المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6427 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

قدرة الأنود القصوى المسموح بها
1-9-2021
أهمية الإدارة الإستراتيجية
28-7-2016
الصحاري الباردة (التندرا) Tundra
21-8-2021
تضاريس سطح الارض
8-10-2016
Jacobsthal Number
6-12-2020
الإسناد ونظرية الإحالة
25-3-2017


الأمانة والخيانة في القرآن  
  
36   11:49 صباحاً   التاريخ: 2025-01-21
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص145-154
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الفضائل / اداء الامانة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-5-2022 1358
التاريخ: 2025-01-21 33
التاريخ: 25/12/2022 1077
التاريخ: 2025-01-21 37

هناك آيات متعددة في سور مختلفة تتحدّث عن أهميّة الأمانة ولزوم رعايتها في سلوك الإنسان الفردي والاجتماعي حيث نستعرض الآن هذه الآيات ونفسّرها :

1 ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)([1]).

2 ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)([2]).

3 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)([3]).

4 ـ (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ)([4]).

5 ـ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)([5])

تفسير واستنتاج :

«الآية الاولى» تتحرّك من خلال بيان أوصاف المؤمنين الحقيقيين وضمن تبشيرهم بالفلاح والنجاة في الآخرة ، وبعد بيان أهميّة الصلاة والابتعاد عن اللغو والكلام لفارغ وأداء الزكاة واجتناب أي لون من ألوان الانحراف الجنسي يشير القرآن الكريم في الآية الخامسة والسادسة إلى مسألة حفظ الأمانة والالتزام بالعهد ويقول : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).

ونفس هذا التعبير ورد في سورة المعارج الآية 32 ضمن بيان أوصاف الإنسان الجميلة والفضائل الأخلاقية ومنها الأمانة والوفاء بالعهد.

والملفت للنظر أنّ (الأمانات) الواردة في هذه الآية ذكرت بصورة الجمع وهي إشارة إلى أنّ الأمانة لها أنواع وأشكال مختلفة والكثير من المفسّرين ذكروا أنّ مفهوم الأمانة في هذه الآية لا يقتصر على الأمانة المالية بل يشمل الأمانات المعنوية كالقرآن الكريم والدين الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية وكذلك النعم الإلهية المختلفة على الإنسان في حركة الحياة المادية والمعنوية.

ومن هنا يتّضح أنّ المؤمن الواقعي والإنسان الذي يتمتع باللّياقة الكاملة هو الذي يتحرّك في سلوكه من موقع مراعاة الأمانة بصورها المختلفة ويهتم بالحفاظ عليها من موقع المسؤولية وأداء الوظيفة.

أمّا عطف الوفاء بالعهد على حفظ الأمانة فيبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ هذين المفهومين يعودان إلى جذر واحد ويشتركان في الأصل ، لأنّ نقض العهد يعتبر نوع من الخيانة في العهد والميثاق ، ورعاية الأمانة نوع من الوفاء بالعهد والميثاق أيضاً.

وتعبير (راعون) مأخوذ من مادة (رعاية) وهي من مادة (رعى) التي يراد بها رعي الأغنام ومراقبتها في عملية سوقها إلى حيث الماء والكلاء في الصحراء ، وهذا إنّما يدلّ على أنّ المقصود من هذه العبارة في الآية الكريمة هو أكثر من أداء الأمانة في مفهومها الظاهري ، أي النظر والمحافظة والمراقبة للشيء من جميع الجوانب.

وبديهي أنّ الأمانة تارة تكون ذات بعد فردي وتسلّم بيد شخص معين (كالأمانات المالية التي يودعها الإنسان لدى الآخرين) وتارة اخرى لها بعد جماعي مثل حفظ القرآن الكريم من التحريف والدفاع عن الإسلام والمحافظة على كيان الدول الإسلامية ، فهي كلّها أمانات وضعت بيد المسلمين وعليهم أن يتحرّكوا بصورة جماعية ويتكاتفوا فيما بينهم من أجل حفظ وصيانة هذه الأمانات الإلهية.

وتتحرك «الآية الثانية» لتثبيت أمرين إلهيين :

الأول : يتحدّث عن أداء الأمانة.

الثاني : يتحدّث عن الحكم بالعدل فتقول الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً).

ومع أنّ مسألة الحكومة العادلة أو التحكيم الصحيح والسليم بين الناس له مكانة سامية في نظر القرآن الكريم ، ولكن في نفس الوقت ورد الأمر بأداء الأمانة قبله وهذا يبيّن الأهميّة العظيمة للأمانة وأنّ لها مفهوم عام يستوعب في مضمونه التحكيم بين الناس من موقع العدل وأنّه أحد مصاديق أداء الأمانة ، لأنّ الأمانة بمفهومها العام تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات إلهية ، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه.

والتأكيدات الواردة في ذيل الآية الشريفة تقرّر من جهة أنّ الأمر بالأمانة والعدالة ما هي إلّا موعظة إلهية حسنة للناس ، ومن جهة اخرى تحذّر الجميع بأنّ الله تعالى يراقب أعمالكم وسلوكياتكم ، وهذا يعطي أهميّة مضاعفة على هذين المفهومين وهما رعاية الأمانة والعدالة.

ونقرأ في التفسير الكبير للفخر الرازي أنّ الأمانة لها ثلاث موارد وفروع :

الأمانة الإلهية ، وأمانة الناس ، وأمانة النفس ، ثم يتطرّق الفخر الرازي إلى شرح كل واحدة من هذه الفروع والأغصان للأمانة بالتفصيل ومن جملتها أداء الواجبات وترك المحرمات حيث يعتبرها من موارد الأمانات الإلهية ، ويقسّمها إلى تقسيمات عديدة ، منها أمانة اللسان ، أمانة العين والاذن (أي أنّ الإنسان يجب أن لا يتحرّك بالمعصية ، والعين لا تنظر بنظر الخيانة ، والاذن لا تسمع الكلام المحرّم).

أمّا الأمانات البشرية فهي من قبيل الودائع التي يضعها بعض الناس لدى البعض الآخر وكذلك ترك التطفيف في الميزان وترك الغيبة ورعاية العدالة من جهة الحكّام والامراء وعدم تحريك العوام من موقع التعصّب للباطل وأمثال ذلك ، أمّا أمانة الإنسان بالنسبة إلى نفسه فيرى الفخر الرازي أنّ على الإنسان أن يختار لها خير الدين والدنيا ولا يستسلم لدوافع الشهوة والغضب وما يترتب عليهما من ذنوب وآثام. ([6])

إنّ سعة مفهوم الأمانة وشمولها لكثير من الوظائف المهمّة والنعم الكثيرة قد ورد في الكثير من التفاسير المهمّة ، منها تفسير (أبو الفتوح الرازي) و (القرطبي) وتفسير (في ظلال القرآن) وتفسير (مجمع البيان) وغيرها من التفاسير الاخرى.

وقد ورد التصريح بهذا المعنى أيضاً في الروايات الإسلامية التي سوف نشير إليها لاحقاً.

أمّا ما ورد في شأن نزول هذه الآية فأنّه يشير بوضوح إلى سعة مفهوم الأمانة أيضاً ، لأنّ سبب نزول هذه الآية كما ورد في الروايات هو أنّ النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) عند ما دخل مكّة منتصراً جاءه (عثمان بن طلحة) خازن الكعبة بأمر من رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله)‌وسلم إليه مفاتيح الكعبة ليطهرها من الأصنام الموجودة في داخلها ، وبعد أن تمّ تطهير الكعبة من الأوثان جاء العباس عمّ النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وطلب من رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أن يكون خازن بيت الله وأن يسلّمه مفاتيح الكعبة والذي يعتبر منصباً مهمّاً لدى المجتمع العربي والإسلامي آنذاك ، ولكن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) لم يوافق على هذا الطلب وأعاد المفتاح إلى (عثمان بن طلحة) ثم تلى هذه الآية الشريفة ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ...) هذا في حين أنّ عثمان بن طلحة لم يعتنق الإسلام بعد.

«الآية الثالثة» تتحرّك من موقع النهي عن ثلاثة أشياء مخاطبة المؤمنين في هذا النهي وهي : خيانة الله ، خيانة الرسول ، خيانة أمانات الناس ، وتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)([7])(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»).

والمشهور بين المفسرين أنّ المقصود بحفظ أمانة الله ورسوله والنهي عن خيانتهما هو عدم إفشاء أسرار المسلمين حيث قام بعض الأفراد من ضعفاء الإيمان إلى إفشاء أسرار المسلمين إلى المشركين بهدف حفظ منافعهم الشخصية ولكنّ الله تعالى أعلم بيّنة ذلك ، وكنموذج على هذا المضمون هو قصة (أبو لبابة) الذي أخبر عن بعض الأسرار العسكرية للمسلمين وكشفها لأعدائهم من اليهود من (بني قريظة) ، أو قصة حركة النبي لفتح مكّة وإفشاء هذا السر لأبي سفيان ، والمراد من الخيانة في أماناتكم الوارد في الآية الشريفة هو الأمانات المتداولة بين الناس.

ويرى بعض آخر من المفسّرين أنّ المراد من خيانة الله هي ما يتعلق بالوظائف والواجبات الدينية والشرعية ، أمّا الخيانة للنبي فهي ما يتعلق بالسنن والسلوكيات الأخلاقية ، وأمّا خيانة أمانات الناس فهي ما يتعلّق بأموالهم المودعة لدى الآخرين.

وهناك احتمال آخر أيضاً أفضل وأشمل من الاحتمالات السابقة ، وهو أنّ مفهوم الآية عام وشامل لجميع مصاديق ومفردات الأمانات المعنوية والمادية والمالية وغير المالية ، وعلى هذا الأساس فالخيانة محرّمة لجميع أشكال الأمانة : الإلهية منها وأمانة النبي وهو الدين الذي أودعه النبي لدى امته ، وكذلك أمانات الناس بيد بعضهم للبعض الآخر سواءً كانت متعلّقة بالأمور المالية أو بأسرار المعيشة والحياة الشخصية لدى الأشخاص ، ولذلك ورد في الحديث النبوي أنّ رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) قال لأبي ذر رضى الله عنه : «يا أبا ذر المَجالِس بِالأمانَةِ وإفشَاءِ سرّ أَخِيكَ خِيانَة» ([8]).

وتوضح الآية 28 من سورة الأنفال هذه اللاحقة لهذه الآية أنّ الخيانة محرّمة حتى لو عرّضت أموال الإنسان ومنافع أولاده إلى الخطر (كما قرأنا في قصة أبي لبابة وأنّ وجود أمواله وأولاده لدى اليهود هو السبب في إفشاءه أسرار المسلمين العسكرية للعدو) فتقول الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) وعلى هذا فالأمانات الإلهية والبشرية ليست شيئاً يمكن التضحية والتساهل معه وخيانة هذه الأمانات بأعذار وتبريرات مختلفة.

«الآية الرابعة» تتعرض للأمانات والودائع المالية لدى الناس وتتحدّث في سياقها عن لزوم تنظيم الوثائق والمستندات بالنسبة إلى هذه الودائع وتقول : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ).

أي يمكنه ذلك بدون كتابة السند أو أخذ الرهن ، وفي هذه السورة على الأمين حفظ الأمانة وردّها إلى صاحبها بالموقع المناسب وعليه أن يخاف الله فيما لو تحدّثت له نفسه بالخيانة.

أنّ تعبير الأمانة في الآية أعلاه يمكن أن يكون إشارة إلى القروض المالية التي يقرضها المسلم لأخيه المسلم من دون كتابة وثيقة أو تأمين وديعة ورهن وذلك بسبب الثقة المتبادلة بين الأفراد ، أو أنّها إشارة الى الأموال التي توضع لدى الشخص بعنوان الرهن ، أو كليهما ، وعلى كل حال فانّ الآية فيها دلالة واضحة على لزوم احترام الأمانة وأدائها في أيّة حالة.

أمّا «الآية الخامسة» والأخيرة من الآيات مورد البحث فتتحدّث أيضاً عن الأمانة الإلهية العظيمة التي عجزت السماوات والأرض والجبال عن حملها وحفظها ولكن الإنسان حملها لوحده وتقول : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً).

فما هي هذه الأمانة العظيمة التي خشيت السماوات مع عظمتها والأرض مع سعتها والجبال مع صلابتها أن يحملنها في حين أنّ الإنسان الضعيف والصغير جدّاً قد حملها؟

ولقد أورد المفسّرون من القدماء والمعاصرين احتمالات كثيرة في تفسير هذه الآية ، ولكنّ ما يقرب للنظر هو أنّ المقصود من الأمانة الإلهية الكبيرة هذه هو المسؤولية والتكليف الملقى على عاتق الإنسان حيث لا يتيسّر ذلك إلّا بوجود العقل والحرية والإرادة.

أجل فإنّ التكليف والمسئولية أمام الله تعالى والناس والنفس هي وظيفة ثقيلة لا يكاد يتحملها ولا يليق بحملها أي موجود آخر سوى الإنسان ، وبتبع ذلك فقد جعل الله تعالى العقل والحرية والإرادة في عملية الانتخاب هي الثواب والعقاب ، ومجموع هذه الصفات الثلاث تبيّن عظمة الإنسان بين المخلوقات بحيث اختاره الله لمقام الخلافة الإلهية وميزه على سائر المخلوقات الاخرى في عالم الوجود.

ولكن هذا الإنسان الظلوم والجهول لم يقدّر هذا المقام الرفيع وتورّط في منزلقات الشهوة والأهواء الرخيصة وبذلك ظلم نفسه وحرمها من نيل السعادة العظيمة التي تنتظره في حركته التكاملية نحو الحق والانفتاح على الله.

وعلى هذا الأساس فكون الإنسان ظلوماً وجهولاً إنّما هو لم يكن بسبب قبول هذه الأمانة الإلهية ، لأنّ قبولها علامة العقل وسبب الافتخار ، ومن دون ذلك لا يصل إلى مقام الخلافة الإلهية ، بل كونه ظلوماً وجهولاً بسبب عدم حفظ هذه الأمانة وسلوكه طريق الخيانة في أداء هذه المسؤولية الكبيرة.

أجل فإنّ الأمانة التي من شأنها أن توصله إلى ذروة السعادة الحقيقية في حال حفظها ، فإنّ خيانتها يتسبب كذلك في سقوط هذا الإنسان في مستنقع الذلّة والمسكنة والشقاء حتى أنّه يكون مصداق (بَل هُم أَضَلُ مِنَ الأنعامِ والدّوابِ).

وبعبارة اخرى : أنّ السموات والأرض والجبال مع عظمتها وسعتها ليست لها القابلية على قبول هذه الأمانة الإلهية ، وأعلنت عدم صلاحيتها لذلك بحالتها التكوينية وبلسان حالها ، ولكن الإنسان وبسبب وجود هذه القابلية والقوى الكريمة التي منحه الله تعالى إيّاها أصبح لائقاً تكوينياً لقبول هذه المنحة والأمانة الإلهية ، وهذا بحدّ ذاته افتخار عظيم للإنسان من بين المخلوقات.

ولكن بما أنّ أكثر الناس لم يراعوا حق هذه الأمانة الإلهية ولم يتحرّكوا في سبيل حفظها وأدائها فلذلك استحقوا عنوان الظلوم والجهول ، لأنّهم ظلموا أنفسهم أشدّ الظلم بحرمانها من نيل هذا الافتخار العظيم الذي منحه الله تعالى للإنسان وعاشوا الغفلة عن هذه الموهبة الإلهية العظيمة وتركوها وراء ظهورهم.

وفي ذيل هذه الآية نجد إشارة إلى هذه النقطة المهمّة ، وهي أنّ الخيانة في الأمانة إنّما تنشأ من الظلم والجهل ، وهذا هو ما نسعى لتحقيقه وتقريره في هذا البحث الأخلاقي ، أجل فانّ حفظ الأمانة يدل على العقل والعدالة ، بينما الخيانة هي دليل على الظلم والجهالة.

وممّا تقدّم آنفاً يتّضح جيداً أنّ المراد من كون الإنسان ظلوماً وجهولاً هم الأشخاص الذين يعيشون حالة الكفر أو الذين يعيشون ضعف الإيمان والتقوى ، وإلّا فإنّ أولياء الله تعالى والصالحين من العباد الذين يتحرّكون في سلوكهم الأخلاقي والاجتماعي تبعاً للأنبياء والأولياء فإنّهم يراعون حق هذه الأمانة ويسعون لأدائها والقيام بهذه المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم ، وفي الحقيقة إنّ هؤلاء يمثّلون الهدف الأسمى من وجود عالم الخليقة ووجود الإنسان.

ومن مجموع ما ورد من الآيات أعلاه يتّضح جيداً أهميّة حفظ الأمانة (سواءً الأمانات الإلهيّة أو الإنسانية) وجعله من علامات العقل والإيمان والعدالة.


[1] سورة المؤمنون ، الآية 8 ؛ سورة المعارج ، الآية 32.

[2] سورة النساء ، الآية 58.

[3] سورة الانفال ، الآية 27.

[4] سورة البقرة ، الآية 283.

[5] سورة الأحزاب ، الآية 72.

[6] تفسير فخر الرازي ، ج 10 ، ص 139 ذيل الآية المبحوثة.

[7] وردت احتمالات عديدة حول اعراب جملة «وتخونوا أماناتكم» والأنسب ما قيل في هذا المورد أن تخونوا مجزوم ب «لاء» محذوفة ومعطوف على لا تخونوا التي وردت في الجملة ، فعليه أنّ الواو ، واو عاطفة لا واو حالية بمعنى «مع».

[8] بحار الانوار ، ج 74 ، ص 89.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.