أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1231
التاريخ: 5-9-2016
1303
التاريخ: 6-9-2016
1128
التاريخ: 18-8-2016
1325
|
تمهيد:
إن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله، والموجود بأيدي الناس بين الدفتين هو الكتاب المنزل إلى الرسول بالحق لا ريب فيه هدى ورحمة {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ } [يونس: 37] فهو - أذن - الحجة القاطعة بيننا وبينه تعالى، التي لا شك ولا ريب فيها، وهو المصدر الأول لأحكام الشريعة الإسلامية بما تضمنته آياته من بيان ما شرعه الله للبشر. وأما ما سواه من سنة أو إجماع أو عقل فإليه ينتهي ومن منبعه يستقي. ولكن الذي يجب أن يعلم أنه قطعي الحجة من ناحية الصدور فقط لتواتره عند المسلمين جيلا بعد جيل. وأما من ناحية الدلالة فليس قطعيا كله، لان فيه متشابها ومحكما. ثم (المحكم): منه ما هو نص، أي قطعي الدلالة. ومنه ما هو ظاهر تتوقف حجيته على القول بحجية الظواهر. ومن الناس من لم يقل بحجية ظاهرة خاصة، وان كانت الظواهر حجة. ثم إن فيه ناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومطلقا ومقيدا، ومجملا ومبينا. وكل ذلك لا يجعله قطعي الدلالة في كثير من آياته. ومن أجل ذلك وجب البحث عن هذه النواحي لتكميل حجيته. وأهم ما يجب البحث عنه من ناحية أصولية في أمور ثلاثة:
1- في حجية ظواهره. وهذا بحث ينبغي أن يلحق بمباحث الظواهر الآتية، فلنرجئه إلى هناك.
2- في جواز تخصيصه وتقييده بحجة أخرى كخبر الواحد ونحوه. وقد تقدم البحث عنه في المجلد الأول ص 154.
3- في جواز نسخه. والبحث عن ذلك ليس فيه كثير فائدة في ألفقه، كما ستعرف، ومع ذلك ينبغي ألا يخلو كتابنا من الإشارة إليه بالاختصار، فنقول:
نسخ الكتاب العزيز، حقيقة النسخ:
النسخ اصطلاحا: رفع ما هو ثابت في الشريعة من الأحكام ونحوها. والمراد من (الثبوت في الشريعة): الثبوت الواقعي الحقيقي، في مقابل الثبوت الظاهري بسبب الظهور اللفظي. ولذلك، فرفع الحكم - الثابت بظهور العموم أو الإطلاق - بالدليل المخصص أو المقيد لا يسمى نسخا، بل يقال له: تخصيص أو تقييد أو نحوهما، باعتبار أن هذا الدليل الثاني المقدم على ظهور الدليل الأول يكون قرينة عليه وكاشفا عن المراد الواقعي للشارع، فلا يكون رافعا للحكم الا ظاهرا، ولا رفع فيه للحكم حقيقة بخلاف النسخ. ومن هنا يظهر الفرق الحقيقي بين النسخ وبين التخصيص والتقييد. وسيأتي مزيد إيضاح لهذه الناحية في جواب الاعتراضات على النسخ. وقولنا: (من الأحكام ونحوها)، فلبيان تعميم النسخ للأحكام التكليفية والوضعية ولكل أمر بيد الشارع رفعه ووضعه بالجعل التشريعي بما هو شارع. وعليه فلا يشمل النسخ الاصطلاحي المجعولات التكوينية التي بيده رفعها ووضعها بما هو خالق الكائنات. وبهذا التعبير يشمل النسخ نسخ تلاوة القرآن الكريم على القول به، باعتبار أن القرآن من المجعولات الشرعية التي ينشئها الشارع بما هو شارع وان كان لنا كلام في دعوى نسخ التلاوة من القرآن ليس هذا موضع تفصيله، ولكن بالاختصار نقول: إن نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعي، سواء كان نسخا لأصل التلاوة أو نسخا لها ولما تضمنته من حكم معا، وان كان في القرآن الكريم ما يشعر بوقوع نسخ التلاوة كقوله تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: 101] وقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ولكن ليستا صريحتين بوقوع ذلك، ولا ظاهرتين، وإنما أكثر ما تدل الآيتان على امكان وقوعه. امكان نسخ القرآن: قد وقعت عند بعض الناس شبهات في امكان أصل النسخ ثم في امكان نسخ القرآن خاصة. وتنواراً للأذهان نشير إلى أهم الشبه ودفعها، فنقول:
1- قيل: إن المرفوع في النسخ إما حكم ثابت أو ما لا ثبات له. والثابت يستحيل رفعه، وما لا ثبات له لا حاجة إلى رفعه. وعلى هذا فلا بد أن يؤول النسخ بمعنى رفع مثل الحكم لا رفع عينه، أو بمعنى انتهاء أمد الحكم. والجواب:
انا نختار الشق الأول وهو أن المرفوع ما هو ثابت، ولكن ليس معنى رفع الثابت رفعه بما هو عليه من حالة الثبوت وحين فرض ثبوته حتى يكون ذلك مستحيلا، بل هو من باب إعدام الموجود وليس إعدام الموجود بمستحيل. والأحكام لما كانت مجعولة على نحو القضايا الحقيقية فان قوام الحكم يكون بفرض الموضوع موجودا، ولا يتوقف على ثبوته خارجا تحقيقا، فإذا أنشئ الحكم كذلك فهو ثابت في عالم التشريع وإلاعتبارات بثبوت الموضوع فرضا، ولا يرتفع الا برفعه تشريعا. وهذا هو معنى رفع الحكم الثابت، وهو النسخ.
2- وقيل: إن ما أثبته الله من الأحكام لا بد أن يكون لمصلحة أو مفسدة في متعلق الحكم. وماله مصلحة في ذاته لا ينقلب فيكون ذا مفسدة، وكذلك العكس، وإلا لزم انقلاب الحسن قبيحا والقبيح حسنا، وهو محال.
وحينئذ يستحيل السنخ، لأنه يلزم منه هذا الانقلاب المستحيل، أو عدم حكمة الناسخ أو جهله بوجه الحكمة. والأخيران مستحيلان بالنسبة إلى الشارع المقدس. والجواب واضح، بعد معرفة ما ذكرناه في الجزء الثاني في المباحث العقلية من معاني الحسن والقبيح، فإن المستحيل انقلاب الحسن والقبيح الذاتيين ولا معنى لقياسهما على المصالح والمفاسد التي تتبدل وتتغير بحسب اختلاف الأحوال والأزمان. ولا يبعد في أن يكون الشيء ذا مصلحة في زمان ذا مفسدة في زمان آخر. وان كان لا يعلم ذلك إلا من قبل الشارع العالم المحيط بحقائق الأشياء. وهذا غير معنى الحسن والقبح اللذين نقول فيهما انه يستحيل فيهما الانقلاب. مضافا إلى أن الأشياء تختلف فيها وجوه الحسن والقبح باختلاف الأحوال مما لم يكن الحسن والقبح فيه ذاتيين، كما تقدم هناك. وإذا كان الأمر كذلك فمن الجائز ان يكون الحكم المنسوخ كان ذا مصلحة ثم زالت في الزمان الثاني فنسخ، أو كان ينطبق عليه عنوان حسن ثم زال عنه العنوان في الزمان الثاني فنسخ. فهذه هي الحكمة في النسخ.
3- وقيل: إذا كان النسخ - كما قلتم - لأجل انتهاء أمد المصلحة، فينتهي أمد الحكم بانتهائها، فإنه - والحال هذه - إما أن يكون الشارع الناسخ قد علم بانتهاء أمد المصلحة من أول الأمر وإما أن يكون جاهلا به. لا مجال للثاني، لان ذلك مستحيل في حقه تعالى، وهو البداء الباطل المستحيل فيتعين الأول، وعليه فيكون الحكم في الواقع مؤقتا وان أنشأه الناسخ مطلقا في الظاهر، ويكون الدليل على النسخ في الحقيقة مبينا وكاشفا عن مراد الناسخ. وهذا هو معنى التخصيص، غاية الأمر يكون تخصيصا بحسب الأوقات لا الأحوال ، فلا يكون فرق بين النسخ والتخصيص إلا بالتسمية.
والجواب: نحن نسلم أن الحكم المنسوخ ينتهي أمده في الواقع والله عالم بانتهائه، ولكن ليس معنى ذلك انه موقت أي مقيد إنشاء بالوقت، بل هو قد أنشئ على طبق المصلحة مطلقا على نحو القضايا الحقيقية، فهو ثابت ما دامت المصلحة كسائر الأحكام المنشأة على طبق مصالحها، فلو قدر للمصلحة أن تستمر لبقي الحكم مستمرا، غير أن الشارع لما علم بانتهاء أمد المصلحة رفع الحكم ونسخه. وهذا نظير أن يخلق الله الشيء، ثم يرفعه بإعدامه، وليس معنى ذلك أن يخلقه مؤقتا على وجه يكون التوقيت قيدا للخلق والمخلوق بما هو مخلوق وإن علم به من الأول أن أمده ينتهي. ومن هنا يظهر الفرق جليا بين النسخ والتخصيص، فإنه في (التخصيص) يكون الحكم من أول الأمر أنشئ مقيدا ومخصصا، ولكن اللفظ كان عاما بحسب الظاهر، فيأتي الدليل المخصص فيكون كاشفا عن المراد، لا انه مزيل ورافع لما هو ثابت في الواقع.
وأما في (النسخ) فإنه لما أنشئ الحكم مطلقا فمقتضاه أن يدوم لو لم يرفعه النسخ، فالنسخ يكون محوا لما هو ثابت {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [الرعد: 39] لا أن الدوام والاستمرار مدلول لظاهر الدليل بحسب إطلاقه وعمومه، والمنشأ في الواقع الحكم الموقت، ثم يأتي الدليل الناسخ فيكشف عن المراد من الدليل الأول ويفسره. بل الدوام من اقتضاء نفس ثبوت الحكم من دون أن يكون لفظ دليل الحكم دالا عليه بعموم أو إطلاق. يعني أن الحكم المنشأ لو خلى وطبعه مع قطع النظر عن دلالة دليله لدام واستمر ما لم يأت ما يزيله ويرفعه كسائر الموجودات التي تقتضي بطبيعتها الاستمرار والدوام.
4- وقيل: إن كلام الله تعالى قديم، والقديم لا يتصور رفعه. والجواب: بعد تسليم هذا الفرض وهو قدم كلام الله (1) فإن هذا يختص بنسخ التلاوة فلا يكون دليلا على بطلان أصل النسخ. مع انه قد تقدم من نص القرآن الكريم ما يدل على امكان نسخ التلاوة وان لم يكن صريحا في وقوعه كقوله تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية..)، فهو إما أن يدل على أن كلامه تعالى غير قديم أو أن القديم يمكن رفعه. مضافا إلى انه ليس معنى نسخ التلاوة رفع أصل الكلام، بل رفع تبليغه وقطع علاقة المكلفين بتلاوته.
وقوع نسخ القرآن وأصالة عدم النسخ:
هذا هو الأمر الذي يهمنا إثباته من ناحية أصولية. ولا شك في انه قد أجمع علماء الأمة الإسلامية على انه لا يصح الحكم بنسخ آية من القرآن إلا بدليل قطعي، سواء كان النسخ بقرآن أيضا أو بسنة أو بإجماع. كما انه مما اجمع عليه العلماء أيضا أن في القرآن الكريم ناسخا ومنسوخا. وكل هذا قطعي لا شك فيه. ولكن الذي هو موضع البحث والنظر تشخيص موارد الناسخ والمنسوخ في القرآن. وإذا لم يحصل القطع بالنسخ بطل موضع الاستدلال عليه بالأدلة الظنية للاجتماع المتقدم. وأما ما ثبت فيه النسخ منه على سبيل الجزم فهو موارد قليلة جدا لا تهمنا كثيرا من ناحية فقهية استدلالية لمكان القطع فيها. وعلى هذا، فالقاعدة الأصولية التي ننتفع بها ونستخلصها هنا هي: أن الناسخ إن كان قطعيا أخذنا به واتبعناه، وان كان ظنيا فلا حجة فيه ولا يصح الأخذ به، لما تقدم من الإجماع على عدم جواز الحكم بالنسخ إلا بدليل قطعي. ولذا أجمع الفقهاء من جميع طوائف المسلمين على أن (الأصل عدم النسخ) عند الشك في النسخ، وإجماعهم هذا ليس من جهة ذهابهم إلى حجية الاستصحاب كما ربما يتوهمه بعضهم، بل حتى من لا يذهب إلى حجية الاستصحاب يقول بأصالة عدم النسخ، وما ذلك إلا من جهة هذا الإجماع على اشتراط العلم في ثبوت النسخ.
___________
(1) إن قدم الكلام في الله يرتبط بمسألة الكلام النفسي وأن من صفات الله تعالى الذاتية أنه متكلم. والحق الثابت عندنا بطلان هذا الرأي في أصله وما يتفرع عليه من فروع. وهذا أمر موكول إثباته إلى الفلسفة وعلم الكلام.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
الأمانة العامة للعتبة العسكرية المقدسة تكرم هيئة الشاب الحيدري في محافظة واسط
|
|
|