بالرجوع والتصفح بالتشريعات العراقية والدول محل المقارنة بحثاً عن تعريف المشرع للوظائف المحجوزة لم نجد تعريفاً محدداً، وإنما اكتفى المشرع ببيان الأحكام الخاصة بها من حيث بيان الفئات المشمولة والامتيازات التي يتمتعون بها وعند الرجوع لآراء الفقهاء نجد هناك تعريفات عديدة للوظيفة المحجوزة ، نجد هنالك من عرفها بأنها قصر" تقليد بعض الوظائف على بعض الأفراد أو الفئات لاعتبارات خاصة، ترى الدولة إزاءها أن يقتصر التعيين في تلك الوظائف على هؤلاء الأفراد أو تلك الفئات دون غيرهم من أفراد المجتمع الآخرين(1).
لا يتفق الباحث مع التعريف المتقدم؛ لعدم ذكر الباعث الدافع للمشرع لإقرار نظام الوظيفة المحجوزة كما لم يشير للجهة التي أقرت نظام الحجز .
وهناك عرفها آخر بأنها مجموعة من الوظائف التي تحددها السلطة العامة على سبيل الحصر ويقتصر شغلها على بعض الفئات مراعاة لاعتبارات خاصة (2) .
نستنتج من هذا التعريف أن الجهة التي تتولى تحديد وحجز الوظائف هي السلطة العامة، قد تكون السلطة التشريعية من خلال ما تصدره من قوانين تحدد الدرجات الوظيفية على سبيل الحصر ليتم أشغالها من فئات محددة من الأفراد أو السلطة التنفيذية بناءً على قانون .
كذلك عرفها آخر بأنها حجز بعض الوظائف العامة لفئات معينة من الأشخاص، حيث لا يجوز لغيرهم شغلها "(3).
التعريف المتقدم يؤخذ عليه أنه لم يحدد الجهة المختصة بحجز الوظائف ولا الإدارة التي يتم حجز الوظائف بها كما لم يبين السبب أو العلة المتوخاة من وراء نظام الحجز .
انتهى أحدهم إلى تعريفها بأنها مجموعة من الوظائف المحددة على سبيل الحصر تشريعيًا يتم تحديد الفئات التي تتقلدها لتحملهم قدرًا من التضحية أو المعاناة بسبب ظروف الحرب وما ينتج عنها من جرحى ومشوهين وأيتام وغيرهم فمنهم من يعجز عن مباشرة أي عمل أو وظيفة عادية بسبب وضعه الصحي والجسدي" (4) والتعريف المتقدم حدد المعنى لمجموعة من الوظائف التي يتم حجزها بسبب ظروف الحرب وما تقدم ليس إلا صورة من صور الحجز وسبب لمنح فئة معينة امتياز التقدم على من سواهم في تولي هذه الوظائف.
وبعد ما عرض من تعريفات يرى الباحث إن يُعرف الوظيفة المحجوزة بأنها: نظام قانوني أقره المشرع الوظيفي ينظم شغل بعض الوظائف الحكومية بطريقة تمنح فئة من الأفراد حق التقدم لأشغالها استثناء من مبدأ المساواة في تولي الوظيفة العامة لغايات إنسانية أو اجتماعية يرتضيها المشرع ويحددها بنصوص واضحة، وحين نريد أن نبين سبب ترجيحنا للتعريف المتقدم؛ لأن الغاية من الوظيفة المحجوزة هي ضمانة لحق العمل وتحسين المعيشة لفئات اجتماعية تحملوا ظلمًا من أنظمة حاكمة أو جماعات المسلحة غير قانونية أو أصيبوا بعوق معين فلا يمكنهم منافسة الأشخاص الأصحاء وكونهم لا يملكون كل المؤهلات الجسدية اللازمة التي تمكنهم من المنافسة، ففي النهاية نحن نعتقد أن هذا النظام يشكل استثناء حقيقي على مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة، ومبدأ تكافؤ الفرص في التنافس على فرص العمل الحكومية المعلن عنها.
يمكن أن ترد الحكمة التي تقوم عليها فكرة الوظيفة المحجوزة الى المسوغات الآتية :
1- العرفان بالجميل من واجب الدولة ان تعترف بالجميل بالتضحيات التي قدمها بعض المواطنين في سبيل حمايتها وحماية سيادتها من أي اعتداء، وهذا لا يتحقق بمجرد أن تقرر لهم أو لذويهم مكافئات مالية أو عينية، مثلا منح مجلس قيادة الثورة المنحل في قراره المرقم (615) لسنة 1971 (5) ، راتباً تقاعدياً لعائلته أو لورثته في حالة وفاة الجندي أو الشرطي، وهذا الراتب لوحده كمكافأة غير كافي؛ لأن الراتب التقاعدي وحده عادة لا يكفي لسد حاجة عائلة الضحية، سيما إذا كان عدد أفراد أسرته كبيرًا وبعضهم بحاجة لفرصة عمل لتحسين أحوالهم المعاشية والتعويض عن حالة الألم النفسي الذي قاسوه، سيما إذا بلغ ذويه سن الرشد، وكانت لديهم القدرة على العمل، وكما أن العمل يرد لهم اعتبارهم ومكانتهم في المجتمع ودورهم في الحياة ويشعرهم بامتنان الدولة لهم ورد جميلهم في دفاعهم عن بلدهم.
2- الاستفادة من الخبرات الإفادة من الخبرة التي يملكها الجنود القدماء التي اكتسبوها من الخدمة لفترات طويلة بالجيش لتحقيق حفظ النظام أو الأمن، أو في مجال معالجة المرضى أو المصابين، وغيرهم من ذوي الخبرة إذا ما قرر المشرع شمولهم بنظام حجز الوظيفة(6).
3- إن من العدالة أن يعامل من تعرض لمخاطر الحرب، مثلاً فأصيب بعوق معين أو أن من ولد وهو يحمل عاهة معينة فهؤلاء من العدالة أن تتاح الفرصة أمامهم للعمل أسوة بأقرانهم الأصحاء، أو الأشخاص الذين ظلموا وتتضرروا نتيجة أعمال القمع والتعسف من قبل السلطة الحاكمة، وعلى الحكومات أن تعترف بالأضرار التي لحقت بالضحايا، وان كانت الحكومة التي ارتكبت الانتهاكات في الماضي لن تعد قائمة، الأمر الذي اقتضى اتخاذ موقف من الدول المختلفة يتناسب مع هذه الظروف ويحقق الأمان للمواطنين ولأسرهم من بعدهم؛ وذلك عن طريق إقرارهم نظام حجز الوظائف بغية تحقيق هذه الغاية(7).
4- إن الاتفاقيات الدولية فرضت على الدول التزامات تتمثل مساواة الاشخاص ذوي الاعاقة مثلاً بغيرهم من الاشخاص، وتوفير الرعاية اللازمة لهم، وكما أن قانون انضمام العراق إلى اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة رقم (16) لسنة 2012 ، مما دعا إلى قيام المشرع باستحداث هيئات متخصصة لرعاية بعض الفئات ومن مقتضيات ذلك أن تحصر الوظائف في تلك الهيئات الفئات المشمولة بالرعاية التي تقدمها تلك الهيأة لأبناء تلك الفئة، كقيام هيأة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بتعيين ذوي الإعاقة في الهيأة، وتعيين المشمولين بقوانين العدالة الانتقالية وذويهم كالقانون الذي اسس لمؤسسة الشهداء أو قانون مؤسسة السجناء السياسيين، والذي كان نابع من إرادة السلطة التأسيسية الصريحة والضمنية التي اتجهت صوب تعويض المتضررين جسديًا أو ماديًا أو معنويًا وباب تحقيق العدالة اتجه المشرع إلى تعويض تلك الفئات ومن صور ذلك التعويض هو حجز بعض الوظائف لهم(8).
نستنتج مما تقدم من مسوغات بأن نظام حجز الوظيفة العامة قد أقره المشرع من أجل تحقيق الغاية المرجوة منه ومتمثلة في حماية الفئات محل الحجز وتسوية أوضاعهم، من خلال منحهم فرصة أقوى لتولي الوظيفة العامة وهذا ما يحقق دمجهم في المجتمع، لذا تحرص الدول على الاهتمام بوضع أحكام قانونية خاصة بتنظيم هذه الوظائف.
_________
1- هاتف جمعة صبحي ابو راشد مبدأ المساواة في تولي الوظيفة العامة بين النظرية والتطبيق، دراسة مقارنة، ط 1 ، مكتبة القانون والاقتصاد الرياض، 2014، ص 163.
2- د. اشرف محمد انس التنظيم الدستوري للوظيفة العامة، دراسة مقارنة دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2011 ، ص175.
3- د. أنس جعفر، الوظيفة العامة، دار النهضة العربية، ط2، القاهرة ، 2007 ، ص77.
4- محمد السيد محمد الدماصي، تولي الوظائف العامة ، أطروحة دكتوراه جامعة عين الشمس، كلية الحقوق، 1971 ، ص 275-276.
5- قرار منشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (1998) في 1971/5/17.
6- د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة ، 1961، ص598.
7- محمد السيد محمد الدماصي، تولي الوظائف العامة ، مصدر سابق ، ص279.
8- ينظر نص المادة (1) من قانون رقم (16) لسنة 2012