أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-10
593
التاريخ: 2023-10-26
1273
التاريخ: 2023-09-28
1402
التاريخ: 2023-10-16
1089
|
منذ ان توفي مزران، جمع لوي الرابع عشر وزراءه، وأبلغهم انه سيكون منذ هذا اليوم هو رئيس الوزراء، وانهم سيقدمون له المشورة، حين يطلبها منهم، وطلب إليهم الا يوقعوا على شيء بدون موافقته. وهكذا أصبح لويس الرابع عشر هو الملك، وهو الذي يحكم.
وكان له من العمر في ذلك الوقت 22 سنة (8 مارس سنة 1661)، وظل يحكم حتى بلغ من العمر 77 سنة (اول سبتمبر سنة 1715). وطوال هذه السنوات الخمس والخمسين سار لوي الرابع عشر على نفس هذه الطريقة: فهو الملك، وهو الذي يحكم وكان قد تمرن على شئون الحكم منذ سن السادسة عشرة، مع مزران، فكانت له دراية بشئون الحكم والجيش والسياسة الخارجية.
وكان لوي الرابع عشر منذ صغره، قد اعطي لنفسه تصورا ان من حق الملك ان يفعل ما يحلو له، وانه قد حصل على التاج بحق إلهي، وانه هو الذي يمثل اللـه في البلاد، وعمل على اعطاء ابنه هذه التوجيهات. وكان لوي الرابع عشر ينظر الى الملك، علاوة على ذلك، على انه عمل، ولذلك فانه كان يصر على رؤية كل شيء، وكان يقضي ساعات في صباح ومساء كل يوم لدراسة شئون المملكة، وفحصها واتخاذ القرارات فيها.
ومع ذلك فان حياة البلاط في عصره، كانت نشطة، وبعد الفترة التي خبا فيها اشعاع البلاط، مع الحروب الدينية، اعطي لوي الرابع عسر حياة جديدة للبلاط الملكي في قصر فرساي. وكان الامراء والنبلاء يتسابقون للتواجد، حوله، ولاتباع المراسم التي فرضها على الجميع، منذ ان ينهض في الصباح الي نهاية اليوم، ولذلك فانه هو الذي وضع اسس الاتيكيت في فرنسا وفي العالم، وحول شخصه.
وكان جمع الامراء والنبلاء في بلاطه يضمن له ابعاد نفوذهم عن الاقاليم، وتحويلهم الى مجرد حاشية تتبعه في كل مكان، وليس لها اي سلطة او نفوذ. ووضع لوي الربع عشر نظاما للحكم، مرتبط بشخصه فهناك ادارة الملك العسكرية، وهي التي تحولت فيما بعد الي هيئة الياوران، وهناك ادارة الملك المدنية، وهي التي ضغط فيها الوزارات والادارات، والتي تحولت فيما بعد الى الديوان الملكي، وبهذه الطريقة أصبح لوي الرابع عشر ملكا، وحاكما، وله سلطة مطلقة، وبالحق الالهي، وروض الجميع من امراء ونبلاء وحكام وقادة عسكريين على ان يصبحوا تابعين للملك شخصيا.
ولقد استعان لوي الرابع عشر، في حكمه، برجال الطبقة البورجوازية، حتى يحرم النبلاء من كل سلطة ونفوذ، وكانت الحكومة في عهده حكومة مركزية تماما. ورغم وجود مستشار ووزراء للشئون الخارجية، وللحربية وللبحرية ولشئون القصر، الا ان احدا منهم لم يكن في وسعه ان يتخذ اي قرار دون عرضه على الملك. وكان الملك يقرا أتماساهم، او توصياتهم، وتقاريرهم مساء كل يوم، ويوجهها حسبما يرى. وكان نافذ البصيرة، وافر المعلومات، اذ انه كان يقرا ويستمع، بانتظام، وكل يوم، فكان يعرف كل صغيرة وكبيرة داخل بلاده وما يهمها في الخارج. اما بالنسبة للأقاليم، فانه زاد من سلطة المراقبين والمفتشين، حتى أصبحوا ممثلين شخصيين له، كلا في مقاطعته، ويأتمرون بأمره. وظل هذا النظام معمولا به في فرنسا حتى عصر الثورة الفرنسية.
وكان أشهر وزراء لوي الرابع عشر هو كولبير، وكان نشطا، دقيقا في عمله، وكان يعمل لمدة ستة عشر ساعة كل يوم لا يقابل أحد، ومتفرغ لشئون الدولة. وكان كولبير قد تمرن على العمل في الادارات المالية، ووضع لنفسه شعارا ان ينمي ثروة فرنسا، ويجعلها أغنى دولة وذلك عن طريق منع النقود والاموال من الخروج منها، ثم جذب الاموال الاجنبية اليها، وذلك من اجل زيادة الموارد التي يمكن استخدامها في السياسة العامة للدولة. واعتبر ان هذه العملية هي حرب مالية، ترفع من قدر فرنسا بين الدول، فعمل على اعادة تنظيم المالية. وعلى تنمية الصناعة، وعلى زيادة حجم ونشاط التجارة.
اما بالنسبة للمالية، فقد سار على الخطوط العامة التي كان مزران قد سار عليها. واما الصناعة فيرجع الي كولبير الفضل في ان جعل فرنسا دولة صناعية كبرى، فشجع الصناعات الموجودة، مثل صناعة المنسوجات والسجاجيد والحرير وانشا صناعات جديدة مثل الزجاج والخشب والصلب، واستدعي كولبير، وبأثمان باهظة عددا من الفنيين والصناع الاجانب، وقدم لهم الملك رؤوس الاموال اللازمة لأنشاء المصانع وشراء المواد الخام وبسخاء، كما كان يقدم لهم جوائز للعمال المتفوقين. وبعد ان كانت الورش والمصانع صغيرة، اخذت شكل المصانع (بكل معنى الكلمة. وكان هدف كولبير ان يحرر فرنسا الاعتماد على الخارج في المصنوعات، كخطوة اولى من اجل الوصول الى جعل الخارج يعتمد على فرنسا في استيراد مصنوعاته فأكثر من وضع للوائح والتعليمات للصناع واجبرهم على التوقيع باسمهم على ما يصنعون، الامر الذي تطور فيما بعد الى العلامة التجارية.
اما بالنسبة للتجارة، عمل على حماية المنتجات الفرنسية بفرض ضرائب مرتفعة على السلع الاجنبية، في نفس الوقت الذي قلل فيه من الضرائب على المنتجات الفرنسية، تشجيعا للتجارة مع الخارج، ومع اقاليم ما وراء البحار. وكانت هناك صعوبات تواجهه في الداخل، وخاصة وان بقايا النظام الاقطاعي كانت موجودة، متمثلة في شكل جمارك داخلية بين المقاطعات، وبعضها فالغي هذه الجمارك الداخلية بين عدد كبير من المقاطعات. وشجع كولبير التجارة الخارجية، وعمل على انشاء شركات التجارة البحرية مع الهند الغربية، والهند الشرقية وشرق البحر المتوسط، ومع الشمال، ومع السنغال.
ولقد ارتبط كل ذلك بأنشاء بحرية فرنسية قوية، ونجح كولبير في انشاء اسطول تجاري هام. كما عمل على انشاء اسطول حربي للمحافظة على خطوط المواصلات مع المستعمرات الفرنسية، وبخاصة كندا التي كان يرغب في تحويلها الي مقاطعة فرنسية. ووضع نظاما للتجنيد في البحرية، وانشا صندوقا لمصابيها ومدرسة لتخريج ضباطها·
واهتم كولبير بالزراعة، وشجع تربية المواشي والخيول، وزراعة الكروم واشجار التوت، اللازمة لدود الحرير.
نجح كولبير في كل ذلك، رغم العقبات التي كانت تواجهه، والتي كانت تتمثل في سياسة لوي الرابع عشر العسكرية، وفي ميله الي البذخ وحياة العظمة. ولقد ابلغه ذلك، ولكن لوي الرابع عشر كان ممتلأ بالغرور، نتيجة لانتصاراته، ورفض الاستماع الي اي نصيحة للاعتدال، ولذلك فانه تخلص من كولبير.
واشتهر بعد ذلك، لوفوا الذي ظل وزيرا للحربية لمدة 25 سنة (1666 – 1692).
ولقد امضي لوي الرابع عشر ثلاثين سنة من فترة حكمه، التي بلغت 55 سنة، في الحروب، الامر الذي ادى الي تغيير كامل في النظم العسكرية في فرنسا، وفي نفس الوقت الذي حدث فيه مثل هذا التغيير في الدول الاخرى، وتحول نظام الجيش من جيش مؤقت الي جيش نظامي دائم وبلغ عدد الجيش الفرنسي وقت حرب الوراثة الاسبانية (سنة 1701) 125 ألف من المشاة و47 ألف من الفرسان.
ووضع نظام لتدريب هذا الجيش الدائم، ولتنظيمه، وتنظيم تسلسل القيادة فيه عن طريق قائمة بأقدمية الضباط. ووضعت له الادارات المختلفة للتموين، الشئون الادارية، ولمستشفيات الميدان. ووضع لوفوا كسوة عسكرية لكل الجنود، كما وضع نظاما دقيقا للطاعة دون اعتراض بين الجنود وضباطهم، واهتم بنظام التجنيد، وعلى اساس التطوع، نظير الرواتب والخضوع للنظام العسكري. وانشا لوفـوا سلاحين جديدين: هما سلاح المدفعية، وسلاح المهندسين، وهو الذي اهتم بالتحصينات، على طول حدود فرنسا، واشتهر منبين رجاله الماريشال فوبان. ولقد تمكن فوبان بدوره من ادخال تعديلات على الاسلحة، وبخاصة البنادق، وبشكل جعلها اقل ثقلا، وأكثر فاعلية في إطلاق النيران، وزود كل بندقية بحربة، تساعد الجندي وقت الالتحام.
وكانت كل هذه الوسائل، الاقتصادية والعسكرية، تساعد لوي الرابع عشر على تطبيق سياسته وعلى القيام بحروبه في اوربا.
واخيرا فعلينا ان نذكر ان الشئون الدينية كانت لها اهمية خاصة في عهد لوي الرابع عشر. ذلك انه قد دخل في صدام مع البابوية، وعلى اساس استقلال كنيسة فرنسا، ودخل في صراع مع الجانسينست، وهم من اتباع القديس اوغسطين، وحطم مراكزهم، والغي نظامهم واخيرا فانه اضطهد البروتستانت، وألغى مرسوم نانت، وعمل على استخدام القوة لتحويلهم الى الكاثوليكية. ولقد عمل على تحويل ابنائهم بالقوة الي الكاثوليكية في سن الصبا، وحرمهم من الوظائف العامة، ومن ممارسة مهن المحاماة والطب عمل بعد ذلك على اجبارهم على استضافة قوات الفرسان في قراهم ومنازلهم وعلى نفقتهم. وكان هؤلاء الفرسان يستخدمون العنف معهم لتحويلهم الي الكاثوليكية. وبكل وسيلة وضغط ممكنة، فادي ذلك الي تحول الكثيرين الي المذهب الكاثوليكي، واجبار البعض منهم على التجديف في السفن، وهجرة الكثيرين، وبالألاف الي انجلترا وهولندا وبرلين، التي ستصبح عاصمة بروسيا فيما بعد، وساعد كل ذلك على ان يشعر الملك في ذلك الوقت بانه يحكم شعب متجانس، وانه لا توجد هناك اي معارضة لسلطته داخل البلاد.
|
|
هل تعرف كيف يؤثر الطقس على ضغط إطارات سيارتك؟ إليك الإجابة
|
|
|
|
|
مجالس العزاء الكاظمي .. حين تجتمع القلوب على حب سابع الأئمة تتجسد رسالة الزيارة بأسمى صورها
|
|
|