الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
من مقطعات المنصور
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص:74-81
2025-07-24
101
من مقطعات المنصور
ثم عن لنا أن نورد هنا جملة من مقطوعات مولانا السلطان المنصور مما تلقيناه عنه أيام كوننا في إيالته الشريفة؛ فمن ذلك قوله رادا على من قال في ابن أبي الحديد (1):
لقد أتى باردا ثقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد
فهو كما قد علمت شيء ... أشهر ما كان في الحديد ما صورته:
لقد أتى صارما صقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد
شديد بأس متى يعادي ... وشدة البأس في الحديد ومن نظمه قوله (2):
لله تمر طيب ... وافى على البشرى انطوى
يا حسنه مجتمعا ... يحلو لنا بلا نوى وقوله معميا في قمر على طريقة الاكتفاء:
معذبي أعجزني نيله ... من لي بمن مسكنه في السما
لم أنس إذ قال ألا تكتفي ... قلت بمن بالطرف قلبي رمى وقوله:
تبدى وزند الشوق تقدحه النوى ... فتوقد أنفاسي لظاه وتضرم
وهش لتوديعي فأعرضت مشفقا ... على كبد حرى وقلب يقسم
ولولا ثواه بالحشا لأهنتها ... ولكنها تعزى إليه فتكرم
فاعجب لآساد الشرى كيف أحجمت (3) ... على أنه ظبي الكناس ويقدم وقال قدس الله تعالى روحه موريا:
إن يوما لناظري قد تبدى ... فتملى من حسنه تكحيلا
قال جفني لصنوه لا تلاقي ... إن بيني وبين لقياك ميلا
وقد تبارى خدام حضرة هذا السلطان في تخميس هذين البيتين، ومن أشهر ذلك قول الأستاذ الحافظ سيدي أحمد الزموري رحمه الله تعالى، وكان يصلي بالسلطان التراويح:
ورقيب يردد اللحظ ردا ... ليس يرضى سوى ازديادي بعدا
ساءه الطرف مذ جنى الخد وردا ... إن يوما لناظري قد تبدى فتملى من حسنه تكحيلا ...
وتصدى من فحشه في استباق ... يمنع اللحظ من جنى واعتناق
أيأس العين من لحاظ ائتلاق ... قال جفني لصنوه لا تلاقي إن بيني وبين لقياك ميلا ... ومن نظم السلطان المذكور، وهو من أوليات شعره، قوله في وردة مقلوبة بين يدي محبوبه:
ووردة شفعت لي عند مرتهني ... راقت وقد سجدت لفاتر الحدق
كأن خضرتها من فوق حمرتها ... خال على خده من عنبر عبق وقال أيضا من أولياته:
شادن نم عليه عرفه (4) ... ما خلاصي من سهام كامنه
أحلال فيه أني خائف ... وغزالي بعد خوفي آمنه وقال في وصف رقيب ملازم:
رقيبي كأن الأرض مرآة شخصه ... فأين تولى الطرف مني (5) يراه
مقيم بوجه الوصل حتى كأنما ... وصالي هلال والسواد صداه وقال:
أيا روضة ضنت علي بزهرها ... ولم يتلق ناظراي سواك (6)
أبيحي لنفسي من شذاك بقاءها ... إذا فت طرفي عل الآنف يراك وقال أيضا:
على جدول غطت عليه بشعرها ... لئلا يرى الشمس الرقيبة لي طرف
فبت أرى في جدول بدر وجهها ... غريقا ونقطات العبير به كلف وقال:
طرقت حماه والأسود خوادر ... به فتولى بالظبى وهو يبعد
فعلمت آساد الشرى كيف تقدم ... وعلم غزلان النقا كيف تشرد وقال:
لما نأى المحبوب رق لي الدجى ... وأتى يعللني برعي كواكبه
أولى غراب البين ردك يا حشا ... والبين مزني الصباح كواك به
وقال معميا باسم حظيته الشهيرة الحسن والإحسان نسيم:
يا هلالا طلوعه بين جفني ... وغزالا كناسه بين جنبي
إن سهما رميت غادر هما ... لو تناهى ما شك آخر قلبي
ورأيت بخطه على هذا المحل ما صورته: قولي إن سهما تنصيص، و " غادر هما " إسقاط، وهو إشارة لإسقاط " هما " من هذا الاسم، وقولي " لو تناهى " انتقاد، والانتقاد: الإشارة إلى بعض أجزاء الكلمة ليؤخذ جزء الاسم المطلوب، كأن يذكر الوجه أو الصدر أو التاج أو الرأس، ويعني به الحرف الأول من الكلمة، والقلب والجوف والحشا والخصر، ويراد به الوسط، والآخر والمنتهى والختام، ويقصد به آخر الكلمة، فقولي لو تناهى معناه أنه أخذ لفظة هم غير متناه، فبقيت الميم من هما، وقولي ما شك آخر قلبي انتقاد أيضا، وأردت بآخر قلبي الياء، ويسمى أيضا التسمية، وهو: أن تذكر الاسم وتريد المسمى، أو تذكر المسمى وتريد الاسم، وقد تم الاسم.
واعلم أنهم لم يشترطوا في استخراج الاسم (7) بطريق التعمية حصولها بحركاتها وسكناتها، بل اكتفوا بحصول الكلمة من غير ملاحظة لهيئاتها الخاصة فإذا وقع ذلك فمن المحسنات، ويسمى العمل " التذييلي (8) ". انتهى كلامه على البيتين في اسم نسيم.
وقال في اسم " غزال " وقد جمع تعميتين ولغزا:
وأملد مطوي الحشا زال ردفه ... فلا خصر إلا إن تصورته وهما (9)
بنصف اسمه يرمي القلوب وعكس ما ... بقي أبدا أذن المحب به أصمى
وكتب عليه ما صورته: قولي " أملد " أردت به بعمل الترادف غصن، ومطوي الحشا انتقاد، و " زال ردفه " قضيت به غرضين، أزلت به النون بعمل الإسقاط الباقي بعد طي الصاد التي بوسطه، وأثبته - أعني زال - في موضعها: أي النون من غصن، والحال أن الصاد محذوفة، وذلك بعمل الانتقاد، وأوضحت ذلك بقولي فلا خصر وإن كنت لا أحتاج إليه، لئلا يكون في البيت شيء خارج عن التعمية؛ انتهى تفسيره، رحمه الله تعالى.
ويعني بقوله " بنصف اسمه يرمي القلوب " غز؛ لأنه نصف غزال، ويعني بقوله " وعكس ما بقي إلى آخره " لفظة " لا " لأنها مقلوب ما بقي وهو " ال ".
وقال في اسم " سلاف " على منهاج ما تقدم:
وأحور وسنان الجفون كأنما ... سقى لحظه من ريق فيه بقرقف
نضا صارما لا فل صارم لحظه ... تزايد فيه منذ سل تلاه في وفسره بقوله: قولي " تلاه في " من طريق التسمية، و " في " من العمل التذييلي وهو أن يأتي بالكلمة بحركاتها وسكناتها، وهي من المحسنات كما سبق.
وقال في اسم " آمنة " من التعمية أيضا:
من شقائي قنصته وهو خشف ... في رضاه عن الملوك ابتدلت (10)
أملد منه مذ تحلل خصر ... وتثنى عن حبه ما عدلت وكتب عليه ما صورته: قولي " أملد " أردت الألف بعمل التشبيه، وخصر منه انتقاد، وأردت بالخصر وسط لفظة " منه " وتحلله: أن ينحل السكون الذي على النون، وقولي و " تثنى " أي الألف من التثنية، لا التثني، فتم الاسم بحركاته وعدده؛ انتهى تفسيره.
وقال وقد لبس منصورية من النوع الذي يقال له قلب حجر، والمنصورية: نوع لبس معروف بالمغرب استخرجه السلطان المذكور وأضافه إلى اسمه:
وصفوا اشتياقي للحبيب وسرهم ... قول الحبيب أنا أنا فيه
قلبي له حجر، فقلت مغالطا ... للعاذل المؤذي أنا فيه قال: وفي هذين البيتين عدة من المحسنات غير التعمية: منها جناس التركيب المسمى بالملفق، وحده: بأن يكون كل من الركنين مركبا من كلمتين، وهذا هو الفرق بين الملفق وبين المركب، وقل من فرق بينهما، ومنها الانسجام، ومنها الاستخدام. وعهدي بالفقيه علي بن منصور الشيظمي تعرض إلى شرحهما بكراسة. والتعمية في هذين البيتين بالعمل (11) الحسابي وهو كثير، إلا أن هذا العمل أحسبني أبا عذرته إذ لم أره لغيري، ومادة التعمية فيه أنا أنافيه، قلبي له حجر فقولي أنا أنافيه معناه أن تضرب أنا في هـ، وقولي في هـ نص في الضرب، ويخرج من هذا مائتان وستون عدد حروف هيماني وحقك، وقولي قلبي له حجر بعمل القلب يصير رجح فصار المجموع " هيماني وحقك يرجح "، وفيه التورية، وهيماني وحقك الخارج من هذا الضرب فيه تهكم بالواشي، فهو من المحسنات أيضا، أعني قوله وحقك، ويصلح أن تسمى هذه التعمية بالافتنان، لأن الافتنان عندهم: أن يفتن الشاعر فيأتي بفنين متضادين من فنون الشعر في بيت واحد، وهذا وقع التضاد فيه في كلمة واحدة، فظاهر " أنا أنافيه " يضاد " هيماني " وحقك يرجح الذي يخرج بطريق الحساب، فافهمه، ويمكن استخراج تعمية أخرى من قولي للعاذل المؤذي " أنا فيه "؛ انتهى.
والاستخدام الذي أشار إليه هو في قوله أنا فيه أي في هذا الثوب المسمى بقلب حجر، كما دلت عليه الحكاية، وأما المعنى الثاني لقوله أنا فيه فظاهر.
وقال وقد قطف وردة من روض المسرة في زمن النرجس:
وافى بها البستان صنوك وردة ... يقضي بها لما مطلت وعودا
أهدى البهار مخاجرا وأتى بها ... في وقته كيما تكون خدودا
فبعثتها مرتادة بنسيمها ... تثني من الروض النضير قدودا وقال:
لي حبيب يأتي بكل غريب ... هو عندي منكر ومعرف
لست أشكو لصيرفي ونحوي ... أنه بي نحا وفي تصرف
فعله في لازم متعد ... ومزيد مجرد ومضعف وقال:
لا وطيف علم السيف فقد ... في قوام كقنا الخط نهد
ووميض لاح لما بسمت ... فأرتنا منه درا أو برد
ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد
ولذا عاش قليلا ناحلا ... كيف لا يفنى نحولا من حسد وقد ضمن قوله " ما هلال الأفق " أديب زمانه الشيخ إمام الدين الخليلي الوافد على حضرته من بيت المقدس فقال:
قسما بالبيت والركن الذي ... طاب حجا واستلاما للأبد
ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد وقد اتفق لإمام الدين هذا أنه اجتمع بالحضرة المنصورية، هو والعقاد المكي السابق والشريف المدني، وهو رجل وافد من أهل المدينة انتمى إلى الشرف، فقال إمام الدين: يا أمير المؤمنين، إن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال شد أهلها إليك الرحال: هذا مكي، وهذا مدني، وأنا مقدسي، ثم أنشد (12) :
إن أمير المؤمنين أحمد ... بحر الندى وفضله لا يجحد
فطيبة ومكة أهلهما ... والمسجد الأقصى بذاك شهدوا رجع إلى نظم المنصور، وقال:
وكيف بقلب في هواه مقلب ... وأنى له بين الضلوع مقام
فيا شادنا يرعى الحشا أنت بالحشا ... أما لمحل أنت فيه ذمام
وقال يخاطب رئيس كتابه صاحبنا سيدي عبد العزيز الفشتالي السابق الذكر:
يا كاتبا ألفاظه ... تغرس (13) روضا ذا فنن إن جوابي للذي يشكو دناه اردد حزن
وقال موريا بمصانعه الثلاثة: البديع، والمسرة، والمشتهى:
بستان حسنك أبدعت زهراته ... ولكم نهيت القلب عنه فما انتهى
وقوام غصنك بالمسرة ينثني ... يا حسنه رمانة للمشتهى ولولا خوف الإطالة المملة لذكرت من محاسن مولانا أمير المؤمنين المنصور - رحمه الله تعالى - بعض ما أؤدي به حقه، سقى الله تعالى عهاده، وقد بسطت الكلام على السلطان المذكور في كتابي روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس وأطال الكلام على ترجمته صاحبنا الوزير الكبير الشهيد سيدي عبد العزيز بن محمد الفشتالي في كتابه المسمى بمناهل الصفا في فضائل الشرفا وعهدي به أكمل منه ثماني مجلدات، وهو مقصور على دولة السلطان المذكور وذويه، وألف كاتب أسراره الرئيس أبو عبد الله محمد بن عيسى فيه كتابا سماه الممدود والمقصور من سنا السلطان المنصور وهذه التسمية وحدها مطربة، رحم الله تعالى الجميع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال المقري إنهما لمؤلف " طي الفلك الدائر على المثل السائر " ولكنه لا يتذكر اسمه (الروضة: 47) .
(2) أكثر هذه المقطعات وردت في روضة الآس: 36 - 52 وفي مناهل الصفا 2: 207 - 214.
(3) الروضة: كيف تحجم.
(4) الروضة: نفحه.
(5) أقرأ بخطف الياء وجعلها حركة كالكسرة على النون.
(6) الروضة: سناك.
(7) الروصة: الكلمة.
(8) ق: التذييل.
(9) سقطت اللفظتان من ق، وأثبتناهما من الروضة.
(10) الروضة: لم أقل ف أن قلت فات فهمت.
(11) الروضة: بالعد.
(12) الروضة: 14.
(13) الروضة: إذا كتب يغرس.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
