المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 7053 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



(سنوسرت الثالث) وعلاقاته ببلاد النوبة (1887–1849ق.م.)  
  
26   02:28 صباحاً   التاريخ: 2025-02-01
المؤلف : سليم حسن
الكتاب أو المصدر : موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة : ج10 ص 135 ــ 143
القسم : التاريخ / العصور الحجرية / العصور القديمة في مصر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-30 363
التاريخ: 2024-07-20 696
التاريخ: 2024-04-25 1117
التاريخ: 2024-07-17 703

يعد «سنوسرت الثالث» عند المصريين من أكبر الغزاة الذين قاموا بحروب طاحنة دفاعًا عن حدود مصر من جهة الجنوب في وجه السودانيين، ومن جهة الشمال في وجه الأسيويين؛ غير أن الحروب التي قام بها جنوبًا كانت شغله الشاغل طوال مدة حياته، من أجل ذلك عَدَّهُ المصريون من أكبر غزاتهم حتى إنهم أَلَّهُوهُ وبقي اسمه تتناقله الأجيال ويذكرونه في خرافاتهم باسم «سوزستريس» كما سنشير إلى ذلك فيما بعد.

وقد كان أوَّل عمل قام به «سنوسرت الثالث» من الوجهة الحربية هو تأديب قبائل بلاد النوبة وهم الذين كانوا في حالة اضطراب وقلاقل بعض الشيء في عهد الفرعون السابق، بل كانوا مصدر خوف في داخل البلاد نفسها. ويقول «ريزنر»: «من الواضح تمامًا أنه في الجزء الأوَّل من عهد «سنوسرت الأوَّل» كانت التجارة الجنوبية مهددة جدًّا من رجال القبائل في مواضع بالقرب من «سمنة» وبخاصة على الشاطئ الغربي. وكان ذلك هو السبب الرئيسي في تدخل «سنوسرت الثالث» لتحرير طريق التجارة الموصلة إلى «كرمة». ويعضد الرأي القائل إن بدو الصحراء عند الشلال كانوا هم العدو الرئيسي لمصر ما أُقِيمَ هناك من حصون في هذا الإقليم وكذلك ما ذُكِرَ على لوحة النصر التي أقيمت في «سمنة».

ولقد كان لزامًا على الفرعون للقيام بحملة على هؤلاء المغيرين أن يكون لديه أسطول عظيم لنقل الجنود ولإمدادهم بالغذاء والمهمات باستمرار. وقد كان العائق أمامه صخور الشلال التي تعوق مرور هذا الأسطول إلا في وقت الفيضان. ومنذ خمس مئة عام من هذا التاريخ تغلب فراعنة الأسرة السادسة على هذه العقبة بحفر سلسلة ترع حفرها القائد «وني» لعوامل تجارية، ولكنها بعد هذا الزمن الطويل هُدمت ولم تعد صالحه لما يتطلبه الموقف وقتها؛ ولذلك رأي «سنوسرت الثالث» ضرورة حفر قناة عند الشلال الأوَّل ليعبر فيها إلى أعالي الشلال، وقد لا يكون المقصود من ذلك حفر قناة بالمعنى الصحيح الذي نفهمه نحن الآن، بل قد يكون القصد تعميق الممر الموجود الآن شرقي «جزيرة سهيل» ليساعد على جر السفن فيه بدون كبير عناء، وذلك بدلًا من معارضة التيار القوي في الممر الغربي، وعلى أية حال فإن هذه الترعة قد تم تعميقها في بداية حكم هذا الفرعون كما تُحَدِّثُنَا بذلك نقوش «سهيل» وفيها نشاهد «سنوسرت» واقفًا أمام الإلهة «عنقت» إحدى إلهات «الشلال» وأسفل هذه الصورة نقرأ: «لقد صنعها أثرًا للإلهة «عنقت» ربة النوبة إذ شق لها ترعة تُسَمَّى «أجمل طرق» «خع كاورع» «سنوسرت الثالث» الحي الخالد». ولم نجد تاريخًا لهذا النقش، ولكن لما كان من الضروري أن تطهر هذه الترعة من الغرين في السنة الثامنة من حكم هذا الفرعون ليسير منها بحملته؛ رجحنا أنها كانت موجودة منذ بعض سنين قبل ذلك العهد ويمكننا أن نتصور بعد ذلك جيش الفرعون يمر في هذه الترعة الجديدة في السنة الثامنة من حكمه لغزو بلاد النوبة.

والواقع أن «سنوسرت الثالث» قد فكر كما فكر من قبله جده «سنوسرت الأوَّل» في أن يتخذ لحملاته الحربية التي أراد شنها على بلاد النوبة مدينة «إلفنتين» قاعدة لجيوشه ومؤنه وأن يعدَّها لذلك، ولأجل أن يصل إلى هذه القاعدة بسرعة بوساطة السفن أمر بحفر قناة في الشلال. وقد دون هذا العمل على صخور «سهيل»، فنرى في لوحة هناك الفرعون واقفًا وعلى رأسه التاج المزدوج أمام الإلهة «ساتت» إلهة «الشلال» وتقدم له رمز الحياة وخلفه رئيس بيت المال ومدير الأشغال ثم يلي ذلك النقش الآتي: «السنة الثامنة من حكم جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خع كاروع» «سنوسرت الثالث» عاش مخلدًا. أمر جلالته بعمل قناة جديدة اسمها «طرق» خع كاورع «جميلة» عاش أبديًّا، وبذلك عندما سار بجيشه إلى أعالي النهر ليهزم الكوشيين الخاسئين»، وطول هذه القناة خمسون ذراعًا وعرضها عشرون ذراعًا وعمقها خمس عشرة ذراعًا أي إن هذا الممر كان كافيًا لمرور أية سفينة لمثل هذه البعثة. وقد حُفِرَتْ هذه القناة حفرًا جيدًا إذ بقيت مستعملة حوالي ثلاث مئة سنة أو أربع مئة سنة تقريبًا بعد حفرها، وقد طهرت في عهد «تحتمس الأوَّل» وكذلك في عهد «تحتمس الثالث» عندما قاما بالغزو في هذه الجهات، وقد كان لزامًا على صيادي السمك تطهيرها سنويًّا.

وعندما كان مارًّا نحو الجنوب وجه الفرعون عنايته إلى حصن «إلفنتين» كما ذكرنا من قبل قاصدًا بذلك تحسين مدخله وقد ترك لنا أحد الموظفين المحليين نقشًا يدل محتوياته على إتمام هذا العمل الذي انتهى في السنة التالية: «السنة التاسعة الشهر الثالث من حكم جلالة ملك الوجهين القبلي والبحري «خع كاورع» محبوب الإلهة «ساتت» سيدة «إلفنتين» عاش مخلدًا. أمر ملكي موجه لعظيم العشرة للوجه القبلي المسمى «أميني» … في حصن «إلفنتين» محجر (؟) لأجل حاكم الجنوب ليعمله … وأناس على شاطئ «إلفنتين» عندما كان جلالته له الحياة والفلاح والصحة ذاهبًا لقهر «كوش» الخاسئة. ومما تبقى من هذا المتن نرى أن الجملة الهامة الخاصة بحصن «إلفنتين» قد هشمت، ولذلك أصبح الحكم في هذا الموضوع غير ممكن على الوجه الأكمل. وإذا كان هذا الأمر له علاقة بإعداد الحملة وأن أهل «إلفنتين» الذين ذُكِرُوا في هذا المتن قد جندوا لها فإن ذلك لا يمكن استنباطه من هذا النقش المهشم.

وقد كان من نتائج هذه الحملة أن تقدم المصريون في زحفهم نحو سبعة وثلاثين ميلًا جنوبي «وادي حلفا» ولكنهم كانوا لا يزالون بعيدين عن «كرمة» التي اتخذها «زفاي حعبي» مقرًّا لحكم هذه الجهات في عهد «سنوسرت الأوَّل» بنحو مئتي ميل كما يظن بعض المؤرخين، وكان الفرعون «سنوسرت الثالث» مصممًا على أن يحافظ على ما فتحه فأقام نصبًا في «سمنة». وهذا الأثر معروف بلوحة الحدود. وقد نقش عليها المتن التالي: «الحدود الجنوبية التي عُمِلَتْ في السنة الثامنة من عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خع كاروع» معطى الحياة أبديًّا ليمنع أي نوبي (نحسي) أن يتعداها في ذهابه نحو الشمال سواء أكان ذلك على البر أم بسفينة أم بحيوانات من أي نوع من النوبة إلا إذا أتى إلى «أقن» بقصد التجارة أو معه رسالة ما، فإنه يُعَامَلُ حينئذٍ معاملة حسنة (أي تُعطى له كل التسهيلات) على شرط ألا يسمح لسفينة فيها سود أن تتخطى «حح» (سمنة) ذاهبة نحو الشمال قط». ومن ثَمَّ أقام «سنوسرت الثالث» حاجزًا لمنع هجرة أهل السودان إلى مصر.

الحملة الثانية: غير أن هذه الحملة الأولى لم يكن لها أثر فعال، ومن المحتمل أنه قد قامت حملة ثانية في السنة العاشرة من حكمه. والمصدر الوحيد الذي لدينا عنها هو نقش على الصخور الواقعة على الطريق بين «أسوان» و«إلفنتين» وهو السنة العاشرة (؟) الشهر الثاني من فصل الزرع في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خع كاورع» معطي الحياة المحبوب من «خنوم» رب «الشلال»: «لقد سار جلالته لهزم الكوشيين». وبقية هذا النقش مهشم وغير مفهوم، هذا إلى أن التاريخ الذي في أوله غير مؤكد. ويظن «ريزنر» أن هذا النقش مرتبط بنقش الحملة الأولى التي قام بها في السنة الثامنة. غير أنه ليس لدينا ما يمنع قيام حملة في السنة العاشرة على الرغم من أنه لا يمكننا أن نجزم بذلك بسبب تهشيم المتن.

الحملة الثالثة: والواقع أن بلاد «كوش» هذه قد تطلبت من الفرعون غزوات عدة على ما يظهر قبل أن تخضع وتُذْعن تمامًا للحكم المصري، إذ إنه بعد انقضاء ستة أعوام على الحملة الأخيرة كان «سنوسرت» يزحف بجيشه كرة أخرى، ولدينا عن هذه الحملة لوحتان عند الحدود واحدة منهما نصبها في «سمنة» والثانية وُجِدَتْ في «ورنرتي» وتقع تحت بلدة «سمنة» مباشرة وتمتاز لوحة «ورنرتي» بأنها تعطينا بعض معلومات لم تُدَوَّنْ على لوحة «سمنة». فقد جاء فيها أن حصن «ورنرتي» قد بني في هذه السنة أيضًا، إذ بعد ذكر الملك نقرأ: «لوحة أقيمت في السنة السادسة عشرة الشهر الثالث من الفصل الثاني عندما بُنِيَ الحصن المسمى «طرد النوبيين». ومن المحتمل أن الحصون الأخرى التي أُقِيمَتْ في هذه الجهة قد بُنِيَتْ في نفس هذا الوقت وأهمها هو حصن «سمنة» كما كان يسميها المصريون («سمنة» التابعة للملك «خع كاورع»)، وقد كانت قلعة عظمية بنيت باللَّبِنْ في موقع حصين وقد زيد في حصانتها الطبعية بالتحصين الصناعي، وكانت تُشرف على النهر الذي لا يزيد عرضه في هذه الجهة عن أربع مئة متر. وفي الجهة الشرقية من النهر قبالة «سمنة» أقيمت قلعة أخرى صغيرة تعرف باسم «قمة» بنيت على قلعة طبعية فكان من الصعب مرور أي جيش في النهر من هذه الجهة. وخرائب هاتين القلعتين لا تزال باقية للآن.

آلهة بلاد النوبة العليا وتأليه «سنوسرت الثالث»: وكان في كل من الحصنين معبد. ففي «سمنة» كان معبد الإله «ددون» وهو الإله المحلي لهذه الجهة وفي «قمة» معبد للإله «خنوم» معبود شلال «أسوان» و«إلفنتين»، وفي هذين المعبدين احتفل بعيد عظيم ابتهاجًا بالانتصار على السود وكان يُسْمَّى «طرد السود»، وكان يحتفل بعده بِعيد آخر يسمى «شد وثاق المتوحشين»، وفي خلال كانت تقدم القرابين للملكة «مرسجر» العظيمة زوجة الفرعون «سنوسرت الثالث»، وهذه الأعياء قد بقيت ذكراها إلى أزمان بعيدة حتى إن «تحتمس الثالث» عندما أعاد بناء معبد سلفه بعد مضي ثلاث مئة وسبعين سنة تقريبًا، أحيا الاحتفال بها مع أعياد أخرى، يضاف إلى ذلك أنه أَلَّهَ الملك «سنوسرت» وجعله ثالث آلهة الحدود التي أسسها، ولا نستغرب أن يصدر هذا العمل الصالح من رجل عظيم مثل «تحتمس الثالث» الذي لم يحمل حقدًا لأحد بخلاف «رعمسيس الثاني» الذي كان يغتصب كل شرف ليس له فيه أدنى نصيب، ونجد في معبد «إمدا» ببلاد النوبة أن الفرعون «تحتمس الثالث» كان يتعبد للإله «سنوسرت الثالث». وفي معبد «الليسية» نراه كذلك يعبد، ونرى «تحتمس الثالث» يتعبد إليه كذلك في «بهين» (وادي حلفا).  ولم تكن عبادة «سنوسرت الثالث» قاصرة على الملوك بل تعدتهم إلى عامة الشعب، إذ عُثِرَ على نقش جهة «توشكى» شمالِي «أبو سمبل» على إحدى الصخور المطلة على النهر وهذا النقش يمثل منظر أسرة تتألف من رجل يُدْعَى «سلبي» وزوجه وأولادهما وقد أحضروا قربانًا لصورة «حور معام» الذي مُثِّلَ جالسًا ثم «سنوسرت الثالث» والإله «رشب».

وتعد نقوش لوحة «سمنة» الثانية التي سجلت لنا حملة السنة السادسة عشرة من أهم النقوش التي وصلت إلينا من هذا العصر، ولا تنحصر أهميتها في أنها حددت لنا التخوم المصرية في هذا العهد في بلاد النوبة، بل لأن جُمَلَهَا المنمقة تذكرنا بالخطب التي ذكرها «ديدور» والذي يقول عنها إنها كُتِبَتْ على لوحة نقشها «سوزستريس» الخرافي تذكارًا لفتوحه، وتعد هذه النقوش بحق من أهم ما تركه لنا قدماء المصريين في كل عصورهم، إذ يتمثل لنا فيها قوة إرادة هذا الفرعون وشدة حرصه على مجد بلاده، وإذكاؤه نار الغيرة في نفوس أخلافه للمحافظة على فتوحاته، والدفاع عن حدودها بالنفس والنفيس، وهاك ترجمتها حرفيًّا لتكون مثلًا حيًّا لأبناء هذا الجيل من المصريين في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد لمثل هذه العظات الخالدة.

نص لوحة الحدود الخالدة: في «السنة السادسة عشرة في الشهر الثالث من الفصل الثاني عندما مَدَّ جلالته الحدود لغاية «حح» (سمنة)». لقد جعلت تخوم بلادي أبعد مِمَّا وصل إليه أجدادي، ولقد زدت في مساحة بلادي على ما ورِثته، وإني ملك يقول وينفذ، وما يختلج في صدري تفعله يدي، وإني طموح إلى السيطرة، وقوي لأحرز الفوز، ولست بالرجل الذي يرضى لبه بالتقاعس عندما يُعْتَدَى عليه، أهاجم من يهاجمني حسب ما تقتضيه الأحوال، وإن الرجل الذي يركن إلى الدعة بعد الهجوم عليه يُقَوِّي قلب العدو. والشجاعة هي مضاء العزية، والجبن هو التخاذل، وإن من يرتد وهو على الحدود جبان حقًّا، ولما كان الأسود يحكم بكلمة تخرج من الفم، فإن الجواب الحاسم يردعه، وعندما يكون الإنسان ماضي العزيمة في وجهه (الأسود) فإنه يولي مدبرًا، أما إذا تخاذل أمامه فإنه يأخذ في مهاجمته، على أن السود ليسوا يقوم أشداء ولكنهم فقراء كسيرو القلوب، ولقد رآهم جلالتي، وإني لست بخاطئ في تقديري، ولقد أسرت نساءهم، وسقت رعاياهم. واقتحمت آبارهم، وذبحت ثيرانهم، وحصدت زرعهم، وأشعلت النار فيما بقي منها، وبحياتي وحياة والدي لم أنطق إلا صدقًا، دون أن تخرج من فمي فرية، وكل ولد أنجبه ويحافظ على هذه الحدود التي وصل إليها جلالتي يكون ابني، وولد جلالتي، وألحقه بنسبي، وإن من يحافظ على تخوم الذي أنجبه، يكون منتقمًا لأبيه حقًّا، أما من يتخلى عنها، ولا يحارب دفاعًا عن سلامتها فليس ابني ولم يولد من ظهري، والآن تأمل فإن جلالتي قد أمر بإقامة تمثال عند هذه الحدود التي وصل إليها جلالتي حتى تنبعث فيكم الشجاعة من أجلها، فتحاربوا للمحافظة عليها».

وهذا الروح الحربي نشاهده في الصور التي تنطق بها التماثيل الكثيرة التي تركها لنا هذا البطل العظيم، وبخاصة تلك التماثيل التي كُشِفَ عنها في ساحة معبد الملك «نب حبت رع» بجوار «الدير البحري» حيث أقامها لتكون تذكارًا لسلفه العظيم وهذه التماثيل تصور لنا «سنوسرت الثالث» في أطوار حياته الثلاثة المختلفة «الشباب- الكهولة-الشيخوخة»، وكلها موجودة بالمتحف البريطاني وتلمح في تمثال شيخوخته وجهًا ينم عن القوة الساحقة والعظمة والكبرياء التي يمتاز بها عظماء الفاتحين.

وقد كان لانتصارات «سنوسرت الثالث» هذه في بلاد النوبة أثر عظيم في تاريخها وعاش اسم «سنوسرت» محرفًا باسم «سوزستريس» ومن ذلك نشأت خرافة «هردوت» عن «سوزستريس» إذ يقول لنا فيها «هذا الملك كان حينئذٍ هو الفرعون الوحيد الذي حكم «أثيوبيا» (بلاد النوبة)». وذلك طبعًا لا ينطبق على الواقع. ولكن من جهة أخرى يظهر لنا مقدار تأثيرات انتصارات «سنوسرت» في هذه البلاد، ولا نعلم إذا كان هذا الفرعون قد حَرَّمَ عبادة تمثاله الذي أقامه عند الحدود أم لا، ولكنا نعرف أن هذا التحريم — إذا كان قد حدث — نُسِخَ بعد مدة قصيرة، وأصبح «سنوسرت» من بين الآلهة الذين يعدون أربابًا لبلاد النوبة، وقد رأينا فيما سبق أن عبادته أصبحت على قدم المساواة مع عبادة الإله «ددون» والإله «خنوم» في قلعة «سمنة» في عهد «تحتمس الثالث»، ولما تولى «تهرقا» الفرعون النوبي حكم البلاد بعد انقضاء ألف ومئتي سنة من حكم «سنوسرت» أعاد معبد «سمنة» وعبادة فاتح النوبة العظيم «سنوسرت الثالث». كما سنرى ذلك بعد.

آخر حملاته إلى السودان: وعلى الرغم من هزائم «سنوسرت» المتتالية للسود فإنهم قاموا في وجهه كَرَّةً أخرى، ويظهر أنها كانت الأخيرة وكان قد مضى على إخضاعهم وكسر شوكتهم ثلاث سنوات، ولم تصلنا عن حملته الأخيرة معلومات شافية سوى نقش لرئيس إدارة موظفيه الذي يُدْعَى «ساتت» وهي لوحة عُثِرَ عليها في «العرابة المدفونة» وهي الآن بمتحف «جنيف» فيقول فيها: «حضرت إلى «العرابة» وبصحبتي كبير بيت المال «أخرنفرت» لينحت تمثالًا للإله «أوزير» «رب العرابة» عندما كان ملك القطرين «خع كاورع» الحي المخلد سائرًا ليهزم الكوش الخاسئين في السنة التاسعة عشرة».

ولم تحدثنا الوثائق عن الحد الذي وصل إليه «سنوسرت الثالث» في داخل بلاد النوبة ولكنه ثبت الحدود في «سمنة» تمامًا ومن ثَمَّ أصبح في مقدوره أن يتبع القبائل المغيرة في عقر دارها؛ ومن هنا كان تأثير هذه الحملة عظيمًا في إلقاء الرعب والهلع في قلوب أهالي السودان.

وقد حدثنا الأستاذ «ريزنر» عن حملات «سنوسرت الثالث» من وجهة نظره فيقول ما مضمونه: يظهر أولًا أن الحملة أو الحملات التي جاء ذكرها في النقوش التي تركها لنا «سنوسرت الثالث» لم تكن حملات حربية جدية شُنَّتْ لمقاومة كبيرة من قبل النوبيين بل كانت في الواقع حملات تأديبية من الصعب أن تجد من تؤدبه؛ وذلك أن القبائل المجرمة كانت تهرُب على ما يظهر إلى الصحراء وكان المصريون يحطمون كل الممتلكات التي لم يكن في مقدور الهاربين حملها ويستولون على العبيد والنساء الذين تُرِكُوا خلف الفارين. وكان يتتبع المجرمين إلى أماكن بعض الآبار في الصحراء، وعندما كان المصريون ينسحبون كان رجال القبائل يعودون إلى سلب محاطِّ القوافل. وكانت مجموعة الحصون التي بنيت أو التي كانت موجودة بين «سمنة» و«حلفا» تظهر بوضوح الإقليم الذي كان تقوم فيه الاضطرابات، وقائمة الحصون (التي سنتحدث عنها فيما بعد) التي نشرها «جاردنر» تقدم لنا اثني عشر حصنًا جنوبي «بيجه»، ثمانية منها تقع في المسافة التي بين «بهين» و«سمنة» وكلها عدا واحدة على الشاطئ الغربي أو في جزر النهر. وحصون «سمنة» تحرُس النهر من هجمات الجنوب وهي مع كل الحصون الأخرى يظهر أنها قد أقيمت للحماية من الهجمات الآتية من الغرب. ونعلم أنه كان على الأقل «لسنوسرت الثالث» حصنان بالقرب من «سمنة» وواحد عند «مورجيس» وأن الباقي كان موجودًا قبل عهده. ومن الواضح أنه في الجزء الأوَّل من عهد «سنوسرت الثالث» كانت التجارة قد شُلَّتْ على يد رجال القبائل في نقاط بالقرب من «سمنة» وبخاصة على الشاطئ الأيمن.

والواقع أن الأعمال التي كانت تجري عند «إلفنتين» وأعني بذلك القناة والمباني كانت تحسينات دائمة لطريق المواصلات مع الجنوب، ولم تكن متصلة بأية حملة خاصة يقوم بها الملك، فالذهب أو السام الذي ذكر في السنة التاسعة عشرة أن الملك أحضره من بلاد «كوش» يمكن أن يكون قد أحضر بطرق التنجيم العادية من المناجم أو بالسلب وفرض الغرامات على الأهلين. وهذا لم يكن يستلزم حروبًا طاحنة.

والآن يتساءل المرء نتيجة لذلك عن عدد الحملات التي قام بها «سنوسرت الثالث» في بلاد «كوش» من هذا النوع. وإذا فهمنا النقوش حرفيًّا وجدنا ثلاث حملات: الأولى حدثت في السنة الثامنة، والثانية في السنة السادسة عشرة، والثالثة في السنة التاسعة عشرة.

وحملة السنة الثامنة ترتكز على نقش القناة الذي ذُكِرَ فيما سبق ولوحة المتحف البريطاني السابقة أيضًا. ولوحة «سمنة» الأولى السالفة الذكر لا تحتاج إلى استنباط أن الملك كان في بلاد «كوش» ولكن نفهم منها بطبيعة الحال وجوده هناك. والبيان الوحيد فيها بالنسبة لصفة هذه الحملة هو أن الملك صعد في النيل ليهزم «كوش» الخاسئة ومن المحتمل كما سيظهر أن شعر لوحة «سمنة» الثانية وترجمة حياة «خوسبك» يشير كل منهما إلى هذه الحملة.

وحملة السنة السادسة عشرة ترتكز فقط على لوحة «سمنة» الثانية غير أن هذه اللوحة لا تذكر لنا بيانًا محددًا عن هذه الحملة فتقول فقط: «عندما عمل جلالته حده الجنوبي عند «حح» (سمنة)» غير أنه ينبغي أن يلحظ أن الملك على حسب ما جاء في لوحة «سمنة» الأولى كان قد عمل حده الجنوبي عند «حح». فاللوحة المزدوجة التي عُثِرَ عليها في «ورنرتي» تقول: «عندما أقيم الحصن المسمى «طرد الأونتيو» والشعر الذي نقش على هاتين اللوحتين وهو الذي يصف لنا أخلاق العبيد ويدعي الانتصار عليهم يستند بطبيعة الحال على حقيقة تاريخية، غير أن أساس الحقيقة قد يرجع إلى عدة سنين قبل السنة السادسة عشرة كالسنة الثامنة مثلًا. وإقامة الحصن على «ورنرتي» (جزيرة «ورو») وكذلك إقامة الحدود بنصب حجر تذكاري جديد ليست إلا حقائق قد حددت السنة السادسة عشرة. ولا نزاع في أن إقامة الحصن يدل بوضوح على أن شيئًا قد حدث بين السنة الثامنة والسنة السادسة عشرة يحتم ضرورة زيادة حصن جديد. ومن المحتمل أن سبب ذلك يرجع إلى أن القبائل الغربية قد عبروا النهر إلى الجزيرة وهاجموا القوافل الذاهبة إلى «كرمة» على الشاطئ الشرقي في أسفل حصون «سمنة» وإذا كانت نقوش «خوسبك» وهي التي تذكر أن الملك ذهب جنوبًا ليهزم قبائل «أونتيو» لها علاقة بإقامة هذا الحصن فإن الملك يكون قد أتى بنفسه وقَوَّى الحاميات وأقام الحصن الجديد ليمنع تكرار الغارات عند هذه النقطة.

ومن الجائز أن حصن «مرجيس» الذي يحتوي على معبد للملك «سنوسرت الثالث» كان قد أقيم في نفس الوقت. وليس من المؤكد أن ترجمة حياة «خوسبك» تشير إلى السنة السادسة عشرة بقدر ما يمكن أن تدل على السنة الثامنة، وهي التي قيل عنها في نقش إلفنتين قد قامت فيها حملة لهزم الكوش توصف كذلك بأنها كانت حملة لهزم «أونتيو» أرض «ستي» (بلاد النوبة). وعلى ذلك فإني أشعر ببعض الشك في حضور الملك إلى بلاد «كوش» في السنة السادسة عشرة.

وحملة السنة التاسعة عشرة ترتكز على نقش لوحة «ساتت» السالفة الذكر والحقائق الخاصة بهذه الحملة كما ذكرها «إخرنفرت» و«ساستت» في لوحتيهما هي كما يأتي: «أرسل «أخرنفرت» بأمر الملك ليعمل في «العرابة» مستعملًا السام الذي أحضره الملك بنصر من بلاد «كوش». وقد حضر معه «ساستت» وكان ذلك في السنة التاسعة عشرة عندما ذهب «سنوسرت الثالث» ليهزم «كوش» الخاسئة». ومما تجدر ملاحظته أننا لا نعرف شيئًا قَطُّ عن الوقت الذي أقيمت فيه هذه اللوحة ولا يمكن أن نكون متأكدين من أنها وثيقة معاصرة مثل لوحة القناة واللوحات الرسمية. ومن المحتمل أن هناك بعض خطأ؛ ولذلك فإن لوحة «ساستت» وحدها دون أن يعضدها برهان آخر لا يمكن أن تكون بذاتها برهانًا قاطعًا على قيام حملة في السنة التاسعة عشرة من حكم «سنوسرت الثالث».

وللأسباب السالفة نجد أن حملة السنة الثامنة هي التي ظهر قيامها بوضوح، أما الاستنباطات الخاصة عن الحملة أو الحملات الأخرى، وكذلك فيما يخص الأحوال السائدة في «كوش» فإنها لم تتأثر كثيرًا سواء أكان الملك قد قام برحلة أو اثنتين أو أكثر إلى بلاد «كوش». ولكن تبقى هناك حقيقة وهي أنه لم يذهب إلى بلاد «كوش» ليفرض بطشه على القبائل، أو أنه نهب قبائل الصحراء بدون جدوى، وأنه أقام على أقل تقدير ثلاثة حصون وأنه حافظ على استيراد المعادن الثمينة، ويحتمل كذلك محاصيل أخرى من بلاد «كوش» وإني لا أجد في الوثائق أي أثر لثورة قام بها أهل «كوش» الساكنون على شاطئ النهر كما لا يوجد أثر يدل على فتح بلادهم، بل نجد برهانًا واضحًا على أن «سنوسرت الثالث» قد مَكَّنَ أعماله الخاصة بالحماية على طول الطريق وزاد في الْمَحَاطِّ الحربية ليجعل التجارة في مأمن نسبيًّا.

هذا موجز ما ذكره «ريزنر» عن حروب «سنوسرت الثالث» وهو بذلك يريد أن يفرض علينا أنه لم يقم إلا بحملات قليلة لا تزيد عن حملتين وأنه لم يكن هناك في عهد حروب بالمعنى الحقيقي، هذا على الرغم من أن ملوك مصر العظام الذين قاموا بالفتوح العظيمة في عهد «تحتمس الثالث» قد أَلَّهُوا «سنوسرت الثالث» وجعلوه من كبار الفاتحين، بل كان يُعَدُّ في نظرهم أعظم ملك حربي، كما يرى القارئ فيما ذكرناه من قبل في هذا الصدد. وعلى أية حال فإن «سنوسرت الثالث» قد قام بحروب عظيمة في السودان لما كان من أهلها من عبث بالأمن ومناهضة المصريين، ولا تقل الحملات التي قام بها على حسب أحدث الكشوف التي قامت في الأزمان الأخيرة عن أربع حملات ونجد في كلام «ريزنر» بعض التشكك في عدد حملات «سنوسرت» هذا إلى أنه أهمل ذكر حملة.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).