أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-5-2019
1983
التاريخ: 24-3-2020
2674
التاريخ: 1-2-2022
2313
التاريخ: 2024-02-17
1103
|
لقد ورد في الروايات الإسلامية وكذلك كلمات علماء الأخلاق بحوث واسعة عن (المزاح) حيث يتوصّل الإنسان من خلال مطالعتها ودراستها إلى هذه النتيجة ، وهي أن المزاح إذا كان في حدّ الاعتدال ولم يكن ملوّثاً بالإثم والمعصية فإنّه ليس فقط غير قبيح ، بل يمكن اعتباره من مصاديق حسن الخلق والأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة مع الناس ، ولا شك أن الافراط في ذلك إمّا أن يوقع الإنسان في المعصية والإثم يتحول إلى أحد الرذائل الأخلاقية ، وأحياناً يكون خطره أكثر من خطره في الكلام إذا كان من موقع الجد ، لأنّ في المزاح نوع من الحرية لا توجد في الكلام الجدّي والذي ينطلق من موقع المسؤولية.
ويستفاد من سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وعلماء الدين أنّهم كانوا يمارسون المزاح بشكل معتدل في معاشرتهم مع الناس.
وبهذه الإشارة نستعرض بعض الروايات التي تقرر حسن المزاح بصورة عامّة ، ثم نستعرض الروايات التي تذم المزاح ، ثم نذكر طريق الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات الشريفة :
1 ـ ما ورد في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لَيَسُرُّ الرَّجُلَ مِنْ أَصحابِهِ إِذا رَآهُ مَغمُوماً بِالمُدَاعَبَةِ» ([1]).
أجل فإنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يستخدم المزاح لتحقيق الأغراض الإنسانية وادخال السرور على القلوب المهمومة والنفوس الكئيبة.
2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال لأحد أصحابه : «كَيفَ مُداعَبَةِ بَعضُكُم بَعضاً».
قلت : قليل.
فقال الإمام (عليه السلام) : «أفَلا تَفعَلُوا فإنّ المُداعَبَةَ مِنْ حُسنُ الخُلقِ وَإنَّك لَتُدخلُ بِها السُّرورَ عَلى أَخِيكَ وَلَقَد كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يُداعِبُ الرَّجُلَ يُريدُ أَن يَسُرَّهُ» ([2]).
3 ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : «ما مِنْ مُؤمُنٍ إلّا وَفَيهِ دُعابَةٌ ، قلت : وَما الدُّعابَةُ؟ قال : المِزاح» ([3]).
ويستفاد من هذا التعبير أن المؤمن لا ينبغي أن يكون جافّاً ، بل إنّ أغصان حسن الخلق هو المزاح وطبعاً مقرون بالتقوى.
4 ـ ويستفاد من الروايات الشريفة أنّ المعصومين (عليهم السلام) أحياناً كانوا يتحرّكون لحث الآخرين للتمازح في مجلسهم ليتمّ بذلك إدخال السرور على قلوب المؤمنين ، ففي كتاب الكافي للمرحوم الكليني (قدس سره) نقرأ حديثاً شريفاً يرويه عن معمر بن خلّاد قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت : جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟
فقال (عليه السلام) : «لا بأسَ ما لَم يَكُن ، فَظَننتُ أَنّه عنى الفحش ، ثُمَّ قال : إنّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كانَ يَأتِيهِ الأعرابِي فَيَهدِي لَهُ الهديَّةَ ثُمَّ يَقُولُ مكانَهُ : أَعطِنا ثَمَنَ هَديتِنا فَيضحَكُ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَكَانَ إِذا اغتَمَّ يَقُولُ : ما فَعَلَ الأَعرابي لَيتَهُ أتانا» ([4])
5 ـ وقد ورد في الأحاديث الشريفة نماذج من موارد مزاح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع أصحابه منها ما ورد عن امرأة تدعى (ام أيمن) جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت : إنّ زوجي يدعوك ، فقال : ومن هو أهو الذي بعينه بياض ، فقالت : والله ما بعينه بياض ، فقال : بلى أنّ بعينه بياضاً ، فقالت : لا والله.
فقال (صلى الله عليه وآله) : ما أحد إلّا وبعينه بياض ([5]).
وفي مقابل هذه الأحاديث هناك أحاديث كثيرة تنهى عن المزاح منها :
1 ـ في الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «إِيّاكُم وَالمَزاحَ فَإنَّهُ يَذهَبُ بِماءِ الوَجهِ وَمَهابَةِ الرِّجالِ» ([6]).
2 ـ وأيضاً في حديث آخر عن هذا الإمام أنّه قال : «إِذا أَحبَبتَ رَجُلاً فَلا تُمازِحهُ وَلا تُمارِهِ» ([7]).
3 ـ وفي حديث شريف عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «إِيّاكُم وَالمَزاحَ فَإنَّهُ يَجُرُّ السَّخِيمَةَ وَيُورِثُ الضَّغِينَةَ وَهُو السَّبُّ الأصغَرُ» ([8]).
4 ـ وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «لا تُمازِح فَيُجتَرَءُ عَلَيكَ» ([9]).
* * *
وعلى هذا الأساس يمكن القول أنّ المزاح يبعث على الذهاب بوقار الإنسان والحط من شخصيّته أمام الناس ويسبب العداوة والبغضاء بينهم ويوجب تجرّؤ الجهّال ويعرّض شخصية الإنسان إلى المهانة والضعف والاهتزاز.
ومن خلال مطالعة التعبيرات الواردة في روايات الطائفة الاولى المادحة للمزاح وروايات الطائفة الثانية الناهية عنه يمكن معرفة السبل إلى الجمع بين هاتين الطائفتين ، وتوضيح ذلك أنّ المزاح أمر معقّد وأحياناً يتّسم بأنّه أشدّ من حالة الجدية في الكلام وبعبارة اخرى أنّ المزاح أمر رقيق جدّاً بحيث أنّه إذا خرج قليلاً عن حدّ المقرّر ، فإنّ له آثار مخرّبة مدمّرة.
إذا كان المزاح في الإطار المقبول ولم يخرج عن حدّ الاعتدال وكان لغرض رفع السأم والتعب والحزن عنهم مع رعاية الجهات الشرعية فإنّه يقع مطلوباً ومورد رضا الله تعالى.
ولكن إذا كان المزاح لغرض الانتقام والسخرية بالطرف الآخر وبدافع الحقد والكراهية وخاصة إذا كان بلباس الجدّية فإنّه لا يحقق الامور المذكورة فحسب ، بل إنّ البعض قد يهدف إلى أغراض شيطانية من خلال المزاح فلا شك في أنّه يقع مبغوضاً ومنفوراً وأحياناً يكون أشدّ من السب والشتم.
وكذلك إذا استخدمت في المزاح كلمات واهنة ومبتذلة فلا شك أنّها تتسبب في هتك حرمة الإنسان وإزهاق شخصيته.
وهكذا إذا كان المزاح أمام أشخاص ليست لهم قابلية على تقبّله أو لا يحفظون حريم شخصيّة الإنسان ممّا يؤدّي إلى جرأتهم وتطاولهم على الكبير فيقولون من موقع المزاح ما يوهن شخصيته ويطعن في احترامه.
ومثل هذه الانحاء من المزاح ليست فقط غير مطلوبة بل أحياناً تقع في دائرة الذنوب الكبيرة أيضاً.
فعلى السالكين طريق الحق والذين يتحرّكون في تهذيب النفس وتزكيتها يجب عليهم الانتباه فلا يشطبون على المزاح تماماً ويحذفونه من حياتهم ويتحوّلوا إلى أشخاص جامدين ويعيشون الجفاف الروحي والعواطف البشرية واللطافة والمحبّة مع الآخرين ، ولا يتورّطون مقابل ذلك في الذنوب أو الأعمال المنافية للمروءة عند ممارسة المزاح ، فكثيراً ما رأينا بعض الأشخاص المتدينين حسب الظاهر عند ما يتحدّثون في مجالسهم ويتمازحون مع الآخرين يطلقون ألسنتهم بالحكايات المبتذلة التي يشمّ منها رائحة الغيبة أحياناً أو التهمة أو إشاعة الفحشاء أو يتسبب كلامهم في إهانة بعض المسلمين وجرح كرامتهم.
وحتى لو كان المزاح يخلو من أي مطلب منافي للشرع ، فإنّ الإكثار منه يسّبب آثار سلبية وكما يقول بعض العلماء(المَزاحُ فِي الكلامِ كَالمِلحِ فِي الطَّعامِ) ، فلو كان أكثر من اللازم أو أقل منه لما كان الطعام سائغاً وطيّباً.
ومضافاً إلى ذلك فإنّ من يكثر من المزاح فانّ كلامه الجدّي سوف يكون بدون قيمة ، ولا يقبل الناس كلامه الجدّي كما يرام ، وهذا المضمون ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين قال : «مَن كَثُرَ هَزَلُهُ بَطَلَ جِدُّهُ» ([10]).
والملاحظة الجديرة بالذكر أنّ المزاح أحياناً يهدف إلى أغراض معقولة ومهمّة ، فلو كانت هذه الأهداف الجديّة تدخل في المسائل التربوية والبنّاءة لكان مفيداً جدّاً ، مثلاً أن يسعى الشخص لإفهام الطرف الآخر من خلال المزاح أن يواظب على المسائل الدينية والقيم الأخلاقية ، فمثل هذا العمل مفيد جدّاً ، ولكن لو كان الهدف الجدّي المتضمّن للمزاح يؤدّي إلى مفسدة أو كان لغرض الانتقام وتخريب شخصية الآخرين ، فإنّ ذلك المزاح يكون مبغوضاً ومذموماً جدّاً وذلك بأن يقوم الإنسان بهتك حرمة الأشخاص في لباس المزاح ويهدم شخصيّتهم ويعمل على تسقيطهم بهذه الوسيلة.
[1] مستدرك الوسائل ، ج 8 ، ص 408.
[2] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 663 ، ح 3.
[3] المصدر السابق ، ح 2.
[4] المصدر السابق ، ح 1
[5] تنبيه الخواطر ، ج 1 ، ص 112.
[6] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 665 ، ح 16.
[7] المصدر السابق ، ص 664 ، ح 9.
[8] المصدر السابق ، ص 664 ، 12.
[9] المصدر السابق ، ص 665 ، ح 18.
[10] غرر الحكم.
|
|
دون أهمية غذائية.. هذا ما تفعله المشروبات السكرية بالصحة
|
|
|
|
|
المنظمة العربية للطاقة تحذر من خطر.. وهذه الدولة تتميز بجودة نفطها
|
|
|
|
|
مركز الثقافة الأسرية يواصل تقديم دورة (البروتوكول والإتيكيت) للملاكات النسوية
|
|
|