أمير المؤمنين كان أعلم الناس بكتاب الله تعالى
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص106-109
2025-12-09
30
يقول الشعبيّ: مَا أحَدٌ أعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ بَعْدَ الْنَّبِيّ مِنْ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ عَلَيَه السَّلامُ ومِنَ الصَّالحِينَ مِنْ أوْلَادِهِ عليهم السَّلام[1].
وروى عاصم بن أبي النُّجود عن عبد الرحمن بن سُلمى أنّه قال: مَا رَأيْتُ أحَداً أقْرَأ مِنْ عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ.
وروى أبو عبد الرّحمن عن ابن مسعود أنّه قال: لَوْ كُنْتُ أعْلَمُ أحَداً أعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي لأتَيْتُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَعلى؟ قَالَ: أولَمْ آتِهِ؟
في ضوء ما تقدّم فأنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أعلم الامّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والآية الكريمة {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} تنطبق عليه طبعاً. ولو كان هناك فرد من أفراد الامّة أعلم منه بكتاب الله عند نزول الآية فأنّها تنطبق عليه. والآن ينبغي أن نرى، لما ذا ذكر النبيّ شاهداً آخر مع الله، وما هي قيمة شهادته في مقابل شهادة الله؟ لا جَرَمَ أنّ ذلك الشاهد ينبغي أن تكون شهادته قريبة من شهادة الله من حيث الوزن والرصانة، وهو أمير المؤمنين سند القرآن وكفيله وحفيظه. القرآن كلام لفظيّ، وهو كلام الله الفعليّ، هو حقيقة القرآن، والقرآن مترجم لوجوده، وكلاهما حقيقة واحدة ظهرت بشكلين: لفظيّ وفعليّ. وهما مترابطان لا يقبل أحدهما الانفصال عن الآخر. وفي الحقيقة أنّ رسول الله، مضافاً إلى إقامته شهادة الله اللفظيّة المكتوبة في القرآن المجيد على رسالته أمام المشركين، فأنّه يأتي بشاهد آخر هو مركز إشعاع الأنوار الإلهيّة، ومظهر الأسماء الإلهيّة، والعارف بكتاب التكوين والتشريع. ومصدر هذين الشاهدين هو كلام رسول الله الذي نقله الشيعة والسنّة في روايات متواترة، وهو قوله: "أنّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي ولَنْ يَفْتَرقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الْحَوْضَ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبَداً"[2]. إذ أنّه يمكن أن نجعل هذا الحديث مفسّراً للآية المذكورة، ويمكن أن نستدلّ بالآية على اقتران الإمام بكتاب الله.
ويجدر التنويه بأنّ الآية تليت في بعض القراءات الشاذّة {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أو ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} كما نقل السيوطيّ ذلك[3]. إلّا أنّ من الطبيعيّ أنّ هذه قراءة شاذّة لا يوثق بها في مقابل جميع القراءات، ومضافاً إلى ذلك فأنّها لا تحمل موضوعاً سلساً من حيث المعنى إذ يقول النبيّ أنّ الله شهيد بيني وبينكم، ومِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتاب. وعلى الرغم من أنّ هذا المعنى في حدّ نفسه صحيح، بَيدَ أنّ هذه الجملة بوصفها تعريفاً لله شاهداً في مقابل مشركي قريش تفتقد العذوبة والظرافة.
جاء في «أمالي» الشيخ الطوسيّ ما نصّه: مَرَّ أميرُ المؤمنِينَ بِمَلأ فِيهِمْ سَلْمَانُ، فَقَالَ لَهُمْ سَلْمَانُ: قُومُوا فَخُذُوا بِحُجْزَةِ هَذَا، فَوَ اللهِ لَا يُخْبِرُكُمْ بِسرِّ نَبِيِّكُمْ غَيْرُهُ[4].
وقال النقّاش في تفسيره: قال ابن عبّاس: عليّ عَلِمَ عِلْماً عَلّمَهُ رسول الله، ورسول الله علّمه الله، فعلم النبيّ علم الله، وعلم عليّ من علم النبيّ، وعلمي من علم عليّ. وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم عليّ إلّا كقطرة في سبعة أبحر[5].
يقول العونيّ:
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ وعِلْمُ مَا *** يَكُونُ ومَا قَدْ كَانَ عِلْماً مُكْتَماً[6]
ويقول أبو مقاتل بن الداعي العلويّ:
وإنَّ عِنْدَكَ عِلْمَ الْكَوْنِ أجْمَعَهُ *** مَا كَانَ مِنْ سَالِفٍ مِنْهُ ومُؤتَنَفِ[7]
ويقول نصر بن المنتصر:
وَمَنْ حَوى عِلْمَ الْكِتَابِ كُلِّهِ *** عِلْمَ الذي يَأتي وعِلْمَ مَا مَضي[8]
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "(ومنها يعني آل محمّد عليهم السلام): هُمْ مَوْضِعِ سِرِّهِ، ولَجَا أمْرِهِ، وعَيْبَةُ عِلْمِهِ، ومَوْئِلُ حُكْمِهِ، وكُهُوفُ كُتُبِهِ، وجِبَالُ دِينِهِ"
إلى أن يقول: لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحمَّدٍ عَلَيهِمُ السَّلَامُ مِنْ هَذِهِ الامَّةِ أحَدٌ، ولَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أسَاسُ الدِّينِ، وعِمَادُ الْيَقِينِ، إلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالي، وبِهِمْ يَلْحَقُ التالي، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِراثَةُ"[9].
[1] «مجمع البيان» ج 3، ص 301.
[2] نقل أحمد بن حنبل هذا الحديث عن زيد بن ثابت بطريقين صحيحين، الأوّل في أوّل الصفحة 182، والثاني في آخر الصفحة 189، في الجزء الخامس من مسنده. قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وأهْلَ بَيْتِي وأنّهُمَا لَنْ يَفْتَرقِا حتى يَرِدَا عَلَيّ الْحَوْضَ". و(قال السيوطيّ) في تفسير «الدرّ المنثور» ج 2، ص 7: وأخرجه الترمذيّ وحسّنه وابن الأنباريّ في المصاحف عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنّي تَارِكٌ فِيكُمُ ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أحَدُهُما أعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي ولَنْ يَفْتِرِقَا حتى يَرِدا عَلَيّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهما". ونقل صاحب «غاية المرام في ص 11 فما بعدها تسعة وثلاثين حديثاً عن طريق العامّة، واثنين وثمانين حديثاً عن طريق الخاصّة.
[3] «الدرّ المنثور» ج 4، ص 259.
[4] «مناقب» ابن شهرآشوب ج 1، ص 259.
[5] «المصدر السابق» ج 2، ص 30.
[6] «المصدر السابق» ج 1، ص 258.
[9] «نهج البلاغة» ج 1 ص 29.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة