المنهج الوصفي التفسيري:

ويعتمد هذا المنهج في التعرف على خصائص الظاهرة ورصد وتسجيل ما يلاحظ عليها من خصائص، وذلك من خلال جمع الحقائق التي تتصل بالظاهرة، ثم وصفها وصفاً دقيقاً وشاملاً، وهذا الوصف قد يكون بالكلمة وقد يكون بالرقم.

وعملية الوصف هي عملية حصر أو مسح لمعطيات الواقع المستهدف، وهي تشكل مجرد مستوى تمهيدي لمستويات أعمق هي التصنيف والتفسير لذلك فإن وصف الظاهرة السكانية لا بد أن يقترن بملاحظة الظاهرة في كنف الوسط الجغرافي، وذلك للكشف عن تفاصيلها، وعن العلاقات الخفية التي توجد بين عناصرها أو بينها وبين الظواهر الأخرى ثم يأتي التفسير لمعرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى حدوث الظاهرة وليس الاكتفاء بتعداد صفاتها وخصائصها. فليس المهم أن تصف الظاهرة بمقدار معرفة كيف حدثت هذه الظاهرة. ويبدو بأن هذا هو الذي دفع واطسون) إلى القول بأن " الجغرافية لا تكون جيدة إذا لم تقم بالتفسير.

لذلك فإن التفسير يهدف إلى معرفة العوامل التي تتحكم في سير الظاهرة وتغير سلوكها، ولهذا فإذا أردنا فهم سلوك الظاهرة السكانية فلا بد من فهم خصائصها وتركيبها، أما إذا أردنا فهم العلاقات العمليات) فلا بد من اكتشاف النظم والقوانين التي تحكم سلوكها. وهذا ما أكده ( شيفر) حينما قال " إن تصورنا للجغرافية علماً يقتضي منا وضع القوانين التي تحكم التوزيع المكاني للظاهرات على سطح الأرض .

والتفسير عملية فكرية هامة تبرز فيها قدرات الباحث الذهنية وخبراته المعرفية وثروته العلمية. ويقوم فيها الباحث بالتجميع والتأليف بين أجزاء البحث بكل تفصيلاته وجميع ارتباطاته بالبحوث الأخرى، وعندئذ يدرك العلاقات السببية بين المتغيرات في الظاهرة السكانية التي يدرسها ويكون عندئذ قادرا على تعليل اتفاق المتفق والبرهنة على ائتلاف المؤتلف.

وجدير بالذكر أن دراسة أي ظاهرة سكانية يتطلب توجيه عدة أسئلة، ثم إيجاد التفسيرات المناسبة لها. فعلى سبيل المثال عند دراسة توزيع السكان في دولة معينة أو إقليم أو وحدة إدارية - تبرز عدة أسئلة مثل: ما هي صورة التوزيع في...؟ وكم عدد السكان في الحضر وكم في الريف؟ وما هي عوامل تغير التوزيع في سنوات المقارنة (أي سنوات التعداد؟ وما هي استراتيجية إعادة توزيع السكان في المستقبل؟ ثم يهتم بمعرفة أسباب التوزيع ومؤشراته، وما هي معدلات النمو العددي للسكان وتأثيراتها على التوزيع؟ وهكذا بالنسبة للظاهرات السكانية الأخرى التي ينبغي أن لا يغيب عن ذهن الباحث طرح مثل تلك التساؤلات وإيجاد التفسيرات المناسبة لها. وبناء على ما تقدم فإن كلمة الوصف والتفسير هما من صميم دعوة الكثير من الجغرافيين ومنهم الجغرافي الأمريكي ريتشارد هارتشورن " الذي قادته إلى القول إن اهتمام الجغرافية يتمثل في الوصف الدقيق والمنظم والمعقول وفي التفسير للخاصية المتغيرة لسطح الأرض.