نشأت كندة في اواسط الجزيرة العربية، وبسطت نفوذها على القبائل الموجودة فيها بالمحالفات والمصاهرات او بالقوة. وحاولت توحيد هذه القبائل ونشر السلم والامن. وقد امتد حكمها فترة من الزمن الى الحيرة نفسها، كما ظهر فيها اعظم شاعر جاهلي وهو امرؤ القيس.

ويبدو من أسماء أفراد هذه القبيلة (شرحبيل ومعد يكرب) انهم من الاصل من جنوب الجزيرة العربية، ويؤيد هذا القول امرؤ القيس :

            تطاول علينا الليل دمون    انا معشر يمانون    وانا لا هلنا محبون

وليس لدينا معلومات عن اصلهم او البلد الذي جاءوا منه، اذ ان النقوش والمصادر الإغريقية لا تذكر بوضوح اسم قبيلة كندة في الجنوب، سوى نقش في مأرب يذكر قبيلة اسمها (كدت) تقطن حضرموت، لكن من الصعب الجزم بان المقصود بهم قبيلة كندة. ومع اننا نعلم ان قبيلة كندة كانت تسكن عند ظهور الإسلام في حضرموت، الا ان هذا لا يستلزم حتما ان يكون اصل أفراد كندة من حضرموت، اذ يجوز ان تكون قد جاءت الى حضرموت بعد سقوط دولتهم.

اما الأخبار العربية عن نشأتهم، فمتباينة، اذ ان ابن خلدون يروي ان التبابعة حاربوهم. واما ياقوت الحموي، فيروي ان حربا نشبت بين حضرموت والسكون وكندة انكسرت فيها كندة واضطربت الى الانسحاب. وقد أدى انكسارها الى التفاتها حول ملك واحد (1)؛ ولكن ليس في النقوش ما يؤكد هذه الأخبار. ولعل الكنديين كانوا في جنوب اليمن؛ ثم هاجروا بعد الانحطاط الذي اصاب اليمن من جراء تحول الطريق التجاري. غير اننا لا نستطيع ان نعين بالضبط زمن هجرتهم إلا بإشارة في معجم البلدان لياقوت، يذكر فيها عدة ملوك سبقوا حجر بحوالي قرن او قرن ونصف من الزمن. ولما كان حجر قد ظهر في القرن الخامس، فتكون أول هجرة الكنديين في منتصف القرن الثالث الميلادي.

_________

(1) ياقوت الحموي : معجم البلدان ج1 ص247.