أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
5527
التاريخ: 2024-03-02
1396
التاريخ: 4-05-2015
2468
التاريخ: 22-12-2014
2674
|
تنطلق في القرآن أصداء حالمة ، في ألفاظ ملؤها الحنان ، تؤدي معناها من خلال أصواتها ، وتوحي بمؤداها مجردة عن التصنيع والبديع ، فهي ناطقة بمضمونها هادرة بإرادتها ، دون إضافة وإضاءة ، وما أكثر هذا المنحنى في القرآن ، وما أروع تواليه في آياته الكريمة ، ولنأخذ عينة على هذا فنقف عند الرحمة من مادة «رحم» في القرآن الكريم بجزء من إرادتها ، ولمح من هديها.
قال تعالى : {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة : 157].
وقال تعالى : { لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [آل عمران : 157].
وقال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [آل عمران : 159].
وقال تعالى : { كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } [مريم : 1 ، 2].
وقال تعالى : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ } [الأعراف : 151].
وقال تعالى : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء : 24].
فأنت تنادي من صدى «الرحمة» بأزيز حالم ، وتحتفل من صوتها بنداء يأخذ طريقه إلى العمق النفسي ، يهز المشاعر ، ويستدعي العواطف ، ناضحا بالرضا والغبطة والبهجة ، رافلا بالخير والإحسان والحنان ، فما ذا يرجو أهل الإيمان أكثر من اقتران صلوات ربهم برحمته بهم وعليهم ، ولمغفرة من اللّه تعالى ورحمة خير مما تجمع خزائن الأرض وكنوزها ، وهذا محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ذو الخلق العظيم ، والمخائل الفذة ، لو لا رحمة ربه لما لإن لهؤلاء القوم الأشداء في غطرستهم وغلظتهم ، وهذا زكريا تتداركه رحمة من اللّه وبركات في أوج احتياجه وفزعه إلى اللّه عزّ وجلّ : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } [مريم : 3].
فيهب له يحيى { وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة : 105].
و وقفة مستوحية عند الأبوين الكريمين { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء : 24]. فستلمس صيغة الرحمة قد تجلت بأرق مظاهرها الصادقة وأرقاها ، توجيه رحيم ، واستعارة هادفة ، وعاطفة مهذبة ، فقد اقترنت الرحمة بالاسترحام ، وخفض الجناح بتواضع بل بذل إشفاقا وحنوا وحدبا ، فكما يخفض الطائر الوجل أو المطمئن السارب جناحيه حذرا أو عطفا أو احتضانا لصغاره حبا بهم ، أو صيانة لهم من كل الطوارئ ، أو هما معا ، فكذلك رحمة الولد البار بوالديه شفقة ورعاية ، مواساة ومعناة ، في حالتي الصحة والسقم ، الرضا والغضب ، الدعة والاحتياج ، يضاف إلى ذلك الدعاء من الأعماق «و قل رب ارحمهما» مجازاة على تربيته صغيرا ، والرحمة وارحمهما ، لفظان متلازمان في بحة الحاء المنطلقة من الصدر فهي صوتيا مثلها دلاليا من القلب وإلى القلب ، ومن الشغاف إلى الشغاف ، وهنا يظهر أن الرحمة ظاهرة واقعية تنبعث من داخل النفس الإنسانية ، فيتفجر بها الضمير الحي النابض بالطهارة والنقاء والحب السرمدي ، فهي إذن لا تفرض من الخارج بالقوة والقهر والاستطالة ، وإنما سبيلها سبيل الماء المتدفق من الأعالي لأنها صفة ملائكية ، تمزج الإنسانية بالصفاء الروحي.
«و الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رحم اللّه فلانا.
وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة ، وعلى هذا روي أن الرحمة من اللّه إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف» (1).
فاللّه تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى رعيته فجاء له الحمد مساوقا لهذه الرحمة { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة : 2 ، 3]. ونشر الرقة بين البشر في الطباع { لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الفتح : 25].
ولو تابعنا أصل المادة لغويا لوجدنا ملاءمتها للمعنى صوتيا في الرقة واللحمة والتناسب ، فالرحم رحم المرأة ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } [آل عمران : 6]. ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبيا ، لذلك قال تعالى : {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال : 75]. ولو لا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم.
فكان الالتصاق في الرحم قد نشر الالتصاق بالولاية من جهة ، وجدد الرحمة بالرقة والمودة والعطف الكريم.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|