المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6435 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الصدق في القرآن  
  
35   03:22 مساءً   التاريخ: 2025-01-23
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص171-179
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الفضائل / الصدق /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2016 2160
التاريخ: 22-8-2016 2147
التاريخ: 28-4-2022 2218
التاريخ: 25/12/2022 1713

تنويه :

إنّ هذه الصفة هي أحد العلائم المهمّة في عناصر الشخصية لكل إنسان ، وعند ما يجتمع الصدق مع الأمانة تشكل من ذلك أساس الشخصية الإنسانية السويّة والكاملة بحيث لا يمكن اطلاق اسم الإنسان الحقيقي عند من يخلو من هاتين الصفتين الأخلاقيتين.

وهاتان الصفتان لهما جذر وأصل مشترك ، لأنّ الصدق ليس شيئاً سوى الأمانة في القول ، والأمانة ليست شيئاً سوى الصدق في العمل ، ولهذا السبب فقد وردت في الروايات الإسلامية وكلمات المعصومين (عليهم ‌السلام) هاتان الصفتان أي (صدق الحديث وأداء الأمانة) سوية.

وإلى جانب هذه الصفة نرى وجود صفات ممتازة اخرى في منظومة القيم الأخلاقية لدى الإنسان والتي هي في الواقع من قبيل اللازم والملزوم ، لأنّ الصادقين هم عادة يتحلّون بالشجاعة ، صراحة اللهجة ، قلّة الطمع ، الإخلاص ، الابتعاد عن الافراط في الحب والبغض والتعصب ، في حين أنّ من يعيش الكذب في سلوكه وأقواله فهو يتحلّى عادة بصفة الخوف ، الرياء ، التعصّب واللجاجة ، الطمع ، والافراط في الحب والبغض.

الإنسان يعيش الانضباط في حياته بأصول أخلاقية ويتحرّك من موقع المسؤولية مع الآخرين في حين أنّ الشخص الكاذب منافق عادة ويعيش الحالة الانتهازية في تعامله مع الناس.

وبكلمة واحدة يمكن القول : إنّ الصدق والأمانة مفتاحان للكشف عن باطن الأشخاص في أبعاد مختلفة ، ولذلك كما سوف يأتي في البحث الروائي في كلمات المعصومين أنّ هاتين الصفتين يمثلان الأداة البليغة لاختبار الأشخاص ، فلو أردت معرفة حسن الشخص أو سوئه فعليك بامتحانه واختباره بالصدق وأداء الأمانة.

وبهذه الإشارة نعود إلى الآيات القرآنية والروايات الإسلامية الشريفة التي تتحدّث في أجواء الصدق والدوافع والنتائج المترتبة على هذه الصفة الأخلاقية وبعض النقاط المتعلّقة بهما ثمّ نستعرض بعض ما يتعلق بصفة الكذب وآثاره السلبية في حركة الإنسان والمجتمع.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدّث عن أهميّة الصدق منها :

1 ـ «قَالَ اللهُ (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»)([1]).

2 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)([2]).

3 ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)([3]).

4 ـ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) ... (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)» ([4]).

5 ـ (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)([5]).

6 ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)([6]).

تفسير واستنتاج :

إنّ العبارات الواردة في الآيات الكريمة التي تتحدّث عن أهميّة الصدق لا نجد مثيلاً لها في دائرة المفاهيم القرآنية الكريمة ، ومن جملة التعابير الشديدة الواردة في هذه الصفة الأخلاقية هو ما ورد في «الآية الاولى» من الآيات محل البحث والتي جاءت بعد بيان مفصّل عن ظاهرة انحراف النصارى عن دائرة التوحيد وسؤال الله تعالى المسيح يوم القيامة عن سبب هذا الانحراف وتبرئة المسيح لنفسه عن هذه التهمة وحينئذٍ تقول الآية : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)

وهذه إشارة إلى أنّ اتصافهم بالصدق في الحياة الدنيا سوف ينفعهم في حياتهم الاخروية يوم القيامة ويكون سبباً لنجاتهم من النار (لا أنّ صدقهم يوم القيامة سيكون سبباً لنجاتهم في ذلك اليوم لأنّه لا تكليف يوم القيامة).

ثمّ تستمر الآية الشريفة في استعراض ما يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على هؤلاء الصادقين وتقول : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فمن جهة سوف ينالون الجنّة ويتمتعون بعظيم نعيمها ومواهبها الخالدة ، ومن جانب آخر ينالون رضا الله تعالى عنهم ، والتعبير بالفوز العظيم في الآية يدلّ بوضوح على عظمة مقام الصادقين ، ولعلّه لهذا السبب فإنّه بالإمكان جمع كافة أعمال الخير والصلاح وإدخالها في دائرة الصدق ، أو بتعبير آخر أنّ الصدق هو مفتاح لكافّة أعمال الخير والصلاح.

ومن البديهي أنّ الله تعالى إذا رضي عن عبد فإنّه سوف يعطيه ما يريد ، وطبيعي أنّ الإنسان إذا أعطي كل ما يريد فإنّه سيعيش حالة السعادة المطلقة وعليه فإنّ رضى الله تعالى سيتسبب في رضا العبد ، وهذا الرضا المتقابل يعدّ نعمة عظيمة لا تصل إليها أي نعمة اخرى ، وهي موهبة إلهية للصادقين من الناس.

وعبارة (رضي الله عنهم ورضوا عنه) وردت في القرآن الكريم في أربع موارد والتوفيق فيها يبيّن عظمة هذا المفهوم السامي ، ففي أحد الموارد يتحدّث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار والتابعين ، وفي مكان آخر يتحدّث عن حزب الله تعالى ، وفي مورد ثالث يتحدّث عن (خير البرية) ، وفي هذه الآية محل البحث يتحدّث عن الصادقين ، وهذا يدلّ على أنّ الصادقين هم حزب الله تعالى وخير البرية ، ومن المهاجرين والانصار والتابعين.

«الآية الثانية» تخاطب جميع المؤمنين من موقع الأمر بتقوى الله تعالى الذي يقترن مع الصدق وتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

ونظراً إلى أنّ مثل هذه الخطابات القرآنية وكما ورد في الاصطلاح أنّها خطابات المشافهة فإنّها تستوعب في دائرتها ومصاديقها جميع المؤمنين في كل زمان ومكان ، ومن الواضح أنّ الكون مع الصادقين وظيفة وواجب على الجميع في أي مكان وزمان ، وهذا يدلّ على أنّ الإنسان إذا أراد التحرّك في خط التقوى والإيمان والاستقامة فعليه أن يعيش مع الصادقين ويلتزم بهم.

أمّا المقصود من الصادقين في هذه الآية ما هو؟ فهناك تفاسير متعددة لذلك ، فالبعض ذكر أنّ المقصود هو النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وأصحابه ، وذهب البعض الآخر إلى أنّ مراد الآية من الصادقين هم الأشخاص الذين يتمتعون بصدق النيّة والصلاح في العقائد والأعمال ، وأورد آخرون تفاسير اخرى لهذه العبارة.

ولكن عند الرجوع لسائر الآيات القرآنية نجد أنّ القرآن نفسه يفسّر المراد من هذه الآية حيث يقول في سورة الحجرات : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)([7])

وهكذا نرى أنّ هذه الآية قد ذكرت للصادقين صفات سامية كالإيمان الذي لا يشوبه أي شك وريب والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وأمثال ذلك.

وقد ذكرت الآية 8 من سورة الحشر أحد المصاديق البارزة للصادقين وهم المهاجرون الذين تركوا أموالهم وبيوتهم وهاجروا في سبيل الله وكانوا ينصرون دين الله ونبيّه الكريم دائماً.

ونقرأ في الآية 117 من سورة البقرة صفات مهمّة اخرى لهؤلاء الصادقين من قبيل الإيمان بالله تعالى ويوم القيامة والكتب السماوية والأنبياء وإنفاق الأموال في سبيل الله وإقامة الصلاة وأداء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر على المشكلات والصعوبات التي يواجهها المؤمن في حالات الجهاد.

ومن مجموع هذه الصفات الكريمة يتبيّن جيداً أنّ الصادقين ليس هم الصادقين في الكلام فقط ، بل الصدق في الإيمان والعمل من خلال التقوى والتضحية وطاعة الله تعالى والتحرّك في خط الإيمان ، رغم أنّ هذا المفهوم يمتد ليستوعب دائرة واسعة من المفاهيم الأخلاقية لكن النموذج الأكمل والأتم لذلك هم المعصومون (عليهم ‌السلام) ولذلك ورد في الروايات الشريفة من طرق الشيعة وأهل السنة في تفسير هذه الآية أن المقصود بها علي بن أبي طالب (عليه‌ السلام) وأصحابه ، وكذلك ورد أنّ المقصود علي بن أبي طالب وأهل بيته (عليهم ‌السلام).

وقد أورد العلّامة (الثعلبي) في تفسيره عن ابن عباس أنّه قال : «مَعَ الصّادِقِينَ يَعنِي مَعَ عَلي بن أَبِي طالب وَأصحابِهِ» ([8]).

وقد ذكرت جماعة اخرى من علماء أهل السنة مثل العلّامة الگنجي في كفاية الطالب وسبط ابن الجوزي في التذكرة نفس هذا المعنى والمضمون مع تفاوت أنّه بدل كلمة الأصحاب وأورد ذكر أهل البيت (عليهم ‌السلام) حيث يقول في ذيل هذه الرواية : «قَالَ ابنُ عَباس : عَلِيٌّ سَيِّدُ الصَّادِقِينَ» ([9]).

وجاء في الرواية الشريفة عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضى الله عنه عن الإمام الباقر (عليه‌ السلام) في تفسير الآية أنّه قال : «أَي آلُ مُحَّمد» ([10]).

وقد استوحى الكثير من المفسّرين من اطلاق هذه الآية أنّ هذا الأمر يشمل جميع المسلمين في كل زمان ومكان ، وبما أنّ الصادق المطلق هو الإمام المعصوم فالآية تدلّ على أنّه يجب وجود إمام معصوم في كل زمان (والتعبير بصيغة الجمع «الصادقين» لغرض أنّ المخاطب هو كافة الناس في كل زمان).

والنتيجة المستوحاة من هذه الآية هي أننا جميعاً مطالبون في أن نكون دائماً مع الصادقين ، وهم الذين وردت أوصافهم في الآيات أعلاه والمصداق الأكمل لهم هم المعصومون (عليهم ‌السلام).

«الآية الثالثة» تتحدّث عن الثواب الذي ينتظر الصادقين يوم القيامة وقد جعلتهم الآية في مقابل المنافقين ، وبعد أن بيّنت حال المؤمنين الصادقين والذين استشهدوا في سبيل الله وكذلك من ينتظر الشهادة منهم فتقول : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).

وبهذا يتبيّن الثواب العظيم على المستوى المادي والمعنوي الذي ينتظر الصادقين في الجنّة ، وهم الصادقون في القول والعمل والعقيدة ، وأمّا من خرج من دائرة الصدق وسلك في خط الباطل والكذب فإنّه يسقط في وادي النفاق والضلال.

«الآية الرابعة» من الآيات محل البحث تشير إلى عشرة طوائف مبشّرة إيّاهم بالمغفرة والثواب الجزيل ، والطائفة الرابعة منهم هم الصادقون والصادقات ، وهذا يعني أنّ الإنسان بعد اعتناق الإسلام والإيمان والطاعة لله تعالى فلا فضيلة بعدها أعلى من الصدق في السلوك العملي حيث تبيّن هذه الآية إلى أية درجة يرتقي الصدق بالإنسان سواء الرجل أو المرأة ، وقد ورد في الحديث النبوي المعروف : «لا يَستَقِيمُ إِيمانُ عَبدٍ حَتّى يَستَقِيمَ قَلبُهُ وَلا يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتّى يَستَقِيمَ لِسانُهُ» ([11]).

ويستفاد من هذا الحديث أنّه حتى الإيمان الكامل لا يحصل للإنسان إلّا بعد الصدق وإصلاح اللسان والقول ، وأمّا الأشخاص الذين يعيشون الكذب في كلامهم فهم الفارغون من الإيمان الكامل.

«الآية الخامسة» وبعد الإشارة إلى الحالة السلبية للمنافقين وتذبذبهم وتناقضهم في القول والعمل وخوفهم العظيم من الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو في الحقيقة أصل العزّة والفخر للإنسان المؤمن تقول الآية : «طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ».

فهؤلاء كانوا يقولون أننا عند ما ينزل علينا الأمر بالجهاد فسوف نتحرّك من موقع الطاعة ولا نقول سوى المعروف والصدق ، ولكن عند ما يحين الوقت وينزل الأمر بالجهاد يتجلّى حينئذٍ عدم صدقهم وتهافتهم وتخاذلهم في حين أنّهم لو صدقوا الله لكان خيراً لهم.

هذا التعبير يدلّ على أنّ الكذب هو أحد علامات المنافقين ، فقبل أن يواجهوا الأمر الواقع وتحين لحظة الحسم فأنّهم ينطلقون من موقع الوعد بالجهاد والثبات والانطلاق من موقع المسؤولية ، ولكن عند ما تحين اللحظة الحاسمة يتّضح كذبهم ونفاقهم ، أي أنّ هذه الرذيلة الأخلاقية وهي الكذب تعدّ باباً ومفتاحاً للنفاق.

«الآية السادسة» : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ).

ولا شك أنّ أصحاب النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) قد تجاوزوا اختبارات صعبة في ميدان العمل والواقع ، وأحد أهم هذه الاختبارات هي مسألة الهجرة ، التي تعني ترك البيوت والأموال وغض الطرف عن الأوطان وجميع التعلّقات التي ألفها الإنسان في وطنه والانتقال إلى مكان آخر يبدأ فيه الحركة والحياة من نقطة الصفر ويعيش هناك مع أنواع الحرمان والنقص في موارد المعيشة ، وفي حالة ما إذا لم تهاجر معه الزوجة والأطفال فالصعوبات التي يواجهها هذا الإنسان المهاجر ستتضاعف وتشتد.

القرآن الكريم يتحرّك في هذه الآية من موقع التحذير لأصحاب النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وأنّ هذه الهجرة هي إمتحان إلهي كبير (فاذا بقوا في مكّة فسوف ينالهم أنواع التعذيب من قبل المشركين ولو هاجروا إلى المدينة فسيواجهون أنواع الحرمان والفاقة) فيقول لهم القرآن الكريم أنّه لا تتصوّروا أنّ هذا الامتحان العسير في مواجهة تحدّيات الواقع من تعذيب المشركين أو الهجرة إلى المدينة أو الجهاد في سبيل الله ومواجهة الأعداء في ميدان القتال وأمثال ذلك منحصر بكم ، فقد سبق أن اختبرنا الأقوام السالفة بأنواع الاختبارات والابتلاءات ، وأساساً فإنّ الحياة الدنيا تدور حول الإمتحان والاختبار الإلهي ليتبيّن الصادق في إيمانه من الكاذب والمدّعي.

وفي الواقع أنّ هذه الآية تتحدّث عن الصدق بعنوان أنّه علامة الإيمان والكذب علامة النفاق والكفر.

وطبعاً إنّ الصدق والكذب في هذه الآية هو الصدق والكذب في العمل لا في القول ، العمل الذي ينسجم ويتوافق مع ا دّعاءات الإنسان السابقة ويرسم له سلوكه الاجتماعي في حركة الحياة ، والكاذب هنا هو الذي لا يتحرّك في سلوكه بما ينسجم مع ادعاءاته ، وأيضاً الصدق والكذب في العمل وفي القول لهما جذر مشترك ، لأنّ الصدق هو بيان الحقيقة والكذب على العكس من ذلك ، وهذا التبيّن تارة يكون بوسيلة القول واخرى بوسيلة العمل.

ومن مجموع الآيات أعلاه يتبيّن الأهميّة الكبيرة للصدق والصادقين وأنّ هذه الصفة تعد فضيلة أخلاقية من الفضائل التحتية للبناء الأخلاقي الفوقاني للإنسان ، نعم فإنّه متى ما وجد الصدق فإنّ الصفاء والأمانة والثقة والاعتماد والشجاعة سوف تحصل للإنسان بالتبع ، ولو لم يكن الصدق في واقع الإنسان فإنّ جميع هذه الصفات ستتبخّر وتتلاشى ويعيش الإنسان بدونها حالة الفراغ الروحي والجفاف المعنوي وحتّى أنّ الإيمان والعقيدة سوف لا تبقى سليمة كما هو المطلوب ، والملفت للنظر أنّ الآيات الكريمة تذكر الصدق بعنوان أنّه صفة من الصفات الأصلية للقادة الإلهيين كما أشارت إلى ذلك الآيات أعلاه وهذا إنّما يدلّ على أنّ سائر فضائل الأنبياء والأولياء تدور حول محور الصدق وعلينا إذا أردنا معرفتهم والاطّلاع على أحوالهم أن نتحرّك لتتبع أثر هذه الصفة الأخلاقية فيهم.


[1] سورة المائدة ، الآية 119.

[2] سورة التوبة ، الآية 119.

[3] سورة الاحزاب ، الآية 24.

[4] سورة الاحزاب ، الآية 35.

[5] سورة محمد ، الآية 21.

[6] سورة العنكبوت ، الآية 3.

[7] سورة الحجرات ، الآية 15.

[8] احقاق الحق ، ج 3 ، ص 297.

[9] المصدر السابق.

[10] تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 280.

[11] المحجة البيضاء ، ج 5 ، ص 193.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.