1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الطفولة :

مرحلة الأطفال الدارجين (١٣-٣٦ شهرا): الحب غير المشروط

المؤلف:  د. لورا ماركهام

المصدر:  آباء مطمئنون أبناء سعداء

الجزء والصفحة:  ص140ــ145

2025-01-08

114

إذا كنتِ تهدئين طفلتك عندما تبكي، فسوف تزداد قدرتها شيئًا فشيئًا على التعامل مع الضغط النفسي من دون أن يتملكها الفزع وهذا أمر طيب، لأن السنوات الأولى من عمر الطفل هي على الأرجح الأكثر تحديا في تطور الإنسان، للأبوين والطفل على السواء. إذا تمكنا من مساعدة طفلتنا الدارجة على تطوير علاقة صحية مع عواطفها، فسوف تمتلك الأساس الذي تحتاج إليه للتمتع بمعدل ذكاء عاطفي عال طوال حياتها. والميزة الجانبية هي أن الأطفال الدارجين ذوي معدل الذكاء العاطفي العالي يكونون أسهل مراسًا بكثير بالنسبة إلى الآباء.

لماذا تمثل السنوات الأولى من عمر الطفل هذا التحدي من الناحية العاطفية؟ لأن المهمة الأولى للطفل الدارج هي تأكيد ذاته يحتاج طفلك الدارج إلى الشعور بأن لديه تأثيرًا في العالم وشيئا من التحكم في تجربته. هذا الشعور النامي بالسيطرة هو أمر طيب. إنه ما يسمح له في نهاية المطاف بتحمُّل المسؤولية عن نفسه.

من سوء الحظ، غالبًا ما تتعارض مهمة تمكين الذات التي يضطلع بها الطفل الدارج مع مهمة تنموية ضرورية أخرى، وهي حب نفسه. لماذا؟ لأن العديد من الآباء ليسوا مستعدين لرؤية صغيرهم البهيج يتحول إلى طفل معتد برأيه ومستعد للدفاع عن رغباته هم ما زالوا يحبونه بالطبع. لكن فجأةً، أولئك الآباء الذين كانوا في السابق مولعين به - كانوا تجسيد الكون الودود - يرسلون رسالة مختلفة تماما:

لا!... حذارِ أن تلمس هذا!... ابقَ ساكناً حتى أبدل لك ثيابك!... كف عن البكاء، فهذا لن يؤلمك!... سأضعك إذن بيدي في مقعد السيارة ذاك!... إياك وقول لا لي!... اترك ذلك وشأنه!... لقد كسرته!... إياك أن تضربني.... فتى شقي.... لقد عضضتني، أيها الشرير الصغير!

عندما تلاحظ كيف تتناسب شريحة النقانق تماما مع مشغل الأقراص المضغوطة، يضرب بابا يدها عندما تبدأ بالعواء لأن أبويها تحولا إلى وحشين، تحذر ماما أباها: ((تجاهلها. يجب ألا نكافئها على نوبة غضب)).

يشتد عواؤها. لقد تخلى عنها أبواها المتفهمان، أبواها اللذان اعتمدت عليهما لمساعدتها في التنقل بين كلا عالميها الداخلي والخارجي.

هذان الأبوان يعشقان طفلتهما، ويبذلان قصارى جهدهما لتعليمها قواعد مسؤوليتها. لكن الافتراض القائل إن علينا سحب حبنا لجعل طفلنا الدارج يفعل ما نريد هو افتراض خطير. عندما نقطع اتصالنا بطفلنا بصفة متكررة، سواء أكان ذلك باسم الانضباط أم الاستقلالية، فإن ذلك يدمر العلاقة الوثيقة التي عملنا بجد لبنائها.

لا يُلام الطفل الدارج على تساؤله عما إذا كانت مودة الكون مرهونة فقط بتصرفه كما يريد الكون. فقد يخلص في نهاية المطاف إلى أن تصرفه على طبيعته ليس مقبولا. إنه ما زال غير قادر على التحكم في أغلب سلوكياته، ولا يسعه حقا التمييز بين عواطفه «ذاته» وسلوكه، لذلك حتى وإن حرصت على قول الضرب فعل سيئ بدلا من أنت ولد سيئ فسوف يظل الفرق غائبًا عنه. إنه يفسر محاولاتنا في التأديب على أنها رسالة مفادها أنه إذا أراد أن يكون محبوبا من أسياد الكون (أبويه)، عليه أن يقمع عواطف معينة وأن يتظاهر بأنه مهذب.

من سوء الحظ، تلك الاستراتيجية خاسرة. إن قشرة الخزي النابعة من شعورنا بأننا سيئون يمكن أن تلقي بظلالها علينا مدى الحياة. يتعثر معظم البالغين بهذا الخزي المكبوت من حين إلى آخر، ويشعرون بأنه يعوقهم على الأقل بصفة مؤقتة. وهو لا يفيد في سلوك الطفل كذلك. لا يسعنا نحن البشر أن نحسن التصرف إلا بقدر الحُسن الذي نشعر به بداخلنا، والطفل الذي يشعر بأنه (سيئ) سرًّا، من المستبعد أن (يحسن) التصرف. من المعتاد أن نرى طفلا دارجًا يضرب كلب الأسرة على رأسه وهو يردد: (لا! لا تضرب الكلب).

وماذا عن نوبات الغضب، السمة المميزة للطفل الدارج؟ إن الأطفال الدارجين، مثلهم مثل بقيتنا يراكمون هرمونات الضغط النفسي مثل الكورتيزول والأدرينالين خلال تكيفهم مع إزعاجات الحياة اليومية. ومع تقدمنا في السن، يصير بوسعنا تفريغ تلك المواد البيوكيميائية من خلال التفكير والتحدث، فضلا عن الحركة والبكاء والتثاؤب والتعرق التي يفعلها الصغار. وعلى الرغم من تحسن قدرة الأطفال الدارجين على الحديث، فإن القشرة الجبهية لديهم لا تسعها بعد الهيمنة على المراكز العاطفية في الدماغ ومعالجة العواطف القوية بشكل لفظي من حسن الحظ، زودت الطبيعة الرُّضع والأطفال الدارجين بنظام مؤمن ضد التعطل للتخلص من البقايا الفسيولوجية لمخاوفهم وإحباطاتهم نوبات الغضب لا يستمتع الأطفال الدارجون بنوبات الغضب، هم يفضلون الشعور بالاتصال والاعتزاز. لكن عندما تجتاحهم عواطفهم لا يكون تطورهم العقلي كافيا للحفاظ على سيطرة عقلانية. لذلك تساعدهم فسيولوجيا جسمهم على استعادة التوازن من خلال الدخول في حالة انهيار تحرر كل تلك المشاعر والمواد البيوكيميائية المصاحبة لها.

وكما هي الحال مع تهدئة الطفل الرضيع، فإن الأبوين اللذين يجلسان بصبر مع طفلهما الدارج حين يمر بنوبة غضب يساعدانه على تعلّم تهدئة ذاته وإدارة عواطفه. لكن الكثير من الآباء يقعون في خطأ مفهوم تماما. هم يفترضون أن نوبات الغضب تقع ضمن نطاق تحكم طفلهم الدارج، أنه (يفتعل) نوبة غضب للتلاعب بهم ونيل مراده قد يستجيب البعض لنوبات الغضب بالتهديد بالهجر - كما يُعرف أيضًا بتجاهل الطفل حتى يهدأ - أو معاقبة الطفل بطريقة ما. والبحوث في هذا الموضوع واضحة كرنين الجرس. عندما يشعر الأطفال الصغار بالهجر، يستثير ذلك قلقًا قد يوقف نوبة الغضب مؤقتا، لكنه ينشئ إحساسًا عميقا بانعدام الأمان. فأنت تعلم أنك لن تترك طفلك أبدا في متجر البقالة، لكنه لا يعلم ذلك. وحينما نستجيب للأطفال الدارجين بصفعة صغيرة، قد يجمعون شتات أنفسهم أحيانًا في لحظتها. لكن الأطفال الدارجين الذين يستجيب آباؤهم لسلوكياتهم الصعبة بالتأديب الجسدي، ينتهي بهم المطاف إلى أن يصيروا أشد عدوانية وتذمرا وعنادًا بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى سن الروضة. يمكننا فهم ذلك إذا تذكرنا أن طفلنا الدارج ليس فأر تجارب يمكن تدريبه بالألم الجسدي أو التهديد، بل هو إنسان معقد يوحي استنكار الأبوين بهجران محتمل، الأمر الذي يستثير حالة من الذعر البدائي. يأتي برد فعل هو بالطبع محاولة منه للامتثال ويخلص إلى أن تأكيد ذاته، ورغبته في الاستكشاف، وحزنه، وخيبة أمله، وغضبه، كلها أمور سيئة وخطيرة، ومن ثُمَّ يحاول قمعها. بيد أنها معركة خاسرة، ولا سيما بالنظر إلى أن القشرة الجبهية لديه لا تزال بعد قيد النمو. فتندلع هذه المشاعر (السيئة)، على أي حال، عندما يضرب الكلب، ويشد شعر أمه، ويلقي بصحنه عبر الغرفة. والاستنتاج الذي لا محيد عنه؟ (عواطفي خطيرة وتدفعني إلى الإتيان بأفعال سيئة. أنا شخص سيئ، يخيب آمال أبويه).

من حسن الحظ، ثمة خارطة لمرحلة الطفولة الدارجة تحمي احترام طفلك لذاته، وتساعده على تطوير ذكائه العاطفي. لعلك تتذكر ذلك الرضيع المحظوظ الذي كان قد بدأ يطور نموذجا ناجحًا لعلاقات دافئة وآمنة ومحبة؟

الرضيع الذي أيقن بأنه يعيش في كون ودود؟ والآن يميل أبواه إلى تقبُّل كامل نطاق عواطفه مع الحد، في الوقت ذاته من سلوكه التدميري. عندما يخاف أو يخيب أمله، يتعاطفان معه عندما تعتريه نوبة غضب، يضمانه أو يبقيان بقربه، ويعترفان بغضبه ويرحبان بالدموع المختبئة وراءه. بدلا من النظر إلى نوبات الغضب بوصفها سلوكا غير مستحب، يفهم هذان الأبوان الحكيمان أن صغيرهما يحدثهما عن تجربته. ومن تقبلهما المحب له، يتعلم أن بالإمكان احتمال حتى أشد مشاعره صعوبة تجتاحنا، فنسمح بها، فتتبدد. هذه العواطف هي ببساطة جزء من العالم الكبير الذي يتعلم الطفل الدارج كثيرًا عنه كل يوم، حتى إن هنالك أسماء لها: (كم أنت غاضب!)... «أنت حزين بسبب قولك وداعًا لبابا، لذلك تبكي»... «تريد مني أن أضع هاتفي جانبا، وأنظر إليك وحدك. لا بد أنك تشعر بالغيرة. تريدني أن أكون لك وحدك الآن».

والأكيد أن ترك طفلك الدارج يتصرف وفق كل شعور يساوره هو تنصل من مسؤوليتك في توجيهه ذلك أن السماح بالمشاعر لا يعني، بالضرورة، السماح بتصرفات مبنية على تلك المشاعر ومن الحدود التعاطفية التي تضعينها يتعلم أنه في حين يمكنه أن يستشيط غضبا من زميله في اللعب لأخذه الشاحنة القلابة، فلا يجوز له أن يضربه.

إن منحه كلمات ليتفكر في مشاعره ومشاعر الآخرين يطور ما نعدّه ضمير طفلنا الدارج. يبني فهمه الناشئ للكلمات داخل دماغه روابط في القشرة الجبهية الحجاجية، التي بالتنسيق مع مناطق أخرى في القشرة قبل الجبهية والقشرة الحزامية الأمامية تدير عواطفه وتساعده على الاستجابة لعواطف الآخرين كما ينبغي. يحصل النصف الأيمن العاطفي من الدماغ، الذي هيمن طوال مرحلة الرضاعة على مدير يساعده على التفاعل مع بقية الدماغ. كما تقول سو جيرهارد: (من خلال الروابط الموجودة بين القشرة الجبهية الحجاجية وأنظمة الدماغ الأكثر بدائية، يمكن تثبيط الاستجابات الغاضبة، وإطفاء الخوف، وكبح المشاعر التي تنشأ في المناطق تحت القشرية بصفة عامة. إن القدرة على إخماد وتأجيل الاندفاعات والرغبات الفورية هي الأساس لقوة الإرادة وضبط النفس، فضلا عن القدرة على التعاطف.

عندما نقول إن الأطفال الدارجين بحاجة إلى التحضر، ما نعنيه هو أنهم بحاجة إلى مساعدتنا لتطوير قدرتهم الداخلية على إدارة عواطفهم القوية حتى يمكنهم اتباع القواعد الأساسية والانسجام مع الآخرين. والطريقة التي نستجيب بها لعواطفهم الفوضوية وسلوكهم الجامح تحدد ما إذا كانوا سيبنون ذاك النوع من الأدمغة. يؤدي العقاب والانفصال إلى مزيد من الانزعاج ونقص في التنظيم الذاتي. وفي المقابل، يأتي الإرشاد التعاطفي، الذي يساعد طفلنا الدارج على تطوير دماغ قادر على تنظيم نفسه من الناحية العاطفية في غضون بضع سنوات قصيرة. هذه القدرة المتزايدة على تهدئة خوفه واستجاباته الغاضبة تسهل عليه بلوغ التعاطف الفطري الذي لطالما كان موجودًا لديه. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي