أذا نظرت نظرة تأمل في هذا الكون تجد أن الأنسان أمتاز عن سائر المخلوقات بميزة العقل والتفكر، وهو يستخدم هذه الميزة منذ أن يفتح عينه في هذه الحياة إلى أن يموت ليميز بين الحق والباطل بين الأمان والخطر بين النافع والضار، وما يسلك به إلى طريق السعادة وما يغنيه وما يفقره والكثير من الأمور التي تنشأ من قوة التفكر.

وبدون التفكر والعقل لا يمكن للإنسان أن يفهم حقيقته والى أين هو ذاهب ومن أين، يبقى متحيراً ويعيش حياة الدوامة الدائرية يعيد حياته كل يوم كالأنعام التي تستيقظ في الصباح ويُرعى بها إلى المساء وتنام وفي اليوم التالي تفعل كما فعلته في الأمس وتعيش في هذه الدوامة إلى أن تموت.

كذلك بعض البشر يعيش هذه الدوامة وهو يمتلك عقل ذهبي وفكر عظيم ولكن لا يستخدمهما ولا يفكر

أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: (رحم الله أمرؤ عرف من أين وفي أين والى أين) (1).

على الأنسان أن يفكر في نفسه وحقيقته وحقيقة وجوده ومن أين أتى والى أين ذهب وفي أين، وبماذا يفكر، لان التفكر يدعوا إلى الصلاح والتوفيق وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: (التفكر يدعو إلى البر والعمل به) (2).

عندما يفكر الأنسان يصل إلى نتيجة التفكر ينجيك من الحيرة ولكن الكثير من البشر لا يفكرون ومنهم من يعتمد على أفكار غيره حتى كتاب الله فيه الكثير من الأمور والألغاز التي لو تدبرنا فيها لاكتشفناها ولكن البعض يعتمد على تفسير القرآن ويضع حد لأفكاره ولا يفكر في حل أو يتدبر كتاب الله.

قرأت كثيراً واستيقنت أن التفكر في خلق الله أعظم من الصلاة وإنما التفكر يدعوك للصلاة روي عن الأمام الرضا (عليه السلام) قال: (ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله ـ عزوجل ـ) (3).

ويقول ايضاً (عليه السلام): (كان أكثر عبادة أبي ذكر التفكر والاعتبار) (4).

العبادة الحقيقة ليست بكثرة الصلاة والصوم وإنما بالتفكر في أمر الله التفكر في خلق الله التفكر في حقيقة الأنسان التفكر في الشمس والكواكب والنجوم أينما يكون التفكر في أي شيء من خلق الله فهو يزيد الأنسان علماً ومعرفة ويجعله على يقين بالله (عز وجل) ويجعل قلبه خاشعاً وايضا التفكر يبعدك من الذنوب لان الذي يفكر في خلق الله وعظمته يزداد يقين وخشوع وقوة في أيمانه ويكون بعيد من الذنوب لأنه كلما تفكر في خلق الله خاف الله وابتعد من معاصيه وخشعت جوارحه لله الواحد القهار.

{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

يتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً ولا عبثاً سبحانك ربنا

عندما ننظر إلى كتاب الله الكريم نجد أنه تحدث كثيراً عن السماوات والأرض وما بينهما فيا ترى ما في السماء من خلق عظيم وما فيها لكي يدعونا الله للتفكر بها وما بين السماوات والأرض، والأرض ايضاً ما فيها ولماذا يدعونا للتفكر بها وأن الأنسان لو تفكر في خلق السماوات والأرض لأزداد يقينا وعلماً ويقينا.

وأن في السماوات طرق خفية لا نعلمها، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (سلوني عن طرق السماوات فأني اعلم بها من طرق الأرض).

يا ترى ما هي طرق السماوات وهل هنالك طرق في هذه السماء وكيف الوصول اليها والكثير من الأمور التي تشغل الدماغ وتحير الأنسان ولكن لا يبقى متحيراً لو تفكر وبحث عن الحقيقة لان الله تعالى يرشده إلى طريق الصواب

أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين) (5).

وايضاً ما هذا العالم الكبير الموضوع في الأنسان ما هو العالم الأكبر الذي طوي في هذا الأنسان ولماذا الأنسان مكرم على سائر المخلوقات بماذا يتميز وما هي حقيقة القلب والعقل والتفكر والكثير من الأمور التي يجب أن تتفكر فيها حتى تصل إلى نتيجة

أنا أنصح بالتفكر في النفس وحقيقة النفس وتفكر في أمرك من أين والى أين وعليك أن تتفكر قبل أي عمل تعمل به أنه لله أم للشيطان أنه للدنيا أم للآخرة عليك بالتفكر لا تعمل كالبهيمة بدون تفكر أحذر عواقب الأمور قبل الوقوع بها.

أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (إذا قدمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك في كل أمر) (6).

كيف ينجيك التفكر من الذنوب وكيف يفيد في حسن العاقبة عندما يعرض عليك أمر معين أو ذنب معين فان فكرت في عواقبه وهل هو مقبول أو لا فأنك بالتأكيد ستبتعد من هذا الذنب، لذلك التفكر ينجيك عواقب الأمور ويجعل عواقبك حسنة، الذي يفكر لا يقع في الخطأ

أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (أصل السلامة من الزلل الفكر قبل العمل) (7).

التفكر قبل أي عمل يكون سلامة من الزلل الذي يفكر لا يخطأ في أفعاله وأقواله وتصرفاته.

ورد في فقه الرضا (عليه السلام) قال: (التفكر مرآتك تريك سيئاتك وحسناتك) (8).

عندما تفكر في نفسك وحقيقتها ومحاولة محاسبتها وكل هذا التفكر يكون مرآة لك تريك الحسن من القبيح، تريك أعمالك القبيحة والجميلة تريك حسناتك وسيئاتك بالتفكر تعرف كل شيء ما عليك الا التفكر

وهنالك الكثير من الآيات الواردة عن الأقوام السابقة عن قصصهم وكيف عصوا الله وغضب عليهم وفي نهاية الآية يقول: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

خلق لنا أزواجاً من أنفسنا وجعل بيننا مودة وفي آخر الآية قال أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون هذه الآيات لأقوام يتفكرون الأناس الذين يتفكرون يشعرون بهذه النعم يشعرون بهذه القدرة والعظمة

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13].

سخر لكم ما في السماوات، الملائكة والشمس والقمر والنجوم والكواكب مسخرة لخدمتكم وايضاً من في الأرض مسخر لخدمتكم من نبات وحيوان وأرض وماء ورياح وحديد وكل شيء في الأرض والسماء مسخر لخدمتكم أفلا تتفكرون في هذا الخلق العظيم المسخر لخدمتكم فمن أنتم ولماذا هذا الاهتمام الكبير بالبشر ولماذا هم مفضلون على سائر المخلوقات هل فكرت في ذلك؟

هل فكرتك في نفسك وحقيقتها وذاتك وقدراتك وكرامتك؟

أنا لا أريد أن أخرجك من صلب الموضوع ولكن أنا أدعوك للتفكر في نفسك وفي كل شيء كل شيء فكر فكر، يجب عليك أن تفكر لا تتبع أفكار غيرك أعرف نفسك بنفسك أبصر عيوبك صلح أخطائك عالج أمراضك أكتشف نفسك أعرف ربك أعرف من حولك.

اليك بعض النصائح عن التفكر من أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (من قل أكله صفا فكره) (9).

الأمام يوضح أن قلة الأكل تجعل الفكر صافي فلا تجعل نفسك دائماً في شبع وايضاً كثير من الروايات التي تحذر من الأفراط في الأكل تحذر من كثرة الأكل وتأمرنا بالصوم حتى نزكي أنفسنا.

(الفكر في غير الحكمة هوس) (10).

التفكر الكثير بغير الحكمة، تفكر بلا فائدة هوس أي ضياع أو تشوش للتفكر لذلك أن أردت التفكر فكر بحكمة ومعرفة لا تفكر بضياع وتشوش، فكر في نفسك وذنوبك فكر في بعض الأمور لحلها فكر في خلق السنوات والأرض ولا تفكر بأشياء لا فائدة من التفكر بها مثل الأنسان المعاق الذي يفكر في أن يصبح أسرع متسابق وهذا مستحيل لان جسده لا يعينه على ذلك

كذلك أنت عليك أن تفكر بما ينفعك وهو معقول ولا تفكر بهوس.

(من كثر فكره بالمعاصي دعته إلها) (11).

(من كثر فكره في اللذات غلبت عليه) (12).

كثرة التفكر في المعاصي واللذات تجعل هذه الذنوب تسيطر عليك عندما تكثر تفكرك، وتخيلك بالمعاصي فأنك نسبة كبيرة تقع في هذه الذنوب وايضاً كثرة التخيل والتفكر في اللذات تجعلها تسيطر عليك لذلك عليك أن تبتعد من كثرة التخيل في مثل هذه الأمور وتفكر بعظمة الله تفكر في خلق الله في قدرته، فكر دليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمت اصمت وفكر بجميع أمورك أنا أنصحك أن: تجلس مع نفسك لمدة لا تزيد عن ساعة ولا تقل عن عشرة دقائق وتكلم نفسك وتقارن نفسك بين اليوم وألامس ماذا صنعت ماذا تعلمت كم ذنب أذنبت ما هي الذنوب التي لم تتخلص منها وايضاً ما هي أهدافك للسنة القادمة وما هي أهدافك للشهر القادم وما هي أهدافك ليوم غد وتسئل نفسك كثيراً وأنصحك بالجلوس مع نفسك كل يوم فأن لم تستطع كل أسبوع فأن لم تستطع كل شهر وأنا أنصحك أن لا تطيل المدة لان فيها ضياع.

(فكر في جميع أمورك واكتشف نفسك وحقيقتك ودينك).

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (الحكمة ضالة كل المؤمن، فخذوها ولو من افواه المنافقين).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ الاسفار الأربعة: ج 8، ص 355.

2ـ كتاب الكافي، ج 2، ص 55.

3ـ المصدر السابق.

4ـ ميزان الحكمة، ج 8، ح 16213.

5ـ المصدر السابق، ح 16216.

6ـ المصدر السابق، ح 16187.

7ـ المصدر السابق، ح 16185.

8ـ المصدر السابق، ح 16209.

9ـ المصدر السابق، ح 16225.

10ـ المصدر السابق، ح 16227.

11ـ المصدر السابق، ح 16228.

12ـ المصدر السابق، ح 16229. 

مواضيع ذات صلة

التذكر بعد الغفلة

تأثير الماء الذي قرأ عليه القرآن الكريم

الحلال والحرام من الطعام والشراب

النظرة إلى الإنسان في وحدة الذات مع تعدد الملكات

الأهداف التربويّة الأساسيّة واجتراح النظريّة التربويّة

خصوصيات الإنسان في خلقه

الأنماط أو الطرق التربوية في القرآن / التربية بالنموذج

الأنماط أو الطرق التربوية في القرآن / التربية بالمثل أو بالتمثيل

الأنماط أو الطرق التربوية في القرآن / التربية بالعاقبة

الأنماط أو الطرق التربوية في القرآن / التربية بالسلوك

الإنسان الواحد مع تعدد الملكات

الأهداف التربوية في شخصية الانسان