الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
مثلى الطريقة في ذم الوثيقة
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج6، ص: 273-278
2024-12-04
286
مثلى الطريقة في ذم الوثيقة
ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله في قضية امتناع بعض الموثقين من أكل طعامه بمدينة سلا ، وقد صدر به كتابه المسمى بـ « مثلى الطريقة في ذم الوثيقة » وهذا نصه : أما بعد حمد الله الذي قرر الحكم وأحكمه ، وبين الحلال من الحرام بما أوضحه من الأحكام وعلمه ، ونوع جنس المعاش وقسمه، وماز كل نوع منه ووسمه ، فأثبته متفاوتاً في درجات التفضيل ورسمه ، والصلاة والسلام على مولانا محمد رسوله الذي فضله على الأنبياء وقربه وطهر من دنس الشبهات شيمه ، فما استعمله في غير طاعته ولا استخدمه ، ولا أعمل في سوى
273
البر والهدى بنائه ولا قدمه ، والرضى عن آله وأصحابه الذين رعوا ذممه واستمطروا ديمة ، وتواصوا من أجله بالبر وتواصوا بالمرحمة ، فهذا كتاب مثلى الطريقة في ذم الوثيقة » دعا إلى جمعه قلة الإنصاف من المداهن والمعاصر، والمباهت في مدرك النور الباصر ، ورضى مظنة النيل منهم بالباع القاصر ، والمناضلة عن الحمى الذي لم يؤيده الحق بالولي ولا بالناصر ، ولوضعه حكاية ، ولنفئته شكاية ، إذ معرفة الأشياء بعللها مما يتشوق إليه ، ويحرص عليه ، وهو أني لما قدمت على مدينة فاس حرسها الله تعالى ، مستخلصاً بشفاعة الخلافة ، ذات الإنافة ، مستدعى برسالة الإيالة ، ذات الجلالة ، فانسحب والمنة لله الستر ، وانفسح الفتر، وشفع من النعم الوتر ، واقتدى المرؤوس بالرئيس، وتنافس الأعلام في التأنيس، واتصل الاحتفاء والاستدعاء ، وانتخب الموعى والوعاء ، وأخذ أعقاب الطيبات الوضوء والطيب والدعاء ، تعرفت فيمن جمعته الأخونة ، والمداعي المتعبنة ، برجل من نبهاء موثقيها غرني بمخيلة البشاشة التي يستفز بها الغريب ، ويستخلص هوى من لم يعمل التجريب ، فأنست بمكانه ، واستظهرت على ما يعرض من مكتتب بدكانه ، وشأني في الاغتباط بمن عرفت شاني ، فلست للمقة بشاني ، واسترسالي ، حتى لمن أسا لي ، طوع عناني :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ضميري ويتلوه يدي ولساني ولم يك إلا أن حللت بمدينة سلا حرسها الله تعالى مقصود المحل وإن رغم الدهر فأقصد ، معتمداً بفتوحات الله تعالى وإن أرتج الباب بزعمه وأوصد ، مصحباً بمدد عنايته وإن كمن وأرصد ، لا يمر فاضل إلا عرج على منواي، وأنى من البر فوق هواي ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وتعرفت عن صاحبي علينا من سخر عملية فلا لها الدسر المنهوبة ، وتخللها المسبعة المرهوبة ،
واغتذى الأطعمة التي مرقتها الدموع ، ومطبختها الحمى المتروع ، واستقر
بالمدينة بعد أن لان وضرع، وجدل وصرع ، نافق البقلة كاسة الورع / 274
ونزل بمثوى خمول ، ومحط مجهول ، وكنف ممقوت ، وجوار لا يبخل بغيبة يسمح بقوت ، فبادرت استدعاءه بفاضل من الطلبة ممن يتلقى به الوارد ، ويقتاد الشارد ، وقد أغرب بقراءة الاحتفاء والاحتفال ، وأجنب الإغفاء والإغفال ، وجهزت السرايا إلى التماس نعم الله تعالى فحلت الأنفال ، فلما عرض عليه الدعوة تعجرف ونفر ، ولما مسح عطفه بالاستنزال نزا وطفر ، حتی بهت الرسول كما بهت الذي كفر ، وآب يحمل عذراً بارداً ، واحتجاجاً شارداً ، فأقطعته جانب شماسه، وخليت بينه وبين وسواسه ، ومن الغد قصدني فاعتذر ، وأكثر الهذر ، ولم ينبت الله النبات الحسن شيئاً مما بذر ، وكان جوابي إياه
ما نصه :
أبيم دعوتي إما لبأو وتأبى لومه مثلى الطريقه
وبالمختار للناس اقتداء وقد حضر الوليمة والعقيقه
وغير غريبة أن رق حر على من حاله مثلي رقيقه
وإما زاجر الورع اقتضاها ويأبى ذاك دكان الوثيقه
وغشيان المنازل لاختيار يطالب بالجليلة والدقيقه
شكرت مخيلة مجازا لكم وحصلت بعد على الحقيقه
وذاع خبرها فقلبت عنها الجنوب ، وكلف بها الطالب والمطلوب ، وهش إلى المراجعة عنها أحد الموثقين بسلا ممن يحوم حول حمى الإدراك ، ويروم درجة الاختصاص ببعض الفنون والاشتراك ، وله في الأدب مساس ، وجلب الباس ،
بما نصه :
رسولك لم يبن لي عن طريقه تقرب من حديقتك الأنيقه
فلا بأو لدي ولا إباء ولكن ساء في الغرض الطريقه
وهب أني أسأت فكم صديق تدلل واعتدى فجفا صديقه
275
فلا عجب فديت لرفق حر يسكن عند خجلته رفيقه
وإني فيك معتقد ولكن أرى الأيام حاقدة حنيقه
على ذي الود فيمن ود حتى يفارقه وإن أضحى رفيقه
فراجعته بما نصه لما أسلفته من جزاء مصاعه وكلت له بصاعه
من استغضبت من هذي الخليقه بمغضبة بإنكار خليقه
ولم يغضب فتيس أو حمار مجازا لا لعمري بل حقيقه
بعثت بمرسل لك مع عتيقي فلم تطع الرسول ولا عتيقه
وطوفت السفير الذنب لما عجلت به ولم تبلعه ريقه
إمام جماعة وقريع تقوى ومبلغ حجة وحفيظ سيقه
فبؤت بها على الأيام داء عضالا لا تفيق عليه فيقه
وقد عارضت عذرك باعراف فزدت مذمة تسم الطريقه
وهل بعد اعراف من نزاع وهل بعد افتصال من وثيقه
ومن جهل الحقوق أطاع نفسا ببحر الجهل راسبة غريقه
ومنجى نيقه أمر بعيد إذا نصب المهندس منجنيقه
فأمسك حينئذ واقصر ورأى الأمر يطول فاختصر إلا أنه نمي لي عنه قوله
إن دكان الوثيقة إن نافى الورع فبغير بلده وأذهلته لذة لدده عما هو بصدده
فارهنت له أن أنصر الدعوى بما يسلمه المساهل وينكره الأرعن الجاهل
وتشد به المنازل والمناهل والمعالم والمجاهل مستندا الى الحكم الشرعي والسنن المرعي والمشاهد والحس وشهادة الجن والإنس
276
ولو ترك القطا ليلاً لناما
والله يجعله موقظاً من السنات ، وازعاً عن كثير من الهنات ، وينفع فيه بالنية فإنما الأعمال بالنيات ، وها أنا أبتدئ وعلى الله الإعانة ، وبحوله وقوته الإفصاح والإبانة
قلت : ينحصر الكلام فيه في سبعة أبواب، الباب الأول : في جواز الإجارة فيها عند العلماء ، الباب الثاني : في الشركة المستعملة بين أربابها ، الباب الثالث : في محلها من الورع إن سوغها الفقه ، الباب الرابع : في منزلتها من الصنائع والمهن ، الباب الخامس : في أحوال منتحليها من حيث العلم غالباً ، الباب السادس : في أحوالهم من جهة استقامة الرزق وانحرافه ، الباب السابع : في رد بعض ما يحتج به فيها . انتهت الخطبة المقتطعة من تأليف لسان الدين رحمه الله تعالى وهذا التأليف في نحو كراسة ، وقال في آخره ما صورته : فإن قيل : ترك الأجر وقبول العوض في هذا الأمر يدعو إلى تعطيله ، فيفقد الناس منفعة هذه الطريقة وغناءها ، قلت : الإنصاف فيها اليوم أن لو كان متوليها يرتزق من بيت المال وأموال المصالح والأوقاف التي تسع ذلك ، وحال الجماهير في فقدانها والاضطرار إليها ورفع أمورهم بها إلى السلطان ورغبتهم في نصب من يتولى ذلك حالهم في فقدان أئمة الصلاة في المساجد الراتبة في جريانه من بيت المال بعلة التزامهم وارتباطهم فقط ، حسبما نقل الإجماع فيه القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى ومنع الارتزاق من غيره إجماعاً ، وقد كان بالمدن المعتبرة من بلاد الأندلس - جبرها الله تعالى - ناس من أولي التعفف والتعين ، كبني الجد بإشبيلية وبني الخليل وغيرهم بغيرها ، يتعيشون من فضول أملاكهم ، ووجائب رباعهم ، ويقعدون بدورهم عاكفين على بر منتابين لرواية وفتيا ، يقصدهم الناس في الشهادة فيجاملونهم ، ويبركون على صفقاتهم ، ويهدونهم إلى سبيل الحق فيها من غير أجر ولا كلفة ، إلا الحفظ على المناصب ، وما يجريه السلطان من الحرمة
277
والتفقد في الضرورة ، وما يهديهم الناس من الإطراء والتجلة ، والله سبحانه ينيلهم من الأجر والمثوبة ، وبلغني اليوم أن حالها بمدينة سجل ماسة ينظر إلى هذا الحال من طرف خفي، ولم يفسد بها كل الفساد ، وكذلك لم نزل نتعرف أن الأمر في شأنها بمدينة تونس أقرب ، وبعض الشر أهون من بعض ، ولو بقيت بحالها
لوجب تقرير فضلها وتقريظ منتحلها ، فالصدق أنجى ، والحق عند الله أحجي
والله عز وجل يستعملنا فيما يرضيه ، ويلطف بنا فيما يجريه علينا من أحكامه وما يقضيه ، ويجعلنا ممن ختم له بالحسنى ، ويقربنا إلى ما هو أقرب من رحمته و أدنى ، وصلوات الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ؛ انتهى وكتب على ظهر الورقة الأولى من هذا التأليف شيخ شيوخ شيوخنا الإمام الكبير المؤلف الشهير سيدي أحمد الونشريسي رحمه الله تعالى ما صورته : الحمد لله ، جامع هذا الكلام المقيد هذا بأول ورقة منه قد كد نفسه في شيء لا يعني الأفاضل ، ولا يعود عليه في القيامة ولا في الدنيا بطائل ، وأفني طائفة من نفيس عمره في التماس مساوئ طائفة تستباح الفروج ، وتملك مشيدات الدور والبروج ، وجعلهم أضحوكة لذوي الفتك والمجانة ، وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة ، سامحه الله تعالى وغفر له ، قال ذلك وخطه بيمنى يديه عبيد ربه بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي خار الله سبحانه له ؛ انتهى ما ألفيته وقد كان لسان الدين رحمه الله تعالى كثيراً ما يعرض ويصرح بهجو بعض أهل سلا أو كلهم حتى قال :
أهل سلا صاحت بهم صائحة غادية" في دورهم رائحة
يكفيهم من عون أنهم ريحاتهم ليست له رائحه
والله المرجو للعفو عن الزلات