اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ مِنْ كَلِماتِكَ بأَتَمِّها ، وَكُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ . اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ بِكلِماتِكَ كلِّهَا . |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-09
![]()
التاريخ: 2023-07-31
![]()
التاريخ: 2024-08-26
![]()
التاريخ: 2024-09-03
![]() |
لعلّك بعد انفتاح بصيرة قلبك وخروجك عن سجن طبعك ، والرجوع إلى ما سبق من الكلام ، في غنىً عن كشف حقيقة الكلمة والكلام ، وفهم روحهما ، وعلى بيّنة من ربّك في تخريج لباب المعاني عن قشورها ، وبعثها عن قبورها .
وقد تفطّنت ممّا تلي على أُذُن قلبك وأُملي على روحك وعقلك ، أنّ عوالم الوجود وإقليم الكون من الغيب والشهود ، كتاب وآيات ([1]) وكلام وكلمات ، وله أبواب مبوبة وفصول مفصّلة ومفاتيح يفتتح بها الأبواب ومخاتيم يختتم بها الكتاب ، ولكلّ مفتاح أبواب ، ولكلّ باب فصول ، ولكلّ فصل آيات ، ولكلّ آية كلمات ، ولكلّ كلمة حروف ، ولكلّ حرف زبر وبيّنات .
ففاتحة الكتاب التكويني الإلهي الذي صنّفه - تعالى جدّه - بيد قدرته الكاملة ، التي ([2]) فيها كلّ الكتاب بالوجود الجمعي الإلهي ، المنزّه عن الكثرة ، المقدّس عن الشين والكدورة ، بوجه هو عالم العقول المجرّدة والروحانيّين من الملائكة والتعيّن الأوّل للمشيئة ، وبوجه عبارة عن نفس المشيئة ، فإنّها مفتاح غيب الوجود ؛ وفي الزيارة الجامعة : « بِكُم فتحَ اللَّه » ([3]) لتوافق أفقهم عليهم السلام لُافق المشيئة ؛ كما قال اللَّه تعالى حكاية عن هذا المعنى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ([4]) . وهم عليهم السلام ، من جهة الولاية متّحدون : « أوّلنا محمّد ، أوسطنا محمّد ، آخرنا محمّد ، كلّنا محمّد ، كلّنا من نور واحد » ([5]) .
ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب ، والفاتحة باعتبار الوجود الجمعي في «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وهو في باء « بسم اللَّه » وهو في نقطة تحت الباء ؛ قال علي - عليه السلام - على ما نسب إليه : « أنا النقطة » ([6]). وورد : « بالباء ظَهَر الوجودُ وبالنقطة تميَّز العابدُ عن المعبود » ([7]) .
وخاتمة الكتاب الإلهي والتصنيف الربّاني عالم الطبيعة وسجلّ الكون بحسب قوس النزول ، وإلّا فالختم والفتح واحد ؛ فإنّ ما تنزّل من سماء الإلهية عرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون ([8]) . وهذا وجه خاتمية النبيّ المكرّم والرسول الهاشمي المعظّم الذي هو أوّل الوجود ، كما ورد : « نحن السابقون الآخرون » ([9]) .
وبين فاتحة الكتاب وخاتمته سور وأبواب وآيات وفصول .
فإن اعتبر الوجود المطلق والتصنيف الإلهي المنسق بمراتبه ومنازله كتاباً واحداً ، يكون كلّ عالم من العوالم الكلّية باباً وجزءاً من أبوابه وجزواته ، وكلّ عالم من العوالم الجزئية سورة وفصلًا ، وكلّ مرتبة من مراتب كلّ عالم أو كلّ جزء من أجزائه آية وكلمة . وكأنّ قوله تعالى : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ إلى آخر الآيات ([10]) ، راجع إلى هذا الاعتبار .
وإن اعتبرت سلسلة الوجود كتباً متعدّدة وتصانيف متكثّرة ، يكون كلّ عالم كتاباً مستقلّاً له أبواب وآيات وكلمات ، باعتبار المراتب والأنواع والأفراد .
وكأنّ قوله تعالى : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ([11]) بحسب هذا الاعتبار .
وإن جمعنا بين الاعتبارين يكون الوجود المطلق كتاباً له مجلّدات ، كلّ جلد كتاب له أبواب وفصول وآيات وبيّنات .
تبيين وتوضيح : في الكلمات التامّات الإلهية يجب عليك أن تعلم أنّ تمامية كلّ شيء بحسبه ، فتمامية العلم بأن يكون انكشافه للحقائق تامّاً لا يخلطه الجهل والسترة والحجاب ؛ وتمامية النور بأن لا يخلطه الظلمة والكدورة ، وبعبارة أخرى خلوصه عمّا يقابله ومحوضته في حيثيات نفسه وكمالاته .
وبذاك القياس يمكن لك أن تعرف تمامية الكلام والكلمة وأتمّيتهما ، وأنّ التمامية فيهما باعتبار وضوح الدلالة وعدم الإجمال والتشابه ، وبالأخرة خلوصهما عمّا عدا جنس الكلام والكلمة .
فهذا الكتاب الإلهي بعض كلماته تامّ وبعضها أتمّ وبعضها ناقص وبعضها أنقص ؛ والنقص والتمام فيه باعتبار المرآتية لعالم الغيب الإلهي والسرّ المكنون والكنز المخفيّ.
فكلّ ما كان تجلّي الحقّ في مرآة ذاته أتمّ كان على العالم الغيب أدلّ .
فعالم العقول المجرّدة والنفوس الإسفهبدية لتنزّهها عن ظلمة المادّة وتقدّسها عن كدورة الهيولى وخلوصها عن غبار تعيّن الماهية ، كلمات تامّات إلهية ، ولكن لكون كلّ واحد منها مرآة صفة واحدة أو اسم فارد إلهي ، ناقص ؛ كما قال :
« فمنهم ركّع لا يسجدون ومنهم سجّد لا يركعون » ([12]) .
والإنسان الكامل لكونه كوناً جامعاً ومرآةً تامّاً لجميع الأسماء والصفات الإلهية أتمُّ الكلمات الإلهية ، بل هو الكتاب الإلهي الذي فيه كلّ الكتب الإلهية ؛ كما قال مولانا أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين - صلوات اللَّه وسلامه عليه - :
وتزعم أنّك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر ([13])
وقال اللَّه تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ([14]) . وهذا بحسب القوس النزولي ؛ ويدلّ على الكينونة السابقة قبل عالم الطبيعة ، كما هو المحقّق عندهم ([15]) .
والردّ من أعلى علّيين إلى أسفل السافلين لا يمكن إلّا بالعبور على المنازل المتوسّطة ، فمن الحضرة الواحدية والعين الثابت في العلم الإلهي تنزّل إلى عالم المشيئة ، ومنه إلى عالم العقول والروحانيين من الملائكة المقرّبين ، ومنه إلى عالم الملكوت العليا من النفوس الكلّية ، ومنه إلى البرازخ وعالم المثال ، ومنها إلى عالم الطبيعة بمراتبه ، إلى أسفل السافلين الذي هو عالم الهيولى وهو الأرض الأولى ؛ وباعتبار هو الأرض السابعة والطبقة النازلة ، وهذا غاية نزول الإنسان ، ثمّ تدرّج في السير من الهيولى التي هي مقبض القوس إلى أن دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ([16]) .
فالإنسان الكامل جميع سلسلة الوجود وبه يتمّ الدائرة ؛ و هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ([17]) وهو الكتاب الكلّي الإلهي ، والاعتبارات الثلاثة تأتي فيه أيضاً ؛ فإن اعتبر كتاباً واحداً كان سرّه وروحه وعقله ونفسه وخياله وطبعه أبواباً وسوراً ومراتب ، كلّ واحد منها آيات وكلمات إلهية ؛ وإن اعتبر كتباً متعدّدة كان كلّ واحد منها كتاباً مستقلًاّ له أبواب وفصول ؛ وإن جمع بين الاعتبارين كان كتاباً ذا مجلّدات وقرآناً ذا سور وآيات ، فهو بالوجود التفريقي وباعتبار التكثّر « فرقان » ، كما ورد أنّ عليّاً - عليه السلام - فيصل بين الحقّ والباطل ([18]) ، وباعتبار الوجود الجمعي « قرآن » .
تمثيل.. اعلم أنّ الإنسان الكامل هو مثل اللَّه الأعلى وآيته الكبرى ، وكتابه المستبين والنبأ العظيم ، وهو مخلوق على صورته ومنشأ بيدي قدرته وخليفة اللَّه على خليقته ومفتاح باب معرفته ، من عرفه فقد عرف اللَّه وهو بكلّ صفة من صفاته وتجلٍّ من تجلّياته آية من آيات اللَّه ، ومن الأمثال العليا على معرفة بارئه معرفة كلامه .
فليعلم أنّ الكلام عبارة عن تعيّن الهواء الخارج من باطن الإنسان بالسير إلى منازل المخارج والعبور عن مراحل السرّ إلى الخارج والظهور من عالم الغيب إلى الشهادة ، الكاشف عمّا في ضمير المتكلّم وسرّه وعن بطون مقصده وأمره ، فإنشاء المتكلّم للكلام وإيجاده له وإنزاله من عالم الغيب إلى الشهادة ومن سماء السرّ إلى العلن لتعلّق الحبّ الذاتي على إبراز كمالاته الباطنة وإظهار ملكاته الكامنة ، فقبل التكلّم والإنشاء كانت كمالاته في مرتبة الخفاء ، فأحبّ إظهارها وعشق إعلانها ، فأوجد وأنشأ لكي يعرف قدره وشأنه .
وأنت إذا كنت ذا قلب متنوّر بالأنوار الإلهية وذا روح مستضيء بالأشعّة الروحانية ، وأضاء زيت قلبك ولو لم تمسسه نار التعاليم الخارجية ، وكنت مستكفياً بالنور الباطني الذي يسعى بين يديك لانكشف لك سرّ الكتاب الإلهي ، بشرط الطهارة اللازمة في مسّ الكتاب الإلهي ، ولعرفت في مرآة المثل الأعلى والآية الكبرى حقيقة الكلام الإلهي وغاية تكلّمه تعالى ، وأنّ مراتب الوجود وعوالم الغيب والشهود كلام إلهي خارج بالهواء الذي هو المرتبة العمائية عن مرتبة الهويّة الغيبية ، نازل عن السماء الإلهية ، للحبّ الذاتي على إظهار كماله والتجلّي بأسمائه وصفاته لكي يعرف شأنه . كما في الحديث القدسي : « كنت كنزاً مخفيّاً ، فأحببت أن اعرف ، فخلقت الخلق لكي اعرف » ([19]) .
وعن علي عليه الصلاة والسلام : « لقد تجلّى اللَّه لعباده في كلامه ، ولكن لا يبصرون » ([20]) .
وعنه عليه السلام : « إنّما يقول لما أراد كونه : كن ، فيكون ؛ لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعله » ([21]) .
وقال أهل المعرفة : تكلّمه عبارة عن تجلّي الحقّ الحاصل من تعلّقي الإرادة والقدرة لإظهار ما في الغيب وإيجاده ([22]) .
بشارة : في نقل كلام صدر المتألّهين
قال صدر الحكماء المتألّهين وشيخ العرفاء الكاملين قدّس سرّه ([23]) في « الأسفار » :
« اعلم أيّها المسكين ، أنّ هذا القرآن انزل من الحقّ إلى الخلق مع ألف حجاب ، لأجل ضعفاء عيون القلوب وأخافيش أبصار البصائر ، فلو فرض أنّ باء « بسم اللَّه » مع عظمته التي كانت له في اللوح نزل إلى العرش لذاب واضمحل ، فكيف إلى السماء الدنيا ، وفي قوله تعالى : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ([24]) إشارة إلى هذا المعنى » ([25]) انتهى ما أردنا من كلامه ، رفع اللَّه علوّ مقامه .
وهذا كلام صادر عن معدن العلم والمعرفة مأخوذ عن مشكاة الوحي والنبوّة .
وأنا أقول : إنّ الكتاب التكويني الإلهي والقرآن الناطق الربّاني أيضاً نازل من عالم الغيب والخزينة المكنونة الإلهية مع سبعين ألف حجاب لحمل هذا الكتاب التدويني الإلهي ، وخلاص النفوس المنكوسة المسجونة ، عن سجن الطبيعة وجِهِنّامها ، وهداية غرباء هذه الديار الموحشة ، إلى أوطانها ، وإلّا فإن تجلّى هذا الكتاب المقدّس والمكتوب السبحاني الأقدس بإشارة من إشاراته وتغمّز من غمزاته برفع بعض الحجب النورية على السماوات والأرضين لاحترقت أركانها أو على ملائكة المقرّبين لاندكّت إنّيّاتها ، ونعم ما قيل :
احمد ار بگشايد آن پرّ جليل * تا ابد مدهوش ماند جبرئيل ([26]) فهذا الكتاب التكويني الإلهي وأوليائه الذين كلّهم كتب سماوية ، نازلون من لدن حكيم عليم وحاملون للقرآن التدويني ، ولم يكن أحد حاملًا له بظاهره وباطنه إلّا هؤلاء الأولياء المرضيّين ، كما ورد من طريقهم عليهم السلام :
فمن طريق « الكافي » عن أبي جعفر - عليه السلام - أنّه قال : « ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلِّه ظاهره وباطنه ، غير الأوصياء عليهم السلام » ([27]) .
ومن طريق « الكافي » أيضاً عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلَّه كما انزل إلّا كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من بعده عليهم السلام » ([28]) .
ومنه أيضاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام ، أنّه قال : « وعندنا - واللَّه - علم الكتاب كلِّه » ([29]) .
كلمة نورية : في الإشارة إلى تطبيق الكتابين
اعلم أنّه كما أنّ للكتاب التدويني الإلهي بطوناً سبعة باعتبار وسبعين بطناً بوجه لا يعلمها إلّا اللَّه والراسخون في العلم ، ولا يمسّها إلّا المطهّرون من الأحداث المعنوية والأخلاق الرذيلة السيّئة والمتحلّون بالفضائل العلمية والعملية ، وكلّ من تنزّهه وتقدّسه أكثر يكون تجلّي القرآن عليه أكثر وحظّه من حقائقه أوفر ، كذلك الكتب التكوينية الإلهية الأنفسية والآفاقية حذواً بالحذو ونعلًا بالنعل ، فإنّ لها بطوناً سبعة أو سبعين لا يعلم تأويلها وتفسيرها إلّا المتنزّهون عن أرجاس عالم الطبع وأحداثها ، ولا يمسّها إلّا المطهّرون ؛ فإنّها نازلة من الربّ الرحيم .
فجاهد أيّها المسكين في سبيل ربّك وطهّر قلبك واخرج عن حيطة الشيطان ، وارقَ واقرأ كتاب ربّك ورتّله ترتيلًا ولا تقف على قشره ، ولا تتوهّمن أنّ الكتاب السماوي والقرآن النازل الربّاني لا يكون إلّا هذا القشر والصورة ، فإنّ الوقوف على الصورة والعكوف على عالم الطبيعة وعدم التجاوز إلى اللبّ والباطن اخترام وهلاك وأصل أصول الجهالات واسّ أساس إنكار النبوّات والولايات .
فإنّ أوّل من وقف على الظاهر وعمي قلبه عن حظّ الباطن هو الشيطان اللعين ؛ حيث نظر إلى ظاهر آدم عليه السلام فاشتبه عليه الأمر وقال : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ([30]) و أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ([31]) فإنّ النار خير من الطين ، ولم يتفطّن بباطن آدم عليه السلام . والنظر إلى ظاهره فحسب بلا نظر إلى مقام نورانيته وروحانيته خروج عن مذهب البرهان ، ويجعل قياسه مغالطيّاً عليلًا ، كما ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام .
فمن طريق « الكافي » عن عيسى بن عبداللَّه القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له : « يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس ؟ » قال :
نعم . قال : « لا تقس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس ، حين قال : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * ، فقاس ما بين النار والطين ؛ ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر » ([32]) .
ومن هذا الخطاء والغلط والنظر إلى الظاهر وسدّ أبواب البواطن إنكار الناس للأنبياء والمرسلين بملاحظة أنّهم - عليهم السلام - [ كانوا ] يمشون في الأسواق ويأكلون ويشربون مثلهم ([33]) ، كما قال تعالى حكاية عنهم : قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ([34]) . تتميم مقال لإيضاح حال : في الإشارة إلى الجمع بين الظاهر والباطن
لا يذهبنَّ بنور عقلك الشيطان ولا يلتبس عليك الأمر حتّى تقع في الخذلان ، فإنّ الشيطان يوسوس في صدور الناس باختلاط الحقّ بالباطل والصحيح بالسقيم العاطل ، فربما يخرجك من الطريق المستقيم بظاهر صحيح وباطن سقيم فيقول : إنّ العلوم الظاهرية والأخذ بظاهر الكتب السماوية ليس بشيء وخروج عن الحقّ ؛ والعبارات القالبية والمناسك الصورية مجعولة للعوامّ كالأنعام وأهل الصورة وأصحاب القشور ، وأمّا أصحاب القلوب والمعارف وأهل الأسرار والعوارف فليس لهم إلّا الأذكار القلبية والخواطر السرّية التي هي بواطن المناسك ونهايتها وروح العبادات وغايتها ؛ وربما ينشد لك ويقول :
علم رسمي سر به سر قيل است وقال * نه از أو كيفيتى حاصل نه حال
علم نبود غير علم عاشقى * ما بقي تلبيس إبليس شقى ([35])
إلى غير ذلك من التلبيسات والتسويلات . فاستعذ باللَّه منه وقل له : أيّها اللعين ، هذه كلمة حقّ تريد بها الباطل ؛ فإنّ الظاهر المطعون هو الظاهر المنفصل عن الباطن والصورة المنعزلة عن المعنى ؛ فإنّه ليس بكتاب ولا قرآن . وأمّا الصورة المربوطة بالمعنى ، والعلن الموصول بالسرّ ، فهو المتّبع على لسان اللَّه ورسوله وأوليائه عليهم السلام ؛ كيف وعلم ظواهر الكتاب والسنّة من أجلّ العلوم قدراً وأرفعها منزلة ، وهو أساس الأعمال الظاهرية والتكاليف الإلهية والنواميس الشرعية والشرائع الإلهية والحكمة العملية ، التي هي الطريق المستقيم إلى الأسرار الربوبية والأنوار الغيبية والتجلّيات الإلهية ؛ ولولا الظاهر لما وصل سالك إلى كماله ولا مجاهد إلى مآله .
فالعارف الكامل : من حفظ المراتب ويكون ذا العينين وصاحب المقامين والنشأتين ، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، وقرأ ظاهر الكتاب وباطنه وتدبّر في صورته ومعناه وتفسيره وتأويله ؛ فإنّ الظاهر بلا باطن والصورة بلا معنىً كالجسد بلا روح والدنيا بلا آخرة ، كما أنّ الباطن لا يمكن تحصيله إلّا عن طريق الظاهر ؛ فإنّ « الدنيا مزرعة الآخرة » ([36]) ، فمن تمسّك بالظاهر ووقف على بابه قصر وعطل ، ويردّه الآيات ([37]) والروايات ([38]) المتكاثرة الدالّة على تحسين التدبّر في آيات اللَّه والتفكّر في كتبه ، والتعريض والاعتراض بالواقف على قشرهما . ومن سلك طريق الباطن بلا نظر إلى الظاهر ضلّ وأضلّ عن الطريق المستقيم ؛ ومن أخذ بالظاهر وتمسّك به للوصول إلى الحقائق ونظر في المرآة لرؤية جمال المحبوب فقد هدي إلى الصراط المستقيم وتلا الكتاب حقّ تلاوته ، وليس ممّن أعرض عن ذكر ربّه . واللَّه العالم بحقيقة كتابه وعنده علم الكتاب .
[1] قوله : « كتاب وآيات . . . » إلى آخره . لا يخفى أنّ لسلسلة الوجود اعتبارين آخرين : أحدهما - اعتبار الكثرة في الوحدة ، والثاني - اعتبار الوحدة في الكثرة . فهي بالاعتبار الأوّل كلمة واحدة هي كلمة « كن » الوجودي ، وأشار إليها بقوله تعالى : إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، ( أ ) وفي خطبة يوم الفطر عن أمير المؤمنين عليه السلام : « الذي بكلمته قامت السماوات السبع وقرّت الأرضون السبع ، وثبتت الجبال الرواسي وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جوّ السماء السحاب وقامت على حدودها البحار ، فتبارك اللَّه ربّ العالمين » . ( ب ) وبالاعتبار الثاني كلمات وكتاب ، كما أشار إليه في هذه الفقرة من الدعاء ؛ فتدبّر . [ منه عفي عنه ]
أ - يس ( 36 ) : 82 .
ب - مصباح المتهجّد : 459 ؛ الفقيه 1 : 326 / 1486 ؛ بحار الأنوار 88 : 30 / 5 .
[2] صفة فاتحة الكتاب . [ منه قدس سره ]
[3] الفقيه 2 : 374 / 1625 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 276 .
[4] النجم ( 53 ) : 8 - 9 .
[5] بحار الأنوار 26 : 16 / 2 ؛ مشارق أنوار اليقين : 160 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 52 .
[6] مشارق أنوار اليقين : 21 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 52 ؛ تفسير بيان السعادة 1 : 29 .
[7] تقدّم تخريجه في الصفحة 27 تحت الرقم 1 .
[8] اقتباس عن الآية 5 من سورة السجدة ( 32 ) .
[9] بصائر الدرجات : 83 / 10 ؛ بحار الأنوار 24 : 4 / 11 ؛ كنز العمّال 12 : 159 / 34475 .
[10] الروم ( 30 ) : 20 - 25 .
[11] الأنعام ( 6 ) : 59 .
[12] نهج البلاغة : 41 ، الخطبة الأولى . فيه : « منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون » .
[13] ديوان اشعار منسوب به حضرت أمير المؤمنين علي عليه السلام : 62 .
[14] التين ( 95 ) : 4 - 5 .
[15] شرح فصوص الحكم ، القيصري : 89 ؛ الحكمة المتعالية 8 : 331 - 332 و 353 - 378 ، و 9 : 195 .
[16] النجم ( 53 ) : 8 - 9 .
[17] الحديد ( 57 ) : 3 .
[18] راجع بحار الأنوار 36 : 264 / 85 ؛ 38 : 30 / 3 ، 32 / 10 . وفيها : فاروق بين الحق والباطل .
[19] مفاتيح الغيب ، صدر المتألّهين : 293 ؛ كلمات مكنونه : 33 ؛ بحار الأنوار 84 : 199 و 344 ؛ شرح الأسماء ، السبزواري : 126 .
[20] شرح الأسماء ، السبزواري : 437 ؛ وقد اسند في بحار الأنوار 89 : 107 / 2 وسائر المنابع إلى الصادق عليه السلام ، وفي نهج البلاغة : 204 ، الخطبة 147 : « فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه » .
[21] نهج البلاغة : 274 ، الخطبة 186 ؛ بحار الأنوار 4 : 254 / 8 .
[22] شرح فصوص الحكم ، القيصري : 45 .
[23] محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( - 1050 ق ) المعروف بصدر المتألّهين والمولى الصدرا . من أعظم الحكماء الإسلاميين . كان واسع العلم بالمدارس الفلسفية الإسلامية المنوّعة ، فضلًا عن تبحّره في الكلام والحكمة والعرفان ، متمكّناً من تدقيق وتحليل معضلات هذا الفنّ تمكّناً تامّاً . تعلّم مقدّمات العلوم فرحل إلى أصفهان وحضر دروس الشيخ بهاء الدين العاملي والميرالداماد . ثمّ ذهب إلى جبال قم وانعكف إلى العبادة والرياضة لمدّة خمسة عشر عاماً ؛ فكان كتابه العظيم « الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية » نتاج خلواته طي هذه الحقبة . فقرّر مباني مدرسته المعروفة بالحكمة المتعالية في كتابه هذا ، وبالغ في بسطه وتحريره . وله أيضاً : « الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية » ، « أسرار الآيات وأنوار البيّنات » ، « مفاتيح الغيب » و « شرح على الأصول من الكافي » .
راجع روضات الجنّات 4 : 117 - 119 ؛ هدية العارفين 2 : 279 .
[24] الحشر ( 59 ) : 21 .
[25] الحكمة المتعالية 7 : 30 - 31 .
[26] مثنوى معنوي : 721 ، دفتر چهارم ، بيت 3800 .
[27] الكافي 1 : 228 / 2 .
[28] الكافي 1 : 228 / 1 .
[29] الكافي 1 : 229 / 5 .
[30] الأعراف ( 7 ) : 12 .
[31] ص ( 38 ) : 76 .
[32] الكافي 1 : 58 / 20 .
[33] ونعم ما قال المثنوي المعنوي :
جمله عالم زين سبب گمراه شد * كم كسى ز ابدال حق آگاه شد
همسرى با أنبيا بگذاشتند * أوليا را مثل خود پنداشتند
گفته اينك ما بشر ايشان بشر * ما وايشان بستهء خوابيم وخور
اين ندانستند ايشان از عمى * هست فرقى در ميان بىمنتها
مثنوى معنوي ، دفتر أوّل : 16 / 264 .
[34] يس ( 36 ) : 15 .
[35] كلّيات شيخ بهائي ، مثنوى نان وحلوا : 120 ؛ الكشكول ، شيخ بهائي 1 : 209 .
[36] عوالي اللآلي 1 : 267 / 66 ؛ إحياء علوم الدين 4 : 31 .
[37] راجع : النساء ( 4 ) : 82 ؛ محمّد ( 47 ) : 24 .
[38] راجع وسائل الشيعة 6 : 170 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 3 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 237 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة القرآن ، الباب 3 .
|
|
هل يمكن أن تكون الطماطم مفتاح الوقاية من السرطان؟
|
|
|
|
|
اكتشاف عرائس"غريبة" عمرها 2400 عام على قمة هرم بالسلفادور
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تقيم ندوة علمية عن الاعتماد الأكاديمي في جامعة جابر بن حيّان
|
|
|