان ملزومه أمرا له أثر.
ومنها: أن يكون له أثر شرعي، ولكن لم يرتّبه الشرع، بل رتّبه العقل، مثل ترتيب الحكم الشرعي على وجود مقتضيه وفقد مانعة.
ومنها: أن يكون له عمل، ولكن كان مجعولا بتبع منشأ انتزاعه، كالجزئيّة والشرطيّة.
وعدم جريان الاستصحاب في بعض هذه الاقسام لا يحتاج إلى كثير مئونة، وهو القسم الثاني والثالث، مثلا المتيقّن بطهارة إحدى الإنائين الشاك فيها لا حقا مع العلم بأنّ إحداهما طاهر والآخر نجس ليس من جملة عمله الذي كان يعمله لأجل اليقين بطهارة هذا الإناء الاجتناب من ذلك الإناء الآخر، بل إنّما كان هذا اليقين مورثا ليقين آخر بواسطة اليقين بالملازمة متعلّق بنجاسة ذلك الآخر، وكان الاجتناب عملا له، لا لهذا وإن كان نشأ اليقين المذكور من هذا اليقين.
والحاصل، مجرّد انتهاء العمل ولو بالواسطة إلى اليقين لا يصحّح استناده إليه عرفا وإدخال كلمة اللام عليه، ولهذا لو سئل عن المتيقّن المفروض لم تجتنب عن هذا الإناء؟ فقال: لأنّي متيقّن بطهارة ذلك؛ أو لأنّ ذلك طاهر، كان باردا.
من هنا يعلم الحال في النقض باللازم إذا قصد ترتيب عمل اليقين بالملزوم عليه، فإنّ عمل اليقين بالملزوم لا يسند إلى اليقين باللازم.
وأمّا القسم الرابع أعني: ما إذا كان الأثر شرعيّا، ولكن ترتيبه على شيء واقعا كان من وظيفة العقل، فالحقّ فيه الجريان، لأنّ حكم العقل إنّما هو في موضوع الواقع، ولا حكم له في حال الشكّ في الموضوع، والفرض أنّ المحمول شرعي قابل للجعل، فلا مانع عن عموم الأدلّة، هذا بحسب كبرى المسألة.
وأمّا بحسب ما عدّ لهذا مصداقا أعني: مسألة ترتّب الحكم الشرعي على عدم المانع مع وجود المقتضي كما هو مبنى شيخنا المرتضى قدّس سرّه في كتاب طهارته- حيث أسّس الأصل في حال الشكّ في الانفعال وعدمه، وجعله الانفعال بتقريب أنّا قد استفدنا من الأدلّة سببيّة الملاقاة للتنجّس وأنّ الكريّة مانعة، فإذا شككنا في حدّ الكرّ وتردّد بين الزائد والناقص، ولاقى الماء المحدود بالحدّ الناقص مع النجاسة، فاستصحاب عدم وجود عنوان المانع ليرتّب عليه النجاسة لا مانع منه؛ فإنّ الحكم بالنجاسة في موضوع عدم المانع. الواقعي وإن كان عقليّا، لكن في موضوع العدم المشكوك لا حكم للعقل، والمفروض أنّ نفس الحكم أعني النجاسة ممّا يقبل الجعل، فلا مانع من جريان عموم الأدلّة- فالحقّ عدم الجريان، لا لأنّ الأثر ممّا رتّبه العقل، بل لأنّه ليس لهذا العنوان أثر أصلا حتّى بحكم العقل، فإنّ المؤثّر إنّما هو ذات المانع لا هو بعنوان أنّه مانع وكذا في جانب العدم، مثلا الذي هو المؤثّر ذات الكرّ أو عدمه، لا هو بعنوان المانعيّة، وإنّما هو وصف ينتزعه العقل من مرتبة تأثير الذات، وهذا واضح.
وأمّا القسم الخامس، أعني ما كان مجعولا شرعيّا، ولكن لا استقلالا، بل تبعا لجعل شيء آخر كالجزئيّة والشرطيّة، فربّما يستشكل في الاستصحاب فيه بأنّه لا عمل لليقين في مثل ذلك، فإنّ الجزئيّة مثلا بالفرض منتزع عن جعل الوجوب على المركّب فهو متقدّم رتبة عليها، والإنسان حال يقينه إنّما يتحرّك نحو إتيان الجزء بسببيّة اليقين بالوجوب، لا اليقين بمعلوله الذي هو الجزئيّة ولو كان للجزئيّة أيضا على فرض انفكاكها عن الوجوب محالا هذا التأثير والاقتضاء أيضا، لكن حال اجتماعهما مع الوجوب يكون التأثير، لا سبق العلّتين وهو الوجوب، فينعزل الجزئيّة عن التأثير. فيندرج تحت القسم الثالث المتقدّم آنفا من ترتيب عمل الملزوم على اليقين باللازم، وقد استشكلنا في دخوله تحت العموم، لأنّ عمل الملزوم لا ربط له باليقين باللازم.
ولا يخفي أنّه لا يندفع هذا الإشكال بفرض معارضة الاستصحاب في المنشأ أعني الوجوب وسقوطه بها، فإنّ ذلك لا يصحّح جريان الاستصحاب في الجزئيّة بعد كون العمل في حال اليقين إنّما هو مضاف إلى يقين الوجوب دون يقين الجزئيّة، كما لا يندفع أيضا بأنّ الاستصحاب المثبت أو النافي للجزئية يلزمه الإثبات أو النفي في المنشأ؛ إذ لا يجتمع وجود الجزئيّة مع عدم الوجوب ولو في الظاهر، ولا عدمها مع الوجوب كذلك، فإن هذه النتيجة فرع عدم المانع عن أصل الجريان، وما ذكرنا موجب لعدم انطباق مورد الأدلّة على الشكّ في الجزئيّة المسبوق باليقين.
واجيب عن الإشكال أوّلا: بأنّ حاله ليس بأدون من استصحاب الموضوع كحياة الزيد، فإنّ العمل أوّلا وبالذات لحكم الشرع عليه بكذا وإسناده أوّلا إلى يقين الحكم، وثانيا إلى يقين الموضوع، فكما صحّ هناك هذه المسامحة ولم يوجب خروجه عن مورد الدليل، فليكن الحال في المقام أيضا كذلك؛ إذ ليس المسامحة في إسناد عمل الوجوب على العشرة من حيث إضافته إلى كلّ من الآحاد إلى جزئيّة كلّ واحد إلّا مثل تلك المسامحة، فكما يصحّ أن يقال: إنّه يعمل العمل لأجل كونه متيقّنا بوجوبه الضمني، كذلك يصحّ أن يقال لأجل جزئيّته للمأمور به.
وثانيا: نمنع عدم العمل للجزئيّة والشرطيّة ونحوهما، فإنّ عنوان صحّة العمل وفساده لا يتحقّق بالجعل الأوّلي، وإنّما ينتزع من الجزئيّة والشرطيّة، فهما متأخّران في الانتزاع عن انتزاع الجزئيّة والشرطيّة؛ فإنّ الصحّة عبارة عن كون العمل موافقا للمأمور به في الأجزاء والشرائط، والفساد عبارة عن خلافه، وهكذا نفس الصحّة والفساد، فإنّ عنوان الإجزاء وعدمه مترتّبان عليهما.
وحينئذ نقول: لا شبهة أنّ هذه العناوين أعني الجزئيّة وشبهها قابلة للجعل، غاية الأمر تبعا، فكما أنّ جاعل الأربعة جاعل للزوجيّة ويصحّ أن يقال: جعل الزوجيّة تحت ولايته، كذلك جاعل الوجوب في المركّب والمقيّد يكون جعل الزوجيّة والشرطيّة تحت ولايته، ويكفي في عموم «لا تنقض» قابليّة المورد للجعل ولو بهذا النحو، فيكون جعل الجزئيّة في الظاهر أيضا ملازما لجعل الوجوب في ذات الجزء، وليس كنجاسة الثوب، حيث يمكن التفكيك في الظاهر بينهما وبين نجاسة الماء بأن يحكم بنجاسته وطهارة الماء، وكذلك الحال في جعل الصحّة في قاعدة الفراغ، فإنّه ملازم حتّى في الظاهر لجعل المنشأ وهو تقبّل الناقص مكان الكامل.
وبالجملة، لا يعتبر في المتيقّن سابقا المشكوك لا حقّا أن يكون بنفسه أو بأثره مجعولا بالاستقلال، بل المعتبر قابليّته للأعمّ منه ومن الجعل بالتبع.
وإذن فالمعتبر في الاستصحاب أن يكون في البين عمل كان باقتضاء اليقين، وكان العمل أيضا من وظيفة الشارع أن يتعبّدنا في حال الشكّ وكان في البين أثر شرعي قابل للجعل بأحد النحوين، فمع اجتماع هذه القيود يصحّ الاستصحاب، ومع فقد أحدها لا يصحّ.
فإن قلت: أيّ فرق بين استصحاب عدم عنوان المانع وبين استصحاب عنوان المانعيّة والشرطيّة للتكليف، حيث منعت الأوّل وجوّزت الثاني.
قلت: المنع السابق من جهة توهّم الأثر لعنوان المانع حتّى يندرج استصحابه في استصحاب موضوع الأثر، ولو اريد إثبات استصحاب المانعيّة للتكليف أيضا بهذا الوجه توجّه عليه المنع، والمدّعي في المقام إثبات جوازها من طريق كون نفس المانعيّة من المجعولات من غير ملاحظة ثبوت أثر لها وعدمه، ولو اريد إثبات استصحاب عدم عنوان المانع أيضا بهذا الوجه بأن يكن المصحّح هو التصرّف في المنشأ لم يكن به بأس.
بقي في المقام الفرق بين الاستصحاب حيث منعنا عن إثبات اللوازم الشرعيّة المترتّبة على المستصحب بتوسّط اللوازم أو الملازمات العقليّة أو العاديّة، أو الملزومات مطلقا، وبين الطرق والأمارات، حيث لا يقتصر فيها على الآثار الشرعيّة المترتّبة على مؤدّياتها بلا واسطة، فإنّ مفاد دليل الحجيّة أيضا معاملة الواقع مع مؤدّى الأمارة والطريق، فيجري عين ما تقدّم في دليل الاستصحاب حرفا بحرف، فإنّ ترتيب الآثار المترتّبة على لوازم المؤدّى أو ملازماته أو ملزوماته ليس عملا مضافا إلى المؤدّى ابتداء.
ومحصّل الفرق أنّه فرق بين لسان الدليل هنا ولسانه هناك، فلسانه هنا التعبّد بعدم نقض اليقين بالشكّ، لا جعل الكون السابق من حيث إفادته للظنّ النوعي بالبقاء حجّة ومعتبرا، فلا محالة لا بدّ من الاقتصار على موارد صدق عنوان النقض.
ولسانه هناك جعل الأمارة أو الطريق من حيث كشفه وإفادته للظنّ النوعي بمطابقة الواقع حجّة ومعتبرة، وبعبارة اخرى: إيجاب تصديقها وعدم الاعتناء باحتمال كذبها، لا التعبّد وإيجاب العمل بمؤدّى قولها، ومشابهته للمقام إنّما هي على هذا التقدير، إذ المقول منصرف إلى المقول الابتدائي.
وأمّا على التقدير الأوّل فاللازم التعدّي من المقول إلى ما يترتّب عليه بواسطة ملزوماته أو ملازماته أو لوازمه إذا كنّا قاطعين من الخارج بأصل الملازمة وعدم انفكاك وجود الواسطة عن وجود المقول واقعا؛ إذ حينئذ عدم تحقّق ذلك الأمر الشرعي المترتّب ولو بألف واسطة ينحصر في أحد أمرين، إمّا كذب الأمارة، وإمّا سهوها، إذ بطلان الملازمة غير محتمل حسب الفرض، وإذا كان باب سهوها أيضا مسدودا بالأصل العقلائي ينحصر الأمر في كذب الأمارة، وقد فرضنا أنّ الشارع ألغى احتمال كذبها، فلم يبق إلّا الحكم بترتيب ذلك الأمر.
وبعبارة اخرى: إذا جعل الشارع المرتبة الخاصّة من الظنّ النوعي أعني الحاصل من قيام الأمارة حجّة، والمفروض أنّ عين تلك المرتبة حاصلة في ذلك الأمر المترتّب بألف واسطة كما في مقول قولها، كما هو المشاهد لو كان مكان الظنّ النوعي الظنّ الشخصي، وقد حصلت من الأمارة، فتكون مشمولة لدليل الاعتبار بلا واسطة، فإنّ المفروض عمومه لكلّ كشف نوعي حاصل من قولها مرتبط بأمر شرعي، فلا حاجة إلى إجراء دليل الاعتبار في كلّ واحد واحد من الوسائط على الترتيب حتى يقال ليست هي قابلة لأن يعتبر فيها الأمارة.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|