الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
رسالة إلى ابن تافراجين
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج6، ص:333-339
2024-12-12
181
ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتب به على لسان سلطانه الى شيخ الموحد ين بتونس ابن تافراجين يخبره بالتمحيص الجاري عليه
ونصه : من أمير المسلمين أيده الله ونصره وأعلى أمره وأظهره الى ولينا
في الله تعالى الذي له القدم الرفيع المناصب والمجد السامي الذوائب والسياسة التي أخبرها سمر الركبان وحدو الركائب : الشيخ الجليل الكبير الشهير الخطير الهمام الأمضى الرفيع الأعلى الأمجد الأوحد الأسعد الأصعد
الأوفى الظاهر الطاهر الفاضل الباسل الأرضى الأنقى المعظم الموقر البرور
علم الأعلام سلالة أكابر أصحاب الإمام معيد دولة التوحيد الى الانتظام
أبي محمد عبد الله ابن الشيخ الجليل الكبير الشهير الماجد الخطير الرفيع الأسعد
333
الأمجد الحسيب الأصيل الأمضى الأرضى الأفضل الأكمل المعظم المقدس المرحوم أبي العباس تافراجين وصل الله تعالى له عزة تناسب شهرة فضله وسعادة تتكفل له في الدارين برفعة محله: سلام كريم يخص مجادتكم ورتبكم
الحافلة ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الذي يمحص ليثيب ويأمر بالاستقالة ليجيب ويعقب ليل الشدة بصبح الفرج ويجني من شجر التوكل عليه والتسليم إليه ثمر الصنع العجيب ويظهر العبر مهما كسر ثم جبر لكل ذي قلب منيب والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي نلجأ الى ظل شفاعته
في اليوم العصيب ونستظهر بجاهه على جهاد عبدة الصليب ونستكثر عدد
بركاته في هذا الثغر الغريب ونصول منه على العدو بالحبيب والرضى عن
آله وصحبه نجوم الهداية من بعد الأمنة من الأفول والمغيب فإنما كتبناه
إليكم - كتب الله لكم عزة متصلة وعصمة بالأمان من نوب الزمان متكلفة –
من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله تعالى الذي لطف
وجبر وأظهر في الإقالى وحسن الإدالة العبر ممن كتل الله تعالى له العقبى
لما صبر إلا الخبر الذي كسا الأعطاف الحبر والصنع الذي صدق خبره
الخبر والحد لله الذي قررت شهرة فضلكم قواعده وأعلت مصاعده وأثبت التواتر شواهده إذ لا نزال نتحف بسير كم التي في التدبيرات تقتفى وعلم يسر شدبه إذا العلم اختفى والسيل عفا وإن تلك الدولة بكم استقام أودها وقامت والحمد لله عمدها وإنكم رعيم في البنين حقوق آبائها وحفظهم عليها ميراث عليائها لو لم تتصل بنا أنباؤكم الحميدة وآراؤكم السديدة بما يفيد العلم بفضل ذاتكم ويغري قوى الاستحسان بصفاتكم لغبطنا بمخاطبتكم
334
ومفاتحتكم ، ما نجده من الميل لكم طبعاً وجبيلة ، من غير أن نعتبر سبباً أو علة ، فالتعارف بين الأرواح لا يُنكر ، والحديث الكريم يؤيد من ما ينقل ويذكر وبحسب ذلك نطلعكم على غريب ما جرى به في ملكنا القدر ، وحيث بلغ الورد وكيف كان الصدر ، وربما اتصلت بكم الحادثة التي أكفأها على دار ملكنا من لم يعرف غير نعمتها غاذياً ، ولا برح في جوانب إحسانها رائحاً وغادياً ، يتيم حجرها الكافل ، ورضيع درها الحافل ، الشقي الخاسر ، الخائن الغادر ، محمد بن إسماعيل بن محمد المستجير بنسبنا من لؤم غدره ، الخفية عنا حيل مكره لخمول قدره ، إذ دعاه محتوم الحين ليهلك إلى أن يهلك ، وسولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يملك أخانا الخاسر ثم يملك، وسبحان الذي يقول يا نُوحُ إنه ليس من أهلك ) (هود): (46) ، وكيف تم له ما أبرمه من تسور الأسوار، واقتحام البوار ، وتملك الدار ، والاستيلاء على قطب المدار ، وأننا كنفتنا عصمة الله تعالى بمتحولنا الذي كان به ليلتئذ محل ثواثنا ، وكفت القدرة الإلهية أكف أعدائنا ، وخلصنا غلاباً بحال انفراد إلا من عناية الله ونعم الرفيق ، وصدق اللجإ إلى رحمة الله تعالى التي ساحتها عن مثلنا لا تضيق ، مهما " تنكر الزمان أو تفرق الفريق ، وشرذمة الغدر تأخذ علينا كل فج عميق، حتى أوينا من مدينة وادي آش إلى الجبل العاصم ، والحجة المرغمة أنف المخاصم ، ثم أجزنا البحر بعد معاناة خطوب ، وتجهم من الدهر وقطوب ، وبلا الله هذا الوطن" بمن لا يرجو لله وقاراً ، ولا يألو شعائره المعظمة احتقاراً ، فأضرمه ناراً ، وجلل وجوه وجوهه خزياً وعاراً ، حتى هتك الباطل حماه ، وغير اسمه ومسماه ، وبدد حاميته المتخيرة وشذبها ، وسخم دواوينه التي تخصها الترتيب والتجريب وهذبها ، وأهلك نفوسها وأموالها ، وأساء لولا
335
تدارك الله تعالى أحوالها
.
ولما تأذن جل جلاله في إقالة العثار ، ودرك الثار ، وأنشأت نواسم رضاه إدامة الاستغفار ، ورأينا قلادة الإسلام قد آن انتثارها ، والملة الحنيفية كادت تذهب آثارها ، ومسائل الخلاف يتعدد مثارها ، وجعلت الملتان نحونا تشير ، والملك يأمل أن يوافيه بقدومنا البشير ، تحركنا حركة خفيفة تشعر أنها حركة الفتح ، ونهضنا نبتدر ما كتب الله تعالى من المنح ، وقد امتعض لنا الكون بما حمل ، واستخدم الفلك نفسه بمشيئته تعالى واكتمل ، وكاد يقرب لقرى ضيفنا الثور والحمل ، وظاهرنا محل أخينا السلطان الكبير الرفيع المعظم المقدس أبي سالم الذي كان وطنه مأوى الجنوح ، ومهب النصر الممنوح – رحمة الله تعالى عليه - مظاهرة مثله من الملوك الأعاظم ، وختم الجميل بالجميل والأعمال بالخواتم ، وأنف حتى عدو الدين لنعمتنا المكفورة ، وحقوقنا المحجوبة المستورة ، فأصبح بعد العدو حبيباً ، وعاد بعد الإباية منيباً ، وسخر أساطيله تحضيضاً على الإجازة وترغيباً ، واستقبلنا البلاد وبحر البشر يزخر موجه ، وملك الإسلام قد خر على الحضيض أوجه ، والروم مستولية على الثغور ، وقد ساءت ظنون المؤمنين بالعقبى ولله عاقبة الأمور ، والخبيث الغادر الذي كان يموه بالإقدام قد ظهر كذب دعواه ، وهان مثواه ، وتورط في أشراك المندمة تورط مثله ممن اتبع هواه ، وجحد نعمة مولاه ، فلولا أن الله ، عز وجل ، تدارك جزيرة الأندلس بركابنا ، وعاجل أوارها بانسكابنا ، لكانت القاضية ، ولم تر لها من بعد تلك الريح العقيم من باقية ، لكنا والفضل لله تعالى رفعنا عنها وطأة العدو وقد ناء بكلكل ، وابتززناه منها أي مشرب ومأكل ، واعتززنا عليه
بالله تعالى الذي يعز ويذل، ويهدي ويضل، فلم نسامحه في شرط يجد غضاضة ولا يخلف في القلوب مضاضة ، وخضنا بحر الهول ، وبرئنا إلى الله تعالى ربنا القوة والحول ، وظهرت للمسلمين ثمرة سريرتنا ، وما بذلنا في مصانعة
336
العدو عن الإجهاز عليهم من حسن سيرتنا، فقويت فينا أطماعهم، وانعقد
على التحرم بنا إجماعهم .
وقصدنا مالقة بعد أن انثالت الجهة الغربية، وأذعنت المعاقل الأبية.
فيسر الله تعالى فتحها، وهيأ منحها، ثم توالت البيعات ، وصرخت بمآذن البلاد الدعاة ، واضطرب أمر الخائن وقد دلفت المخاوف إليه ، وحسب كل صيحة عليه ، فاقتضت نعامته الشائلة ، ودولة بغيه الزائلة ، وآراؤه الفائلة، أن ضم ما أمكنه من ذخيرة مكنونة ، وآلة للملك مصونة ، واستركب أوباشه الذين
استباح الحق دماءهم ، وعرف الخلق اعتزاءهم للغدر وانتماءهم ، وقصد سلطان قشتالة من غير عهد ولا وثيقة ، ولا مثلى طريقة ، ولا شيمة بالرعي خليقة ، لكن الله ، عزّ وجل ، حمله على قدمه ، لإراقة دمه ، وزين الوجود بعدمه ، فلحين قدومه عليه راجياً أن يستفزه بعرض ، أو يحيل صحة عقده المبرم إلى مرض ، ومؤملاً هو وشيعته الغادرة كرة على الإسلام مجهزة
ونصرة المواعيد الشيطان منجزة ، تقبض عليه وعلى شيعته ، وصم عن سماع
خديعته، وأفحش المثلة، وأساء بحسن رأيه فيهم القتلة، فأراح الله تعالى بهم بإبادتهم نفوس العباد، وأحيا بهلاكهم أرماق البلاد. وحثتنا السير إلى دار ملكنا فدخلناها في اليوم الأغر المحجل، وحصلنا منها على الفتح الإلهي المعجل، وعدنا إلى الأريكة التي نبا بنا عنها التمحيص فما حسبناه إلا سراراً أعقبه الكمال، ومرضاً عاجله الإبلال، فثابت للدين الآمال، ونجحت الأعمال، وبذلنا في الناس من العفو ما غفر الذنوب، وجبر القلوب، وأشعنا العفو في القريب والقصي، وألبسنا المريب ثوب البري، وتألفنا الشارد، وأعذبنا الموارد ، وأجرينا العوائد ، وأسنينا الفوائد ، إلا ما كان من شرذمة عظمت جرائرهم ، وخبثت في معاملة الله تعالى سرائرهم ، وعرف شومهم ، وصدق من يلومهم ، فأقصيناهم وشرد ناهم ، وأجليناهم
337
عن هذا الوطن الجهادي وأبعدناهم
ولما تعرف سلطان قشتالة باستقلالنا، واستقرارنا بحضرة الملك واحتلالنا، بادر يُعرف بما كان من عمله فيمن لحق به من طائفة الغدر ، وإخوان الخديعة والمكر ، وبعث إلينا برؤوسهم، ما بين رئيسهم الشقي ومرؤوسهم ، وقد طفا على جداول السيوف حبابها ، وراق بحناء الدماء خضابها ، وبرز الناس إلى مشاهدتها معتبرين ، وفي قدرة الله تعالى مستبصرين ، ولدفاع الناس بعضهم ببعض شاكرين ، وأحق الله تعالى الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين ، فأمرنا بنصب تلك الرؤوس بمسور الغدر الذي فرعته ، وجعلناها علماً على عاتق العمل السيىء الذي اخترعته ، وشرعنا في معالجة العلم ، وأفضنا على العباد والبلاد حكم السلم ، فاجتمع الشمل كأحسن أحواله ، وسكن هذا الوطن بعد زلزاله ، وأفاق من أهواله و لعلمنا بفضلكم الذي قضاياه شائعة ، ومقدماته ذائعة ، أخبر ناكم به على اختصار ، واجتزاء واقتصار ، ليسر دينكم المتين بتماسك هذا الثغر الأقصى بعد استرساله ، وإشرافه على سوء مآله ، وكنا نخاطب محل أخينا السلطان الجليل المعظم الأسعد الأوحد الخليفة أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن الخليفة أمير المؤمنين المعظم المقدس أبي يحيى ابن أبي بكر ابن الأئمة المهتدين والخلفاء الراشدين - وصل الله تعالى أسباب سعده كونه في هذه المدة مقيماً بغير تلك الحضرة التونسية ، فاجتز أنا بمخاطبة جهتكم السنية ، وبين سلفنا وسلفكم من الوذ الراسخ البنيان ، والكريم الأثر والعيان ، ما يدعو إلى أن يكون سبب المخاطبة موصولاً ، وآخرة الود خيراً من الأولى ، لكن الطريق جسم العوائق ، والبحر مفروق البوائق ، وقبول العذر بشواغل
338
القطر بالفضل لائق ، ومرادنا أن يتصل الود ، ويتجدد العهد ، والله عز وجل يتولى أمور المسلمين بمتوارد إحسانه ، ويجمع قلوبهم حيث كانوا على طاعة الله تعالى ورضوانه ، وهو سبحانه يطيل سعادتكم ، ويحرس مجادتكم ، وينجح إدارتكم ، ويُسني إرادتكم ، والسلام الكريم يخصكم ، ورحمة الله تعالى وبركاته » .