أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-12-28
225
التاريخ: 12-1-2017
1826
التاريخ: 1-07-2015
2018
التاريخ: 23-1-2019
1925
|
من خلال استعراض كتابات جميع المستشرقين وأعمالهم التي تناولوا فيها القرآن ، نجدها مليئةً بالشبهات وإثارات التشكيك والتشويه حول جوانب أساسيّة ، هي المقوّم الرئيسي له بصفته كتاباً سماويّاً كريماً ـ على اختلاف في درجات ومستويات التشكيك والشبهة والتشويه ـ ومن أبرزها هي :
إعجاز القرآن الكريم :
الهدف الأساسي من وراء التشكيك ونفي إعجاز القرآن الكريم ، في أسلوبه البلاغي وإخباراته الغيبيّة وحقائقه العلميّة واضح ، وهو إسقاط الدليل الذي يثبت سماويّته وخلوده بخلود جوانب إعجازه من جهة ، وإسقاط دعوى نبوّة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإرساله من قِبل الله تعالى للعالمين من جهة أُخرى .
وبذلك يفقد القرآن الكريم والنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قدسيّتهما لدى المسلمين ، تلك القدسيّة القائمة على أساس أنّ القرآن الكريم كلام الله ، أوحاه لنبيّه محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وعندها يصبح شأن القرآن لديهم شأن أيّ كتاب بشري يطاله التغيير والتعديل أو الإهمال ، وما ( محمّد ) إلاّ رجلٌ متميّز بذكاءٍ وقدرةٍ اجتماعيّة استطاع من خلالها أنْ يُهيمن على قومه ويقنعهم بأساليبه النفسيّة ، أنّه نبيٌ ورسولٌ لهم من الله بهذا القرآن .
وفي مقدّمة من أورد الشبهات وأثار التشكيكات في هذا الجانب من المستشرقين هو المستشرق الانجليزي ( دافيد صموئيل مرجليوث ) ، والذي ركّز شبهاته على إثارة الشكّ برواية الشعر العربي الجاهلي ، فلعلّ في الشعر الجاهلي الذي لم يُروَ ما هو أبلغ من القرآن .
وذلك لمنزلة الشعر الجاهلي باعتباره أمارة وعلامة على بلاغة القرآن وفصاحته ، وهذا القول يطوي تحته تشكيكا في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم .
وممّن في المقدّمة أيضاً المستشرقان ( كارل فلرِّس )(1) ، و( پاول كراوس )(2) اللذان يدّعيان أنّ القرآن لم يكن معرباً ، وان اللغويّين هُم الذين حذوه على مثال لغة الشعر العربي ، الذي يتميّز بوجود الإعراب في مقابل اللهجة الملكيّة ، التي كانت على زعمهما غير معربة (3) .
ويُمكن تلخيص محاولتهم هنا بلحاظ وجهين رئيسيّين(4) :
الوجه الأوّل :
محاولة إبراز النقص والخطأ في الأسلوب والمحتوى القرآني ، من خلال ثلاث شبهات :
الشبهة الأولى : بما إنّ المرتكز الرئيسي للإعجاز القرآني هو الفصاحة والبلاغة القرآنيّة ، ولما كنا نجد في القرآن الكريم بعض الآيات التي لا تنسجم مع قواعد وأُسُس الفصاحة والبلاغة والنطق التي وضعها العرب ، بل إنّها تخالفها ، إذن يمكننا [والقول للمستشرقين] الادعاء بأن القرآن الكريم ليس معجزاً ؛ لأنّه لم يسر على نهج القواعد العربيّة وأُصولها .
الشبهة الثانية : بالمقارنة بين القرآن والكتب الدينيّة الأُخرى كالتوراة والإنجيل ، نجده عنها عندما يتحدّث عن قصص الأنبياء، في حوادث كثيرة ينسبها إلى الأنبياء وأُممهم ، وهذا يدعونا للشكّ في أنْ يكون مصدر القرآن هو الوحي الإلهي ؛ وذلك لانّ الكتب الدينيّة الأُخرى هي من الوحي الإلهي باعتراف القرآن ، فكيف يُناقض الوحي نفسه في الإخبار عن حوادث تاريخيّة واقعيّة ؟
ثمّ إنّ هذهِ الكتب الدينيّة لا زالت تتداولها أُمم هؤلاء الأنبياء ، وهُم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم أدقّ اطّلاعاً على أحوالهم من القرآن ، الذي جاء في أُمّةٍ ومجتمعٍ منفصلَين عن تاريخ هؤلاء الأنبياء .
الشبهة الثالثة : إنّ أُسلوب القرآن في تناول الأفكار والمفاهيم وعرضها لا ينسجم مع أساليب البلاغة العربيّة ، ولا يسير على الطريقة العلميّة في المنهج والعرض ؛ وذلك لأنّه يجعل المواضيع المتعدّدة متشابكة بعضها مع بعض ، فهو حين يتحدّث في التاريخ ، ينتقل إلى موضوع آخر من الوعد والوعيد والحكم والأمثال والأحكام وغير ذلك من الجهات ، فلا يجعل القارئ قادراً على الإلمام بالأفكار القرآنيّة .
الوجه الثاني :
محاولة إثبات أنّ القرآن الكريم ليس معجزة ، لقدرة البشر على الإتيان بمثله ، وتمثّلت محاولاتهم بالشبها ت التالية :
الشبهة الأولى : إنّنا لا نشكّ في أنْ يتمكّن ذوو القدرة والمعرفة باللغة العربيّة ، من الإتيان بمثل بعض الكلمات القرآنيّة ، فحين تتوفّر هذه القدرة في بعض الكلمات فمن المعقول أنْ تتوفّر أيضاً في كلمات أُخرى ، وهذا ينتهي بنا إلى أنْ نجزم بوجود القدرة على الإتيان بسورة أو أكثر من القرآن الكريم لدى أمثال هؤلاء ؛ لأنّ من يقدر على بعض القرآن يُمكن أنْ نتصوّر فيه القدرة على الباقي بشكلٍ معقول .
الشبهة الثانية : إنّ العرب الذين عاصروا الدعوة أو تأخّروا عنها بزمنٍ قليل لم يُعارضوا القرآن الكريم ، لا لعدم قدرتهم على ذلك ، بل خوفاً على أنفسهم وأموالهم من المعارضة بسبب سيطرة المسلمين الدينيّة على الحكم ، ومحاربتهم كل من يُعادي الإسلام أو يظهر الخلاف معهُ .
وحين انتهت السلطة إلى الأمويّين ـ الذين لم يكونوا مهتمّين بالحفاظ على الإسلام والالتزام به ، الأمر الذي كان يفسح المجال لمن يُريد أنْ يعارض القرآن الكريم أنْ يُظهر معارضته ـ انصرف الناس عن التفكير بمعارضته ؛ لأنّه أصبح من المرتكزات الموروثة لديهم ، ولأنّ القرآن كان في ذلك الحين قد أصبح أمراً معروفاً ومألوفاً في حياة الأُمّة ، بأُسلوبه وطريقة عرضه ، بسبب رشاقة ألفاظه ومتانة معانيه .
الشبهة الثالثة : إنّ المعجزة لا يكفي فيها أنْ تكون مُعجزة لجميع البشر عن الإتيان بمثلها ، بل لابدّ أنْ تكون صالحة لأْن يتعرّف جميع الناس على جوانب التحدّي فيها ؛ لأنّها الدليل الذي بواسطته تثبت النبوّة ، والقرآن ليس كذلك ؛ لأنّ إعجازه في الأُسلوب البلاغي لا يكفي فيه عجز الناس عن الإتيان بمثله ، بل لابدّ من معرفة جوانب التحدّي والإعجاز فيه من بلاغته وسموّ التعبير فيه ، وهذه المعرفة لا تتوفّر إلاّ للخاصّة من الناس ، الذين يُمارسون الكلام العربي البليغ ، ويعرفون دقائق تركيبه وميزاته .
الوحي القرآني :
إنّ موضوع الوحي مرتبطٌ بشكلٍ وثيق ببحث إعجاز القرآن ؛ لأنّنا بإثباته نثبت أنّ القرآن ليس ظاهرة بشريّة ، فهو إذن ليس من صنع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإنّ السرّ في كلّ ما فيه من جوانب تحدٍّ ناشئ من ارتباطه بعالم الغيب ، وأيّة محاولة لنفي الوحي تعني فصل الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والقرآن الكريم عن عالم الغيب ، فلو أثبتنا إعجاز القرآن لكان دليلاً حاسماً على ارتباطهما بالغيب .
وقد انقسمت محاولات المستشرقين إلى قسمين : قسمٌ منهما حاول نفي الإعجاز لينفي بذلك دليل الوحي الكاشف عن الارتباط بالغيب ، والقسم الثاني حاول إبراز شخصيّة الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على أنّها شخصيّة ذات مَلَكات وقابليّات نادرة ، كان ما أبدعه من قرآنٍ وحديثٍ وسيرة علامةً بارزةً على عبقريّته الفريدة ، وبذلك طَوَوا مسألة الإعجاز ليُؤكّدوا على أنّ القرآن ظاهرة بشريّة من صنع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وما يتراءى من أنّهُ إعجاز ، ليس إلاّ نتاجُ عبقريّ بُهِرَ الناس به .
وبذلك تتكامل المحاولتان لضرب أساس الدين الإسلامي ، وبالتالي انهيار عقيدة المسلمين ، فينفتح الطريق أمام أُوربّا النصرانيّة لتغزو الشرق الإسلامي فكريّاً وحضارياً .
وتدرّجت محاولات المستشرقين في مسألة نفي الوحي القرآني فمنها ما كان بصيغة النفي المتعصّب الذي لا يلبث أنْ يكشف عن خلطه العلمي ، ومنها ما ارتقى إلى المحاولات المُتقنة بأساليب التنظير العلمي والاستدلال البرهاني . ولنأخذ نماذج من ذلك ثمّ نختم الموضوع بخلاصّة جامعة لمقولاتهم .
فمثلاً يقول المستشرق البريطاني ( مونتغمري وات ) : ( إنّ زيارة محمّد لحراء ، وهو جبل قريب من مكّة ، بصحبة عائلته أو بدونها ليست مستحيلة ، ويُمكن أنْ يكون ذلك للفرار من أُتون المدينة خلال فصل الصيف للذين لا يستطيعون التوجه الى الطائف)(5) .
ويحاول المستشرق ( كازانوفا )(6) في كتابه ( محمّد ونهاية العالم ) أنْ يثبت أنّ القرآن قد أضيف إلى الرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد وفاته ، وأنّه لم يكن وحياً من الله ، وإنّما دعت الحاجة في نظر أبي بكر وعمر إلى نسبته إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أمّا المستشرقون ( بول ديك ) و( نولدكه )(7) و( بور )(8) و( جونت ) ، فقد ادّعوا أنّ فواتح السِّور ليست من القرآن في شيء ، واختلفوا في نسبتها ، فالأوّل قال : إنّها رموز لمجموعات الصحُف ، التي كانت عند المسلمين قبل أنْ يوجد المصحف العثماني ، والثاني ادّعى أنّ الحروف المقطّعة في أوائل بعض السِّور ما هي إلاّ اختصارات للأسماء القديمة لسور القرآن ، وحاولا ترقيع هذهِ الاختصارات في أكثر من سورة واحدة .
أمّا المستشرقان ( أبراهام جيجر ) و( رودي باريت ) فقد ادّعيا أنّ النبيّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قد استقى الكثير من تعاليم القرآن الكريم من كتب الأديان السابقة ، فقال الأوّل منهما : ( إنّ النبيّ قرأ كتب اليهود المختلفة ، من التوراة والمكتوبات والأنبياء ، و( المشناو ) و( الجمارا ) (9) ، وهي من كتب التلمود و( المدراش )(10) و( الترجوم ) وضمّن تعاليمها في القرآن الكريم ) . أمّا الثاني فقال : ( إنّ النبيّ قد تأثّر في قرآنه بتعاليم النصرانيّة والبوذيّة ، وعلى الأخص دعوة التوحيد والإيمان بالبعث والنشور ، فالأولى في نظره من خصائص اليهوديّة ، والثانية من تعاليم النصرانيّة ) .
ولعلّ من أخبث أساليب إثارة الشبهة حول الوحي ، هو الأُسلوب القائل بما سُمّي بالوحي النفسي ، الذي حاول أو يضفي على النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، صفات الصدق والأمانة والإخلاص والذكاء ، الأمر الذي أدّى به أنْ يتخيّل نفسه أنّه ممّن يُوحى إليهم .
فإنّ هذا الأُسلوب يُحاول أنْ يُستّر دوافعه المُغرِضة بمظاهر الإنصاف والمحبّة والإعجاب ، وأبرز مَن فصّل في هذه الشبهة هو المستشرق الانجليزي ( جب )(11) ، وكذلك المستشرق ( أميل درمنغام )(12) على ضوء ما أجمله سابقهُ ( مونتيه )(13) .
ومن خلال ما أثاره المستشرق ( جب ) والمقدّمات العشر التي ساقها ( درمنغام ) ، ورتّب عليها مقولة الوحي النفسي(14) ، نستطيع أنّ نصوغ الشبهة بالخلاصة التالية :
( إنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد أدرك بقوّة عقلهِ الذاتيّة ، وبما تمتّع به من نقاءٍ وصفاء روحي ونفسي ، بطلان ما كان عليه قومه من عبادة الأصنام ، كما أدرك ذلك أيضاً أفرادٌ آخرون من قومه ، وإنّ فطرته الزكيّة ـ بالإضافة إلى بعض الظروف الموضوعيّة كالفقر ـ حالت دون أنْ يُمارس أساليب الظلم الاجتماعي من الاضطهاد ، واكل المال بالباطل ، أو الانغماس بالشهوات وارتكاب الفواحش ، كالاستمتاع بالسكر والتسرّي ، وعزف القيان وغير ذلك من القبائح ، وإنّه طال تفكيره من أجل إنقاذهم من ذلك الشرك القبيح ، وتطهيرهم من تلك الفواحش والمنكرات .
وقد استفاد من النصارى ، الذين لقيهم في أسفاره أو في مكّة نفسها ، كثيراً من المعلومات عن الأنبياء والمرسلين ، ممّن بعثهم الله في بني إسرائيل وغيرهم ، فأخرجوهم من الظلمات إلى النور ، كما أنّه لم يقبل جميع المعلومات التي وصلت إليه من هؤلاء النصارى ، كإلوهيّة المسيح وأمّه ، وغير ذلك ، وأنّه كان قد سمع أنّ الله سيبعث نبيّاً ، مثل أولئك الأنبياء ، من عرب الحجاز بشّر بهِ عيسى المسيح وغيرهُ من الأنبياء ، وتولّد في نفسه أمل ورجاء في أنْ يكون هو ذلك النبيّ الذي آن أوانه .
وأخذ يتوسّل إلى تحقيق هذا الأمل بالانقطاع إلى عبادة الله تعالى في خلوته بغار حِراء ،. وهنالك قوِيَ إيمانه وسما وجدانه ، فاتّسع محيط تفكيره ، وتضاعف نور بصيرته ، فاهتدى عقله الكبير إلى الآيات والدلائل البيّنة في السماء والأرض ، على وحدانيّة الله سبحانهُ وتعالى خالق الكون ومدبّر أموره ، وبذلك أصبح أهلاً لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ثمّ ما زال يفكّر ويتأمّل ويتقلّب بين الآلام والآمال ، حتّى تكوّن في نفسه يقين أنّه هو النبيّ المنتظر الذي يبعثه الله لهداية البشريّة، وتجلّى له هذا الاعتقاد في الرؤى المناميّة ، ثمّ قوِيَ حتّى صار يتصوّر أنّ الملَك يتمثّل له ليلقّنه الوحي في اليقظة ، وأمّا المعلومات التي جاءته من هذا الوحي ، فهي مستمدّة في الأصل من تلك المعلومات التي حصل عليها من اليهود والنصارى ، وممّا هداه إليه عقله وتفكيره في التمييز بين ما يصحّ منها وما لا يصح ، ولكنّها كانت تتجلّى وكأنّها وحي السماء ، وخطاب الخالق عزّ وجل ، يأتيه بها الناموس الأكبر ، الذي كان ينزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم ، وغيرهما من النبيّين (عليهم السلام)) .
ولم يكتفِ هؤلاء المستشرقون بطرح شُبهاتهم هذهِ عن القرآن الكريم سَواء في مسألة الإعجاز أم مسألة الوحي ، بل راحوا يدخلونها فقرات في المناهج والبرامج الدراسيّة لبعض الجامعات ، وتبنّوا مجموعة من الطلبة المسلمين لاستئناف دراسات وأبحاث في هذين الموضوعين ، إدراكاً منهم أنّ حساسيّة المسلمين تجاه ما يصدر عن غير المسلمين ، خصوصاً ما يتعلّق بمعتقداتهم ومقدّساتهم ، سيشكّل عَقَبة رئيسيّة في التأثير والتسليم بما يدّعيه هؤلاء المستشرقون .
إضافة إلى أنّ استئناف دراسة وبحث مثل هذهِ المسائل ذات العلاقة الموضوعيّة الوثيقة بتراث الإسلام والمسلمين ، وخصوصاً العرب ولغتهم العربيّة ، سيثري الشبهات المطروحة من قِبلهم ، ويعمّق مطالبها من الناحية العلميّة ، باعتبار إنّ هؤلاء المسلمين العرب هُم أعرف بدقائق لغتهم ومعتقداتهم . وفعلاً نجحوا في ذلك واستطاعوا من خلال أمثال الدكتور طه حسين(15) الذي فصّلَ كثيراً فيما ادّعوه بشأن الشعر العربي الجاهلي ، وكذلك أمين الخولي(16) وتلميذه الدكتور ( خلف الله)، أنْ يصِلوا إلى مآربهم ، خصوصاً فيما تناولوه بشأن الأُسلوب الفنّي للقصص والأخبار القرآنيّة ، بدعوى أنّها لا يُلتزم فيها الصدق وتحرّي الواقع ، وإنّما يعطي فيها القاص لنفسهِ الحريّة فيغيّر ويُبدّل ويزيد ويُنقص ، وبهذا يحاولون أنْ يشكّكوا فيما جاء في القرآن من قصص الأنبياء والرسل والأمم ، ويُحاولون الادّعاء بأنّ القرآن المعتمد على التمثيل والتشبيه لا يَنظر إلى الواقع ، وبذلك يفقد المسلمون ثقتهم بجانب إخباراته الغيبيّ كأحد أدلّة إعجازه ، وكونه وحياً من الله لا يأتيه الباطل ولا يطرأ عليه التبديل .
ترجمة القرآن للغات الأُخرى
في هذا الجانب تبرز بشكلٍ واضح النزعات العدائيّة للمستشرقين ، ويتفاقم خطر الشذوذ الاستشراقي لديهم ، إضافةً إلى السبب الذي يعود إلى عدم إيمانهم بالنص القرآني ، وعدم تقديسهم للأمانة العلميّة في الترجمة ، فتكون النتيجة مليئةً بالمغالطات الكبيرة ، وقد كانت أغلب ترجمات القرآن إلى اللغات الشرقيّة والغربيّة هي ما تمّ على يد المستشرقين ، حيث تُرجم ترجمةً كاملة إلى 79 لغة ، وترجمة ناقصة إلى 49 لغة وأبرز ما يُؤخذ على هذهِ الترجمات هي:
1 ـ أنّها ترجماتٌ مصوغةٌ صياغةً تُساعد على استنباط مبادئ مغايرة للنظريّات الإسلاميّة الصحيحة ، كالذي قام به المستشرقان ( جولد صيهر ) و( الفريد غيوم ) .
2 ـ أنّها ترجماتٌ حرّة غير ملتزمة ، وموافقة لأهوائهم من حيث التصرّف بالنصوص عن طريق التقديم والتأخير والإهمال والتحوير ، من قبيل ترجمتهم لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] ، فقد ترجمها ( سافاري آب ) كالآتي : ( لا تتزوّجوا النساء اللاتي كنَّ زوجات لآبائكم ، تلك جريمة ، إنّه طريق الضياع ، ولكنْ إذا كان الشرّ قد حدث فاحتفظوا بهن ) ، وترجم ( ماكس هانتج ) لفظة ( الإبل ) إلى الألمانيّة في قوله تعالى من سورة الغاشية : {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] ، بكلمة ( فولكن Wolken) أيّ سحاب .
أمّا ( جورج سيل )(17) فقد ترجم خطاب ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ....) إلى ( يا أهل مكّة ) ، وذلك بناءً على ادّعائه أنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يُريد إصلاح بني جِلدته وتقدّمهم اقتصاديّاً وسياسيّاً ، ولم يقصِد إلى مخاطبة البشر كلّهم(18) .
3 ـ محاولة البحث عن القراءات الشاذّة ، واتّخاذها ذريعةً لإيجاد الشكّ في وثاقة ومصدريّة القرآن .
4 ـ كانت بعض عمليّات الترجمة لدحض المبادئ الإسلاميّة وتغييرها .
5 ـ نشر الترجمات المضلّلة التي تنطوي على الحقد والتعصّب الأعمى .
6 ـ استخدام كلمات قديمة بائدة بحيث لا يفهمها المثقّفون الجُدد .
7 ـ الترجمة قامت في كثير من الأحيان بأسماءٍ مُستعارة وفيها التضليل الكثير .
8 ـ حاولوا من خلال ترجماتهم ـ خصوصاً الفرنسيّة منها ـ أنْ يبثّوا في الروع أنّ القرآن من وضع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه كتابٌ متناقض وليس بكتابٍ يُوحى به من الله تعالى .
9 ـ حاول بعض اليهود ، ومنهم المستشرق ( أبراهام جيجر ) إثبات نظريّته الشرّيرة القائلة بأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) اطلع على كتب اليهود بلغاتها المختلفة ، وأخذَ منهم كلَّ ما يهمّه .
10 ـ عند متابعة المقدّمات التي وضعت قبل الترجمات ، نجد التشهير بالإسلام وبالمسلمين وبالنبيّ بشكلٍ يأباه العلم والباحثون المنصفون .
11 ـ حاولوا إثارة ترجمة القرآن حسب النزول لإيجاد حالة التشكيك والتردّد لدى المسلمين العاديّين والمثقّفين المتأثّرين بالثقافة الغربيّة .
هذهِ خلاصة لنماذج هي أبرز ما طالته يد المستشرقين للنيل من قدسيّة القرآن الكريم ومقامه باعتباره كتاباً إلهياً ، وقد جاءت معبرة عن غاية خبثهم وعمق دوافعهم المعاديّة للإسلام وللأُمّة الإسلاميّة لتمهيد الطريق أمام حضارة أوربّا الاستعماريّة .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مستشرق ألماني ( 1857 ـ 1909م ) .
(2) مستشرق ألماني من أصل تشيكوسلوفاكي ( 1904 ـ 1944م ) .
(3) الجندي ، أنور ـ مخطّطات الاستشراق ـ مجلّة منار الإسلام ـ العدد 7 ـ السنة 14 .
(4) في عرض الشبهات حول الإعجاز القرآني ، تراجع المصادر التالية :
أ ـ الخوئي ، أبو القاسم ـ البيان .
ب ـ البلاغي ، محمّد جواد ـ الهدى إلى دين المصطفى .
ح ـ الحكيم ، محمّد باقر ـ علوم القرآن .
د ـ ابن نبيّ ، مالك ـ الظاهرة القرآنيّة .
(5) وات ، مونتغمري ـ ( محمّد في مكّة ) ـ ص18 .
(6) كازانوفا ( 1861 ـ 1926م ) : مستشرق فرنسي ، أُستاذ أُصول العربيّة في الجامعة المصريّة ، ترجم ( الخطط ) للمقريزي . عن المنجد ( الأعلام ) ، ص580 .
(7) نولدكه ، ثيودور ( 1836 ـ 1930م ) من مشاهير المستشرقين الألمان . ولد في همبورغ ، اشتغل خصوصاً في اللغات السريانيّة والعربيّة والفارسيّة . له ( تاريخ القرآن ) . عن المنجد ( الأعلام ) ص 719 .
(8) بور ، دي ( 1866 ـ 1942 ) مستشرق هولندي ـ أُستاذ الفلسفة في أمستردام له ، ( الفلسفة في الإسلام ) و( الغزالي وابن رشد ) . عن المنجد ( الأعلام ) ص148 .
(9) ( لمشناو ) هو الجزء الأوّل من التلمود ، ( الجمارا ) الجزء الثاني من التلمود ، وهي لفظةٌ أراميّة الأصل تعني ( التكملة ) أو ( التتمّة ) ، ويعتبر شرحاً وملحقاً للجزء الأوّل من التلمود ، وقد جُمع خلال فترة طويلة امتدّت من القرن الثالث إلى القرن الخامس للميلاد . عن البعلبكي ، منير ، موسوعة المورد المجلّد الرابع ص199 .
(10) ( المدراش ) : مجموعة التفاسير التقليديّة للتوراة عند اليهود ويُرجّح الباحثون أنّها وُضِعت ما بين عام 100 ق ، م وعام 200م . واللفظة عبريّة الأصل ، ومعناها ( الشرح ) أو ( التفسير ) . عن البعلبكي ، منير ( موسوعة المورد ) المجلّد السابع ص27 .
(11) جبّ ( غب ) ، هاملتون الكسندر Gibb Hamiton Alexandet Rosskeen (1895 ـ...): مستشرق انجليزي . أُستاذ الدراسات العربيّة بجامعة هارفارد بالولايات المتحدّة الأميركيّة ، طرح أفكاره في كتابه ( المذهب المحمّدي ) عني بدراسة التراث الإسلامي وتعريف الغربيين به . من أشهر آثاره : ( دراسات في حضارة الإسلام ) عام ( 1962م ) وقد نقله إلى العربيّة الدكاترة إحسان عباس ومحمّد يوسف نجم ومحمود زايد . راجع : البعلبكي ، منير ، موسوعة المورد ـ المجلّد 4 ص215 .
(12) راجع كتاب ( حياة محمّد ) .
(13) مونتيه ، ادوار ( 1856 ـ 1927م ) مستشرق فرنسي ولد في ليون . له ( حاضر الإسلام ومستقبله ) . عن المنجد ( الإعلام ) ص696 .
(14) راجع رضا ، محمّد رشيد ، الوحي المحمّدي ـ الفصل الثالث ص87 ـ 110 .
(15) طه حسين ( 1889 ـ 1973م ) أديب وناقد مصري . درس في الأزهر والجامعة الأهليّة ( المصريّة القديمة ) ، نال الدكتوراه فيها ، ثمّ درس في جامعة السوربون ، وتسنّم مناصب عديدة ، منها عميد كليّة الآداب بجامعة القاهرة ، ثمّ وزيراً للمعارف أيّام الحكم الملَكَي في مصر عام 1950م ، وعضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق ، ورئيساً لمجمع اللغة بمصر. أسّس جامعتي : الإسكندريّة التي تولّى إدارتها عام 1942م وجامعة عين شمس . لهُ عشرات الكتب الأدبيّة والنقديّة من أبرزها ( في الأدب الجاهلي ) . عن الزركلي ، خير الدين الأعلام ( قاموس تراجم ) م3 ص231، والمنجد ـ ( الأعلام ) ـ ص437 .
(16) أمين الخولي (1895 ـ 1966م) مصري ، تعلمّ بالأزهر وتخرّج من مدرسة القضاء الشرعي وعُيّن في الشؤون الدينيّة في السفارة المصريّة بروما ، ثمّ انتقل إلى برلين ، ثمّ أستاذاً في الجامعة المصريّة ، القديمة ، ثمّ وكيلاً لكليّة الآداب إلى سنة 1953م . من أعضاء المَجمع اللغوي بمصر . مثّل مصر في عدّة مؤتمرات ، له كتب لغويّة وأدبية متعدّدة .
عن الزركلي ، خير الدين ، الإعلام ( قاموس تراجم ) ، ص16 .
(17) جورج سيل (1697 ـ 1736م) مستشرق بريطاني . درس العربيّة واهتم بالإسلاميّات . نشر مؤلّفات كثيرة ، له ترجمة انجليزيّة شهيرة للقرآن . عن المنجد ( الإعلام ) . ص377 .
(18) الجندي ، أنور ، مخطّطات الاستشراق في ضرب العقيدة والقرآن والسنّة ـ مجلّة منار الإسلام العدد 7 ـ السنة 14 .
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
في مدينة الهرمل اللبنانية.. وفد العتبة الحسينية المقدسة يستمر بإغاثة العوائل السورية المنكوبة
|
|
|