أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-1-2023
1098
التاريخ: 28-3-2021
1644
التاريخ: 9-3-2016
1413
التاريخ: 2024-01-29
1314
|
جاء الانفصال التام عن الفيزياء الكلاسيكية مع إدراك أن مزيج الموجات والجسيمات لا ينطبق فقط على البروتونات والإلكترونات، بل يشمل أيضًا كلَّ «الجسيمات» وكلَّ «الموجات» التي هي في الواقع مزيج من الاثنين وكلُّ ما يحدث هو أن مكون الجسيم يطغى بقوة على الخليط في حال لو كنا نتحدث مثلا عن كرة بولينج أو مبنى. لكن ما زالت السمة الموجية هنالك تبعًا للعلاقة pλ = h ، مع أنها مهملة القيمة. أما في عالم الأشياء المتناهية الصغر، حيث تكون للسمتين الجسيمية والموجية للواقع الفعلي الأهمية نفسها، فتسلك الأشياء بالطريقة التي يمكن أن نفهمها من واقع خبرتنا في عالم الحياة اليومية. وليس الأمر فقط أن ذرة بور بما فيها من «مدارات» للإلكترونات صورة زائفة وغير حقيقية؛ ذلك أن كل الصور زائفة، وليس في مقدورنا أن نسوع تشبيها فيزيائيا لفهم ما يحدث داخل الذرات. فالذرات تسلك مسلك الذرات، وليس غير ذلك.
لخص السير آرثر إدنجتون الوضع بطريقة رائعة في كتابه «طبيعة العالم الفيزيائي» المنشور سنة .۱۹۲۹ ذلك حيث قال: «لا توجد تصورات مألوفة يمكن نسجها بخصوص الإلكترون» وأفضل وصف موجز للذرة هو أن «شئيًا مجهولاً يفعل ما لا نعلمه.» وأشار إلى أن ذلك «لا يبدو نظرية تنويرية على وجه الخصوص».
غير أن الفكرة هي أنه على الرغم من عدم معرفتنا بما تفعله الإلكترونات داخل الذرات، فإننا نعرف أن عدد الإلكترونات مهم. فإضافة بعض الأعداد كفيلة بأن تضفي معنى واضحًا على بعض الكلمات التي قد تبدو جوفاء بلا معنى.
هذه ليست ملاحظة على سبيل الطرفة. إذا علمنا أن الأعداد لا تتغير، كما أشار إدنجتون منذ أكثر من خمسين سنة، فإن كلَّ أساسيات الفيزياء يمكن ترجمتها إلى «مجرد هذيان وثرثرة فارغة». لن يحدثَ فقد للمعنى، بل من الجائز جني فائدة عظيمة إذا أزلنا الترابط الفطري الذي نصنعه في أذهاننا بين الذرات والكرات الصلبة وبين الإلكترونات والجسيمات الدقيقة. وتتضح الفكرة عن طريق الالتباس الذي يحيط بإحدى خصائص الإلكترون التي تسمى «الحركة المغزلية»، ولكنها لا تشبه بأي شكل لعبة «نحلة الأطفال» (أو الخُذْروف) وحركتها المغزلية، أو دوران الأرض حول محورها أثناء دورانها حول الشمس.
يتضمن أحد ألغاز التحليل الطيفي الذري، الذي فشل نموذج بور البسيط للذرة في تفسيره، انقسام خطوط الطيف التي كانت لا بد أن تكون مفردة إلى عدة خطوط متقاربة. ولأن كلَّ خط من خطوط الطيف يصاحبه انتقال من إحدى حالات الطاقة إلى حالة أخرى، فإن عدد الخطوط في الطيف يوضح عدد حالات الطاقة الموجودة في الذرة؛ عدد «الدرجات» الموجودة على سُلَّمِ الكَم، وعمق كل درجة. وقد توصل الفيزيائيون في أوائل عشرينيات القرن العشرين إلى عدة تفسيرات محتملة للبنية التعددية لخطوط الطيف، وذلك من واقع دراساتهم للطيف. وكان أفضل تفسير هو فولفجانج باولي، وقد تضمن ذلك وصف الإلكترون بأربعة أعداد كمية منفصلة. وقد حدث ذلك سنة ١٩٢٤ عندما كان الفيزيائيون لا يزالون يفكرون في الإلكترون على أنه جسيم، ويحاولون تفسير الخصائص الكمومية بمصطلحات مألوفة مستسقاة من عالم الحياة اليومية، وثلاثة من هذه الأعداد كانت متضمَّنة من قبل في نموذج بور، وكان الاعتقاد أنها تصف الزخم الزاوي للإلكترون (السرعة التي يدور بها في) مداره وشكل المدار واتجاهه. أما العدد الرابع فكان لا بد أن يرتبط بخاصية أخرى للإلكترون، وهي خاصية تجيء في احتمالين اثنين فقط، لتفسير الانقسام المشاهد في خطوط الطيف.
ولم يستغرق الأمر طويلًا ليتعلَّق الناسُ بفكرة العدد الكمي الرابع لباولي الذي يصفُ حركة الإلكترون «المغزلية» التي يمكن تصورها على أنها تشير إلى أعلى أو إلى أسفل، مما يجعل العددَ الكَمي ذا قيمتين. كان أول من اقترح ذلك هو الفيزيائي الشاب رالف كرونيج الذي كان يزور أوروبا بعد انتهائه من دراساته للدكتوراه في جامعة كولومبيا. (7) وقد اقترح أن يكون للإلكترون حركة مغزلية ذاتية، وهي إما أن تكون موازية للمجال المغناطيسي للذرة أو في اتجاه عكس التوازي قيمته نصف الوحدات الطبيعية (2π/h ). (8) ومما أثار استغرابه أن باولي نفسه قد عارض الفكرة بشدة، وذلك على الأغلب لأنها غير متفقة مع فكرة الإلكترون بوصفه جسيمًا في إطار نظرية النسبية. وكما أن الإلكترون الذي يدور في مدار حول النواة «يجب ألا يكون مستقرا تبعًا للنظرية الكهرومغناطيسية الكلاسيكية، فإن الإلكترون في الحركة المغزلية «يجب ألا يكون مستقرا تبعًا لنظرية النسبية. وربما كان على باولي أن يكون أكثر تفتحًا ذهنيًّا، لكن كانت النتيجة أن كرونيج تخلى عن الفكرة ولم ينشرها قط. وبعد أقل من عام، طرحت الفكرةُ نفسها من كلِّ من جورج أولنبيك وصمويل جودسميت من معهد الفيزياء النظرية في ليدن، وقد نشرا الاقتراح في المجلة الألمانية «ناتورفيسنشافتين» أواخر سنة ۱۹۲٥، وفي مجلة «نيتشر» سنة ١٩٢٦.
وسرعان ما نُقحَت نظرية الإلكترون ذي الحركة المغزلية لتفسر نهائيا مسألة انقسام خطوط الطيف، وبحلول مارس ١٩٢٦ أصبح باولي نفسه مقتنعًا بها. لكن ما المقصود بالحركة المغزلية؟ إذا حاولت تفسير مفهومها باللغة العادية، فإنه مثل بقية مفاهيم الكم سيراوغك كثيرًا. وقد يُقال لك في أحد «التفسيرات» مثلا (على نحو صحيح وفقًا للمعلومات المتوفّرة) أن الحركة المغزلية للإلكترون ليست مثل الحركة المغزلية للعبة «نحلة الأطفال»؛ لأن الإلكترون لا بد أن يدور مغزليا مرتين ليعود إلى نقطة البداية. ومرة أخرى، كيف يمكن لموجة الإلكترون أن تدور مغزليا على أية حال؟ لم يكن هناك من هو أسعد من باولي عندما تمكن سنة ١٩٣٢ من التوصل إلى أن الحركة المغزلية للإلكترون لا بور يمكن قياسها بواسطة أي تجربة كلاسيكية، مثل انحراف أشعة الإلكترونات عن طريق مجال مغناطيسي ولا تظهر هذه الخاصية إلا في التداخلات الكمية مثل تلك التي ينتج عنها انقسام خطوط الطيف، وليس لها أي معنى كلاسيكي على الإطلاق. وكم كان الأمر سيصبح سهلا أمام باولي ورفاقه الذين ناضلوا ليفهموا الذرة في عشرينيات القرن العشرين - لو أنهم تحدَّثوا عن الإلكترون بوصفه يتحرَّك حركة «حلزونية» بدلًا من «مغزلية» في المقام الأول.
وللأسف فإننا ملتزمون الآن بمصطلح «الحركة المغزلية»، ولا تجدي على الأرجح محاولات استخدام المصطلحات الكلاسيكية في فيزياء الكم. ومن الآن فصاعدًا، إذا صادفتك كلمة غير مألوفة في سياق غير مألوف فما عليك إلا أن تحاول تغييرها إلى كلام أجوف ثم تنظر إليها لترى ما إذا أصبحت أقل جلبًا للهلع أم لا. فلا أحد يفهم ما الذي يحدث «حقا» داخل الذرات، إلا أن أعداد باولي الكَمِّيةَ الأربعة تفسر بالفعل بعض السمات المهمة لطريقة إدراج «الكلمات الجوفاء» في «سياقات أوضح».
هوامش
(7) Arthur Compton had, in fact, speculated that the electron might spin back in 1920, but this idea had been aired in a different context and Kronig was not aware of it.
(8) The 2π comes in because there are that many radians in a complete circle, 360°. The fundamental unit h/2π is usually written as h. More of this later.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|