1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : النثر :

خطبة كتاب لسان الدين في المحبة

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

الجزء والصفحة:  مج6، ص: 278-332

2024-12-04

896

خطبة كتاب لسان الدين في المحبة

ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى خطبة كتابه في المحبة الذي ما  ألف في فنه أجمع منه ، ولنوردها فإن فيها دلالة على فضله وعظم قدر الكتاب ، وهي : «اللهم طيب بريحان ذكرك أنفاس- أنفسنا الناشقة ، وعلل بجريال حبك جوانح أرواحنا العاشقة ، وسدد إلى أهداف معرفتك نبال نبلنا الراشقة ، واستخدم في تدوين حمدك شبا أقلامنا الماشقة ، ودل على حضرة قدسك خطرات خواطرنا الذائقة ، وأبن لنا سُبل السعادة التي جعلت فيها الكمال الأخير لهذه الأنفس الناطقة ، واصرفنا عند سلوكها عن القواطع العائقة ، حتى نأمن مخاوف أجبالها الشاهقة ، وأحزابها المنافقة ، وأوهامها الطارئة الطارقة ، وبرازخها القاسية الغاسقة ، فلا تسرق بضائعنا العوائد السارية السارقة ، ولا تحجبنا عنك العوارض الجسمية اللاحقة ، ولا الأنوار المغلظة البارقة ، ولا العقول المفارقة ، يا من له الحكمة البالغة والعناية السابقة ، وصل على عبدك ورسولك محمد درة عقود أحبابك المتناسقة ، و جالب بضائع توحيدك النافقة ، المؤيد بالبراهين الساطعة والمعجزات الخارقة ، ما أطلعت أفلاك الأدواح زُهر أزهارها الرائقة ، وحدت قطار السحائب حداة رعودها السائقة ، وجمعت ريحُ الصبا بين قدود أغصانها المتعانقة

أما ماابلبلGFبعد ، فإنه لما ورد على هذه البلاد الأندلسية المحروسة بحدود سيوه وف الله حدودها، الصادقة بنصر الله للفئة القليلة على الفئة الكثيرة وعودها – وصل الله تعالى عوائد صنعه الجميل لديها ، وأبقاها دار إيمان إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها - ديوان الصبابة ، وهو الموضوع الذي اشتمل من أبطال العشاق على الكثير ، واستوعب من أقوالهم الحديثة والقديمة كل نظيم ونثير ، وأسدى في غزل غزله وألحم ، ودل على مصارع شهدائهم من وقف وترحم ، فصدق الخبر المخبر ، وطمت اللجة التي لا تعبر ، وتأرج من مسراه المسك والعنبر وقالت العشاق عند طلوع قمره : الله أكبر :

مررت بالعشاق قد كبروا وكان بالقرب صي كريم                                                                   :                                            279

فقلت : ما بالهم ؟ قال لي :           أ  ُلقي للحب كتاب كريم

ولا غرو أن أقام بهذه الآفاق، أسواق الأشواق، وزاحم الزفرات في مسالك الأطواق، وأسال جواهر المدامع من بين أطباق تلك الحقاق وفتك نسيمها

الضعيف العهد والميثاق بالنفوس الرقاق:

جنى النسيم علينا وما تبينت عذره

إذ صير الخلق نجداً والأرض أبناء عذره

فوقع للحجة المصرية التسليم " ، وقالت ألسنة الأقلام معربة عن ألسنة الأقاليم : سلمت لمصر في الهوى من بلد يهديه هواؤه لدى استنشاقه من ينكر دعواي فقل عني له تكفي امرأة العزيز من عشاقه

فغمر المحافل والمجالس ، واستجلس الراكب واستركب الجالس ، يدعو الأدب إلى مأدبته فلا يتوقف ، ويلقي عصا سحره المصري فتتلقف ، ما شئت من ترتيب غريب ، وتطريب من بنان أريب ، يشير إلى الشعر فتنقاد إليه عيونه ، ويصيح بالأدب الشريد فتلبيه فنونه ، وأنهى خبره للعلوم المقدسة ، ومدارك العز الموطدة المؤسسة ، سما به الجد صعداً إلى المجلس السلطاني مقر الكمال ، ومطمح الأبصار، والآمال حيث رفارف العز قد انسدلت ، وموازين القسط قد عدلت ، وفصول الفضل قد اعتدلت ، وورق أوراق المحامد قد هدلت ، مجلس السلطان المجاهد ،

الفاتح الماهد المتحلي في ريعان العمر الجديد، والملك السعيد ، بحلى القانت الزاهد ، شمس أفق الملة ، وفخر الخلفاء الجلة ، بدر هالات السروج المجاهدة ، أسد الأبطال البارزة إلى حومة الهياج الناهدة ، مُعشي الأبصار المشاهدة ، مظهر الله تعالى عن هذه الأمة الغريبة عن الأنصار والأقطار ، من وراء أمواج 3

                                            280

البحر الزخار ، باختياره لها واعتيامه، وملبسها برود اليمن والأمان ببركة أيامه ،

ومن أطلع الله تعالى أنوار الجمال من أفق جبينه ، وأنشأ أمطار السماح من غمام - يمينه ، وأجرى في الأرض المثل السائر بحلمه وبسالته ودينه ، أمين الله تعالى على عهدة الإسلام بهذا القطر وابن أمينه وابن أمينه ، فخر الأقطار والأمصار ، ومطمح الأيدي وملمح الأبصار ، وسلالة سعد بن عبادة سيد الأنصار ، ومن" لو نطق الدين الحنيفي الحياه وفداه ، أو تمثل الكمال صورة ما تعداه ، مولانا السلطان الإمام العالم العامل المجاهد أمير المسلمين أبو عبد الله ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر الأنصاري الخزرجي ، جعل الله تعالى ثغر الثغر مبتسماً عن شنب نصره ، والفتح المبين مذخوراً لعصره، كما قصر آداب الدين والدنيا على مقاصير قصره ، وسوغه من أشتات مواهب الكمال ما تعجز الألسن عن حصره ، ولا زالت أفنان الأقلام تتحف الأقاليم يحني فنون مصره ه ، فخصته عين استحسانه أبقاه الله تعالى بلحظة لحظ ، وما يلقاها إلا ذو حظ ، وصدرت إلي منه الإشارة الكريمة بالإملاء في فنه ، والمنادمة على بنت دلّه ، وحسب الشحم من ذي ورم والله سبحانه يجعلني عند ظنه ، ومتى قورن المثري بالمترب ، أو وزن المشرق بالمغرب ؟ شتان بين من تجلى الشمس منه فوق منصتها ، وبين من يشره ه أفقه الغربي لابتلاع قرصتها ، لكني امتثلت ، ورشت ونثلت ، ومكرهاً لا بطلاً مثلت ، وكيف يتفرغ للتأليف ، ويتبرع للوفاء بهذا التكليف ، من حمل الدنيا في سن الكهولة على کاهله ، وركض طرف الهوى بين معارفه ومجاهله ، واشترى السهر بالنوم ، واستنفد سواد الليل وبياض اليوم ، في بعث يجهز ، وفرصة تنهز ، وثغر للدين أزر للملك يشد ، وقصة ترفع ، ووساطة تنفع ، وعدل يحرص على

يستد

بذله ، وهوى يجهد في عذله ، وكريم قوم ينصف من نذله ، ودين تزاح الشوائب

سبله ، وسياسة تشهد للسلطان بنبله وإصابة نبله ، ما بين سيف وقلم عن

 

وراحة وألم ، وحرب وسلم ، ونشر علم أو علم ، وجيش يعرض ، وعطاء

                                            281

يفرض ، وقرض حسن الله تعالى يقرض ، في وطن توافر العدو على حصره ، نسبته من العدد و دار به دور السوار على خصره ، وملك قصر الصبر والتوكل على قصره ، وعدد العظيم الطاقة ، الشديد الإضاقة ، نسبة الشعرة من جلد الناقة ، و بالله نستدفع المكروه ، وإليه نمد الأيدي ونصرف الوجوه ، وسألت منه – أيده الله تعالى - القنوع بما يسره الوقت ، مما لا يناله المقت ، والذهاب بهذا الغرض لما يليق بالترب والسن ، ويؤمن من اعتراض الإنس والجن ، وما كنت ممن آثر على الجد الهزل ، واعتاض من الغزل الرقيق الغزل بشيمة الجزل ، ولا آنف من ذكر الهوى بعد أن خضت غماره ، واجتنيت ثماره، وأقمت مناسكه ورميت جماره ، وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة ، فالهوى أول تميمة قلدتني الداية ، والترب التي عرفتها في البداية ، وأنا الذي عن عُروته نبت ، وبعثت إلى الرصافة لأرق فذبت ، إلى أن تبين الرشد من الغني ، وصار النشر إلى الطي ، وتصايح واندان الحي، كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم كما من علي :

جزى الله عني زاجر الشيب خير ما جزى ناصحاً فازت يداي بخيره ألفت طريق الحب حتى إذا انتهى تعوضتُ حب الله عن حب غيره

حال السواد بحال الفؤاد ، وصوّح المرعى فانقطعت الرواد ، ونهاني ازورار خيال والتفات عاذل الشيب عن المقلة الحوراء ، وكيف الأمان ، وقد طلع منه النذير العريان ، يدل على الخبر بخبره ، وينذر بهاذم اللذات على أثره ،

الزوراء در القائل :

دعتني عيناك نحو الصبا دعاء يردد في كل ساعة

فلولا ، وحقك، عذر المشيب لقلتُ لعينيك : سمعاً وطاعه

ولولا أن طيف هذا الكتاب الوارد طرق مضجعي وقد كاد يبدو الحاجب ، ويضيع من الفرض الواجب ، ويعجب من نوم الغفلة العاجب ، لجريت معه في

                                              282

ميدانه  وعقدت  بناني  ببنانه وتركت  شاني  وإن رغم  الشاني  لشانه  وقلت

معتذرا  عن  التهويم في بعض  أحيانه

أهلا بطيفك زائرا  أو عائدا               تفديك  نفسي  غائبا أو شاهدا

يامن  على طيف  الخيال أحالني             أتظن  جفني  مثل  جفنك  راقدا

ما نمت  لكن  الخيال  يلم  بي                فيجعله  طرفي  فيطرق  ساجدا

ومن العصمة  أن  لا تجد  هلا قبل   المشيب  ومع الزمن  القشيب  وقبل  أن تمخض

القربة  وتبنى  الخانقاة  والربة  وتؤنس بالله  الغربة  وعلى ذلك  فقد  أثر  وباء قلبي  المعثر  اللهم  لا أكثر:

وبدا له من بعد ما اندمل  الهوى              برق  تألق  موهنا  لمعانه

يبدو كحاشية  الرداء ودونه                     صعب الذرا  متمنع أركانه

فبدا  لينظر  كيف لاح فلم يطق                   نظرا  إليه  ورددت  أشجانه

فالنار  ما اشتملت  عليه  ضلوعه                   والماء  ما سمحت  به أجفانه

وجعلت  الإملاء  على حمل  مؤازرته  أيده  الله  تعالى   علاوة  وبعد  الفراغ  من ألوان ذلك  الخوان  حلاوة  وقلت  أخاطب   مؤلف  كتاب  الصبابة   بما يعتمده  جانب

إنصافه  ويغطي  على نقص  إن  وقع  فيه  كمال  أوصافه

يامن  أدار  من الصبابة  بيننا             قدحا  يم  المسك  من رياه

وأتى  بريحان   الحديث  فكلما                سمح  النديم  براحه  حياه

أنا  لا أهيم  بذكر من قتل  الهوى              لكن  أهيم   بذكر  من أحياه

وعن لي أن أذهب  بهذا الحب  المذهب   المتأدي الى  البقاء  الموصل  الى ذروة  السعادة  في معارج   الارتقاء   الذي  غايته  نعيم  لا ينقضي  أمده  ولا ينفد مدده  ولا  يفصل  وصله  ولا يفارق  الفرع  أصله  حب الله  المبلغ  الى قربه المستدعي  لرضاه

                                                   283

وحبه ، المؤثر بالنظر إلى وجهه ، ويا لها من غاية ، الملقي رحل المتصف به بعد قطع بحار الفناء على ساحل الولاية .

وكنت وقفت من الكتب المؤلفة في المحبة على جملة منها كتاب يشهده العوام

ويستخفه الهوام ، ورسالة ابن واصل رسالة مهذارة ، تطفو من دارة إلى دارة ، في

مطاردة هر وفارة ، وكتاب ابن الدباغ القيرواني كتاب مفرقع، ووجه المقصود منه متبرقع ، وكتاب ابن خلصون وهو أعدلها لولا بداوة تسم الخرطوم، وتناسب الجمل المخطوم، فكنت بما ذكر لا أقنع ، وأقول ما أصنع ، فالله يعطي ويمنع :

قلتُ للساخر الذي             رفع الأنف واعتلى

أنت لم تأمن الهوى                 لا تعير فتبتلى

شعر:

وعذلت أهل العشق حتى ذقته   فعجبت كيف يموت من لا يعشق "

ومن المنقول : لا تظهر الشماتة بأخيك ، فيعافيه الله ويبتليك

بلاني الحب فيك بما بلاني    فشاني أن تفيض غروب شاني أجل بلاني بالغرض الذي هو من القلوب سر أسرارها ، ومن أفنان الأذهان بمنزلة أزهارها ، ومن الموجودات وأطوارها قطب مدارها ؛ ليكون كتابي هذا المقدم على المأزق المهلك ، المتشبع بما لا يملك ، وأن يقنع الانصاف ، فعسى أن يشفع الإنصاف ، والاقتراف ، يدرؤه الاعتراف ، أنا عند المنكسرة قلوبهم ، ولا تجود يد ، إلا بما تجد ، وكل ينفق مما آتاه الله :

وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس"             

 

                                                       284

وعسى الذي أنطق شوقاً ، أن ينطق ذوقاً ، والذي حرك سفلاً أن يحرك فوقاً ،

والذي يسره مقالاً ، أن يكفيه حالاً .

.

                                فأول الغيث طل" ثم ينسكب

                                   الحرب أول ما تكون الحاجة

                                     وإن الحرب أولها الكلام

نحمد الله سبحانه على الكلف بهذه الطريقة وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) ( فصلت : 35) وللأرض نصيب من كأس الكريم 2 :

أليس قليلاً نظرة إن نظرتها إليك ؟ وكلا ليس منك قليل

فاتي أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي وعلى ذلك فذهبت في ترتيبه أغرب المذاهب ، وقرعت في التماس الإعانة

باب الجواد الواهب ، وأطلعت فصوله في ليل طلوع نجوم الغياهب ، وعرضت كتائب العزيمة عرضاً ، وأقرضت الله قرضاً ، وجعلته شجرة وأرضاً ، فالشجرة المحبة مناسبة وتشبيها ، وإشارة لما ورد في الكتب المنزلة وتنبيها ، والأرض النفوس التي تغرس فيها ، والأغصان أقسامها التي تستوفيها ، والأوراق حكاياتها التي تحكيها ، وأزهارها أشعارها التي تحييها ، والوصول إلى الله تعالى ثمرتها التي ندخرها بفضل الله ونقتنيها ، شجرة لعمر الله يانعة ، وعلى الزعازع متمانعة، ظلها ظليل ، والطرف عن مداها كليل ، والفائز بجناها قليل ، رست في التخوم ، وسمت     

 

                                                   285

إلى النجوم ، وتنزهت عن أعراض الجسوم ، والرياح الحسوم ، وسقيت بالعلوم، وغذيت بالفهوم ، وحملت كمائمها بالزهر المكتوم ، ووفيت ثمرتها بالغرض

المتروم، في ، فاز من استأثر بجناها ، وتعنى من عني بلفظها دون معناها ، فمن استصبح بدهنها استضاء بسناها ، ما أبعدها وما أدناها ، عيناً ملأت الأكف بغناها ، كم بين أوراقها من قلب مقلب ، وفي هوائها من هوى مغلب ، وكم فوق أفنانها من

صادح ، وكم في التماس سقيطها من كادح ، وكم دونها من خطب فادح ولأربابها من هاج ومادح ، تنوعت أسماؤها ، ولم تتنوع أرضها ولا سماؤها ، فسميت نخلة تهز وتجنى ، وزيتونة مباركة يستصبح بزيتها الأسنى ، وسدرة إليها المعنى ، أصلها للوجود أصل ، وليس لها كالشجر جنس ولا فصل ، وتربتها روح ونفس عقل ، وشرفها يعضده بديهة ونقل ، يحط الهائمون بفنائها ، ويصعد السالكون حول بنائها ، تخترق السبع الطباق ببراقها ، وتمحى ظلم الحس بنور

ينتهي

إشراقها ، فسبحان الذي جعلها قطب الأفلاك ، ومدافن الأضواء والأحلاك ومغرد طيور الأملاك ، وسبب انتظام هذه الأسلاك ، لم يحل فيها طريد بعيد ، ولا اتصف بصفاتها إلا سعيد ، ولا اعتلق بأوجها هاو في حضيض ، ولا بمحض برهانها متخبط في شرك نقيض ، ولا تعرض لشيم بوارقها متسم بسمة بغيض ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، ومنه نستزيد الاستغراق في بحارها ، والاستنشاق لنواسم أسحارها ، والاستدلال بذرى أفنانها عليه ، والوصول بسبب ذلك إليه ، إنه ولي ذلك سبحانه ، فطاب لعمري المنبيت والنابت ، وسما الفرع الباسق ورسا الأصل الثابت ، وفاءت الأفنان ، وزخرفت الجنان ، وتعددت الأوراق والزهرات والأغصان ، ولم أترك فننا إلا جمعت بينه وبين مُناسبه ، ولا فرعاً إلا ضممته إلى ما يليق به ، واستكثرت من الشعر لكونه من الشجرة بمنزلة النسيم الذي يحرك عذبات أفنانها ، ويؤدي إلى الأنوف روائح بستانها ، وهو المزمار الذي ينفخ الشوق في براعته ، والعزيمة التي تنطق مجنون الوجد من ساعته ، وسلعة ألسن العشاق ، وترجمان ضمير الأشواق

، 

                                                        286

و مجتلى صور المعاني الرقاق، ومكامن قنائص الأذواق ، به عبر الواجدون عن وجدهم ، ومشى المحبون إلى قصدهم ، وهو رسول الاستلطاف، ومنزل الألطاف ، اشتمل على الوزن المطرب ، والجمال المعجب المغرب ، وكان للأوطان مركباً ، ولانفعال النفوس سبباً ، فلا شيء أنسب منه للحديث في المحبة ولا أقرب للنفوس الصبة ، واجتلبت الكثير من الحكايات وهي نوافل فروض الحقائق ، ووسائل مجالس الرقائق ، ومراوح النفوس من كد الأفكار، وإحماض الأخبار، و. ، وحظ جارحة السمع من منح الاعتبار ، وبعض الجواذب لنفوس المحبين ، والبواعث لهمم السالكين ، وحجتها واضحة بقوله تعالى وكلا نقص عليك ) ( هود : 120) في القرآن المبين، ونقلت شواهد من الحديث والخبر تجري صحاحها مجرى الزكاة من الأموال، والخواطر من الأحوال ، ويجري ما مسارح سواها من غير الصحيح مجرى الأمثال ، ليكون هذا الكتاب لعموم خيره ، مسر - للفاره وغيره ، ويجد كل" ميداناً لسيره ، وملتقطاً لطيره ، ومحكاً لغيره ، فمن

فاق كلف بأصوله ، ومن قصر قنع بفصوله ، ومن وصل حمد الله تعالى على وصوله ، وسميته «روضة التعريف بالحب الشريف » ويحتوي على أرض ، وشجرات فلكية ، وثمرات ملكية ، وعيون غير بكية .

زكية

والحب حياة النفوس الموات ، وعلة امتزاج المركبات ، وسبب ازدواج الحيوان والنبات ، وسر قوله عز وجل أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات )) ( الأنعام : 122) ليس كالحب الذي دوّن فيه المدونون ، ولعبت بكرة أقباسه صوالج الجنون ، وقاد الهوى أهله بحبل الهون ، وساقت فيه المنى للمنون ، حين نظرت النفوس من سفلى الجنبتين ، ورضيت الأثر عن العين ، وباعت الحق بالمين ، ولم تحصل إلا على خفي حنين ، وارحمتا لعشاق الصور ، وسباق ملاعب الهوى والهور ، لقد كلفوا بالزخارف

الخائنة الحائلة ، والمحاسن الزائفة الزائلة ، وسلع الجبانة ، وبضائع الإهانة أزمان التمتع بهم قصيرة ، والأنكاد عليهم مغيرة ، فتراهم ما بين طعين بعامل

 

                                                  287

قد ، ومضرج بدم خد ، وأسير ثغر قد أعوز فداؤه ، وسقيم طرف قد أعضل داؤه ، وما شئت من ليل يسهر ، ونداء به يجهر ، وجيوب تشق ، وبصائر تخطف أبصارها إذا لمع البرق ، ونواسم تحمل التحيات ، وخلع أيك تتلقى بخلع الأريحيات ، وربما اشتد الختل ، وأصابت النبل فكان الخبل ، قلوب اشتغلت عن الله فشغلها الله بغيره ، وهب الحب الجسماني لا تبعث عليه شهوة بهيمية ، ولا تدعو إليه قوة وهمية ، أليست الداعية مرتفعة ، والباعثة منقطعة ، وصورة الحسن دائرة ، وأجزاؤه المتناظمة متناثرة ؟ أليس الجراب العنصري عائداً إلى أصله؟ أليس الجنس مفارقاً لفصله ؟ والله در علي رضي الله تعالى عنه ، وقد نظر إلى قدح الماء وقد أراد أن يشرب ، وعن الاعتبار أعرب ، فقال : كم فيك من أسيل ، وطرف كحيل ! فأواه مكررة مرددة ، وواله فاه معادة مجددة ، على قلب أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ، ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ، وحسبنا مرارة الفراق . ذلاً ، وفقد النقد قلا ، والغفلة

عن

الله شتماء محتوماً ، والكآبة على الفائت شوماً :

صدني عن حلاوة التشييع اتفائي مرارة التوديع لم يقم أنس ذا بوحشة هذا فرأيت الصواب ترك الجميع

وإن كانت الشهوة فأخسس بها داعية ، وإلى الفضيحة ساعية ، حسبك من حمار يعلن بنداء المحبة نهاقه ، ويقذفه على السباق اهتياجه إلى السفاد واشتياقه ، أسير ، وصريع متبال ، أولى له ثم أولى لو تأمل محاسن الجسوم ما أكذب رائدها ، وأقصر مدة استمتاعها ، وأكثر المساعي خبال المطري، وأخبث زخرفها المغري تحت قناعها:

على وجه مي مسحة" من ملاحة وتحت الثياب العار لو كان باديا "

ما ثم إلا أنفاس تركد وتخبث ، وعلل تنشأ وتحدث، وزخارف حسن تعاهد ثم

ا ينسب لذي الرمة ( ديوانه : 675) وقيل بل وضع على لسانه .

 

                                      288

تنكث ، وتركيب يطلبه التحليل بدينه ، ويأخذ أثره بعد عينه ، وأنس يفقد ، واجتماع كأن لم يعقد ، وفراق إن لم يكن فكأن قد :

ومن سره أن لا يرى ما يسوءه      فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا

منغص العيش لا يأوي إلى دعة      من كان ذا بلد أو كان ذا ولد

والساكن النفس من لم ترض همته     سكنى مكان ولم يسكن إلى أحد

وقلت وقد مات سكن عزيز علي أيام التغرب بسلا عظم جزعي عليه :

يا قلب كم هذا الجوى والخفوت    ذماءك استبق لئلا يفوت

فقال لا حول ولا قول لي           قد كان ما كان فحسبي السكوت

فارقني الرشد وفارقته                  لما تعشقت بشيء يموت

والزمان لا يعتبر ، وحاصله خبر ، والحازم من نظر في العواقب ، نظر المراقب ، وعرف الإضاعة ، ولم يجعل الحلم بضاعة ، إنما الحب الحقيق حب يصعدك ويرقيك ، ويخلدك ويبقيك ، ويطعمك ويسقيك ، ويخلصك إلى فئة السعادة مما يشقيك ، ويجعل لك الكون روضاً ، ومشرب الحق حوضاً ، ويجنيك زهر المني ، ويغنيك عن أهل الفقر والغنى ، ويخضع التيجان لنعلك ، ويجعل الكون متصرف فعلك ، ليس إلا الحب، ثم الوصل والقرب ، ثم الشهود ، ثم البقاء بعدما اضمحل الوجود ، فشفيت الآلام ، وسقط الملام ، وذهبت الأضغاث والأحلام ، واختصر الكلام ، ومحيت الرسوم وخفيت الأعلام ، ولمن الملك اليوم والسلام ، فالحذر الحذر ، أن يُعجل النفس سيرها ، ويفارق القفص طيرها ، وهي : الفاني متثبطة ، وبنائي الثقيل مرتبطة ، وبصحبة الفاني مغتبطة أن تقول نفس"

 

                                                    289

ياحسرتا  على ما فرطت  في جنب  وإن كنت  لمن  الساخرين أو  تقول  لو أن

الله هداني لكنت  من المتقين   أو تقول  حين  ترى  العذاب  لو أن  لي كرة

فأكون  من المحسنين )  ( الزمر  56-  58 ) وفي  ذلك  قلت :

أعشاق  غير الواحد  الأحد  الباقي           جنونكم والله  أعيا  على  الراقي

جننم  بما  يفنى  وتبقىى مضاضة             تعذب  بين البين مهجة  مشتاق

وتربط  بالأجسام   نفسا  حياتها              مبانية  الأجسام   بالجوهر  الراقي

فلا هي فازت  بالذي  علقت به               ولا  رأس  مال كان  ينفعها  باقي

فراق وقسر  وانقطاع  وظلمة                قني  البعد   من نيل   السعادة   ياواقي

كأني  بها  من بعد  ما كشف  الغطا           صريعة أحزان لديغة  أشواق

تقلب  كفيها  بخيط  موصل                     رشيقة  قد دون  سبعة  أطباق

فلا   تطعموها  السم في الشهد ضلة              فذلك  سم  لا يداوي   بدرياق

بما  اكتسبت  تسعى  الى  مستقرها                 فإما   بوفر   محسب  أو بإملاق

وليس  لها  بعد  التفرق  حيلة                      سوى   ندم  يذري  مدامع  آماق

ولو  كان  مرمى  الحزن  منها  الى مدى         لهان  الأسى مابين   وخد  وإعناق 

فجدوا فإن  الأمر  جد وشمروا                       بفضل  ارتياض  أو بإصلاح  أخلاق

ولا تطلقوا   في الحس   ثني  عنانها               وشيموا   بها للحق  لمحة  إشراق

ودسوا  لها المعنى  وأيقظوا                             بصيرها   من بعد  نوم  وإغراق 

ومهما  أفاقت   فاقتحموا  لا عتبارها               مصاريع  أبواب  وأقفال  أغلاق

وعاقبة  الفاني  اشرحوا وتلطفوا                     بأخلاقها  المرضى تلطف  إشفاق

فإن  سكرت  واستشرفت  عند سكرها               لماهية  المسقى  ومعرفة  الساقي

أطيلوا على روض الجمال خطورها                   الى أن يقوم  الوجد فيها  على ساق

وخلوا لهيب الشوق يطوي بها الفلا                 الى الوجد  في مسرى  رموز وأذواق

فما هو إلا أن  تحط رحالها                             بمثوى  التجلي  والشهود بإطلاق

                                                        290

وتفنى  إذا  ما شاهدت  عن شهودها          وقد   فني  الفاني  وقد  بقي الباقي

هنالك  تلقى  العيش  تضفو  ظلاله             وتنعم  من عين  الحياة  برقراق

وما قسم   الأرزاق  إلا  عجيبة                 فلا  تطرد  السؤال  ياخير رزاق

وقد أخذ الكلام  في هذا  الافتتاح  حده  وبلغ  النهر مده فلآخذ أثر  هذا  الذي سردت في تقرير  ما أردت  وما توفيقي  إلا  بالله  عليه توكلت  وإليه  أنيب فنقول: ينقسم هذا الموضوع  الى أرض  وشجر  غض  وكل منها   ميسور  جدة  وفن على حدة  ما شئت   من مرأى  ومستمع  فمن   شاء  أفرد  ومن شاء  جمع  فلنبدأ  بالأرض والفلاحة  والتكسير والمساحة وتعيين حدود تلك الساحة  ثم  نأتي بالشجرة التي نؤمل جناها وننظر  إناها  ونجعل  الزاد  المبلغ  معناها

قل بفضل  الله ورحمته   فبذلك   فليفرحوا   هو خير  مما  يجمعون برنامج  هذا الكتاب  الذي يحصر  الأجناس  والفصول  ويرد   الفروع  الى  الأصول  ويسر  الباحث  عن  مسائله  بسبب   الوصول  بحول الله وقوته:  خطبة  الأعراس  وتوطئة  الغراس  وتنحصر  في جملتين :

الجملة  الأولى  في صفة  الأرض وأجزائها  وجعل  الاختيار  بإزائها  وفيها رتب :

الرتبة الأولى  -  رتبة  الأطباق  المفروضة   والاعتبارات   المعروضة وفيه مقدمة وأطباق:

المقدمة في تعين الأرض المذكورة

الطبق الأول: طبق القلب

الطبق الثاني: طبق الروح

الطبق الثالث: طبق النفس

الطبق الرابع: طبق العقل

الرتبة الثانية -  رتبة العروق الباطنة والشعب الكامنة وفيها  فصول:

 

 

                                               291

الفصل الأول :  في  العروق  المعدنية.

الفصل الثاني :  في المقررات العينية.

الفصل الثالث : في المدبرات البدنية.

الفصل الرابع : في البحوث البرهانية.

الجملة  الثانية  : في  صفة  الفلاحة  والعمل المتكفل  فيها  بنيل الأمل  وفيها اختيارات

الاختيار  الأول : فيما   يصلح  للاعتمار  من هذه الأرض  وفيه  فصول :

الفصل الأول : في أرض النفس  المطمئنة :

الفصل الثاني  : في أرض النفس الأمارة

الفصل الثالث : في أرض النفس اللوامة

الاختيار الثاني  في محركات  العزيمة  لاعتمار  هذه   الأرض  الكريمة وفيه  فصول:

الفصل الأول  : في الجذب  وما يتصل  بذلك

الفصل  الثاني  : في الوعظ المثمر  لليقظة

الفصل الثالث : في ذم الكسل

الاختيار الثالث  : يشمل   على جلب  الماء  لسقي  هذه  الأرض  من عين  العلم

في جدولي  العقل  المحرر  والنقل المقرر  وفيه مقدمة  في فضل العلم  وتعدد  أجناسه

وفصول :

الفصل الأول : في جدول العقل

الفصل الثاني : في جدول النقل

الفصل الثالث : في مقدار الماء المجلوب  للفلح المطلوب 

الفصل الرابع  : في غبار  التكوين  وسبب  التلوين

 

 

                                                  292

الاختيار  الرابع :  في الحرث  وإخراج  لبن  هذه  الفلاحة  من بين  الدم  والفرث  وفيه  أقسام :

أولها  : القلب  الأول

ثانيها  : القليب  الثاني  الذي   عليه  المعول

ثالثها :  في سكة الأزدراع  والتعمير  وهو مظنة التثمير

الاختيار  الخامس  : في  تنظيف  الأرض المعتمرة  من الأرض  الخبيثة  والجدر

المعرضة  والشعب المذمومة  وفيه  فصول :

الفصل الأول  : في إزالة  شكوك  تسبق  الى المعتقد   غالبا

الفصل الثاني  : في  قلع الشجر  التي  تضر  بهذه  الارض  وتعاديها   بالطبع

الاختيار  السادس  : في أمور  ضرورية   تلزم لهذه  الفلاحة  وفيه فصول

الفصل الأول : في أمراض يشرع  في علاجها  مما يرجع  لطبع الأرض

ومزاجها

الفصل  الثاني : في اختيار  أنواعها  وأجزائها

الفصل الثالث : في اقول   تليق  بأفحاص الفلاح  زإحصاره  عند  ملاحظة

عجائب الكون وآثاره

الفصل  الرابع : في الوقت  المختار  لغراسة  الأسباب في الحب  اللباب

وتنحصر  في مقدمة علمية  وجرثومة   جرمية : المقدمة  العلمية  في ترتيب المحبة

والمعرفة  الجرثومية الجرمية  تنقسم  الى بيان  يعطي  الصورة  ويشرح  الضرورة

وإلى  بطن  وظهر  وسر  وجهر  وباسط  وبرزخ  واسط   فالباطن  الشرع 

والنقل  وينقسم  الى أصول :

الأصل   الأول : الكلام  في النبوة  من حيث النقل

الأصل الثاني : في الإيمان والاعتبار  العامي

الأصل الثالث: فيما  يتبع ذلك من اليقظة  والتوبة  في حق غير المحتاج الى ذلك ..................                                  293

الأصل الرابع : في تقرير  العناية  والتوفيق في حق غير  المحتاج  الى ذلك 

الأصل الخامس : في الموعظة  والسماع  من حيث  تهذيب  الجميع  والظاهر

الطبع والعقل  وينقسم  الى  أصول :

الأصل الأول :  جزء الفلسفة  العلمي  والعملي 

الأصل  الثاني : سلامة الفطرة  في حق  المستغني  عن ذلك

الأصل الثالث :  في معرفة  الجمال والكمال

الأصل الرابع : في الاعتبار  الخاصي

الأصل الخماس : السلوك  بالتفكر

الأصل السادس : في التشبيه  بالمبدإ  الأول   باسط  الذكر  الباسط  والبرزخ

الواسط  الصاعد  من التخوم  الى  النجوم  وهو من أخص  الأشياء  بباطن  الشجرة  وأصولها  المعتبرة  ويشتمل  على مقدمة  وثلاثة  أصول :

الأصل الأول : الأدعية  والأذكار  وله  عشر  شعب

الأصل الثاني : أصل الأسماء وهي أصول  الأرض  والسماء وله تسع وتسعون شعبة 

الأصل الثالث : أصل  السيمياء  وهو الذي  عفن  بعضه  وبقي  الانتفاع  ببعضه

العمود  المشتمل  على القشر   والعود  والجنى  الموعود  ينقسم  قسمين :

قشر  وخشب  ودر  مخشلب  والقشر  ظاهر  يكسر   ويخذو  وباطن  ينمي

ويغذو  فظاهره  الذي يكسر  ويخذو  يتضمن  الكلام في المحبة  وأقسامها  من حيث اللسان  لا من حيث  نوع الإنسان  وباطنه  الذي ينمو  ويغذو يتضمن  الثناء على  المحبة  طبعا  وعقلا  وشرعا  ونقلا

الخشب  الذي  يتخذ  منه النشب  ينقسم  الى أقسام :

القسم الأول : في  الحدود  والمعرفات  والأسماء  الدالة  عليها  والصفات 

القسم الثاني : معقول  معناها  المتجلي  فيه نور سناها

 

                                           294

القسم الثالث :  ارتباطها  بالمقامات  واختصاصها  فيها بالكرامات

القسم الرابع : تبين  ضروريتها  وإيضاح  مزيتها 

الفرع  الصاعد  في الهواء  على خط  الاستواء  من رأس العمود  القائم

الى  منتهى  الوجود  الدائم   ويشتمل   على قشر  لطيف  وجرم  شريف

القشر :  الحدود  للمعرفة  والرسوم  وخواص  العارف  هوالمعروف بها

والموسوم  وينقسم  الى فصول :

الفصل الأول  : في حدود  المعرفة  ورسومها  وما قيل  فيها

الفصل الثاني  :   في أوصاف  العارف

الفصل الثالث : في تفضيل   العارف

الفصل الرابع  : في  علوم  العارف

والجرم  الشريف من الفرع  المنيف  ينقسم الى  ظاهر وباطن  وقلب

فالظاهر  ينقسم الى أقسام  :  الكلام  في الأخلاق  ومنشئهل وطباعها  بحسب  القوى

النفسانية  وإفراطها  وتفريطها  واعتدالها  وعلاجها  وفيه  المجاهدات

والباطن  يتضمن  الكلام  في أن  النظر   الى  وجه  الله  تعالى   هو السعادة  الكبرى

بكل  نظر  واعتبار

والقلب  قلب  الغصن  يتضمن  الرياضة  والسلوك   على المقامات  كلها  ويتفرع منه عشرة  غصون :
الغصن الأول :  غصن  فروع  البدايات

الغصن الثاني : غصن  فروع الابواب

الغصن الثالث :  غصن  فروع المعاملات

الغصن الرابع : غصن فروع الأخلاق

الغصن الخامس : غصن  فروع الأصول

الغصن السادس :   غصن  فروع الأدوية

                                                  295

الغصن السابع :  غصن فروع الأحوال

الغصن الثامن : غصن فروع الولايات

الغصن التاسع: غصن فروع الحقائق

الغصن العاشر:  غصن فروع  النهايات  ولكل  فروع  أوراق  ويلحق  به

صورة السلوك  بالذكر  حتى  يتأتى  الوصول  وعلى  المقصود  الحصول  والكلام

على زهرات الطوالع واللوائح  والبواده والواردات  وختم بالجنى  المقرن  بنيل

المنى  وهي الولاية.

تفرع  ضخام  الغصون  من شجرة  السر  المصون  وهي :

غصن  المحبوبات  وأقسامها   وتنقسم  الى أربعة أفنان :

الفن الأول  : فن  الرب  المحبوب

الفن الثاني  : فن  العبد  المحبوب

الفن الثالث :  فن  الدنيا  المحبوبة

الفن الرابع :  فن الآخرة المحبوبة

غصن  المحبين  وأصنافهم  المرتبين  ينقسم  الى مقدمة  بيان  وستة  أفنان :

الفن الأول :  في رأي  الفلاسفة  الأقدمين

الفن الثاني :  في رأي  أهل  الأنوار  والإشراقين

الفن الثالث :  في رأي  الحكماء  الإسلامين

الفن الرابع : في رأي  المكملين  بزعمهم   المتممين

الفن الخامس  : في أهل الوحدة  المطلقة  من المتوغلين 

الفن السادس  : في الصوفية  سادة  المسلمين

غصن علامات المحبة  وشواهد  النفوس الصبة  وينقسم  الى ثلاثة أفنان :

الفن الأول  :  فيما  يرجع  الى  حقوق  المحبوب

الفن الثاني  : فيما  يرجع  الى باطن المحب                        296

الفن الثالث  : فيما  يرجع الى ظاهره

غصن اختيار  المحبين  في ميدان جهادهم  وتباين  أحوال  أفرادهم  وهو  ثلاثة أفنان

الفن الأول  :  فن المجاهد  الصريح

الفن الثاني :  فن  المنبت  الجريح

الفن الثالث :  فن  الصريح  الطريح

جوائح  الشجرة  ومضار  فلاحتها  المعتبرة  وينقسم  الى  جوائح  من نسبتها

بالنظر  الى مائها   وتربتها  والى  ماهو  راجع  الى  الخواطر  ---  وهي  على عدد  الرياح – والى  ما سببه   غفلة   الفلاح   عذر  الطائر  الصادح  على فرض  القادح  ووجود  الهاجي والمادح

صورة  الشجرة  ذات  الحسن الباهر  والجنى  والأزاهر  وآثارها   للحسن  الظاهر  بفضل  المريد  القاهر   لا إله إلا  هو سبحانه  له الحمد  انتهت  الخطبة 

التي  تدل  على ما وراءها

وقال  رحمه  الله تعالى في آخر  هذا  الكتاب  ما نصه :  وختم  الكلام  في هذه  الشجرة  والاستدلال  على شرف   هذه  الفلاحة   الضمينة   بهذه الأبيات 

فلاحتنا  لها القدح  المعلى           وسرحتنا  الضمينة  للنجاح

ألست  ترى  منادي  الخمس نادى     بمختلف  الجهات  أو النواحي

يردد  في الأذان  لكل  واع              على  الآذان  حي على الفلاح

وهذا طائر على الشجرة  صادح ولاحق  كادح ومعتذر إن قادح

وتعارض  هاج وماج  قال المؤلف :  ولابد  لنا  من دري  صادح  على هذه  الأفنان

وشاد  يهيج   أشجان  الجنان  ويثير   شجو  الرأفة   والحنان  ويبين  مجال  الضرورة

لذوي الاتصاف  بكرم  الأوصاف  والناظرين  الى الهنات  بعيون  الانصاف

فيرحم  من قد  كان شره  النقد ويعذر  من تشوف  لا ستضعاف  هذا  القصد

 

                                              297

والأعذار التي تقرر عنا هذا الطائر عديدة ، ومبدئة في الصدق معيدة ، وقريبة من الحق لا بعيدة ، فمنها أن هذا الفرض اليوم بأكثر الأرض ، ميدان عدم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله من يجيل كما يحب جواداً ، ونفير لا يجيبه إلا من يكثر سواداً ، قد طمست الأعلام ، وسقط الحمد والملام ، وما لجرح بميت ، فمدلول هذا الفن بهذه التخوم عنقاء مغرب ، وإكسير يحدث عنه غير واصل ولا مجرب ، إنما يرجع فيه إلى كتب مقفلة ، وأغراض مغفلة ، وما عسى أن يعول المسكين مثلي على قاصر إدراكه ، مع اقتسام باله واشتراكه ؟ قصر العلم والعمل ، فاختلط المرعي والهمل ، وأخفق المسعى وخاب الأمل ، ومنها شواغل الدنيا التي اختطفت من المكاتب ، وموهت بالمراتب ، ولقبت بالوزير والكاتب ، وأقامت العبد الذي لا يملك شيئاً مقام العاتب ، ومن كان بهذه المثابة وإن عد يقظاً حازماً ، وتحريراً عالماً ، فإنما هو غريق ، وتائه لا يبدو له طريق ، ولا ينساغ له ريق ، ولا يطفأ ببرد اليقين منه حريق ، ولا يربع عليه من قصاد الله تعالى فريق ، ونستغفر الله ، فالذي ألهم لهذه العيوب ، يتكفل بإصلاح القلوب ، ومكاشفة

الغيوب ، وإن كانت النفوس للحق جاحدة ، فما أمري إلا واحدة :

لا تعجبن لطالب نال العلا كهلاً وأخفق في الزمان الأول فالخمر تحكم في العقول مسنة وتداس أول عصرها بالأرجل

ومنها الاشتغال بالهذر ، عن العلم والنظر ، منذ أزمان عديدة ، ، ومدد مديدة ، فلم يبق مما حصل ، وإليه مما في الزمان القديم توصل ، إلا رسم بلقع، وسمل ما له مرقع ، ومنها أني لم أنتدب إلى هذا الوظيف الذي قتل من يتعاطاه ، ويثير قطاه ، ويقتعد مطاه ، من تلقاء نفس جاهلة ببعد مداه ، ومطل جداه ، ومطالبة مدعيه بما كسبت منه يداه ، فلا يتجاوز طوره ولا يتعداه ، وإن طالب الحق من شرط وصوله ، سلب فصوله ، وحالة موته ، وانقطاع حسه فضلاً عن صوته ،                   298

لكني خضت على عدم السباحة غمراً ، وامتثلت مع سقوط الاستطاعة أمراً ، وجئت بما في وسعي انقياداً وامتثالاً ، ومثلت مثالاً ، فضرورتي بفضل الله تعالى مشروحة ، والدعوى عن كتفي مطروحة ، وعلى ذلك فقد علم الذي يعلم الأسرار ، ويقرب الأبرار ، ويقيل العثار ، ويقبل الأعذار ، أن مدة الاشتغال به لم تجاوز شهرين اثنين ، بين كتب وكتم ، وابتداء وختم ، مع ما يتخلل الزمان من حمل لو رمي به رضوى لتدعدع ، أو أنزل على ثبير لخشع من خشية الله تعالى وتصدع : مداراة عدو قد تكالب على الإسلام ، وسياسة سواد صم عن الملام ، وتعدى حدود النهي والأحلام ، وارتقاب هجوم جيش الآجال وراية الشيب من الأعلام ، وقد أنذر بالفجر انقشاع الظلام ، وكاد يصعد الخطيب فينقطع الكلام ، جعلت لنقله حصة من جنح الظلام الغاسق ، والليل الواسق ، وعاطيت حمياه نديم الغارق ، وتعرضت لاقتناص خياله الطارق ، وسرقته من أيدي الشواغل والليل معين السارق ، ولم يعمل فيه عبد القيس" نظراً معاداً، ولا أنجز من تصحيحه علم الله تعالى ميعاداً ، إنما هو كراس يفرغ من تسويده رجراج الحبر ، مختلط الترب بالتبر ، فيدفع ملموم الماسخ ، إلى يد الناسخ، وكلفة المتثاقل ، إلى كف الناقل ، وتقذف صحيفته من الزبرة إلى الصاقل ، إذ كان الأمر - أيده الله تعالى ونفعه - حريصاً على تعجيل المعارضة ، ومتحرياً سبيل الشرع في هذه المصارفة والمقارضة ، والجفن المشرق يعلن بالتبريح ، وينتظر مساعدة الريح ، فمن وقف عليه من فاضل أنار الله بصيرته ، وجبل على الإنصاف سيرته ، أو من كان من أهل الله الذي يعلم أن ما سوى الله تعالى ظل وفيء، ويتحقق معنى قوله ليس، فقد أوجب الإنصاف أن يمحو اقتراني باعترافي، ويغطي  أوصافي   بإنصافي  والرحماء  الرحمن وقد  عذر القنبرة  سليمان ومع

 

                                                  299

الاستسلام الأمان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا بأس أن يعرض بتلك

الأخونة الخصيبة المثوى والمروج ، والحمل والفروج ، وفي السماء البروج وفي الأرض الفروج ، والأعرج يستندر منه العروج ، ونمد الأيدي المستعملة

في التقصير ، إلى الولي النصير والناقد البصير . اللهم استر بسترك فضائحنا المخلفة، وقبائحنا المجمعة المؤلفة ، فهو كله تحويم حول حماك ، ودندنة يا كريم بباب رحماك ، وزند أنت قدحته ، وتألق بارق أنت ألحته ، فصل السبب يا واصل

الأسباب ، واجعلنا ممن تذكر فنفعته الذكرى وما يتذكر إلا أولو الألباب دل نفوسنا الحائرة على عين الخبر ، واجذبها إلى المؤثر بزمام الأثر ، اللهم

اجبر الضالة المثقلة الظهر ، وارفع عنها ملكة القهر ، وحيطة الدهر ، والسفر من بلد السر إلى بلد الجهر ، اللهم أعلق بعروة الحق أيدينا الخابطة ، وأظفر بعدو الهوى عزائمنا المرابطة ، اللهم أوصل سببنا بسببك ، واحملنا إليك بك ، لا إله إلا أنت ، وصل على عبدك ونبيك محمد خاتم النبيين والمرسلين وآله والصحابة أجمعين » انتهى .

 

 

 و قال رحمه الله تعالى - آخر بعض تراجم هذا الكتاب ما صورته : خاتمة تشتمل على إشارات ، وتختال من الحق في شارات ، قال بعض من يطأ بمطية السلوك، حمى الملوك ، وينقض زوايا الغيوب، عن المطلوب، ببصر بصائر القلوب: شهدت أصناف المحبين والعشاق، على اختلاف البلاد وتباين الآفاق، لا أدري أقال كشفاً وشهوداً ، أو فرضاً أو وجوداً ، أو يقظة أو هجوداً،

وقد ركضوا مطايا الأشواق ، وضربوا آباطها بعصي المشارب والأذواق

وتزودوا أزواد الحقائق ، وودعوا أحباب العوائد والعلائق ، وتساهلوا في المحبوب اعتراض العوائق، وتفاضلوا في اختيار الجواد واقتحام المضايق، والطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق ، فمن خابط عشواء ، ومسقط أهواء ، يقول:

 يا ليت أني أوقد النارا            فإن من يهواك قد حارا                      300

فيجييه الصدى:

ومن طلب  الوصول  لدار  ليلى          بغير  طريقها   وقع الضلال

ومثبت  بحيث  لا يبدو  علم ولا ينقتص  خف  ولا قدم  في مفازة  وجود

من حلها  عدم  وهو يصيح :

بأبي  وأمي  والذي  ملكت   يدي   أفدي  الذي  يهدي  الطريق  الاحيا

ثم يقول:

ولقد سريت  إليك  لكن  حين لم        يكن  الدليل  أجل  قصد السالك

ومن طاو نفد زاده  وفرغ  مزاده  قد  استلم  وعجز  أن يتكلم  ولسان حاله ينشد:

إذا  أنت لم تزرع  وأبصرت  حاصدا    ندمت  على التفريط  في زمن  البذر

وراكض يقطع  الدو  ويعرف الجو  يثبت  الأعلام  الخافية  ويقصد  الموارد  الصافية والظلال  الضافية  حاديه  أمله  ودليله  علمه  والراحلة  عمله 

ينشد  بأعلى  صوته:

قرب  اللقاء  فكيف   لا ترتاح           للقاء  سكان الحمى  الأرواح

وفرانق يركض  البريد  ويصحب  التفريد  بلغ  الطية  وأناخ  المطية  قبل  وصول الرفقة  البطية:

سرى  سلخ  شهر  في فواق  حلوبة         فلله ما أنأى  سراه  وما  أدنى

( لو اطلعت  عليهم  لو ليت  منهم  فرارا  ولملئت  منهم  رعبا )

( الكهف: 18)  وقلت:   نهضوا  وقد جن الدجى وتخالفت سبل الردى فمسد دون وضلل

 

 

                                                   301

سلني عن المنبت  حين  تقطعت         أسبابه  تيها  ولا من  يسأل

قوم  سطت بهم السباع  وفرقة           عطشوا  وأين  من الظماء المنهل ؟

لفح الهجير وجوههم بسعيره              فتهافتوا  ببلالة وتعللوا

وجماعة  ركبوا المفاوز دائما             عثروا على أثر فشط  المنزل

وركائب  جعلوا الدليل أمامهم               وسروا  ففازوا بالذي قد  أملوا

والليل  متلفة  ومدرجة  الهوى               لا يستقل   بها  المطي  الذليل

والواصلون  هم  القليل  وكيف لا                قفر  ومسبعة وليل أليل

يارحمة  للعاشقين  تقحموا                            خطر  النوى وعلى  الشدائد عولوا

طارت بهم  أشواقهم فعقولهم                             معقولة  عن شأنها  لا تعقل

عذرا لكم يا أهل عذرة شأنكم                                سلمت  فيه لكم  فقولوا  وافعلوا

حتى  إذا   خرجوا الى قضاء  القدر  المشرك  وأفلت  من أفلت  من الشرك وسلم  من قتيل  المعرك  وأشرفوا  بركاب  الآمال  على  ثنية   الجمال  زعقوا  بإزاء الباب  ونادوا من وراء  الحجاب:

 

وأوصلوا  رقاع  شكواهم  بسر   هواهم  وبرزوا  صفا  واستظهروا  بشفعائهم التي ظنوا  أنها  لا تخفى ( ما نعبدهم  إلا ليقربونا  الى الله  زلفى )

(الزمر: 3 )  وقد تعينت  الأوصاف وتميزت  وانتبدت  الأصناف  وتحيزت

والعشاق  نجت  وسلمت  مذ  علمت منهم  الصفوة   والمجان  والحرافيش

والبهلوان  ممن  يعول   على ذراعه وملء  كمته  وصواعه   وطول  باعه

وصلابة طباعه  وسلاطة  لسانه   وامتزاج إساءته  بإحسانه  شأنه البحث  عن

المحبوب  مع الشروق  والغروب  والتوصل الى  وصله  المطلوب بالحركة

الرشيقة  واللفظ  الخلوب  ومن اتسم   بإذاعة  الأسرار  وصحبة  الشرار

 

                                                   302

واللسان المهذار ، حسب من الأغيار ؛ ومنهم بذاة ، ليس لهم إلا المنادمة أدة . تعذر عليهم تميز المحبوب فغلطوا ، وعكفوا على تنزيهه فأفرطوا :

ربما ضر عاشق معشوقا ومن البر ما يكون عقوقا

ولزيمه العفاف

وغلبت على سجيتهم السلامة ، ولم تنلهم لعدم الموصل والمعرف الملامة ، وليس للقبول عليهم علامة ؛ ومنهم من شعاره الحشمة والعصمة ، أولو الحياء والوقار ، والكتم للأسرار ، ومخالطة الأبرار ، والتوسل إلى المحبوب بالافتقار ، وصفاء الضمائر من الأكدار ، لا تختلجهم الشواغل ، ولا يطرق شرابهم الواغل ، أغنتهم الشواهد عن الدعوى، وأصمتهم الرضى عن الشكوى ، وتقسمت معاملاتهم الآداب ، وصح منهم إلى مراتب المراقبة الانتداب ، والناقد بصير ، وكلام النيات قصير ؛ ومنهم المغلوب الحال ، المحمول من فوق الرحال ، رقص وشطح ، وسكر فافتضح ، فهو بلخ الرفقة ، وملوع الحرقة ، دعني وعبدي بلخ ، فإنّه يضحكني سبع مرات في اليوم ؛ ومنهم من لم يأخذه نعت ، ولا تعين له فوق ولا تحت ، ولا حمد ولا مقت ، ولا حين ولا وقت ، لو نطق لقال : أنا المعدوم الموجود ، والشاهد المشهود و ألا بُعداً لمدين كما بعدت نمود ) ( مرد : 95) .

قضى وصلها لي ، وابتلاكم بحبها وهل يأخذ الإنسان غير نصيبه ولم يكن إلا أن خرجتِ الرقاع ، وفضلت البقاع ووقيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) (آل عمران : 25) . فكان في رقعة طائفة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً ، أو من وراء حجاب ، أو يُرسل رسولاً

 

                                                     303

فيوحي بإذنه ما يشاء ك ( الشورى : (51) قلدتم العقل وله طور ، ورأيتم الحركات لا يتناهى لها دور ، وعالم الجزئيات لا يُسبر له غور ، وحور المعاد في بعض الفروض لا يكون له كورا ، ويا شر ما أصبحتم في المعاد الأول تعتقدونه ، أن جعلتم التصرف في عالم الملك لمن دونه ، قفوا مكانكم ، ولوموا أنفسكم ودعوا شانكم " . وكان في أخرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وارجعوا وراءكم فالتمسوا نُوراً ) ( الحديد : (13) أساطين الحكمة المشرقية ، وفراش الأنوار الحقيقية ، دعونا من استكثار الأنوار ، واحتشاد الأطوار ، الحق نور إرشاد لا يطيق حسن ذاته ، إلا من ركب ظهر شتاته ، فارفعوا الكلف ، واذكروا مجرى من تقدم وسلف وكان في أخرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و قل الله ، ثمَّ ذَرْهُم في خوضهم يلعبون )) ( الأنعام : (91) لم تتركوا البراهين على أصلها ، ولا ناسبتم جنس هذه الموضوعات بفصلها ، وأثرتم شغباً طويلاً ، وأوسعتم المتشابه تأويلاً ، ولم تعتمدوا من العقل دليلاً ، ولا وقفتم في مجازات العقول قليلاً ، وهو لم باصطلاح غيركم تهويلاً ، وادعيتم الشهود ولم يجعل الله تعالى في الاحتجاج به إلا للأنبياء سبيلاً ، وبنيتم الحقائق على قياس ونظر ، من غير عين للعقل والنقل ولا أثر :

رب خل أدار في اعتقاداً            لم أكن قبله عرفت بفنه

 حكمت نفسه على علم غيبي           جعل الله باطني عند ظنه

أن تكونوا ممن أخطأ في اجتهاده فأثيب ، واستغفر فسمع «لا

                                             304

تشريب ) : ، فثمرتكم صحيحة ، والمقاصد من التبعة مريحة ، إذا كانت صريحة ، ولولا الافتيات ، اوضحت في ميدان السبق لكم الشبات ، لكن شانكم الهذيان ، وقلبت منكم بضعفائكم من المتأخرين الأعيان ، كابن قسي وابن برجان ! ، فتبرأوا من أتباعكم المطيفة ، وأحزابكم المخيفة ، وأخلصوا فعل الأنصار يوم قتال بني حنيفة ، وحبذا الحكم المقتدي ، ومن يهد الله فهو المهتدي ، وا كتحوا الألسن عن طلاقتها وذلاقتها ، ولا تكلفوا العقول فوق طاقتها ، فلا بد من توقيف وتسليم ، وفوق كل ذي علم عليم ، وإذا محيتم فاثبتوا ، أو نطق إنسان فاسكتوا ، ولا ترضوا أن تكتبوا مع الذين كبتوا ولكم الحظ ، السني والوصل الهني وكان في أخرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ) ( الأنبياء : 16 ) ذهب بوجودكم العدم ، وابتلع حدوثكم القدم، ورضيتم بالإشراف ، في الاستشراف ، والتوغل لزيم الانحراف ، ومن جعل الحس وهماً ، فقد كابر العيان ظلماً، السني والعقل الذي غلطكم هو آلة حكمكم ، وأداة علمكم ، والعوالم أوثق من تكون تموية راقش ، والوجود المطلق أبسط من أن يصير أبا براقش " ، ثم

ما لكم والتبجح والتشبع " ، والتعقب والتتبع ، ولم يغن العراك ، ووقع في ثمرتكم الاشتراك ، فالفيلسوف يتحد بالعلة القريبة من الخلق ، ثم يتلاشى في ذات الحق ، والحكيم يجوز إلى عين الحق رتبة الفناء المطلق ، والمتشرع قد

 

                                                        305

عضده ونصره ، « كنت سمعه وبصره » ، وإن كان معظم القول الهذر ، ففيكم بعد نظر .

وكان في أخرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإنَّ الله تمتع المحسنين )) ( العنكبوت : 69 ) أنتم الأحباب ، ولكم يفتح من الجينان الأبواب ، ركبتم ظهور الأعمال ، وركب غيركم ظهور الآمال ، وفزتم بسحب الأذيال ، ومن دونكم يحوك عناكب الخيال ، فبدايتكم الأساس الوثيق ، الذي يبنى عليه التحقيق ، ونهايتكم إليها ينتهي الطريق ، وبها يحط فريق الله تعالى ونعم الفريق ، أولكم المقرب المدرب ، وأوسطكم الفرد المعرب ، وآخركم الولي المقرب ، حضرتم بذكر محبوبكم حتى غبتم فهنيئاً لكم طبتم ، حواس مسدودة ، وخيوط أفكار كلها ممدودة ، ومشاهد مشهودة ، ومغلطات تتجاوز حراسها ، وقواطع معترضة بحل مراسها ، إلى أن لا توجد تقية ، ولا تبقى بقية ، عند تجلي المعالم الخفية ؛ لو اشتمل العلم على عملكم ، لكان الكل من هملكم ، بحيث تتعين المراتب وتتميز ، و المشارب وتتحيز ، فلا يعترض قاطع إلا وقد علم شانه ، وتعين وقته ومكانه ولا تمثل غاية إلا ودرجها محدودة ، ومراحلها معدودة ، ومشاهدها قبل دخول الطريق مشهودة ، فهناك تطوى المراحل ، ويلوح في اللمحة القريبة الساحل ، ويأمن طول الطريق الواصل . وكان في رقعة المحبين الذين قربوا قبل هذا اليوم وأدخلوا ، من بعد ما تخيروا للاصطفاء وانتخلوا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، ذُرِّيَّة بعضها من بعض،  

 

 

 

                                                    306

والله سميع عليم ) (آل عمران : 33 ، (34) أنتم الأحباب ، ولباب الألباب ، وبوساطتكم اتصلت بين النفوس وبين الحق الأسباب ، لولاكم لم يفتح الباب ، فلا يصل إلا من أوصلتم ، ولا يحجب إلا من قطعتم وفصلتم ، أنتم الرعاة والخلق الهمل ، وأنتم الدعاة لمن يريد نيل الأمل ، مُهدت لكم سُرُرُ القرب تمهيداً ، وبعثتم إلى الناس ليوحدوا الله توحيداً ولتكونوا شهداء على النَّاسِ ويكون الرسول عليكم شهيداً ﴾ (البقرة : 143) فطوبى لمن أصاخ منكم إلى نيدا واستضاء بنور هدى ، صلوات الله عليكم أبدا ، أنتم أولو الألوية المعقودة ، والعساكر المحشورة المحشودة ، ورؤساء أهل المحبة ، وأدلاء مبتغي الوسيلة والقربة ، ومسالككم قد بينتها الصحف المنزلة ، والملائكة المرسلة، ودخلت على العذارى خدورها ، وعمت السماء وبدورها ، وأغنت عن تقرير نحلها المكاتب المائجة بالصبيان ، والسنن المعقودة لها حلق التبيان ، والقواعد المفترضة على الأعيان ، والخزائن المرصوصة بعلوم الأديان واليوم أكملت لكم دينكم ، وأنمْتُ عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً كم (المائدة : 3) وقيل لأتباعهم من الجمهور ، وأقطاب فلكهم المشهور : على قدر أتباعكم ، مناقل أبواعكم ، وبحسب اقتدائكم ، يكون سماع ندائكم والمهاد لمن وثره ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ك ( الزلزلة : 7) وتأخيركم في التوقيع هو التقديم ، و «ساقي القوم آخر هم شربا ، مثل" قديم ، قال المخبر : فرأيت وجوههم قد تهللت ، وتواسم المسرات نحوهم قد أقبلت ؛ ومن سواهم من خالص وزائف ، بين راج وخائف . وسمعت أن طائفة استدعيت بحث حفي، وأدخلت من باب خفي ، قيل لهم : هم أصحاب الخبر المكتوم ، وأرباب المقام غير المعلوم ، جعلنا الله تعالى منهم برحمته :

 ولولا الحب ما قطعوا الفيافي      ولولا الحب ما قطعوا البحارا

فدعهم والذي ركبوا إليه                وبحثاً عن خلاصك واختبارا

                                   307

فلا تشغل  بحب  ديار  ليلى       ولكن حب من سكن  اليادرا

وقال  قبل   هذه  الخاتمة  بعد كلام  كثير  ما نصه : وقد  أتينا  على ما شرطنا من

تقرير  ما أمكن  من هذه  الآراء  وهم مابين   سابق  للخيرات   ومقتصد  وظالم  لنفسه  ومع ذلك  مخبون  وعلى آثار  الحبيب   مكبون  ما كل  طريق  توصل ولا كل تجارة على  الربح  تحصل  ومن  العشاق  مهجور  ومطرود  وموصل  وموعود ومغبوط  ومحسود  ومحروم  ومجدود  ومرحوم  ومردود :

ياغايتي  ولكل  شيء   غاية            والحب  فيه  تأخر  وتقدم

قل لي  بأي  وسيلة  يحظى  بما           يرجوه  غيري  من رضاك وأحرم

ورقة  ولكل   دائرة   مفروضة  وهالة  حول  قمر  الحق  معروضة 

تعود  الخطوط  من محيطها  المسدد  الى مركزها  المحدد  : فالسيف  يروم

التثبت  بالعلة   الأولى   ويعني   بها ذات  الحق   أو أن  يتحد  بالثانية  وهي مرآة

وجه الحق  والإشراقي  يروم  التجوهر بنور  الأنوار  المعبر  عنه  بالحق

والأتصال  به إما بواسطة  من الحق أو بغير واسطة  من الحق  والحكيم  أن يؤديه

فكره  إلى  الحق  ثم يفنى  في الحق  ثم يبقى  بالحق  وصاحب  الوحدة

جنة الحق ويحصل  على جوار  الحق وينظر  إلى جوار الحق  وصاحب  الوحدة

المطلقة  أن يكون   المتفرق  عين الحق   فسبحان  الحق المعبود  بالحق  الموجد

الجمع   في الفرق  لا إله  إلا هو وزيد   في هذا  الحض  الذي كثر  في  قربه

الدعداع  وطال  على الرؤوس  منه الصداع  ما تفرد   له المقالة  المختصرة

والعناية الميسرة  بحول من  لا حول  ولا قوة  إلا به  انتهى وقال رحمه الله تعالى في عد  ما عدد  من فرق  الاعتزال  ما نصه :

 

                                                     308

الحب حركهم لكل  جدال               والحب  أقمحهم  على الأهوال

والحب  قاطع بينهم  وأضلهم          عن نيل  ما راموه كل ضلال

والحب  أنشأ  فيهم  عصبية              بالقيل أضرم  نارها والفال

وإنما  استكثرنا     من ذكرهم عبرة  لمن تأمل  حركات هذا الفراش المختلف  الآراء  عن ذبال  الحق  يبتغون  إليه  الوسيلة   قوم  بالطاعة  وقوم  بالمعصية 

وما منهم  إلا  مدمع  في المحبة   متهالك   حريص   على  السعادة  بزعمه  (وجوه يومئذ خاشعة  عاملة ناصبة )    ( الغاشية )   ممن قصد   الحق  فأخطأه وأراد

الصواب فضل عنه ، واشتهر بالحكمة بعد في الملة الإسلامية جماعة

بالمشرق والأندلس ، فمن المشارقة : أبو الفرج ، ويعقوب الكندي وحنين بن إسحاق ، وثابت بن قرة ، فكان عندهم مباشرتها من حيث الترجمة

والمزاولة ، إلى أن قال : ومن أهل الأندلس : محمد بن مسعدة السرقسطي ، وأحمد بن طاهر الطرطوشي ، ويحيى بن عمران القرطبي وطفيل بن عاصم ، وكليب بن همام البياسي ، والحسن بن حرب الداني ، وابن مسرة ، ومسلمة المجريطي ، وأبو بكر ابن الصائغ ، وأبو بكر ابن طفيل ، وأبو الوليد ابن رشد " ، وكل هؤلاء المتقدمين والمتأخرين محب عاشق مستهلك ،

قال الشاعر :

وعلي أن أسعى ولي علي إدراك النجاح

حيارى يميدُ بهم شجوهم كأنهم ارتضعوا الجندريسا "

 

                                            309

إذا لم  يكن  عون من الله  للفى          أتته  الرزايا   من وجوه  الفوائد

( ولو شاء  ربك  لجعل  الناس أمة واحدة  ولا  يزالون  مختلفين إلا  من رحم ربك  ولذلك  خلقهم  وتمت  كلمة  ربك  لأملان  جهنم  من الجنة  والناس  أجمعين )  ( هود :118 ) ( فريقا حق  عليهم   الضلالة  ) الاعراف  30 )  (  قل  سيروا  في الأرض  ثم  انظروا  كيف كان عاقبة  المكذبين )  ( قل فلله  الحجة  البالغة  فلو  شاء  وتحركوا طوعا كرها  يعشون  الى  نور  الله  تعالى  فمن  أعمى  أصم  لا يسمع  ولا يبصر

وأعمى  فقط  يجتزىء   عن العيان  بالمخبر  وأحول  يبصر  الشيء  شيئين  والواحد اثنين  كما قال الشاعر:

أحوى الجفون  له رقيب  أحول             الشيء  في إدراكه  شيئان

فيلوح  في عيني  منه واحد                   ويلوح  في عينيه  منه اثنان

يا ليته  ترك  الذي  أنا مبصر                  وهو المخير  في الحبيب الثاني

وضعيف  لا يبصر  من بعيد   وأجهر لا يبصر  من قريب  وأعشى  تكثر  في  عينبه الأشعة   وربما  تندر  وزرقاء  اليمامة

سبحان  من قسم  الحظوظ           فلا عتاب  ولا ملامه

أعشى  وأعمى ثم ذو                  بصر  وزرقاء  اليمامه

لو لا  استقامة من هداه                  لمسا  تبينت العلامه

ومجاور  الغرر  المخيف               له البشارة  بالسلامه

أقام  سبحانه  الحجة  وفرق  بين الأمر  والإرادة  وأعطى  الكفاية  من القدرة

( فمنهم  مهتد وكثير  منهم  فاسقون )  ( الحديد : 26)  اقتصرنا  من هذا البحر

                                               310

على  نقطة  ومن هذا  الودق  على  قطرة

          ومن  يسد  طريق  العارض  الهطل ؟

              عد  الحصى  والقطر  ليس يرام

وذكرنا  الرسل  والأنبياء  والأتباع  ذكرا  من غير   تبويب  ولا  تعيين  لشياع

آرائهم  والعلم   بمقاصد  مللهم  وأغراض  دعواهم من  توحيد  الله  تعالى

وتنزيهه  وصفاته   وأسمائه   وكيف  يحشر  الناس  ليوم  لا ريب  فيه ( ولتجزى كل نفس بما كسبت )  ( الجاثية : 22)  وتعليم  طرق  النجاة  وإيضاح  سبيل  الله  تعالى والتحذير   من الغفلة   عمن  إليه  الرجعى  له  الآخرة  والأولى  والتخويف

من كل مايقطع  عنه  والرغيب فيما  يوصل إليه  وشأن  الرياضة  والتدريج

في أحوالها   حتى  تنتقل  من الظواهر  الى البواطن  وتسري  في الخلف  من السلف

والندب  الى الاقتصار  على الضرورة والقناعة  بالبلاغ   وتبين   الرسم  فيها  والتعيين لحدودها  قد تضمنت  ذلك  كله  آيات الله   التي  تكفل  بحفضها  وسنة  رسوله  التي قيض  مناخل  الصدق  لتصحيح   نقلها   فالمكاتب  - والمنة  لله تعالى  - مائجة والمدارس حافلة  فما لنا  والإطالة  في الموجود  الذائع  والمشهور  الشائع :

                  والشمس تكبر  عن حلي  وعن حلل

                 فهي  الدراري  في التقليد  بالدرر

ما أغنى الشمس عن مدح المادح تحصيل عناء( وهوالذي  أرسل  رسوله  بالهدى ودين  الحق  ليظهره على الدين  كله  ولو كره المشركون ) ( التوبة :23)

فلنذكر  بعض  أرباب  الآراء  من قريب  وبعيد  وخلق  جديد  على صورة

                                                    311

المثال المفروض وليكون كعرض الحبوب الذي تجزىء منه الحفنة عن الحفنة

والقربة عن القرية ، ونقتصر على اليسير لإقامة الترتيب ، وإحكام التبويب ،

وليرى الواقف عليه أننا قد نفضنا الزوايا، ورشفنا الروايا ، وامتككنا العظام 2 واستقصينا النظام ، حرصاً على نشيدة الحق أن تعقل ، وعلى الطباع أن تنقل،

وعلى المراثي الصدئة أن تصقل ، وعلى صورة النجاة أن تمقل ، ونسأل الله تعالى هداية توصل إليه ، لا إله إلا

هو الرحمن الرحيم ؛ انتهى

وقال رحمه الله تعالى فيما قبل هذا الكلام بكلام ما صورته : غصن المحبين ، وأصنافهم المرتبين ، ويشتمل على مقدمة بيان ، وستة أفنان . فالمقدمة . . . فنقول : أصناف المحبين والعشاق كثير ، وهباء نثير ، وجراد أثارها مثير ، بحيث يشق إحصاؤهم ، ولا يتأتى استقصاؤهم فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى : قتيلك ، قالت : : أيهم. فهم كثر ؟

مد النفس بما لا يقتضي المقام الاختصاري ذكره في هذا الموضع وقال رحمه الله تعالى في بعض تراجم الروضة ، وهي الخاتمة التي تنبه النفوس

الصَّبة ، على حكم المحبة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من عن بينة ( الأنفال : 42 ) بعد كلام ما صورته : فقر في معنى هذه الخاتمة فيها حكم تنثال ، وتجري مجرى الأمثال :

المحبة بحر بعيد الشط ، وخط والفناء منتهى الخط و إنا عرضنا الأمانة

- إلخ الله ( الأحزاب : 72 ) .

المحبة متهوى بعيد ، ومجال وعد ووعيد ، مرجل يغلي ، ثم خيال

يولي ، وليس له حد عليه يعول المحبة ظهر لا يركبه ، من يرى الموت فيتنكبه ، ولا يعلوه ، من يأتي

 

                                                    312

إلى وادي الفناء فيسلوه إنَّ الله مبتليكم بنهر ) ( البقرة : 249) كم قصمت المحبة من ظهر ، وكم سر صيرت إلى جهر ، أولها العار المشهور ، وآخرها الطي المنشور ، ثم الموت ثم النشور و أشرقَتِ الْأَرْضِ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكتاب كيه ( الزمر : 69 ) .

المحبة أنس يستدرج ، ثم شوق يلجم ويُسرج ، ثم فناء يزعج ، عن

الوجود ويخرج :

الدبا

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

المحبة كاس ، كم جردت من كاس ، وآس ، من شمه لم يجد من آس : متى أرتجي يوماً شفائي من الضنى إذا كان من يجني علي طبيبي تزاحم أنفاس المحبين على خطرات الصبا ، تزاحم الهباء على مطارح شعاع

، فلولا بليلها لالتهبت ، وتعليل عليلها لتلك الأرماق لذهبت : عليلة في حواشي مرطها بَلَل يهدى لكل عليل منه إبلال المحبة رقة ، ثم فكرة مسترقة ، ثم ذوق ، يطير به شوق ، ثم وجل لا يبقى معه طوق ، ثم لا تحت ولا فوق :

أينما كنتُ لا أخلف رحلاً من رآني فقد رآني ورحلي الهوى هوان ، وحمام له ألوان ، دمع ساجم ، ووجد هاجم ، وهيام لا يبرح ، ثم وراءه ما لا يشرح :

قال : بمن جن؟ وهل في الورى ما يبعث الخبل سوى حبه ؟ من اقتحم بحر الهوى ، هوى . لا تدخل في بحر الهوى حتى تشاور صبرك ، وتجاور قبرك ، فإن كنت منا أو فرح بسلام الهوى طريق ، و لسلوكه فريق . الزاد سر مكتوم ، ووفاء معلوم :

 

                                              313

وللميادين أبطال" لها خلقوا وللدواوين حساب وكتاب

الحب حج ثان ، لا يثني نفس المريد عنه ثان ، طريقه التجريد ، وزاده الذكر ، وطوافه المعرفة ، وإفاضته الفناء لي فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، واذكروه كما هَدَاكُم ، وإِن كُنْتُم مِنْ قبله لمن الضالين )) (البقرة : 198) . الغرام ، صعب المرام ، والدخول فيه حرام ، ما لم يكن فيه شروط كرام . من عرف ما أخذ ، هان عليه ما ترك وربك يخلق ما يشاء ويختار (القصص : (68) ظهر الهوى طريقاً سهلاً ، فكثر التائهون جهلاً :

إذا لم يكن عون من الله للفتى أتته الرزايا من وجوه الفوائد

والعكس :

قد يخبأ المحبوب في مكروهها من يخبأ المكروه في المحبوب 2

وقال الشيخ " :

هو نو الحب فاسلم" بالحشا ما الهوى سهل فما اختاره مضنى به وله عقل وعش خالياً فالحب راحته عنا وأوله سقم" وآخره قتل نصحتك علماً بالهوى والذي أرى مخالفتي ، فاختر لنفسك ما يحلو فمن لم يمت في حبه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحل طريق القوم مبنية على الموت ، وإليه الإشارة بقوله «موتوا قبل أن تموتوا ) . بيدي لا بيد عمرو ، وقال بعضهم: رأيت رب العزة فقلت : يا رب » بم أصل إليك ؟ قال : فارق نفسك وتعال :

 

                                                  314

رفض السوى فرض على العين      لا تخلطن الحق بالمين

والأين والكيف سوى ظاهر          فاستغن عن كيف وعن أين

الخشب ، الذي يتخذ منه النشب ، ينقسم إلى أقسام ، وأجزاء جسام :

القسم الأول : في الحدود والمعرفات ، والأسماء الواقعة والصفات وللسان الدين رحمه الله تعالى في المواعظ اليد الطولى ؛ قال في الروضة في الفصل الثاني في محركات العزيمة - وهي اليقظة . - ما نصه : قلت : والمحركات المشتركات في باعث اليقظة كثيرة : منها الوعظ السائق بمقود الشارد عن الله تعالى إلى مربط التوبة ، ومحرك العزيمة يُردد أذانه على توام أهل الكهف ، وقد ضرب نوم الغفلة على آذانهم ، حتى يحول بينهم وبين أذانهم ، ويركبهم ظهر الرياضة التي تلحقهم بالمجذوبين من إخوانهم ، ولما كان حب الدنيا هو المانع عن الشروع في إطلاق العمل ، والقاطع به بعده لم يجد أساة خبل الهوى وجنون الكسل أنجع من رقى العذل والتأنيب ، وتقبيح المحبوب ، سيما إذا انزعجت نبال نبله عن حنيات ضلوع الصدق ، وقال بعضهم : الكلام إذا خرج من القلب دخل القلب : أوقد النار من رسالة ليلى واحذر السيل بعدها من دموعي ولا تعدل الوعظ البليغ باللسان الفصيح ، والقلب القريح ، فإذا رأيت الأرض قد اهتزت وربت ، وهضاب القلوب القاسية قد تقلبت ، فشمر

للغراس والزراع عن الذراع ، واغتنم السراع والإسراع :

إذا هبت رياحك فاغتنمها فإنَّ لكلّ عاصفة سكونا

حفر لها ماء بريها بدأة واضمن لها حوضاً وإن لم تحفر واربأ بنفسك عن تسامح بائع واغنم إذا سامتك شهوة مشتري

قالوا : الوعظ يضرب وجه النفس عن التثبط في بساط اللذات ، وينقل

                                                 315

خطواتها عن الخطو في ملعب الخطيئات ، ويمثل لها الصبر عياناً ، ويبين العواقب المحجوبة بياناً ، وينشىء سحاب الحزن في أجواف أجزائها ، ويذكرها بمالها وانتهائها ، ويعرض عليها مصارع فنائها ، وخراب بنائها ، وفراق حبائبها وأبنائها ، عند نزول هاذم اللذات بفنائها ، فترجع إلى الله تعالى بحكم الاضطرار أفكارها ، وتخشع من خيفة الله تعالى وجلاله أبصارها .

فعلنا

والوعظ يكون بلسانين ، ويوجد فنين : لسان حال ، ولسان مقال ، وربما كان لسان الحال أبلغ ، وهو يسمع من القبور الموحشة ، والقصور الخالية ، والعظام البالية ، وفيه حكايات وأخبار ، ولسان المقال كقوله سبحانه وتعالى وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، وتبين لكم كيف بهم ، وضربنا لكم الأمثال ) ( إبراهيم : 45 ) وهو سبيل الله تعالى التي بعث بها النبيين ، وضمن فصولها الكتاب المبين ، والسوط الذي يحمل على الأوبة ، ويسوق ذود المتطهرين إلى غدير التوبة ، ونحن نجعله هينمة بين يدي الفراسة ، لتزكية النفوس إن صدق حكم الفراسة ، فمن ذلك ما صدر عني على لسان واعظ : الحمد لله الولي الحميد ، المبدىء المعيد ، البعيد في قربه من العبيد ، القريب في بعده فهو أقرب من حبل الوريد ، محيي ربوع العارفين بتحيات حياة التوحيد ، ومغني نفوس الزاهدين بكنوز احتقار الافتقار إلى العرض الزهيد ، ومخلص خواطر المحققين من سُجون دجون التقييد ، إلى فسح التجريد ،

نحمده وله الحمد المنتظمة دوره في سلوك الدوام وسموط التأبيد

من نزه أحكام وحدانيته ، وأعلام فردانيته ، عن مرابط التقليد الطبع البليد ، ونشكره شكر من افتتح بشكره أبواب المزيد ، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو شهادة نتخطى بها معاليم الخلق إلى حضرة الحق على كبد التفريد ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله قلادة الجيد المجيد ، وهلال

العيد ، وفذلكة الحساب وبيت القصيد ، المخصوص بمنشور الإدلال

 

                                              316

وإقطاع الكمال ، بين مقام المُراد ومقام المريد ، الذي جعله السبب الأوصل

في نجاة الناجي وسعادة السعيد ، وخاطب الخلائق على لسانه الصادق بحجتي الوعد والوعيد ، فكان مما أوحى به إليه ، وأنزل الملك به عليه ، من الذكر الحميد ، ليأخذ بالحجز والأطواق من العذاب الشديد ولقد خلقنا الإنسان وتعلم ما توسوس به نفسه ، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ( ق : 16 ) إلى قوله (حديد) ، صلى الله عليه وعلى آله صلاة تقوم ببعض حقه الأكيد ، وتسري إلى تربته الزكية من ظهور المواجد الجائية على البريد ا :

قعدت لتذكير ولو كنتُ منصفاً لذكرتُ نفسي فهي أحوج للذكرى إذا لم يكن مني لنفسي واعظ فيا ليت شعري كيف أفعل في الأخرى آه ! أي وعظ بعد وعظ الله تعالى يا أحبابنا يسمع ؟ وفي ماذا وقد تبين الرشد من الغي يطمع ؟ يا من يعطي ويمنع ، إذا لم تقم الصنيعة فماذا نصنع؟

اجمعنا بقلوبنا يا من يفرق ويجمع ، ولين حديدها بنار خشيتك فقد استعاذ نبيك صلى الله عليه وسلّم من قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ، اعلموا رحمكم الله ـ أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ، ومن الجماد والحيوان ، وما أملاه الملوان 2 ، فإن الحق نور لا يضره أن يصدر من الخامل ، ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل ، وأنتم تدرون أنكم في أطوار سفر لا تستقر لها دون الغاية رحلة ، ولا تتأتى معها إقامة ولا مهلة ، من الأصلاب ، إلى الأرحام ، إلى الوجود ، إلى القبور ، إلى النشور ، إلى إحدى داري البقاء ، أفي الله شك ؟ فلو أبصرتُم مسافراً في البرية يبني ويفرش ، ويمهد ويعرش ، ألم تكونوا تضحكون من جهله ، وتعجبون من ركاكة عقله ؟

                                              317

ووالله ما أموالكم ولا أولادكم وشواغلكم عن الله التي فيها اجتهادكم إلا بقاء سفر في قفر ، أو إعراس في ليلة ،نفر ، كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشي ، وتنبو العيون عن خبرها المتلاشي إنما أموالكم وأولادكم والله عنده أجر عظيم ( الأنفال : (28 ) . ما بعد المقيل إلا الرحيل، ولا بعد الرحيل إلا المنزل الكريم أو المنزل الوبيل ، وإنكم تستقبلون أهوالاً سكرات الموت بواكر حسابها ، وعتب أبوابها ، فلو كشف الغطاء عن ذرة منها لذهلت العقول وطاشت الألباب ، وما كل حقيقة يشرحها الكلام يا أيها الناس إنَّ وعد الله حق، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ( فاطر : 5 ) . أفلا أعددتم لهذه الورطة حيلة، وأظهرتم للاهتمام بها مخيلة ؟ أتعويلاً على عفوه مع المقاطعة وهو القائل في مقام التهديد و إن عذابي تشديد كه ؟ (إبراهيم : 7 أأمنا من مكره مع المنابذة و فلا يَأْمَنُ مَكَرَ الله إلا القوم الخاسرون كم ( الأعراف : (99) أطمعاً في رحمته مع المخالفة وهو يقول فسأكتبها للذين يتقون ) ( الأعراف : 156 ) أمشاقة ومعاندة لي ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ؟ ( الحشر : 4 ) أشكا في الله ؟ فتعالوا نعيد الحساب ، ونقرر العقد ونتصف بدعوة الحق أو غيرها ، من اليوم تفقد عقد العقائد عند التساهل بالوعيد ،

فالعامي يدمي الإصبع الوجعة ، والعارف يضمد لها مبدأ العصب :

هكذا هكذا يكون التعامي هكذا هكذا يكون الغرور

يا حسرة على العباد ، ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون (پس : (30) وما عدا عما بدا ؟ ورسولكم الحريص عليكم الرؤوف الرحيم يقول لكم « الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ( فعلام بعد هذا المعول ؟ وماذا يتأول ؟ اتقوا الله . سبحانه في نفوسكم وانصحوها ، واغتنموا فرص الحياة واربحوها و (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ، وإن كنت لمن الساخرين )                                318

( الزمر : (56) وتنادي أخرى (هل إلى مرد من سبيل ) ( الشورى : 44 ) و تستغيث أخرى يا ليتنا نُرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ) ( الأعراف : 53 ) وتقول أخرى رب أرجعون لك (المؤمنون : (99) فرحم الله من نظر لنفسه ، قبل غروب شمسه ، وقدم لغده من أمسه ، وعلم أن الحياة تجر إلى الموت ، والغفلة تقود إلى الفوت ، والصحة متركب الألم ، والشبيبة سفينة تقطع إلى ساحل الهرم . وإن شاء قال بعد الخطبة : إخواني ، ما هذا التواني ، والكلف بالوجود الفاني عن الدائم الباقي والدهر يقطع الأماني ، وهاذم اللذات قد شرع في نقض المباني ؟ ألا معتبر في عالم هذه المعاني ؟ ألا مرتحل عن مغابن هذه المغاني ؟ ألا أُذُنٌ تُصغي إلى سميعة" أحدثها بالصدق ما صنع الموتُ مددت لكم صوتي فأواه حسرة على ما بدا منكم فلم يسمع الصوت هو القدر الآني على كل أمة فتوبوا سراعاً قبل أن يقع الفوت

يا كلفاً بما لا يدوم ، يا مفتوناً بغرور الوجود المعدوم ، يا صريع جدار

الأجل المهدوم ، يا مشتغلاً ببنيان الطرق قد ظهر المناخ وقرب القدوم يا غريقاً في بحار الأمل ما عساك تعوم ، يا معلل الطعام والشراب ولمع السراب ، لا بد أن تهجر المشروب وتترك المطعوم . دخل سارق الأجل بيت عمرك فسلب النشاط وأنت تنظر ، وطوى البساط وأنت تكرب ، واقتلع جواهر الجوارح وقد وقع بك النهب ، ولم يبق إلا أن يجعل الوسادة على أنفك ويقعد :

لو خفف الوجد عني دعوتُ طالب ثاري

كلا إنها كلمة هو قائلها كم ( المؤمنون : (100) كيف التراخي والفوت مع الأنفاس ينتظر ؟ كيف الأمان وهاجم الموت لا يبقي ولا يذر ؟ كيف الركون إلى الطمع الفاضح وقد صح الخبر ؟ من فكر في كرب الخمار تنغصت عنده

 

                                               319

لذة النبيذ من أحس بلغط  الحريق فوق جداره  لم يصغ  بصوته  لنغمة العود

من يقن بذل العزلة  هان عليه  ترك الولاية :

ما قام خيرك يا زمان بشره      أولى  لنا ما قل  منك  وما كفى

أوحى  الله سبحانه  الى  موسى  صلوات  الله  وسلامه عليه  أن ضع يدك  على 

متن ثور  فبعددما  ما حاذته  من شعره  تعيش  سنين  فقال  : يارب  وما  بعد ذلك ؟

قال : تموت  قال  يارب  فالآن :

رأى  الأمر  يفضي  إلى آخر          فصير  آخره  أولا

إذا  شعرت   نفسك  بالميل  الى شيء  فاعرض عليها  غصة   فراقه  ( ليهلك من هلك عن  بينة ويحيا من حي عن بينة ) ( الانفال :42)  فالمفرح  به هو المحزون عليه  أين الأحباب  ؟  مروا   فيا  ليت  شعري   أين  استقروا  استكانوا والله  واضطروا واستغاثوا  بأوليائهم  ففروا  وليتهم  إذ  لم  ينفعوا  ما ضروا  فالمنازل

من بعدهم خالية  خاوية  والعروش  ذابلة  ذاوية  والعظام  من بعد  التفاضل

متشابهة  متساوية  والمساكن  تندب  في أطلالها الذئاب  العاوية :

صحت  بالربع  فلم  يستجيبوا               ليت  شعري  أين  يمضي الغريب

وبجنب الدار  قبر  جديد                        منه  يستسقي  المكان  الجديب

غاض قلبي  فيه  عند التماحي                  قلت  هذا  القبر  فيه  الحبيب

لا تسل  عن رجعتي كيف كانت                إن يوم  البين  يوم  عصيب

باقتراب  الموت عللت  نفسي                     بعد  إلفي  كل آت  قريب

أين  المعمر  الخالد  .؟  اين الولد  أين الوالد  .؟  أين  الطارف  أين التالد ؟  أين  المجادل 

أين المجالد؟  ( هل تحس  منهم  من  أحد  أو تسمع  لهم  ركزا ) (مريم : 98) 

وجوه  علاهن  الثرى  وصحائف  تفض وأعمال  على الله  تعرض بحث الزهاد

 

                                                           320

والعباد  والعارفون  والأوتاد والأنبياء  الذين  يهدي  بهم  العباد  عن سبب

الشقاء  الذي لا سعادة بعده  فلم  يجدوا  إلا البعد عن الله  تعالى  وسببه حب  الدنيا لن تجتمع  أمتي على ضلالة "

هجرت  حبائي من أجل  ليلى             فما  لي  بعد ليلى  من حبيب

وماذا  أرتجي  من وصل  ليلى           ستجزي  بالقطعة  عن قريب

وقالوا :  ما أورد  النفس  الموارد  وفتح   عليها باب  الحتف إلا  الأمل

كلما  قومتها  مثاقف  الحدود  فتح  لها أركان  الرخص  كلما  عقدت  صوم

العزيمة أهداها طرف  الغرور  في أطباق  : حتى   وإذا   ولكن   وربما  فأفرط

القلب  في تقبيلها   حتى  أفطر :

ما أوبق  الأنفس  إلا   الأمل             وهو  غرور  ما عليه  عمل

يفرض منه الشخص وهما ما له            حال  ولا ماض ولا مستقبل

ما فوق وجه الارض نفس حية             إلا قد  انقض عليها   الأجل 

لو أنهم  من غيرها   قد كونوا                 لا  متلأ السهل  بهم  والجبل

ما ثم  إلا  لقم   قد  هيئت                         للموت  وهو الآكل  المستعجل

والوعد  حق  والورى  في غفلة                 قد   خودعوا  بعاجل  وضللوا

أين الذين  شيدوا واغرسوا                        ومهدوا  وافرشوا  وظللوا

أين ذوو  الراحات  زادت  حسرة                إذاجنبوا  الى الثرى  وانتقلوا

لم تدفع الأحباب  عنهم  غير أن                   بكوا على فراقهم وأعلولوا

الله  في نفسك  أولى  من له                   ذخرت  نصحا  وعتابا يقبل

لا تركنها في عمى  وحيرة                    عن هول ما بين  يديها  تغفل

حقر  لها الفاني  وحاول زهدها                  وشوقها الى الذي  تستقبل

وفد الى  الله  بها مضطرة                        حتى  ترى  السير  عليها  يسهل

 

                                                    321

 

 

 

هو الفناء والبقاء بعده          والله عن حكمته لا يسأل 

يا قرة العين ويا حسرتها       يوم يوفى الناس ما قد عملوا

يا طرداء المخالفة ، إنكم مُدرَكون فاستبقوا باب التوبة ، فإن رب تلك الدار يجير ولا يجار عليه ، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما هداكم ، يا طفيلية الهمة ، دسوا أنفسكم بزُمر التائبين وقد دعوا إلى دعوة الحبيب ، فإن لم يكن أكل فلا أقل من طيب الوليمة ، قال بعض العارفين : إذا عقد التائبون الصلح مع الله تعالى انتشرت رعايا الطاعة في عمالة الأعمال وأشرقت الأرض بنُورِ ربتها ووضع الكتاب ) ( الزمر : 69 ) . معاني هذا المجلس والله نسيم سحر ، إذا استنشقه مخمور الغفلة أفاق ، سعوط هذا الوعظ ينغص إن شاء الله زكمة البطالة ، إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ، إكسير هذا الكتاب يقلب بحكمة جابر القلوب المنكسرة عين من كان له قلب إنما يستجيب الذين يسمعون ، والموتى يبعثهم الله ( الأنعام : (36) إلهي دلنا من حيرة يضل فيها - إلا إن هديت - الدليل ، وأجرنا من غمرة وكيف إلا بإعانتك السبيل ؟ نفوس صدىء على مر الأزمان منها الصقيل ، ونبا بجنوبها عن الحق المقيل ، وآذان أنهضها القول الثقيل ، وعثرات لا يقيلها إلا أنت يا مقيل العثار يا مقيل ، أنت حسبنا ونعم الوكيل ؛ انتهى

و من مواعظ لسان الدين رحمه الله سبحانه ما أورده في الروضة إثر ما سبق ، إذ قال : إخواني صمت الآذان والنداء جهير ، وكذب العيان والمشار إليه شهير ، أين الملك وأين الظهير ؟ أين الخاصة أين الجماهير ؟ أين القبيل والعشير ؟ أين كسرى بن أردشير ؟ صدق والله الناعي وكذب البشير ، وغش المستشار واتهم المشير ، وسئل عن الكل فأشار إلى التراب المشير

خذ من حياتك للممات الآتي              وبدار ما دام الزمان مواتي

لا تغترر فهو السراب بقيعة              قد خودع الماضي به والآتي

                                                 322

يا  من  يؤمل  واعظا   ومذكرا           يوما  ليوقظه من الغفلات

هلا اعتبرت  ويالها  من عبرة             بمدافن الآباء والأمات

قف  بالبقيع  وناد في عرصاته              فلكم   بها من جيرة  ولدات

درجوا  ولست  بخالد  من بعدهم           متميز  عنهم  بوصف  حياة

والله  ما استهللت  حيا  صارخا              إلا  وأنت  تعد  في الأموات

لافوت  عن درك الحمام لهارب               والناس صرعى معرك الآفات

كيف الحياة  لدارج  متكلف                     سنة  الكرى  بمدارج الحيات

أسفا علينا  معشرالأموات لا                       ننفك  عن شغل  بهاك وهات

ويغرنا لمع  السراب  فنغتدي                       في غفلة  عن هاذم  اللذات

والله  مانصح  امرءا  من غشه                      والحق  ليس  بخافت  المشكاة

يامن  غدا  وراح  وألف المراح  يامن  شرب الراح  ممزوجة  بالعذب القراح  وقعد  لعيان   صروف  الزمان  مقعد  الأفراح كأنك  والله  باختلاف الرياح   وسماع   الصياح  وهجوم  غارة الاجتياح  فأديل  الخفوت  من الارتياح ونسيت  أصوات  الغناء  برنات  الرياح  وعوضت  عرر  النوب  القباح  من غرر الوجوه  الصباح   وتناولت  الجسوم الناعمة   أيدي  الاطراح  وتنوسيت  العهود  الكريمة  بمر المساء  عليها  والصباح  وأصبحت  كماة النطاح من تحت  البطاح  وخملت  المهندة  والرماح   ذليلة  من بعد  الجماح :

ولو كان  هول  الموت  لا شيء  بعده          لهان علينا  الأمر  واحتقر  الهول

ولكنه  حشر  ونشر  وجنة                        ونار  وما لا يستقل  به القول

يا منشغلا  بداره  ورم  جداره    عن  إسراعه الى  النجاة  وبداره  يامن   صاح   بإنذاره شيب عذاره  يامن  طرف  عين  اعتذاره  بأقداره  يا من  قطعه بعد  مزاره  وثقل  أوزاره  يا معتلفا  ينتظر  هجوم  جزاره  يا مختلسا  للأمانة

                                                     323

يرتقب  مفتش   ما تحت  إزاره  يا من   أمعن  في خمر  الهوى  خف  من إسكاره

يا من خالف  مولى  رقه من إنكاره  يا كلفا  بعارية  ترد  يا مفتونا

بأنفاس تعد  يامعولا على الإقامة  والرحال  تشد  كأني  بك  وقد  أوثق  الشد

وألصق  بالوسادة  الخد  والرجل  تقبض  والأخرى  تمد واللسان  يقول ( يا ليتنا  نرد) (الانعام : 27)

إنا الى  الله   وإنا  له        ما أشغل  الإنسان  عن شانه

يرتاح  للأثواب يزهى بها     والخيط  مغزول لأكفانه

ويخزن  الفلس  لوراثه          مستنفدا  مبلغ  أكوانه

قوض  عن اللفاني رحال امرىء    مد  إليه  عين عرفانه

ما ثم إلا   موقف  زاهد                قد  وكل العدل   بميزانه

مفرط  يشقى بتفريطه                 ومحسن  يجزى  بإحسانه

يا هذا  خفي  عليك  مرض  اعتقادك  فالتبس الشحم  بالورم  جهلت   قيم 

المعادن  فبعت  الشبه   بالذهب  فسد  حس  ذوقك   فتفكهت  بحنظله أين

حرصك  من أجلك  .؟ أين  قولك  من عملك ؟  يدركك  الحياء  من الطفل  فتتحامى

والأين  تالله ما فعل  بمعبوده  من قطع  بوجوده  (ما يكون  من نجوى  ثلاثة  - الى عليم ) (المجادلة : 7)  تعود  عليك  مسامعي  الجوارح  التي سخرها  لك  بالقناطير  المقنطرة   من الذهب   والفضة  فتبخل  منها  في  سبيله  بفلس  وأحد الأمرين  لازم:

إما  الكتذيب   وإما  الحماقة وجمعك بين الحالتين  عجيب  يرزقك  السنين  العديدة  من غير   حق  وجب  لك  وتسيء  الظن به في  يوم توجب  الحق  وتعتذر  بالغفلة فما  بال التمادي ؟  تعرف   بالذنب  فما

 

                                            324

الحجة في الإصرار ؟ هو والبلد الطيبُ يَخْرُجُ نباته بإذن ربه ، والذي حبت لا يخرج إلا تكداً (الأعراف : (58) يا مدعي النسيان ماذا فعلت بعد التذكير ؟ يا معتذراً بالغفلة أين ثمرة التنبيه ؟ يا من قطع بالرحيل أين الزاد ؟ يا ذبابة الحرص كم ذا تلجج في ورطة الشهد ؟ يا نائماً ملء عينيه حذار الأجل قد أنذر ، يا ثمل الاغترار قرب خمار الندم ، تدعي الحذق بالصنائع وتجهل هذا القدر ، تبذل النصح لغيرك وتغش نفسك هذا الغش ، ، اندمل جرح توبتك

على عظم ، قام بناء عزمتك على رمل ، نبتت خضراء دعوتك على د عقدت كفك من الحق على قبضة ماء أفمَن زُيّن له سوءُ عَمَلِهِ فرآه حسناً ، فإنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويهدي من يشاء ) ( فاطر : 8) إذا غام جو هذا المجلس ، وابتدأ رش غمام الدموع ، قالت النفس الأمارة : حوالينا لا علينا ، فدالت رياح الغفلة ، وسحاب الصيف هفاف ، كلما شد طفل العزيمة على درة التوبة صانعته ظئر الشهوة عن ذلك بعصفور ، إذا ضيق الخوف فسحة المهل سرق الأمل حدود الجار ، قال بعض الفضلاء : كانوا إذا فقدوا قلوبهم ، تفقدوا مطلوبهم ، ولو صدق الواعظ لأثر ، اللهم لا أكثر :

                        طبيب يداوي الناس وهو عليل

والخطب جليل ، والمتفطن قليل ، فهل إلى الخلاص سبيل ؟ اللهم انظر إلينا بعين رحمتك التي وسعت الأشياء ، وشملت الأموات والأحياء ، يا دليل دلنا ، یا عزیز ارحم ذلنا ، يا ولي من لا ولي له كن لنا كلنا ، إن أعرضت عنا فمن لنا ؟ نحن المذنبون وأنت غفار الذنوب ، فقلب قلوبنا يا مقلب القلوب ، واستر عيوبنا يا ستار العيوب ، يا أمل الطالب ويا غاية المطلوب ؛ انتهى ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى في المواعظ ما خاطب به بعض

من استدعى منه الموعظة ، ونصه :

                                                  325

إذا لم أنح يوماً على نفسي التي         بجرائها أحببت كل حبيب

وقد صح عندي أن عادية الردى        تدب لها والله كل دبيب

فمنذا الذي يبكي عليها بأدمعي        إذا كنت موصوفاً برأي لبيب

كم قد نظرت إلى حبيب تغار من إرسال طرفك بكتاب الهوى إلى إنسانه ، وقد ذبلت بالسقم نرجسة لحظه ، وذوت وردة خده ، واصفرت لمغيب الفراق شمس حسنه ، وهو يجود بنفسه التي كان يبخل منها بالنفس ، يخاطب بلسان حاله مترجماً : ( وليت الفجل يهضم نفسه ) ، وأنت على أثر مسحبه إلى دست الحكم وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) ( الأحقاف : 9 ) . ومنها : تالله لو لم يكن المخبر صادقاً لنشب بحلق العيش بعده شوكة الشك :

ولو أنا إذا متنا تركنا                   لكان الموت راحة كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا                          ونسأل بعده عن كل شي

فالحازم من بتر الآمال طوعاً ، وقال : بيدي لا بيد عمرو و يا أيها الناس إن وعد الله حقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنيا ولا يَغُرَّنَّكُم بالله

الغرور ا ( فاطر : 5).

وقال أمير الوعاظ رحمه الله تعالى :

وبضدها تتبين الأشياء

يا مقتولاً ما له طالب ثار ، بريد الموت مطلق الأعنة في طلبك ، وما يحميك حصن ، ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك ، والأنفاس تستلب ذرات ذاتك ، وحركات الزمان قوية في النسج الضعيف ، فيا سرعة التمزق ، يا رابطاً مناه بخيط الأمل ، إنّه

ضعيف الفتل ، صياد التلف قد بثّ الصقور ، وأرسل العقبان ، ونصب الأشراك ، وقطع المواد ، فكيف السلامة ؟ تهيأ

                                                  326

السرعة الموت وأشد منها قلب القلب ، ليت شعري لما يؤول الأمر ؟ فوالله لا أدري أيناسبني الهوى إذا جد جد البين أم أنا غالبه فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيتُ يُغلب صاحبه

مركب الحياة يجري في بحر البدن برخاء الأنفاس ، ولا بد من عاصف قاصف بفلكه ويغرق الركاب :

فاقضوا ماربكم عجالاً إنما أعماركم سفر من الأسفار

وقال : كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق ، وانهزمت جنود الأمل

وإذا بملك الموت قد بارز الروح يجذبها بخطاطيف الشدائد من قنان العروق وقد شد كتاف الذبيح ، وحار البصر لشدة الهول ، وملائكة الرحمة عن اليمين قد فتحوا أبواب الجنة ، وملائكة العذاب عن اليسار قد فتحوا أبواب النار ، المخلوقات تستوكف الخبر ، والكون كله قد فاء على صيحة : سعد فلان ، ، أو شقي فلان ، فهنالك تنجلي أبصار الذين كانت أعينهم في غطاء عن

وجميع

ذكري ، ويحك ! تهيأ لتلك الساعة ، حصل زاداً قبل الفوت :

تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار مثل لعينيك سُرعة الموت ، وما قد عزمت أن تفعل حينئذ في وقت الأسر

فافعله في وقت الإطلاق ، وقال أبو العتاهية 2 :

خانك الطرف الثد" أيتها القلب الجموح فدواعي الخير والشر دنو ونزوح كيف إصلاح قلوب إنما هن قروح

                                                327

 أحسن  الله  بنا              أن   الخطايا  لا تفوح

فإذا  المشهور منا              بين  ثوبيه  فضوح

كم  رأينا  من عزيز           طويت  عنه  الكشوح

صاح  منه  برحيل              طائر  الدهر  الصدوح

موت بعض الناس في الأرض     على  بعض  فتوح

سيصير المرء يوما                  جسدا  ما فيه  روح

بين   عيني  كل حي                علم الموت يلوح

كلنا  في غفلة  والدهر              يغدو  ويروح

لبني  الدنيا  من الدنيا                  غبوق  وصبوح

رحن في الوشي  وأصبحن             عليهن المسوح

كل نطاح  من الدهر                        له  يوما   نطوح

نح  على نفسك  يا مسكين                   إن  كنت  تنوح

لتنوحن  ولو عمرت                          ما عمر  نوح

وقال في المعنى  :

لمن  طلل أسا ئله            معطلة   مناهله

غداة   رأيته  تنعى            أعاليه  أسافله

وكنت  أراه  مأهولا           ولكن   باد   آهله

وكل  لا عتساف الدهر         معرضة  مقاتله

وما   متملك   إلا                   وريب   الدهر   شامله

فيصرع  من يصارعه                  وينضل من يناضله

ينازل  من بهم  به                      وأحيانا   يخاتله

 

 

 

                                               328

وأحيانا  يؤخره                                              وتارات  يعاجله

 كفاك  به إذا نزلت                                      على  قوم  كلا  كله

وكم  قد  عز  من ملك                                       تحف  به  قبائله 

ويثني  عطفه   مرحا                                     وتعجبه   شمائله

فلما  أن  أتاه  الحق                                       ولى  عنه  باطله

فخفض  عيه للموت                                       واسترخت  مفاصله

فما  لبث السياق  به                                      إلى   أن جاء  غاسله

فجهزه  الى  جدث                                         مفجعة  ثواكله

مخمشة  نوادبه                                                    مسلبة  حلا ئله

وكم قد طال  من أمل                                      فلم  يدركه   آمله

رأيت  الحق  لا يخفى                                   ولا  تخفى   شواكله 

لا  فانظر لنفسك  أي                                       زاد   أنت   حامله

لمنزل  وحدة  بين  المقابر                                     أنت  نازله

قصير   السمك  قد رضمت                                    عليك  يه جنادله

بعيد   تجاور  الجيران                                         ضيقه   مداخله

أأيتها  المقابر       فيك                                         من كنا ننازله

ومن  كنا   نتاجره                                              ومن  كنا نعامله

ومن كنا  نعاشره                                                 ومن كنا   نداخله .

ومن كنا  نشاربه                                          ومن كنا  نؤاكله

 

                                   329

ومن كنا نفاخره             ومن كنا نطاوله

ومن كنا نراقبه               ومَن كُنَّا نُزايله

ومن كنا نكارمه                  ومن كنا نجامله

ومن كنا له الفاً                   قليلاً ما تزايله

ومن كنا له بالأمس           إخواناً نواصله

 فحل محلة من حل ها           صرمت حبائله

ألا إن المنية من هل               والخلق ناهله

أواخر من ترى تفنى            كما فنيت أوائله

لعمرك ما استوى في الأمر       عالمه وجاهله

ليعلم كل ذي عمل                   بأن الله سائله

فأسرع فائزاً بالخير                    قائله وفاعله

ثم قال لسان الدين رحمه الله تعالى ، بعد ما سبق ، ما صورته : وهذا الغرض

بحر، ويكفي من خزائنه عرض ، ومن بيت ماله قرض ، إن شاء الله تعالى. ثم قال: تنبيه يشتمل على سؤالين : أحدهما أن يقال : الوعظ غير مناسب للمحبة ، إذ لا يحصل إلا بعد الفراغ واليقظة ، الثاني : أن يقال : عظمتم الحسرة لفراق عالم الحس ، وأطلتم في قشور ، فنجيب عن الأول : إنا لم نجلب الوعظ إلا بين يدي تأميل حضور المحبة ، فكأنه يجري مجرى الأسباب ، فإن الغرض به وجهة النفس من جوّ السرور ، واللعب بالزور ، إلى جو الحزن والارتماض ، هنالك تأخذ بخطامها أيدي الاضطرار ، فتحصل اليقظة ثم التوبة ، ومنها

 يستقيم الطريق في منازل السائرين إلى الحق :                       330

والنفس  راغبة  إذا  رغبتها             وإذا   ترد  الى  قليل  تقنع

وعند ذلك يطوى  بساط  الزجر  والوعظ   ويمد  بساط  الاعتبار  والحب

إن شاء الله  تعالى   فإنها   كالثكلى   بطبعها   لما فارقته   من عنصر  نور الله  تعالى 

والعوالم  الروحانية  التي هي  الشعار  والدثار  والأمل والدار  والحياة  والجمال  والوجود  والكمال  وإن  كانت  لا تشعر  بالسبب  ولا تستحضر  ذكر العلة  فإذا  ذكر  الفراق  أنت أو تنوشدت  الآثار  حنت  ويطرقها  الحزن  عند الألحان  الشجية  وتحس  بعض الأحيان  بالمواجد  العشقية :

وقالوا  أتبكي  كل قبر  رأيته          لقبر  ثوى  بين اللوى  والدكادك

فقلت لهم: إن  الأسى  يبعث  الأسى    دعوني فهذا  كله  قبر مالك

وعن الثاني  : إن كثيرا  من النفوس  لا تشعر  بوجود عالم الحس  فضلا  عن النظر

فيه  وإن  شعرت  بذلك   عن منها  نبلا  ومن كان  بهذه  المثابة  لا سبيل  لندائه

إلا  من باب  القشور(أولئك  ينادون  من مكان بعيد)  (فصلت: 44)  الى أن يتأتى النداء من باب الله  تعالى بفضل الله تعالى فالنفوس  الشخصية غير متساوية وهي  بهوى الهوى هاوية  فالقرب منها يجذب بالأنامل والبعيد بالجزل الكوامل وعلى قدر المحمول تكون قوة الحامل:
                  يضع الهناء مواضع النقب

 يكفي اللبيب إشارة مكتومة           وسواه يدعى بالنداء العالي

وسواهما بالزجر من قبل العصا            ثم العصا هي رابع الاحوال

 

وقال  رحمه  الله  تعالى

علم  الأعلام   سلالة   أكابر   أصحاب  الإمام  معيد دولة  التوحيد  الى  الانتظام

أبي  محمد عبد الله  ابن الشيخ  الجليل  الكبير   الشهير  الماجد الخطير الرفيع الأسعد

                                                        333

الأمجد  الحسيب  الأصيل  الأمضى   الأرضى الأفضل  الأكمل  المعظم  المقدس  المرحوم  أبي  العباس  تافراجين   في فصل  ذم الكسل  ما صورته  : ونحن  نجلب بعض

الأمثال   في ذمه  مما يسهل  حفظه  ويجب  لحظه   فمن ذلك  :  الكسل  مزلقة 

الربح  ومسخرة  الصبح  إذا  رقدت  النفس  في فراش  الكسل  استغرقها  نوم

الغفلة   ( لو كان نسمع   أو  نعقل  ما كنا  في أصحاب  السعير )(الملك :10)

الندامة    في الكسل  كالسم  في العسل  الكسل آفة الصنائع  وأرضة  في البضائع

العجز  والكسل  يفتحان  الخمول  ولا تسل الفلاح  إذا  مل  الحركة  عدم  البركة :

ظهران  لا يبلغان  المرء  إن ركبا    باب   السعادة  ظهر  العجز  والكسل

وفي اغتنام  الأيام :  من أضاع   الفرصة  تجرع   الغصة  إن كان  لك من

الزمان  شيء  فالحال  وما سواه  فمحال  تارك  أمره الى غد   لايفلح   للأبد 

الإنسان ابن  ساعته فليحطها من إضاعته   التسويف  سم  الأعمال  وعدو  الكمال  لم يحرم   المبادر   إلا  في النادر   ما درجت   أفراخ  ذل  إلا  من وكر طماعة ولا بسقت فروع  ندم  إلا   من جرثومة  إضاعة  العزم  سوق  والتاجر  الجسور  مرزوق  من وثق  بعهد  الزمان    علقت   يداه   بحبل  الحرمان   الربح في ضمن  الجسارة   والمضيع  أولى   بالخسارة 

ومن أمثالهم  -  في  نظر   الإنسان   لنفسه   قبل غروب  شمسه -  قولهم  :  اعلم

أن كل     حكيم   صانع  إذا  فكر في أمره   ونظر  في العواقب  علم  أنه  لا بد يوما أن  يخرب  دكانه  الذي  هو محل  بضاعته  وتنحل  أنقاضه  وتكل أدواته  وتضعف 

قوته   وتذهب  أيام  شبابه  فمن بادر   واجتهد  قبل  خراب الدكان  واستغنى

عن السعي  فإنه  لا  يحتاج   بعد ذلك  إلى  دكان   آخر   ولا  الى   أدوات   مجددة فليتجر  بما  اقتناه  ويشتغل   بالانتفاع   والالتذاذ  بما كسبت  يداه  وهذه  حالة  النفس  بعد  خراب  الجسد   فبادر  واجتهد  واحرص  واستعجل  وتزود  قبل خراب  دكانك  وهدم  بنيته  فإن  خير الزاد  التقوى قال  حسان :

إذا  أنت  لم ترحل  بزاد  من التقى       وأبصرت  بعد اليوم  من قد  تزودا

ندمت  على  أن  لا تكون كمثله          ولم   تترصد  مثل  ما كان  أرصدا

قال  أبو  الفرج ابن  الطيب  البغدادي في اغتنام  الوقت  في كتابه  في السياسة

والآراء الفاضلة: يجب أن تعيد وتمثل فإن الفكر مضطرب   متشوش بكثرة 

نوازع  النفس واختلاف   قواها  والعمى   في بعض  الأوقات   فإذا  سنح  للنفس

وقت  فاضل   بصفاء  جوهرها   وأبرمت  قانونا  أو صورة   متوسطة  فاضلة  يجب

أن يقيد  بذلك   وقت سعد ربما  لايعادو  أو يعادو انتهى .

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي