أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2016
![]()
التاريخ: 2024-10-19
![]()
التاريخ: 2-2-2020
![]()
التاريخ: 2024-07-21
![]() |
شروط السفر الذي يوجب الإفطار ، ولا يجوز معه صوم شهر رمضان ، في المسافة والصفة ، وغير ذلك ، هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة ، الموجبة لقصرها ، فإن تكلّف المسافر الصوم ، مع العلم بسقوطه عنه ، حرج وأثم ، ووجب عليه القضاء ، على كل حال ، وإن لم يكن عالما به ، كان صومه ماضيا.
ويكره للإنسان السفر في شهر رمضان ، إلا عند الضرورة الداعية له إلى ذلك ، من حج ، أو عمرة ، أو الخوف من تلف مال ، أو هلاك أخ ، أو ما يجزى مجراه ، أو زيارة بعض المشاهد المقدسة ، فإذا مضى ثلاثة وعشرون يوما من الشهر ، جاز له الخروج الى حيث شاء ، ولم يكن سفره مكروها.
ومتى كان سفره أربعة فراسخ ، ولم يرد الرجوع فيه من يومه ، لم يجز له الإفطار ، ويجب عليه الصيام ، وكذا يجب عليه إتمام الصلاة ، وقد وردت رواية شاذة ، بأنّه يكون مخيرا بين إتمام الصلاة ، وبين قصرها (1) وهو الذي أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي ، في نهايته (2)، وذهب شيخنا المفيد ، إلى التخيير في الصلاة والصيام ، والأول هو المعتمد ، وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب الصلاة.
وإذا خرج الإنسان إلى السفر ، بعد طلوع الفجر ، أي وقت كان من النهار ، وكان قد بيّت نيته من الليل للسفر ، وجب عليه الإفطار ، بغير خلاف بين أصحابنا ، وإن لم يكن قد بيّت نيّته من الليل للسفر ، ثم خرج بعد طلوع الفجر ، فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك ، فذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى أنّه يجب عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه ، فإن أفطر فيه ، وجب عليه القضاء والكفارة ، ويستدل بقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (3)
والذي يقال في ذلك ، أنّ هذا خطاب لمن يجب عليه الصيام ، ومكلّف به في جميع يومه ، ويخرج المسافر من تلك الآية ، قوله تعالى: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (4) وأيضا فالحائض في وسط النهار ، يجب عليها أن تعتقد أنّها مفطرة ، بغير خلاف ، وخرجت من الآية ، وما وجب عليها الإتمام ، وكذلك من بيّت نيته للسفر من الليل ، هو قبل خروجه من منزله وقبل أن يغيب عنه أذان مصره ، مخاطب بالصيام ، مكلّف به ، لا يجوز له الإفطار ، فإذا توارى عنه الأذان ، يجب عليه الإفطار ، وما وجب عليه التمام للصيام الذي كان واجبا عليه الإمساك والصيام قبل خروجه ، وبالإجماع يجب عليه الإفطار ، ولم يجب عليه الإتمام فقد خرج من عموم الآية المستدل بها ، وخصّص ، فإذا ساغ له التخصيص ساغ لخصمه ذلك وبطل استدلاله بالعموم ، لأنّه المستدلّ به وما سلم له ، وكلّ من استدل بعموم ، ولم يسلم له ، وخصّصه ، ساغ لخصمه تخصيصه ، لأنّه ما هو أولى بالتخصيص من خصمه ويبطل استدلاله بالعموم.
وذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله إلى أنّه متى خرج إلى السفر قبل الزوال ، فإنّه يجب عليه الإفطار ، فإن صامه ، لا يجزيه صيامه ، ووجب عليه القضاء ، وإلى هذا القول أذهب ، وبه افتي ، لأنّه موافق لظاهر التنزيل ، والمتواتر من الأخبار.
وقال ابن بابويه في رسالته : يجب عليه الإفطار ، وإن خرج بعد العصر والزوال ، وهذا القول عندي أوضح من جميع ما قدّمته من الأقوال ، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، وليس على المسألة ولا قول بها إجماع منعقد ، ولا أخبار مفصّلة متواترة بالتفصيل والتخصيص ، وإذا كان كذلك ، فالتمسّك بالقرآن أولى ، لأنّ هذا مسافر ، بلا خلاف ، ومخاطب بخطاب المسافرين ، من تقصير صلاة وغير ذلك.
وإذا خرج الرجل والمكلّف بالصيام إلى السفر ، فلا يتناول شيئا من الطعام أو الشراب ، أو غير ذلك من المفطرات إلى أن يغيب عنه أذان مصره ، وقد روي ، أو يتوارى عنه جدران بلده (5) والاعتماد على الأذان المتوسط.
ويكره له أن يتملّى من الطعام ، ويروي من الشراب ، ويزيد الكراهة ، وتتأكد في قرب الجماع ، إلا عند الحاجة الشديدة إلى ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله: ولا يجوز له أن يقرب الجماع ، وهذا اللفظ الذي هو لا يجوز يحتمل تغليظ الكراهة ، ويحتمل الحظر ، ولا دليل على الحظر ، لأنّه غير مكلّف بالصيام ، وهو داخل في قوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (6) وغير ذلك من الآيات المقتضية للإباحة ، والشيء إذا كان عندهم شديد الكراهة ، قالوا لا يجوز ، وهذا شيء يعرف بالقرائن والضمائم.
ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته (7) واستبصاره (8) ، ومذهب شيخنا المفيد رحمه الله فإنّه ذكر في مقنعته فقال : ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ، ثم قال : وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (9) ، وجاءت أخبار بكراهية ذلك ، وأنّه ليس من البر الصيام في السفر (10) وهي أكثر، وعليها العمل ، عند فقهاء العصابة ، فمن عمل على أكثر الروايات ، واعتمد على المشهور منها ، في اجتناب الصيام في السفر ، على كلّ وجه ، كان أولى بالحق ، والله الموفق للصواب (11) هذا آخر كلام المفيد.
وهذا القول هو الحقّ والصواب ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، من الواجب والمندوب ، فمن ادّعى تكليفا مندوبا أو واجبا ، فإنّه يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وإلا فالأصل عدم التكليف ، وهو أيضا مذهب جلّة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصّلين ، فإذا كان دليل الإجماع على المسألة مفقودا ، لأنّهم مختلفون فيها ، بقي أنّ الأصل براءة الذمة من التكليف ، فمن شغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل.
وصيام الثلاثة الأيام في الحج واجب في السفر ، كما قال الله تعالى (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (12) وقد وردت الرغبة في صيام ثلاثة أيام ، بالمدينة لصلاة الحاجة (13).
ومن كان عليه صيام فريضة أو قضاء شهر رمضان ، أو كفارة ظهار ، أو كفارة قتل الخطأ ، أو غير ذلك ، من وجوه الصيام المفروضة ، لم يجز له أن يصومه في السفر ، فإن فعل في السفر شيئا يلزمه به الصيام ، انتظر قدومه إلى بلده ، ولا يصوم في السفر ، فإن نوى مقام عشرة أيام فصاعدا ، في بلد غير بلده ، جاز له حينئذ الصيام.
وأمّا صيام النذر ، فإن كان الناذر قد نذر أن يصوم أياما بأعيانها ، أو يوما بعينه ، ووافق ذلك اليوم أو الأيام أن يكون مسافرا ، وجب عليه الإفطار ، وكان عليه القضاء ، وكذلك إن اتفق أن يكون ذلك اليوم ، يوم عيد ، وجب عليه الإفطار ، ولا قضاء عليه ، على الصحيح الأقوال.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى وجوب القضاء في نهايته (14) ، ورجع عنه في مبسوطة (15) ، لأنّ القضاء عما انعقد عليه النذر ، ويوم العيد ، لا يجوز نذره ، ولا ينعقد ، وهو مستثنى من الأيام ، وإلى ما اخترناه ذهب ابن البراج ، وغيره من أصحابنا ، وما أورده شيخنا في نهايته ، خبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، وقد بيّنا انّ أخبار الآحاد ، لا يجوز العمل بها في الشريعة ، عند أهل البيت عليهم السلام ، وانّما أورده إيرادا لا اعتقادا ، على ما ذكرناه من الاعتذار.
وإن كان الناذر نذر أن يصوم ذلك اليوم ، أو الأيام على كل حال ، مسافرا كان أو حاضرا ، فإنّه يجب عليه الصيام في حال السفر.
ويجوز صيام الاعتكاف في حال السفر ، وكذلك صيام الثمانية عشر يوما ، لمن أفاض من عرفات قبل غروب الشمس عامدا ، ولم يجد الجزور.
والمريض الذي لا يقدر على الصيام ، أو يضرّ به ، يجب عليه الإفطار ، ولا يجزي عنه إن صامه ، بعد تقدّم علمه بوجوب الإفطار ، فإن لم يتقدم له العلم بذلك ، ولا عرف الحكم فيه ، وصام ، فانّ صيامه صحيح ، ولا يجب عليه القضاء.
فإن أفطر في أول النهار ، ثم صحّ فيما بقي منه ، أمسك تأديبا ، وكان عليه القضاء.
فإن لم يصح المريض ، ومات من مرضه الذي أفطر فيه ، يستحب لولده الأكبر من الذكور ، أن يقضي عنه ، ما فاته من الصيام ، وليس ذلك بواجب عليه.
فإن برئ من مرضه ذلك ، ولم يقض ما فاته ، ثم مات ، وجب على وليه أن يقضي عنه ، وكذلك إن كان قد فاته شيء من الصيام في السفر ، ثم مات قبل أن يقضي ، وكان متمكنا من القضاء ، وجب على وليه أن يصوم عنه.
فإن فات المريض صوم شهر رمضان ، واستمر به المرض إلى رمضان آخر ، ولم يصح فيما بينهما ، صام الحاضر وقضى الأوّل.
وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى أنّه يتصدّق عن الأوّل عن كل يوم ، بمدين من طعام ، فإن لم يمكنه فبمد منه ، فإن لم يتمكن ، لم يكن عليه شيء ، وليس عليه قضاء.
والأوّل يعضده ظاهر التنزيل ، وهو قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (16) فأوجب على المريض القضاء ، فمن أسقطه يحتاج إلى دليل ، ولا إجماع معنا في المسألة ، والقائل بما ذهب إليه شيخنا قليل ، فبقي ظاهر التنزيل ، فلا يجوز العدول عنه بغير دليل ، وانما قد ورد به أخبار آحاد ، لا توجب علما ولا عملا.
وذهب ابن بابويه في رسالته ، إلى أنّ الرجل إذا مرض ، وفاته صوم شهررمضان كلّه ، ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل ، فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدق عن الأول كل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء ، إلا أن يكون صح فيما بين شهري رمضان ، فإن كان كذلك ، ولم يصح ، فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم ، بمد من طعام ، ويصوم الثاني ، فإذا صام الثاني ، قضى الأول بعده ، فإن فاته شهرا رمضان ، حتى دخل الشهر الثالث. من مرض ، فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدّق عن الأول ، لكل يوم بمد من طعام ، ويقضي الثاني ، هذا آخر كلامه ، ألا تراه ، قد أوجب قضاء الثاني مع استمرار المرض.
وبالجملة ، انّ المسألة فيها خلاف ، وليس على ترك القضاء إجماع منعقد ، فإن صح فيما بين الرمضانين ، ولم يقض ما عليه ، وكان في عزمه القضاء ، قبل رمضان الثاني ، ثم مرض ، صام الثاني ، وقضى الأول ، وليس عليه كفارة ، وإن أخّر قضاءه بعد الصحة توانيا ، وجب عليه أن يصوم الثاني ، ويتصدق عن الأول ، ويقضيه أيضا بعد ذلك ، وحكم ما زاد على رمضانين حكم رمضانين على السواء ، وكذلك لا يختلف الحكم ، في أن الذي فاته الشهر كله ، أو بعضه ، بل الحكم فيه سواء ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته (17) ، وجمله وعقوده (18) ، إلا أنّه لم يذكر في مسألة من كان في عزمه القضاء ، قبل رمضان الثاني ثم مرض فرقا.
قال محمّد بن إدريس : وجه الفتوى في التواني ، والعزم على ما أورده رحمه الله أنّه إذا كان عازما على أدائه وقضائه ، قبل تضيّق أيامه وأوقاته ، ثم لمّا تضيّق ، مرض في الزمان المضيّق ، حتى أسهل رمضان الثاني ، فلا تجب عليه الكفارة ، فأمّا إذا لم يمرض في زمان التضييق ، فإنّه يجب عليه الكفارة ، لأنّه متوان ، ولا ينفعه عزمه ، لأنّه فرض مضيّق ، فلا يكون العزم ، بدلا منه ، فافترق الأمر بين المسألتين ، وشيء آخر ، وهو انّ العزم بدل من فعل الواجب الموسع ، فإذا تركه فقد أخلّ بالواجب الذي هو العزم ، فيجب عليه الكفارة ، لأجل تركه الواجب الذي هو العزم.
فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، وترك الصوم فقد توانى ، فيجب عليه الكفارة ، لأنّه صار واجبا مضيّقا ، فما بقي يفيد العزم.
فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، ومرض ، فلا يجب الكفارة ، لأنّه ما أخل بالواجب الذي هو العزم ، فأمّا إذا لم يعزم ، ومرض في الزمان الذي قد تضيّق عليه ، فيجب أيضا عليه الكفارة ، لإخلاله بالواجب الذي هو العزم ، فهذا يمكن أن يكون وجه الفتيا ، على ما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله.
والذي اعتقده ، وافتي به ، سقوط الكفارة عمن أوجبها عليه ، لأنّ الأصل براءة الذمة من العبادات ، والتكاليف ، وإخراج الأموال ، إلا بالدليل الشرعي القاطع للأعذار ، والقرآن خال من هذه الكفارة ، والسنة المتواترة خالية أيضا ، والإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة ، لأنّ أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ، ولا يوردونها في كتبهم ، مثل الفقيه سلار ، والسيد المرتضى ، وغيرهما ، ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة ، إلا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعة ولم يذكرها في كتاب الصيام منها ، ولا في غيرها من كتبه ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، ومن تابعهما ، وقلّد كتبهما ، أو يتعلّق بأخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت عليهم السلام حجة ، على ما شرحناه ، فلم يبق في المسألة ، إلا لزوم دليل الأصل ، وهو براءة الذمة ، فمن شغلها بشيء ، يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا دليل له على ذلك.
والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ، ثم مات ، تصدق عنه ، عن شهر ، ويقضي عنه وليه ، شهرا آخر ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (19) أورده ، وقال في جمله وعقوده : وكل صوم كان واجبا على المريض ، بأحد الأسباب الموجبة له ، ثمّ مات ، تصدق عنه ، أو يصوم عنه وليه (20) وهذا أولى ممّا ذكره في نهايته.
وقال السيد المرتضى ، في انتصاره : يتصدق عنه لكل يوم بمد ، من طعام ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه ، فإن كان له وليان ، فأكبرهما (21).
وقال شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في كتاب الأركان : يجب على وليه أن يقضي عنه كل صيام فرّط فيه ، من نذر ، أو كفارة ، أو قضاء رمضان.
قال مصنّف هذا الكتاب : والذي أقوله في ذلك ، أنّ هذين الشهرين ، إن كانا نذرا ، وقدر على الإتيان بهما ، فلم يفعل ، فالواجب على وليه ، وهو أكبر أولاده الذكور ، الصيام للشهرين ، ويكون تكليفه ذلك ، لا يجزيه غيره ، وإن كان عليه كفارة مخيّرة فيها ، فإنّه أيضا مخير ، في أن يصوم شهرين ، أو يكفر من ماله ، قبل قسمة تركته ، أعني الولي ، ولا يتعيّن عليه الصيام ، ولا يجزيه ، إلا أن يفعل من الكفارة جنسا واحدا ، أمّا صياما ، أو إطعاما ، هذا إذا كانت الكفارة مخيرا فيها ، فليتأمل ما قلنا من فقه المسألة.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله : والمرأة أيضا ، حكمها ما ذكرناه ، في أن ما يفوتها من الصيام ، بمرض أو طمث ، لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلا أن تكون قد تمكنت من القضاء ، فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها ، ما يفوتها بالسفر ، حسب ما قدّمناه في حكم الرجال ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر متوان ، ولا ينفعه عزمه ، لأنّه فرض مضيّق ، فلا يكون العزم ، بدلا منه ، فافترق الأمر بين المسألتين ، وشيء آخر ، وهو انّ العزم بدل من فعل الواجب الموسع ، فإذا تركه فقد أخلّ بالواجب الذي هو العزم ، فيجب عليه الكفارة ، لأجل تركه الواجب الذي هو العزم.
فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، وترك الصوم فقد توانى ، فيجب عليه الكفارة ، لأنّه صار واجبا مضيّقا ، فما بقي يفيد العزم.
فأمّا إذا عزم ، وضاق الوقت ، ومرض ، فلا يجب الكفارة ، لأنّه ما أخل بالواجب الذي هو العزم ، فأمّا إذا لم يعزم ، ومرض في الزمان الذي قد تضيّق عليه ، فيجب أيضا عليه الكفارة ، لإخلاله بالواجب الذي هو العزم ، فهذا يمكن أن يكون وجه الفتيا ، على ما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله.
والذي اعتقده ، وافتي به ، سقوط الكفارة عمن أوجبها عليه ، لأنّ الأصل براءة الذمة من العبادات ، والتكاليف ، وإخراج الأموال ، إلا بالدليل الشرعي القاطع للأعذار ، والقرآن خال من هذه الكفارة ، والسنة المتواترة خالية أيضا ، والإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة ، لأنّ أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ، ولا يوردونها في كتبهم ، مثل الفقيه سلار ، والسيد المرتضى ، وغيرهما ، ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة ، إلا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعة ولم يذكرها في كتاب الصيام منها ، ولا في غيرها من كتبه ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، ومن تابعهما ، وقلّد كتبهما ، أو يتعلّق بأخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت عليهم السلام حجة ، على ما شرحناه ، فلم يبق في المسألة ، إلا لزوم دليل الأصل ، وهو براءة الذمة ، فمن شغلها بشيء ، يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا دليل له على ذلك.
والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ، ثم مات ، تصدق عنه ، عن شهر ، ويقضي عنه وليه ، شهرا آخر ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (22) أورده ، وقال في جمله وعقوده : وكل صوم كان واجبا على المريض ، بأحد الأسباب الموجبة له ، ثمّ مات ، تصدق عنه ، أو يصوم عنه وليه وهذا أولى ممّا ذكره في نهايته.
وقال السيد المرتضى ، في انتصاره : يتصدق عنه لكل يوم بمد ، من طعام ، فإن لم يكن له مال ، صام عنه وليه ، فإن كان له وليان ، فأكبرهما (23).
وقال شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في كتاب الأركان : يجب على وليه أن يقضي عنه كل صيام فرّط فيه ، من نذر ، أو كفارة ، أو قضاء رمضان.
قال مصنّف هذا الكتاب : والذي أقوله في ذلك ، أنّ هذين الشهرين ، إن كانا نذرا ، وقدر على الإتيان بهما ، فلم يفعل ، فالواجب على وليه ، وهو أكبر أولاده الذكور ، الصيام للشهرين ، ويكون تكليفه ذلك ، لا يجزيه غيره ، وإن كان عليه كفارة مخيّرة فيها ، فإنّه أيضا مخير ، في أن يصوم شهرين ، أو يكفر من ماله ، قبل قسمة تركته ، أعني الولي ، ولا يتعيّن عليه الصيام ، ولا يجزيه ، إلا أن يفعل من الكفارة جنسا واحدا ، أمّا صياما ، أو إطعاما ، هذا إذا كانت الكفارة مخيرا فيها ، فليتأمل ما قلنا من فقه المسألة.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله : والمرأة أيضا ، حكمها ما ذكرناه ، في أن ما يفوتها من الصيام ، بمرض أو طمث ، لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلا أن تكون قد تمكنت من القضاء ، فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها ، ما يفوتها بالسفر ، حسب ما قدّمناه في حكم الرجال ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته (24) ، والصحيح من المذهب ، والأقوال ، انّ إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال ، يحتاج إلى دليل ، وانّما إجماعنا منعقد ، على الوالد يتحمل ولده الأكبر ، ما فرط فيه من الصيام ، ويصير ذلك تكليفا للولد ، وكذلك ما يفوته من صلاة مرضته التي توفّي فيها ، يجب على الولد الأكبر الذكر ، قضاء ذلك عنه ، فأمّا ما فاته من الصلوات في زمانه كلّه ، سواء كان صحيحا ، أو مريضا ، لا يجب على الولد القضاء عنه ، إلا ما فاته في مرضته التي مات فيها ، على ما بيّناه ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا ، وانّما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا ، وأورد في جمله وعقوده فقال : فإن برئ المريض ، وجب عليه القضاء ، فإن لم يقض ، ومات ، وجب على وليه القضاء ، والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فإن كانوا جماعة ، في سن واحد ، كان عليهم القضاء بالحصص ، قال : أو يقوم به بعضهم ، فيسقط عن الباقين (25) وهذا غير واضح ، لأنّ هذا تكليف كل واحد بعينه ، وليس هو من فروض الكفايات ، بل من فروض الأعيان ، فإذا صام واحد منهم ما يجب على جميعهم ، لم تبرأ إلا ذمّة من صام ما وجب عليه ، فحسب ، وذمم الباقين مرتهنة ، حتى يصوموا ما تعيّن عليهم ، ووجب في ذمّة كل واحد بانفراده.
والذي تقتضيه الأدلة ، ويجب تحصيله في هذه الفتيا ، أنّه لا يجب على واحد منهم قضاء ذلك ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، والإجماع غير منعقد على ذلك ، والقائل بهذا ، شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، والموافق له من أصحابنا المصنّفين قليل جدا ، والسيد المرتضى ، لم يتعرّض لذلك ، وكذلك شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، وغيرهما ، من المشيخة الجلّة ، وانّما أجمعنا على تكليف الولد الأكبر ، وليس هاهنا ولد أكبر ، والتعليل غير قائم هاهنا ، من استحقاقهم السيف ، والمصحف ، وثياب بدنه ، فجميع ما قيل ، وورد في عين مسألة الولد الأكبر ، لم يصح في الجماعة.
وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار ، إذا علم الإنسان من حال نفسه ، أنّه إن صام ، زاد ذلك في مرضه ، أو أضرّ به ، والإنسان على نفسه بصيرة ، وسواء الحكم ، أن يكون المرض في الجسم ، أو يكون رمدا ، أو وجع الأضراس ، فإنّ عند جميع ذلك ، يجب الإفطار مع الخوف من الضرر.
والعاجز عن الصيام ، على ثلاثة أضرب ، الأول : لا يجب عليه قضاء ، ولا كفارة ، وهو الشيخ الهم ، والشيخة كذلك ، اللذان لو تكلفا الصوم بمشقة ، لما أطاقاه.
الثاني: يكفّر ، ولا قضاء عليه ، وهو الشيخ الذي إذا تكلّفه أطاقه ، لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها ، والضرر العظم ، فانّ له أن يفطر ، ويكفّر عن كل يوم بمد من طعام ، وكذلك الشاب ، إذا كان به العطاش ، الذي لا يرجى شفاؤه ، فإن كان العطاش عارضا ، يتوقع زواله ، ويرجى برؤه ، أفطر ، ولا كفارة عليه ، فإذا برئ وجب عليه القضاء.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله : يجب على هذا الذي يرجى برؤه ، ويتوقع زواله ، القضاء والكفارة ، وهذا القول غير واضح ، لأنّه بخلاف القرآن ، وإجماع الطائفة ، وما اخترناه مذهب السيد المرتضى ، وشيخنا المفيد رضي الله عنهما ، وهو الصحيح ، لأنّ هذا مريض ، والمريض بالإجماع ، يجب عليه الإفطار ، فإذا برئ ، يجب عليه القضاء ، من غير كفارة ، بغير خلاف في ذلك ، فمن أوجب الكفارة هاهنا يحتاج إلى دليل.
الثالث: الحامل المقرب ، والمرضع القليلة اللبن ، إذا خافتا على ولدهما من الصوم الضرر ، أفطرتا ، وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام ، وتقضيان ذلك اليوم ، وقد ذهب بعض أصحابنا ، إلى أنّه لا قضاء عليهما ، وهو الفقيه سلار ،والأول هو الأظهر ، الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته ظاهر القرآن.
وكل هؤلاء الذين ذكرناهم ، وانّهم يجوز لهم الإفطار ، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام ، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب ، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النساء ، هكذا أورده شيخنا في نهايته (26)
قال محمد بن إدريس رحمه الله : والصحيح ، أنّ ذلك مكروه ، شديد الكراهة ، دون أن يكون محرّما محظورا ، لأنّا قد بيّنا فيما سلف ، أنّ الشيء إذا كان شديد الكراهة ، قالوا لا يجوز ، فلفظة لا يجوز ، يحتمل الكراهة والحظر.
_______________
(1) مستدرك الوسائل: الباب 3 من أبواب صلاة المسافر ، ح 2 .
(2) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الصلاة في السفر وأشار إليه في كتاب الصوم في باب حكم المسافر في شهر رمضان.
(3) البقرة : 187 .
(4) البقرة : 184 .
(5) الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب 6 من أبواب صلاة المسافر ، ح 1 و 9 و 10 .
(6) البقرة : 223 .
(7) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذور.
(8) الاستبصار : كتاب الصوم ، باب 53 صوم التطوع في السفر ، ذيل ح 4 .
(9) الوسائل : الباب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ، ح 7 و 8 ،.
(10) الوسائل : الباب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ، ح 7 و 8 ،.
(11) المقنعة : كتاب الصوم ، باب حكم المسافرين في الصيام ص 350 .
(12) البقرة : 196 .
(13) الوسائل : الباب 12 من أبواب من يصح منه الصوم ، ح 1 .
(14) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذور.
(15) المبسوط : كتاب الصوم : فصل في ذكر أقسام الصوم.
(16) البقرة : 184 .
(17) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام.
(18) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام ، رقم 1 من أحوال المريض.
(19) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام.
(20) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام ، رقم 3 من أحوال المريض.
(21) الانتصار : كتاب الصوم ، مسألة 16 .
(22) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام.
(23) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام ، رقم 3 من أحوال المريض.
(24) الانتصار : كتاب الصوم ، مسألة 16 .
(25) النهاية : كتاب الصوم ، باب حكم المريض والعاجز عن الصيام ـ بزيادة (حكم) بين حكمها وما ذكرناه.
(26) الجمل والعقود : كتاب الصيام ، فصل في حكم المريض والعاجز عن الصيام رقم 1 بدون كلمة (المريض).
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|