أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-12-2015
1243
التاريخ: 17-12-2015
1819
التاريخ: 14-12-2015
1084
التاريخ: 17-12-2015
1225
|
قال تعالى : {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } [يس : 79، 80]
في آواخر سورة «يس» هناك بحوث جامعة ومتنوّعة وعميقة في مجال المعاد، واحد هذه البحوث الحبث عن معاد الطاقة.
لقد أجاب القرآن على شبهة من كانوا يتعجّبون من إمكان اعادة العظم الرميم إلى الحياة بِعِدّة أجوبة، فقال تعالى : {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنَشَأَهَا اوَّل مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}.
وهذا القسم من الأجوبةِ يتعلّق بمقايسة المعاد بالنشأة الاولى التي بحثناها سابقاً.
ثم يضيف تعالى بعد ذلك : {الَّذِى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِّنهُ تُوقِدُونَ}.
ومن البديهيِّ أن يكون هذا البيان دليلًا على مسألة المعاد وأن يكون جواباً آخر لمنكري المعاد.
ولكن كيف يكون ذلك، وبأيّ بيانٍ يتمّ؟
للمفسرين عدّة آراء في هذا المجال هي :
1- الكثير من المفسرين اعتبروا هذه الآية إشارة إلى الشجرتين المشهورتين لدى العرب وهما «مَرْخ» و «عَفار» وكان العرب يستخدِمونهما لإيقاد النار بدلًا من الكبريت المستخدم في عصرنا الحاضر، فكانوا يضربون الخَشَبَتينِ ببعضهما بشدّة ليحصلوا منها على قدحة أو شرارة ليتمكّنوا بواسطتها من ايقاد النار، وفي الحقيقة كانوا يستخدمون ذلك بدلًا عن حجر القدحة الذي كان يُستخدم في العصور الغابرة.
فالقرآن يقول : إنّ الذي يقدر على أن يُخرج النار من تلك الخشبتين الخضراوينِ بإمكانه أن يحيي الموتى، فمن يتمكّن من جمع النار مع الماء كيف لا يتمكّن من خلق الحياة بعد الموت؟ ألا يشبه التضادُّ بين «الحياة» و «الموت» التضادَّ بين الماء والنار؟
2- وتَجَاوزَ آخرون هذا الحدَّ فقالوا : إنّ خاصيّة ايقاد النار لا تنحصر بخشب تلك الشجرتين (مَرْخ وعفار)، بل تعمّ جميع أشجار العالم، ولكنّها تشتدُّ في أخشاب تلك الشجرتين، لذا جاء في المثل العربي : «في كُلِّ شجرٍ نار»!
فخلاصة الكلام أنّ أخشابَ الأشجار عندما تصطدم ببعضها بقوّة تخرج منها شرارة من النار، وهذا الأمر يصدق حتى في أخشاب الأشجار الطريّة! وبسبب هذه الظاهرة تَحدُثُ حرائقُ هائلة ومرعبة في الغابات من دون أن يكون للإنسان ايُّ تدخّل فيها.
وهذه الحرائق تحدث بفعل الرياح الشديدة التي تضرب أغصان الأشجار ببعضها بشدّة فَتَسْقُطُ شراراتُها أحياناً على أوراق الشجر الجافّة فتحرقها، ثم تتسع بعد ذلك رقعةُ النار بسبب هبوب الرياح، فنرى فجأةً التهام النار لمناطق شاسعة من الغابات.
وأمّا تفسير هذه الظاهرة من وجهة نظر العلم الحديث فهي جليّة وواضحة، لأننا نعلم بأنّ الأشجار ليست الوحيدة التي تولّد شرارة من النار عند ارتطامها ببعضها بقوّة بل تتولّدُ شرارة كهربائية من ارتطام كل جسمين ببعضهما، وهذه النار موجودةٌ في جميع ذَرّاتِ العالم المادّي حتى في باطن الأشجار الخضراء.
إنّه أمرٌ عجيبٌ حقّاً، فما القدرة التي تخلط النار في الماء؟ ومن أصلح فيما بين هذين العدوّين اللّدودين اللّذينِ عرّفهما القدماء بأنّ طبع أحدهما بارد رطب والآخر حارٌ جاف؟
فهل يكون الإصلاح بين الموت والحياة أمرٌ عسير على هذه القدرة؟ أو هل يصعب على القدرة أن تجعل أحدهما في مكان الآخر؟!
وبتعبير آخر : هل يمكن لأحد أن يجمع النار والماء في مكان واحد بحيث لا يُطفي الماءُ النارَ ولا تُحرقُ النارُ الشجرَ، وهل يكون إحياء الشجر اليابس مرّة اخرى أمراً عسيراً؟!
3- وهناك تفسير آخر لهذه الآية قد خفي على المفسّرين السابقين، لكنّه أصبح واضحاً لنا بعد تطور العلم الحديث، ومن المحتمل أن يكون أنسب التفاسير، وهو : إنّ الأشجار خلال فترة حياتها تمتصُّ ضوءَ وحرارة الشمس باستمرار وتَدَّخِرُهُما في باطنها، وعندما نُحرِق الخشب الجافَّ تنبعث الحرارة والضوءُ اللتان امتصّتهما الشجرة في مدّة طويلة وتنفدُ في مدّة وجيزة ونستفيد نحن منهما، أي أنّ الطاقة الخاملة تعودُ في هذه القيامةِ وتُظهِرُ وجودها، فبناءً على ذلك نحن نرى منظر المعاد أمام أعيننا إذا أجّجْنا ناراً!
وتوضيح ذلك : إنّ «السليلوز» يشكّل المادّة الرئيسية للأشجار، وهو مركب من «الكاربون» و «الاوكسجين» و «الهيدروجين».
فالنباتات تحصل على الاوكسجين والهيدروجين من الماء، وتحصل على الكاربون من الهواء، أي أنّها تأخذ ثاني أو كسيد الكاربون الذي هو عبارة عن تركيب من الاوكسجين والكاربون وتحلل ذلك المركب فتحتفظ بالكاربون وتُطِلق الاوكسجين، ثم تصنع الخشب بواسطة تركيب الكاربون مع الماء.
ومن الجدير بالذكر هنا بناءً على القواعد المتّبعة في علم الكيمياء إنّ الكثير من التركيبات الكيميائية لا تتمّ إلّا عند توفر نوع من أنواع الطاقة، والأشجار أيضاً تّتبع هذا القانون وتستخدم ضوءَ وحرارة الشمس في انجاز التركيبات الكيميائية (فتأمّل).
على هذا فالأشجار عندما تنمو وتكبر وتقوى سيقانها يوماً بعد يوم فإنّها تدّخر كميّة كبيرة من الطاقة الشمسية في داخلها، تلك هي الضوءُ والحرارة التي تظهر عند احتراق الخشب، فنفس تلك الطاقة المدّخرة التي قد كَمُنت في الظاهر تعودُ مّرة اخرى من خلال معادٍ موزون ودقيق.
والدليل الذي يؤيد هذا التفسير هو التعبير الوارد في القرآن لبيان هذه الامور وهو جملة :
«فإذا أنتم منه توقدون».
ولنرَ ما المراد من كلمة «وقود» لغوياً؟
بناءً على تصريح أكثر كتب اللغة أنّ «الوقود» بمعنى الحطب أو الشي المحترق «1».
بينما اطلقوا على الأشياء التي تُوجِدُ القدحةَ اسم «الزَنْد» أو «الزناد»، قال في المقاييس :
«الزند» في الأصل بمعنى زند اليد، وأُطلِق على القدحة أو الشرارة للملازمة الموجودة سابقاً بين زند اليد والآلات التي كانت تستخدم قديماً في اشعال النار.
و «القَدْح» : استُعمل أيضاً في هذا المجال، لكنّ الأمر المهمّ تأكيد القرآن على ذكر الوقود لا «الزند» أو القَدْح، بينما فات القدماء الانتباه إلى هذه المسألة، وفسّروا الآية على أنّ المراد منها هو القدْح، لكنَّ ما جاء في تفسيرنا الثالث ينطبقُ تماماً مع التعبير ب «الوقود» (فتأمّل).
والسؤال الوحيد الذي لم يُجَبْ عنه إنّ الخشب الذي يستخدم في الحرق يكون جافاً، بينما عبّر عنه القرآن ب «الشجر الاخضر».
هناك جوابان لهذا السؤال : الأول إنّ الخشب الاخضر قابل للاحتراق أيضاً وإنَّ إحراقه أصعب من إحراق الخشب الجاف، جاء في المثل المشهور : إذا اشتعلت النار فسوف تحرق الأخضر واليابس معاً للإشارة إلى هذا الأمر.
ولو تجاوزنا هذا، فهنالك مسألة مهمّة هي إنّ الأشجار الخضراء هي الوحيدة التي يمكنها أن تجذب وتدّخِر ضوءَ وحرارة الشمس، ويحتمل أن يكون القرآن في صدد بيان هذه المسألة العلمية الدقيقة، لأنّ الأشجار عندما تجفّ تتوقف فيها عملية جذب الكاربون نهائياً، ولا تدّخر الطاقة الشمسية بأي نحوٍ كان.
على أيّة حال فإنّ الآية المذكورة تعتبر من الآيات الرائعة في مجال إثبات المعاد، وإنّ كلّ واحد من هذه التفسيرات الثلاثة يجسِّم منظر المعاد أمام الانظار، ولا يوجد أيّ مانع في أن تكون هذه التفسيرات الثلاثة مجموعة في مفهوم هذه الآية، فهذه التفسيرات منها ما يختصّ بالعوامّ من الناس، ومنها ما يختصّ بالخواصّ منهم، ومنها ما يختصّ بخواصّ الخواصّ، وبعضها يختصّ بالناس الذين عاشوا في العصور الغابرة، وبعضها يختصّ بالناس المعاصرين، ومن المحتمل أن تكون هنالك تفسيرات أعمق وأدقّ لعلماء المستقبل في هذه الآية.
_________________________
(1) مفردات الراغب؛ ولسان العرب؛ ومقاييس اللّغة.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|