النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
اليمانيون في حركة ظهور الإمام المهدي "عج"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص507-538
2025-06-17
24
تفضيل النبي صلى الله عليه وآله أهل اليمن على غيرهم
روى الجميع أحاديث مدح النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن ، وتفضيلهم على غيرهم .
1 . ومن أشهرها ما رواه البخاري « 5 / 122 » : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أتاكم أهل اليمن ، هم أرقُّ أفئدةً ، وألْيَنُ قلوباً ، الإيمان يمانٍ ، والحكمة يمانية ، والفخر والخُيَلاءُ في أصحاب الإبل ، والسكينة والوقار في أهل الغنم ! وعن ابن مسعود قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الإيمان هاهنا وأشار بيده إلى اليمن . والجفاء وغلظ القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل ، من حيث يطلع قرنا الشيطان ، ربيعة ومضر » .
2 . وما رواه مسلم « 1 / 51 » : عن أبي هريرة قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل ، الفدَّادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم » .
3 . وما رواه في الكافي « 8 / 70 » : عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة ، فقال أبو بكر : لعن الله صاحب هذا القبر ، فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ، ويكذب رسول الله ، فقال خالد ابنه : بل لعن الله أبا قحافة ، فوالله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو ، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقداً . فألقى رسول الله خطام راحلته على غاربها ، ثم قال : إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا ، فيغضب وُلْدُهُ . ثم وقف فعُرضت عليه الخيل فمر به فرس ، فقال عيينة بن حصن : إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذرنا ، فأنا أعلم بالخيل منك ، فقال : عيينة وأنا أعلم بالرجال منك ! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له : فأي الرجال أفضل ؟ فقال عيينة بن حصن : رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ، ورماحهم على كواثب خيلهم ، ثم يضربون بها قدماً قدماً . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذبت ، بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن ، الجفا والقسوة في الفدَّادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر ، من حيث يطلع قرن الشمس . ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة ، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة » .
4 . وفي شرح النووي لمسلم « 2 / 29 » : « أشار النبي صلى الله عليه وآله بيده نحو اليمن فقال : ألا إن الإيمان هاهنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان ، في ربيعة ومضر .
وفي رواية : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء ، في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم . وفي رواية : الإيمانُ يمانٍ ، والفقه يمانٍ والحكمةُ يمانية .
وفي رواية : دعائم أمتي أهل اليمن .
وفي رواية : أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب خير أهل الأرض .
وفي رواية : هم ألين قلوباً وأرق أفئدة . الإيمان يمان ، ورأس الكفر قبل المشرق .
وفي رواية : أشار بيده نحو اليمن فقال : إن اليُمْنَ ها هنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين ، عند أصول أذناب الإبل ، في ربيعة ومضر .
وفي رواية : أجد نَفَس ربكم من قبل اليمن ، ألا إن الكفر والفسوق وقسوة القلب في الفدادين أصحاب الشعر والوبر ، يغشاهم الشيطان .
وفي رواية : من أحب أهل اليمن فقد أحبني ، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني . الإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حمير خير من آكلها « محكومها خير من حاكمها » ، وحضرموت خير من بني الحار .
وفي رواية : زينُ الحاج أهل اليمن . الإيمان يمان ، ومضرعند أذناب الإبل .
وفي رواية : جاءكم أهل اليمن يَبُسُّون بَسيساً . قومٌ رقيقةٌ قلوبهم ، راسخٌ إيمانهم ، ومنهم المنصور يخرج في سبعين ألفاً ، ينصر خلفي وخلف وصيي . حمائل سيوفهم المسك .
وفي رواية : خير الرجال رجال أهل اليمن ، الإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حمير خير من آكلها ، وحضرموت خير من بني الحارث وقبيلة خير من قبيلة ، وقبيلة شر من قبيلة ، والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما ، لعن الله الملوك الأربعة : جمداء ومخوساء ومشرحاء وأبضعة ، وأختهم العمردة ، ثم أمرني ربي عز وجل أن ألعن قريشاً مرتين فلعنتهم ، ثم أمرني ربي أن أصلي عليهم مرتين فصليت عليهم .
5 . وفي كتاب البلدان لابن الفقيه الهمذاني / 91 : « لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد جاءكم أهل اليمن أرق قلوباً منكم ، وهم أول من جاءنا بالمصافحة . وقال : الإيمان يمان والحكمة يمانية والإسلام يمان وقال : أهل اليمن زين الحاج . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تعذّر على أحدكم الملتمس فعليه بهذا الوجه ، وأشار إلى اليمن » .
6 . وفي رواية الكافي « 4 / 205 » عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إن الله عز وجل أمر إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ، ويُرِي الناس مناسكهم ، فبنى إبراهيم وإسماعيل عليه السلام البيت كل يوم سافاً حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود . قال : أبو جعفر عليه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم عليه السلام : إن لك عندي وديعة ، فأعطاه الحجر فوضعه موضعه . ثم إن إبراهيم عليه السلام أذَّنَ في الناس بالحج فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله ، إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت ، فحجوه . فأجابه من يحج إلى يوم القيامة ، وكان أول من أجابه من أهل اليمن » .
وفي عمدة القاري « 9 / 128 » : « قيل أول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجاً ، وهذا قول الجمهور » .
وفي عون المعبود « 5 / 175 » : « فسمعه من بين السماء والأرض . . فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وأول من أجابه أهل اليمن ، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة ، إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ » .
محاولة القرشيين إبطال أحاديث مدح اليمن
عظم على علماء السلطة القرشية مدح النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن وتفضيلهم على أهل نجد والحجاز ! فحاولوا إبعاد الذم عن أهل نجد والحجاز وقالوا إن الفدَّادين الذين يحرثون على فدَّان البقر أي اليمنيين ! مع أنه صلى الله عليه وآله نصَّ على أن الفدَّادين أهل نجد والحجاز ، فقال كما في البخاري : الإيمان هاهنا ، وأشار بيده إلى اليمن . والجفاء وغلظ القلوب في الفدَّادين ، عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ، ربيعة ومضر .
وقال لعيينة بن حصن لما فضَّل أهل نجد : بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن ، الجفا والقسوة في الفدَّادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر ، من حيث يطلع قرن الشمس . ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة ، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة .
فالفدادون أهل صحراء ، وأصحاب إبل ، وأهل الشعر والوبر ، وأهل الخيل والوبر ، وليسوا أهل زراعة . لذلك يتعين أن تكون كلمة الفدادين من فَدَدَ بمعنى صرَّخ ، وليس من فَدَنَ بمعنى فدَّان الحراثة . فالمعنى أن الجفاء في الفدَّادين أهل الصراخ والصياح على إبلهم وحيواناتهم وأنفسهم . وهم الذين صرخوا على النبي صلى الله عليه وآله من وراء بيته وقالوا : أخرج الينا يا محمد ! فقال الله عنهم : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ .
والكلام بالصراخ : هاه ، هوه ، هاي . صفة النجديين في حياتهم اليومية إلى يومنا . فهذا معنى الفَدَّادين .
قال في الصحاح « 2 / 518 » : « الفديد : الصوت . وقد فدَّ الرجل يفدُّ فديداً . ورجل فَدَّاد : شديد الصوت . وفي الحديث : إن الجفاء والقسوة في الفدادين بالتشديد ، وهم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم » .
وقال في مجمع البحرين « 3 / 119 » : « في الحديث : الجفاء والقسوة في الفدادين . الفدادون يفسر بوجهين : أحدهما أن يكون جمعاً للفداد ، وهو شديد الصوت من الفديد ، وذلك من دأب أصحاب الإبل . وهذا إذا رويته بتشديد الدال من فَدَّ يَفِدُّ : إذا رفع صوته . والوجه الآخر أنه جمع الفدان مشدداً ، وهي البقر التي يحرث عليها أهلها وذلك إذا رويته بالتخفيف » .
وفي الطراز « 6 / 134 » : « فد فديداً كحنَّ حنيناً : صاح وأجلب وعدا » .
محاولة ثانية لعلماء السلطة لإبطال مدح اليمن
ومن محاولاتهم لتخريب معنى الحديث ، وجعله مدحاً لأهل الحجاز ونجد ! ما قاله النووي في شرح مسلم « 2 / 32 » : « اختُلف في مواضع من هذا الحديث وقد جمعها القاضي عياض ، ونقحها مختصرة بعده الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، قال : أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى ! فحكى أبو عبيد إمام الغرب ثم مَن بعده في ذلك أقوالاً :
أحدها : أنه أراد بذلك مكة فإنه يقال أن مكة من تهامة وتهامة من اليمن .
والثاني : أن المراد مكة والمدينة ، فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قال هذا الكلام وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة فقال : الإيمان يمان ، ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن ، كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن !
والثالث : ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد ، أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب الإيمان إليهم . . ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره ، وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ، ولما تركوا الظاهر ، ولقضوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك إذ من ألفاظه : أتاكم أهل اليمن ، والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذن غيرهم ، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله : جاء أهل اليمن ، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ، ثم إنه صلى الله عليه وآله وصفهم بما يقضى بكمال إيمانهم ورتب عليه الإيمان يمان ، فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن ، لا إلى مكة والمدينة . ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره ، وحمله على أهل اليمن حقيقة ، لأن من اتصف بشئ وقوي قيامه به وتأكد اطلاعه منه ، ينسب ذلك الشئ إليه ، إشعاراً بتميزه به وكمال حاله فيه . وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان ، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وفى أعقاب موته ، كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني ، وشبههما ممن سلم قلبه وقوى إيمانه ، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعاراً بكمال إيمانهم ، من غير أن يكون في ذلك نفيٌ له عن غيرهم . فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وآله : الإيمان في أهل الحجاز .
ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ ، لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه ! هذا هو الحق في ذلك » .
أقول : حاول النووي أن يكون منصفاً ولم يستطع ، فقد خالف تمحلهم بأن اليمن في هذه الأحاديث بمعنى الحجاز أو الأنصار ، لأنه أحس أن ذلك تزوير لا يتحمله اللفظ ، فأقرأنها بمعناها المتبادر الظاهر ، لكنه حصرها بأهل ذلك الزمان ، ثم صحح رواية : الإيمان في أهل الحجاز وهي مقابل : الإيمان يمانٍ !
العموم والاستثناء في تفضيل النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن
يدل مدح اليمانيين على أنهم أفضل نسبياً من غيرهم ، وهناك استثناءات لُبِّيَّة من هذا الإطلاق ، فهو لا ينفي الإيمان عن غيرهم ، كما لا ينفي تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم ، لأنهم لا يقاس بهم أحد .
كما لا ينفي أن يكون آخرون من الأمة أفضل منهم ، لأن الميزان : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ . وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام « الكافي : 2 / 83 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسرأم على يسر » .
وقال علي عليه السلام « نهج البلاغة : 2 / 6 » : « إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وكَرَثه من الباطل وإن جر إليه فائدة وزاده » .
وعن الإمام الصادق عليه السلام « المحاسن : 1 / 37 » : « من سبح الله مائة مرة ، كان أفضل الناس ذلك اليوم ، إلا من قال مثل قوله » .
لذلك لاخوف من تفضيل اليمانيين كما خافت قريش ، فهو تفضيل لشعب اليمن بعمومه وليس لكل فرد فرد فيه ، ففي اليمن كما في غيره أفراد أعداء لله ورسوله صلى الله عليه وآله من أهل النار ، لكن عموم اليمانيين جيدون . كما أن التفضيل لا يختص بالجيل الذي كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله كما زعم بعض علماء السلطة ، بل يشمل كل أجيالهم إلى يوم القيامة .
وينبغي التنبيه على أن ذكر النبي صلى الله عليه وآله لبني عاملة من جملة اليمن ، يدل على عموم المدح لفروعهم كالأنصار والعامليين . وهو فخر لهم نحسبه ذخراً .
عداء معاوية وبني أمية لأهل اليمن
روى البلاذري في أنساب الأشراف « 5 / 215 » قال الشعبي : « كتب زياد إلى معاوية : إن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إليَّ بسيرة أسيرها في العرب . فكتب إليه معاوية : يا أبا المغيرة قد كنت لهذا منك منتظراً ، أنظر أهل اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر ، وانظر هذا الحيّ من ربيعة فأكرم أشرافهم وأهن سفلتهم ، فإن السفلة تبع للأشراف ، فأما هذا الحي من مضر فإن فيهم فظاظة وغلظة ، فاحمل بعضهم على رقاب بعض ، ولا ترض بالظن دون اليقين ، وبالقول دون الفعل ، واترك الأمور بينك وبين الناس على أشدها ، والسلام » .
وفي التذكرة الحمدونية « 7 / 181 » : « قال معاوية لرجل من أهل اليمن : ما كان أحمق قومك حين ملَّكوا عليهم امرأة ! قال : قومك أشدُّ حماقةً إذ قالوا : اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، هلَّا قالوا : فاهدنا له » .
وروى الطبراني في الأوسط « 5 / 57 » : « أتى رسول الله صلى الله عليه وآله أعرابي فقال : يا رسول الله إلعن أهل اليمن ثلاثاً ، فسكت عنه ثم قال : أين هذا السائل الذي سألني أن ألعن أهل اليمن ؟ فقام إليه الرجل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن الإيمان يمان والحكمة يمانية ، وأجد نَفَس ربكم من قبل اليمن ، ألا إن الكفر والفسوق وقسوة القلب في الفدَّادين ، أصحاب الشعر والوبر ، يغشاهم الشيطان على أعجاز الإبل ! فقام الرجل مغضباً ، فقال صلى الله عليه وآله : إرجع عليَّ أزيدك » !
وسيأتي في حديث اليماني الذي ينصر المهدي عليه السلام الذي رواه البخاري أن عبد الله بن عمرو أخبر اليمانيين بخبره عن النبي صلى الله عليه وآله فغضب معاوية وصعد المنبر ووبخ عبد الله ، وقال إنه لا يوجد ملك لغير قريش إلى أن تقوم القيامة !
أحاديث اليماني الموعود من مصادر السنيين
الحديث الأول : حديث اليماني الذي محاه معاوية !
قال عبد الله بن عمرو بن العاص يوماً لليمانيين إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعدكم بملك يماني وروى لهم حديثه فاستبشروا .
وعرف معاوية فاستشاط غضباً ، وصعد المنبر وصبَّ غضبه على عبد الله بن عمرو ، ووبخه وسماه جاهلاً ، مع أن عبد الله أخبر منه بالحديث وكان يكتب أحاديث النبي في حياته صلى الله عليه وآله ، بينما كان معاوية هارباً في اليمن حتى توسط له العباس قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله فعفا عنه وجاء إلى المدينة !
قال البخاري في صحيحه « 4 / 155 ، و : 8 / 105 » : « كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية فقام خطيباً ، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تُؤثر عن رسول الله ، فأولئك جهالكم ! فإياكم والأماني التي تضل أهلها ! فإني سمعت رسول الله يقول : إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ، ما أقاموا الدين » .
وبهذا الغضب محا معاوية حديث اليماني ! فأطاعه الرواة وغيبوه وضيعوه ، ثم حرفوه ! لكنه كان معروفاً للناس ، وأن اسم اليماني ثلاثة أحرف !
قال المسعودي عن ثورة عبد الرحمن بن الأشعث الكندي اليماني : « فلما عظمت جموعه ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقراؤهم ونساكهم عند قربه منها ، خلع عبد الملك وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى نفسه ناصر المؤمنين ، وذكر له أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية ، وأنه يعيد الملك فيها ، فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف ! فقال : اسمي عبد ، وأما الرحمن فليس من اسمي » ! « التنبيه والأشراف / 272 » .
وقال البلخي في البدء والتاريخ « 2 / 184 » عن عبد الله بن عمر قال : « لما خرج سمي بالقحطاني وكتب إلى العمال : من عبد الرحمن ناصر أمير المؤمنين ، يقصد بذلك المهدي المنتظر عليه السلام . فقيل له : إن اسم القحطاني على ثلاثة أحرف ، فقال : اسمي عبد ، وليس الرحمن من اسمي » !
أقول : يدل ذلك على أن حديث اليماني كان متسالماً عليه عند الناس ، وأن اسمه ثلاثة حروف ، وقد يكون حسن ، وأنه ناصر الإمام المهدي عليه السلام .
ونلاحظ أن المصادر السنية بعد هذه الحادثة روت توبة عبد الله بن عمرو العاص ، وروت في اليماني أحاديث متضاربة ، بعضها يقول يأتي مع المهدي وبعضها يقول بعده ، وأكثرها يذمه ولا يمدحه !
وهذا يدلك على سيطرة القرشيين على رواية الحديث ، وأنهم منعوا رواية أي حديث يبشر بظهور قائد يماني ، لأنه يمس بقيادة قريش للعالم إلى يوم الدين !
الحديث الثاني : توبة عبد الله بن عمرو العاص !
روى ابن حماد في « 1 / 382 » : « حدثنا الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن الفضل بن عفيف الدؤلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال : يا معشر اليمن ، تقولون : إن المنصور منكم ، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه ، ولو أشاء أن أسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت » !
أقول : أراد أن يرضي معاوية والقرشيين فجعل المنصور اليماني قرشياً وأمه يمانية ! وهو يناقض حديثه الذي صدق فيه فأغضب معاوية ، فلو كان قرشياً لما غضب ! فهو في الأول صادق وفي الثاني كاذب !
الحديث الثالث : توبة عبد الله بن عمرو ثانيةً !
روى عنه ابن حماد « 1 / 394 » أن المهدي يُخرج أهل اليمن من الشام إلى بلادهم !
« جلس في مسجد دمشق ، في جماعة ليس فيهم إلا أهل اليمن فقال : يا أهل اليمن كيف أنتم إذا أخرجناكم من الشام ، واستأثرنا بها عليكم ؟ قالوا : أوَ يكون ذلك ؟ قال : نعم ورب الكعبة . فقال : مالكم لا تَكلمون ! فقال بعض القوم : أفنحن أظلم فيه أم أنتم ؟ قال : بل نحن . فقال اليماني : الحمد لله ، وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
الحديث الرابع : تأييد كعب الأحبار لتوبة ابن عمرو !
فقد روى ابن حماد « 1 / 395 » عن كعب أنه قال : « ما المهدي إلا من قريش ، وما الخلافة إلا في قريش ، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن » .
الحديث الخامس : أبشركم بطاغية يماني !
روى البخاري « 4 / 159 » : « عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان ، يسوق الناس بعصاه » ! ومعناه أنه رجل طاغية يسوق الناس بعصاه ، ويكون قبيل قيام الساعة بقليل ! ولذا رواه أحمد ومسلم بعد الحبشي نحيف الساقين ، الذي يهدم الكعبة ومكة !
قال أحمد « 2 / 417 » : « عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ذو السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله عز وجل . وقال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه » !
ثم هونوا الخطب على أنفسهم بأن الطاغية اليماني المزعوم يكون قريب القيامة !
وقد أطال ابن حجر وحرر صفحات كثيرة في تحليل حديث ابن عمرو ، وتبرير إنكار معاوية له !
وأضاف محاولات إلى محاولاتهم توجيه الأحاديث المكذوبة في اليماني !
قال في فتح الباري « 13 / 102 » : « لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ذلك ، وهل هو مرفوع أو موقوف . . فإن كان حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً موافقاً لحديث أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلاً ! وإن كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يشعر بأن خروج القحطاني يكون في أوائل الإسلام ، فمعاوية معذور في إنكار ذلك عليه » !
أما العيني فكان أكثر اختصاراً ، قال في عمدة القاري « 16 / 87 » : « لم يرد اسمه عند الأكثرين لكن القرطبي جزم أنه جهجاه ، الذي وقع ذكره في صحيح مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ : لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له : الجهجاه . . وفي التوضيح : حديث القحطان يدل على أنه خليفة ولكنه يحمل على تغلبه .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن أرطأة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام : أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي . وأخرج أيضاً من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعاً : يكون بعد المهدي القحطاني ، والذي بعثني بالحق ما هو دونه . . قلت : إذا كان القحطاني في زمن عيسى ، كيف يسوق الناس بعصاه وكيف يملك مع وجود عيسى عليه الصلاة والسلام ؟ على أن في رواية أرطأة ابن المنذر : أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة » !
وستعرف من مجموع النصوص أن المنصور اليماني ممدوح على لسان النبي صلى الله عليه وآله وليس مذموماً ، كما زعم الرواة القرشيون !
الحديث السادس : أن اليماني بعد المهدي عليه السلام
روى ابن حماد في « 1 / 28 ، 105 ، 109 » عن كعب : « يكون بعد الجبابرة رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً ، ثم القحطاني بعده » !
وروى الطبراني في الكبير « 22 / 375 » : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه » .
ورواه بصيغ متقاربة وفي أكثرها : « والذي بعثني بالحق ما هو دونه » . ورووا في هذ المعنى أحاديث ظاهرة الضعف والحشو ، وأنها من تصور الرواة ! وبعضها نقلتها مصادرنا فتصور البعض أنه من أحاديثنا ، مثل : رواية ابن طاووس في الملاحم والفتن / 77 : « عن أرطأة قال : أمير العصب ليس من ذي ولا ذه ، ولكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان : بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني . قال الوليد : وفي علم كعب أنه يماني قرشي ، وهو أمير العصب ، والعصب : أهل اليمن ومن تبعهم من سائر الذين أخرجوا من بيت المقدس » .
وروى في الملاحم والفتن أيضاً / 168 : « عن أرطأة قال : فيجتمعون وينظرون لمن يبايعون ، فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان : بايعوا فلاناً باسمه ، ليس من ذوي ولا ذو ، ولكنه خليفة يماني » .
ومن الواضح أن الراوي أخذ النداء السماوي باسم المهدي عليه السلام وجعله لغيره !
ومن أحاديثنا المتأثرة بهم ما رواه الطوسي في الغيبة / 463 : « عن أبي زرعة ، عن أبي عبد الله بن رزين ، عن عمار بن ياسر أنه قال : إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها إمارات ، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكفوا حتى تجئ إماراتها . فإذا استثارت عليكم الروم والترك ، وجهزت الجيوش ، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، واستخلف بعده رجل صحيح ، فيخلع بعد سنين من بيعته ، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ ويتخالف الترك والروم ، وتكثر الحروب في الأرض ، وينادي مناد من سور دمشق : ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب ، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها ، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك ، رجل أبقع ، ورجل أصهب ، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب ، ويحضر الناس بدمشق ، ويخرج أهل الغرب إلى مصر . فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني ، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد عليهم السلام ، وتنزل الترك الحيرة ، وتنزل الروم فلسطين ، ويسبق عبد الله عبد الله ، حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر ويكون قتال عظيم ، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء ، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني ، فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا . ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله ويقتل رجلاً من مسميهم .
ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح ، وإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكة ، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة ، فينادي مناد من السماء : أيها الناس إن أميركم فلان ، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
فكل حديث يذم اليماني أو يعطيه صفات المهدي عليه السلام فهو مكذوب .
الحديث السابع : أحاديث ورد فيها اسم المنصور اليماني
وهي تدل على صحة البشارة النبوية بالمنصور اليماني بقطع النظر عن مضمون هذه الأحاديث وسقمها . وقد ادعى العباسيون أن المنصور منهم ، وسموا به أبا جعفر المنصور ، وادُّعي لغيرهم ، وهذه نماذج منها :
عن ابن عباس : « والله إن منا بعد ذلك السفاح والمنصور والمهدي ، يدفعها إلى عيسى بن مريم عليه السلام » . « الفتن : 1 / 96 » . وقد طبقوا المنصور على خليفتهم الدوانيقي وابنه المهدي !
وعن ابن عمرو العاص « 1 / 117 » : « يكون بعد الجبارين الجابر ، يجبر الله به أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم المهدي ، ثم المنصور ، ثم السلام ، ثم أمير العصب ، فمن قدر على الموت بعد ذلك فليمت » .
وعن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : « إذا ظهر السفياني على الأبقع ، والمنصور اليماني ، خرج الترك والروم فظهرعليهم السفياني » . « 1 / 223 » .
« عن أبي جعفرقال : « إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام ، فتكون بينهم ملحمة عظيمة ، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً ، فيظهر عليهما جميعاً ، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده » . « 1 / 290 » .
« ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين ، ويبعث السفياني في طلبهما ، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء ، فيخسف بهم . ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم » . « 1 / 308 » .
وروى ابن حماد « 1 / 384 » : « عن ذي مخبر ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله تعالى منهم وصيره في قريش ، وسيعود إليهم » !
وروى ابن حماد « 1 / 410 » : « عن أرطاة ، قال : على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه ، يخرج الدجال وفي زمانه ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على يديه تكون غزوة الهند ، وهو من بني هاشم » .
ورووا أحاديث في معناه كرواية ابن حماد « 1 / 383 » عن أرطاة ، قال : « على يدي ذلك الخليفة اليماني وفي ولايته تفتح رومية » .
ومن الواضح أن أكثر هذه الأحاديث من تخيلات الرواة ، لكن شاهدنا منها أن اسم المنصور اليماني تردد فيها وكان معروفاً ، وهو يدل على صحة أصل حديثه وأنه ممدوح .
أحاديث اليماني من طريق أهل البيت عليهم السلام
روت مصادرنا أحاديث صحيحة السند عن اليماني ، وأنه يظهر قبل الإمام المهدي عليه السلام ويمهد له ، ويكون ناصره ووزيره .
الحديث الأول : اليماني أحد المحتومات الخمس
في كتاب الإمامة والتبصرة للصدوق الأب رحمه الله / 128 : « عبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمد بن حكيم ، عن ميمون البان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : خمس قبل قيام القائم : اليماني ، والسفياني ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية » .
وفي الكافي « 8 / 310 » : « محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن عمر بن حنظلة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكية ، واليماني . فقلت : جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه ؟ قال : لا ، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، فقلت له : أهي الصيحة ؟ فقال : أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل » .
ونحوه غيبة الطوسي / 436 ، والنعماني / 252 ، وفيه : للقائم خمس علامات : السفياني واليماني والصيحة من السماء ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء . ومثله كمال الدين : 2 / 649 ، عن ميمون البان ، وعمر بن حنظلة .
أقول : يدل هذا الحديث على أن لظهور الإمام المهدي عليه السلام أركاناً وضرورات أحدها اليماني . فالصيحة علامة موعودة لإثبات أنه مبعوث رباني .
والسفياني يعني ضرورة وجود العدو ، بميزان صراع الخير والشر .
واليماني يعني ضرورة وجود قوة تهيئ الأرضية لظهوره المقدس عليه السلام .
والنفس الزكية ضرورة لإظهار طغيان الحكومة المعادية له في الحجاز .
وخسف البيداء ، علامة وقف في مكانها النبي صلى الله عليه وآله ، فهي تعني اليقين بأن مهمة المهدي عليه السلام جزء لا يتجزأ من رسالة جده صلى الله عليه وآله .
الحديث الثاني : اليماني من المحتومات الست
قال النعماني في الغيبة / 261 : « أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد بن مروان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : النداء من المحتوم ، والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وكف يطلع من السماء من المحتوم . قال : وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتُخرج الفتاة من خدرها » .
أقول : المحتوم : الذي لا بد أن يقع . والظاهر أن الفزعة هي النداء السماوي ، ولعل في النص تقديماً وتأخيراً والواو في فزعة زائد . وقد وردت فيه علامة كفٌّ تطلع من السماء بدل خسف البيداء ، فصارت المحتومات ستاً .
الحديث الثالث : المنصور اليماني
في الغيبة للنعماني / 46 ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المعمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة ، وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني علي بن هاشم والحسين بن السكن معاً ، قالا : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، قال : أخبرني أبي ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « وفد على رسول الله أهل اليمن فقال النبي صلى الله عليه وآله : جاءكم أهل اليمن يبسون بسيساً « يسوقون إبلهم سريعاً » فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قوم رقيقة قلوبهم ، راسخٌ إيمانهم ، منهم المنصور يخرج في سبعين ألفاً ينصر خلفي وخلف وصيي ، حمائل سيوفهم المسك ! » .
أقول : قَبِلَ النعماني رواية هذا الناصبي لأنه يشترط الوثاقة في الراوي فقط بقطع النظر عن مذهبه ، ويظهرأنه وثق به لأنه روى ما يرد مذهبه !
وقال عدد من علماء الجرح والتعديل إن المطلوب في الراوي الوثاقة والاطمئنان بصدقه فقط ، ولذلك يأخذون من اللغوي والطبيب غير المسلم .
الحديث الرابع : الفرَج إذا اختلف آل فلان وأقبل اليماني
في الكافي « 8 / 224 » : « وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يعقوب السراج قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : متى فرج شيعتكم ؟ قال فقال : إذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم ، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم ، وخلعت العرب أعنتها ، ورفع كل ذي صيصية صيصيته ، وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني ، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله . فقلت : ما تراث رسول الله ؟ قال : سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولأمته وسرجه ، حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشر الراية والبردة والعمامة ، ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره ، فيطَّلع على ذلك بعض مواليه فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدر الحسني إلى الخروج ، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي ، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس ويتبعونه . ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة فيهلكهم الله عز وجل دونها ، ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر . ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق ، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها » . وبعضه النعماني / 278 .
أقول : عَدَّت الرواية من العلامات : اختلاف بني العباس ، وضعف دولتهم وطمع الناس فيهم ، وفوضى في البلاد العربية « وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني » ثم وصفت حركة الإمام المهدي عليه السلام .
وبنو العباس في هذه الروايات كناية عن حكومة تكون قبل الإمام عليه السلام ، لأن أهل البيت أخبروا أن ملك بني العباس سيزول على يد المغول بني قنطوراء . فالمقصود بهم هنا : الذين هم على خطهم ، ولذا سمتهم روايات : بني فلان : « فقال أبو عبد الله عليه السلام : واختلاف بني فلان من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم » . « غيبة الطوسي / 435 » .
وقد اتفقت الرواية على أن أول الفرج هلاك الفلاني واختلاف آل فلان ، كما في غيبة النعماني / 234 : « قال لي أبو عبد الله عليه السلام : أمسك بيدك : هلاك الفلاني وخروج السفياني ، وقتل النفس ، وجيش الخسف ، والصوت . قلت : وما الصوت هو المنادي ؟ قال : نعم ، وبه يعرف صاحب هذا الأمر ، ثم قال : الفرج كله هلاك الفلاني [ من بني العباس ] » .
وكلمة من بني العباس في الرواية بين قوسين ، لأن الراوي احتمل أنها زيادة من راوٍ آخر وأصلها آل فلان . وإذا كانت من تعبير المعصوم عليه السلام فهي كناية .
فاختلاف بني فلان قبل السفياني واليماني ، وهو من المحتوم ، وقد عدت الروايات تسعة أشياء من المحتومات .
ففي الكافي « 8 / 310 » : « محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اختلاف بني العباس من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم ، قلت : وكيف النداء ؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن عليا وشيعته هم الفائزون . قال : وينادي مناد آخر النهار : ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون » . ولعل المقصود بعثمان هنا : عثمان السفياني حاكم سوريا يومها .
وفي النعماني / 264 : « ثم قال « الإمام الباقر عليه السلام » : إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم ، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني » .
والحديث التالي يوضح المقصود من هلاك الفلاني واختلاف آله : رواه في غيبة الطوسي / 271 ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ، ويذهب ملك السنين ، ويصير ملك الشهور والأيام . فقلت يطول ذلك ؟ قال : كلا » . فهو حاكم في الحجاز يختلف ورثته بعده ، ويكون بينهم صراع على الملك حتى يضعف ملكهم ويضمحل . ويكون بعدهم السفياني .
أما تحرك الحسني المذكور في أكثر من رواية ، فهو غير النفس الزكية ، وهو حسني يخرج مدعياً أنه المهدي الموعود وورد أنه في العراق ، وورد أنه في مكة فيقتلونه . وأما النفس الزكية فهو شاب حسني يرسله الإمام المهدي عليه السلام برسالة ليقرأها في المسجد الحرام ، فيقتلونه ، فيبدأ غضب الله تعالى عليهم .
الحديث الخامس : اليماني يوالي علياً عليه السلام
قال الطوسي في الأمالي / 661 : « وبهذا الإسناد « أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم القزويني قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن وهبان الهنائي البصري قال : حدثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني قال : حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي أبو جعفر قال : حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله عليه السلام : نرجو أن يكون هذا اليماني ؟ فقال : لا ، اليماني يوالي علياً عليه السلام ، وهذا يبرأ » .
وطالب الحق كما في الأعلام « 4 / 144 » : عبد الله بن يحيى الكندي الحضرمي : إمام إباضي خلع طاعة مروان بن محمد وبويع له بالخلافة ، واستولى على صنعاء ومكة بعد حروب . وبعث اليه مروان بجيش فالتقيا على مقربة من صنعاء ، فقتل طالب الحق ، وأرسل رأسه إلى مروان بالشام .
ويدل الحديث على أن اليماني يحكم اليمن ، ولذا قال هشام : نرجو أن يكون هذا اليماني ، وذلك بعد حكمه اليمن ، أو ثورته ليحكم اليمن . وفَهْمُ هشامٍ حجة على أن اليماني يحكم اليمن ، ويدل هذا على دوره في ظهور الإمام بحكم جوار اليمن للحجاز ، وأن الحجاز يومها يعمه فراغ سياسي وفوضى .
الحديث السادس : وخروج اليماني من اليمن
قال الصدوق في كمال الدين / 328 : « وحدثنا محمد بن محمد بن عصام رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثنا إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن مسلم الثقفي الطحان قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه وعليهم ، فقال لي مبتدئاً : يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله شبهاً من خمسة من الرسل . . . إلى أن قال : وأما شبهه من عيسى عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد ، وقالت طائفة مات ، وقالت طائفة قتل وصلب .
وأما شبهه من جده المصطفى صلى الله عليه وآله فخروجه بالسيف ، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله ، والجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية . وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني من اليمن ، وصيحةٌ من السماء في شهر رمضان ، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه عليه السلام » .
وفي كمال الدين / 330 : « حدثنا محمد بن محمد بن عصام قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثني إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول : القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمِّر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه .
قال قلت : يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم ؟ قال : إذا تشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور ، وردت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء ، وارتكب الزنا ، وأكل الربا ، واتقيَ الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا .
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً . وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . ثم يقول : أنا بقية الله في أرضه ، وخليفته وحجته عليكم ، فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج ، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عز وجل من صنم ووثن وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق . وذلك بعد غيبة طويلة ، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به » .
أقول : قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة وغيرها : وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني من اليمن ، دليل على أنه من أهل اليمن ، وأنه يخرج في اليمن ويحكمها . وقد حاول بعضهم جعله من غير اليمن ، وأغرب فجَعَل اليماني من اليُمن ، وادعى بعضهم أنه هو اليماني الموعود ، وهو غير يماني . وكلها محاولات مردودة ، لأنها مخالفة لظهور النص والمتبادر منه .
الحديث السابع : السفياني واليماني والمرواني
روى النعماني / 262 : « أخبرنا محمد بن همام قال : حدثني جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثني علي بن عاصم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : قبل هذا الأمرالسفياني ، واليماني ، والمرواني ، وشعيب بن صالح ، فكيف [ وكفٌّ ] يقول هذا وهذا » .
وروى ابن جرير الطبري « الشيعي » في دلائل الإمامة / 487 : « وعنه ، عن أبيه ، عن محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد التميمي ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قبل القائم عليه السلام خمس علامات : السفياني ، واليماني ، والمرواني ، وشعيب بن صالح ، وكفٌّ تقول : هذا هذا » .
أقول : رواية دلائل الإمامة : وكفٌّ تقول : هذا هذا ، أي تشير إلى المهدي عليه السلام ، هي الصحيحة ، وكلمة فكيف تصحيف لكف . ويدل عليه رواية فتن ابن حماد « 1 / 238 » : « عن ابن المسيب قال : تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان ، ثم لا يستقيم أمر الناس على شئ ولا تكون لهم جماعة حتى ينادي مناد من السماء : عليكم بفلان ، وتطلع كف تشير » .
وروى بمعناها : ينادي مناد من السماء : أميركم فلان . فهي كف تشير إلى المهدي عليه السلام ، ومنادٍ باسمه يدعو الناس إلى بيعته ، وذلك بعد اليماني والسفياني . والسفياني يحكم الشام ، واليماني يحكم اليمن ، وشعيب القائد العام في إيران .
أما المرواني فتدل روايةٌ في النعماني / 316 ، عن الإمام الباقر عليه السلام على أنه في خط السفياني ، وأنه قائد الجهة المقابلة للخط العباسي في قرقيسيا ، ووقته قبيل السفياني أو هو ممهد له ، قال عليه السلام : « إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر « اليافع » ويرفع الله عنهم النصر ، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض : إشبعي من لحوم الجبارين ، ثم يخرج السفياني » .
فالمرواني قائد في قرقيسيا ، يكون قبيل اليماني . والمروانيون في العراق كثرة وفيهم شيعة وسنة . فقد يكون المرواني مع أمير داعش ، أو خليفته .
الحديث الثامن : اليماني والسفياني كفرسي رهان
روى النعماني / 317 : « أخبرنا علي بن أحمد قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : اليماني والسفياني كفرسي رهان » .
ورواه الطوسي في أماليه « 2 / 275 » بسند صحيح أيضاً . ومعناه أن اليماني والسفياني ضدان يتنافسان . وقد ورد أن الخراساني والسفياني أيضاً كفرسي رهان « النعماني / 264 » لكن اليماني قبل الخراساني ، فهو عِدْل السفياني الأول .
الحديث التاسع : أهدى الرايات راية اليماني
قال الطوسي في الغيبة / 446 ، والقطب الراوندي في الخرائج « 3 / 1163 » : « وعنه « محمد بن أبي عمير » عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني ، تهدي إلى الحق » . ومثله مختصر إثبات الرجعة / 17 ، مجلة تراثنا عدد 15 / 216 . وفي رواية الإرشاد « 2 / 375 » : « لأنه يدعو إلى الحق » .
والسبب في أن رايته أهدى : أنه مبعوث مباشرة من الإمام المهدي عليه السلام فهو وكيل خاص ونائب خاص ، والنائب الخاص مقدم على النائب العام ، وتجب طاعته على المؤمنين كافة ، وقد شرحت ذلك رواية النعماني التالية .
الحديث العاشر : اليماني نائب خاص وتجب على المؤمنين طاعته
قال النعماني / 262 : « أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال : حدثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه قال : حدثنا إسماعيل بن مهران قال : حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ووهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال : إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم ، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة ، فتوقعوا فرج آل محمد إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم . ثم قال : الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان لأن شهر رمضان شهر الله ، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق .
ثم ذكر عليه السلام عدداً من الأحداث والعلامات وقال : « إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم ، فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم ، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني . . . ثم قال عليه السلام : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كل وجه ،
ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم . ثم قال لي : إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي ، إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت ، فقال حين سقطت : هاه شبه الفزع ، فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه » . ومثله الإرشاد / 360 ، وغيبة الطوسي / 271 ، وعنه الخرائج : 3 / 1163 .
ومعنى أن الثلاثة كنظام الخرز : أن أحداث خروجهم مرتبطة بحدث واحد ، أو محور واحد . وقد يكون معنى في يوم واحد مجرد التزامن .
والإشكال على الرواية بأن أحمد بن يوسف مجهول ، سيأتي الجواب عنه بأنه ثقة ، على أن الرواية شارحة لرواية الطوسي ، فإن لم تصح بنفسها فهي صحيحة بغيرها .
الحديث الحادي عشر : قبل اليماني كاسر عينه بصنعاء
قال النعماني / 285 ، « حدثنا علي بن الحسين قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدثنا محمد بن حسان الرازي ، عن محمد بن علي الكوفي قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن عبيد بن زرارة قال : عن عبيد بن زرارة قال : ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني فقال : أنَّى يخرج ذلك ؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء »
أقول : جعل الإمام عليه السلام خروج كاسرعينه بصنعاء قبل السفياني ، ولم يجعله قبل اليماني ، مع أنهما في وقت واحد ، يشير إلى أنه في خط السفياني ! في مقابل اليماني وزير المهدي عليه السلام . ويشير إلى أن كاسر عينه لاينجح ، أو يحكم قليلاً .
ومعنى كاسر عينه أنه ينظر وعينه شبه مطبقة ، وتسمى العين المكسورة . قال ابن عبد ربه في الإستيعاب « 2 / 524 » : « وكان زياد [ ابن أبيه ] طويلاً جميلاً يكسر إحدى عينيه ، وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج :
وقبلك ما أعييت كاسر عينه زياداً فلم تعلق عليَّ حبائلُه »
وقال الخليل في العين « 6 / 300 » : « يقال : طَرْفَشَ ، إذا نظر وكسر عينيه » .
وفي معجم الأفعال المتعدية بحرف للأحمدي / 312 : « كسر عينه من السهر : غلبه النعاس ، وكسر كسراً من طرفه ، وكسر على طرفه ، غض منه شيئاً » .
الحديث الثاني عشر : يخرج قبل السفياني مصري ويماني
رواه الطوسي في الغيبة / 271 ، بسند موثق أو صحيح : « عن الفضل بن شاذان ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم الثقفي : « يخرج قبل السفياني مصري ويماني » . ومعناه أنهما في خط السفياني يمهدان له . وينطبق على الظواهري المصري وابن لادن اليمني . وتقديم الظواهري يدل على أن دوره أكبر .
مسائل حول اليماني
المسألة الأولى : مكانة اليماني عند الإمام المهدي عليه السلام
روى الطوسي في الغيبة / 445 : « عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « خروج الثلاثة : الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق » ورواه في مختصر إثبات الرجعة : ح 17 « مجلة تراثنا عدد 15 / 216 » . . وسنده صحيح ، فقد نص علماء الرجال على توثيق رجاله ، وهو صريح في أن المعصوم عليه السلام حكم بأن راية اليماني أهدى الرايات قبل ظهور المهدي عليه السلام .
وهذا مقام عظيم لليماني ، يوجب على الأمة طاعته والإنضواء تحت رايته . فقوله عليه السلام : يهدي إلى الحق ، إشارة إلى قاعدة : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لايَهِدّيِ إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . وفي بعض النسخ : تهدي إلى الحق ، أي رايته ، وهدايتها بصاحبها . فاليماني قائم مقام الإمام المهدي عليه السلام ، وإليه تنتهي المرجعية العليا ، وولاية الفقيه . وهو نائب خاص ، والنائب الخاص مقدم على النائب العام .
وقد شرحت ذلك رواية النعماني / 262 ، قال عليه السلام : « وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم » .
ويؤيدها ما رواه النعماني / 316 ، بسند صحيح : « اليماني والسفياني كفرسي رهان » . أي أنه في الهدى عِدْلُ السفياني في الضلال ، وروي ذلك في الخراساني أيضاً ، لكن اليماني متقدم زمناً عليه .
وقد أشكل بعضهم على هذه الرواية بأحمد بن يوسف الجعفي وقال إنه مهمل لم يذكر في كتب الرجال ، لكن السيد الخوئي قدس سره وثقه وقال في معجمه « 3 / 163 » : « مولى بني تيم الله ، كوفي ، كان منزله بالبصرة ومات ببغداد ، ثقة ، رجال الشيخ ، في أصحاب الرضا عليه السلام .
أقول : الظاهر اتحاده مع أحمد بن يوسف المتقدم ، الذي ذكر الشيخ ، أن له روايات ومع أحمد بن يوسف الجعفي ، الذي ذكره في ترجمة الأصبغ ، وإلا لذكرهما في رجاله ، فإن موضوعه أعم ، وأوسع ، وكونه جعفيا لا ينافي كونه مولى بني تيم الله ، فإن منزله كان بالبصرة ، فجاز ولاؤه فيها لبني تيم الله وعلى ذلك فهو من المعمرين ، لا محاله ، فإن أحمد بن محمد بن سعيد المولود سنة 249 قد روى عنه ، وهو من أصحاب الرضا عليه السلام » .
على أن قولنا إنه نائب خاص يعني أن الإمام عليه السلام سيعتمده ويرسله ليحكم اليمن . فطاعته متوقفة على اعتماد الإمام عليه السلام وهذا ما سنشاهده إن شاء الله ، أو يشاهده أهل ذلك العصر .
المسألة الثانية : المحتوم محتومٌ من الله وليس محتوماً على الله
1 . ورد في أحاديث المهدي عليه السلام وصف تسعة أشياء بأنها محتومة : اختلاف بني فلان ، والسفياني ، واليماني ، وقتل النفس الزكية ، والنداء السماوي ، وكفٌّ تظهر في السماء ، وخسف البيداء ، وطلوع الشمس من مغربها ، كما ورد أن القائم من المحتوم . وتصور بعضهم أن المحتوم يقع فيه البداء بمعنى التغيير ، والصحيح أنه لا بداء فيه ، وهو رأي الصدوق ، والمفيد ، والطوسي ، من علمائنا القدماء ، والنائيني ، والخوئي ، والبلاغي وغيرهم ، من المتأخرين .
أما حديث أبي هاشم الجعفري « النعماني / 315 » قال : « كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : نعم . قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم . فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد » .
فالجواب عنه أولاً : أن الرواية ضعيفة السند ، فلا يستدل بها . وثانياً : لو صحت فالمحتوم له معانٍ ، والمقصود هنا أنه محتومٌ منه تعالى ، وليس محتوماً عليه كما زعم اليهود : وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ .
وهذا معنى قول الإمام الصادق عليه السلام عن جده عبد المطلب « الكافي : 1 / 447 » : « يبعث عبد المطلب أمة وحده ، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء . وذلك أنه أول من قال بالبداء ، قال : وكان عبد المطلب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رعاته في إبل قد ندَّت له ، فجمعها فأبطأ عليه ، فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول : يا رب أتهلك آلك ؟ إن تفعل فأمرٌ ما بدا لك ! فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالإبل وقد وجه عبد المطلب في كل طريق وفي كل شعب في طلبه ، وجعل يصيح : يا رب أتهلك آلك ، إن تفعل فأمر ما بدا لك . ولما رأى رسول الله أخذه فقبله وقال : يا بني لا وجهتك بعد هذا في شئ فإني أخاف أن تغتال فتقتل » .
2 . من يستنكر البداء لا ينتبه إلى معناه ، فمعنى قولك : بدا لله أن يفعل كذا : قرر أن يفعله ، وليس معناه ظهر له بعد خفائه . قال تعالى : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَأنوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ . فالذي بدا لهم ليس خفياً عليهم .
بل يستعمل فيما لا ظهور فيه أبداً كقوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ . قال الإمام الصادق عليه السلام : « ما بدا لله في شئ ، إلا كان في علمه قبل أن يبدو له » . « الكافي : 1 / 148 » . وفي صحيح البخاري « 4 / 146 » « إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً » .
3 . لأفعاله تعالى أصول وقواعد وقوانين ، فلا يصح أن نُبَسِّطَها ونُصدرعليها أحكاماً بلا علم . لاحظ قول الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن ، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله » . « الكافي : 1 / 150 » .
4 . وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ . أي زعموا أنه تعالى فرغ من الخلق والأمر ولا يستطيع تغيير شئ ! ووافقهم بعض المسلمين ، كما روى أحمد « 2 / 52 » : « قال عمر : يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ منه أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال : فيما فرغ منه ، فاعمل يا ابن الخطاب فإن كلاً ميسر لما خلق له » . ونحوه البخاري : 4 / 131 .
وروى في شرح الأسماء الحسنى : 2 / 84 » . : « أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف ؟ فقال عليه السلام : في أمر فرغ وفي أمر مستأنف » . « وهذا معنى : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ . وإن نوقش في الرواية فمضمونها لا شك فيه .
5 . في عيون أخبار الرضا 2 / 160 » : « : قال سليمان المروزي للرضا عليه السلام : ألا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، في أي شئ أنزلت ؟ قال عليه السلام : يا سليمان ليله القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم . قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك ، فزدني . قال عليه السلام : يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله عز وجل ، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء .
يا سليمان إن علياً عليه السلام كان يقول : العلم علمان ، فعلم علمه الله وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ، ولا ملائكته ولا رسله عليهم السلام . وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء . قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به ، إن شاء الله » .
المسألة الثالثة : ماذا سيكون موقف المرجعية والدولة من اليماني ؟
عندما يبعث الإمام المهدي عليه السلام اليماني ليحكم اليمن ، ويتخذها قاعدة للدعوة له ونصرته ، فمن الطبيعي أن يعطيه القدرات والمعلومات والمعجزات التي يحتاجها في عمله العظيم . وهذه سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .
وقد أرسل الأنبياء عليهم السلام أشخاصاً لمهمات أقل من مهمة اليماني وأعطوهم قدرات ومعجزات ، فقد أرسل عيسى عليه السلام بعض الرسل وأعطاهم قدرة شفاء المرضى ، ثم أرسل شمعون الصفا عليه السلام إلى روما وأعطاه القدرة على شفاء المرضى وإحياء الموتى . وأرسل الإمام الباقر عليه السلام جابر بن يزيد الجعفي رضي الله عنه إلى الكوفة لينشر حديث النبي صلى الله عليه وآله ، وأعطاه كرامات ومعجزات .
ومهمة اليماني أعقد وأضخم من تلك المهمات ، فلا بد أن يعطيه الإمام عليه السلام من العلم والمعجزات ما يكفي ليقتنع به الناس المنصفون ويطيعوه . هذا ، مضافاً إلى أن الإمام عليه السلام سيكون بعد خروج السفياني واليماني ظاهراً جزئياً ، يشاهده العديد من الناس ، فيُرجعهم إلى اليماني .
ومع ذلك لابد أن نقدر أن أوساطاً من الشيعة في إيران والعراق وغيرهما سترفض طاعة اليماني ، لأنهم يرون أنفسهم أعلى منه مقاماً ، وأقدم حضارة ومدنية ، لكن المعجزات وتأكيدات الإمام عليه السلام ستكون عوناً له في مهمته .
والظاهر أن المخاض الذي ذكرت الأحاديث أنه سيكون في إيران قرب الظهور ، سببه الخلاف بينهم في الدخول في طاعة المهدي واليماني . فقد روى النعماني / 200 و 271 ، تحرك آذربيجان سنة الظهور عن أبي بصير : « قال الإمام الصادق عليه السلام : لا بد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شئ ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والْبُدُوا ما لبدنا ، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً ، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد » .
والنتيجة : أن الشيعة في العالم سيُمتحنون باليماني ، لأنه قيادة جديدة سياسية وعلمية ، فيطيعه أكثرهم ، ومنهم من لا يطيعه ! لأنه يصعب على العلماء والحوزات أن يقبلوا ما يخالف ما درسوه واعتادوا عليه من مفاهيم وأحكام شرعية ! ويصعب على الإيرانيين أصحاب الحضارة والمدنية العريقة ، أن يطيعوا اليماني ، وهم أقدم منه حضارة وثقافة !
والذي يهون الخطب أن مدة الامتحان سبعة أشهر فقط ، ثم يظهر الإمام عليه السلام .
المسألة الرابعة : دور اليماني في دولة المهدي عليه السلام
أول مهمات اليماني أن يحكم اليمن ويدعو العالم إلى اتباع الإمام المهدي عليه السلام ويبشر بأنه قادم عن قريب . وقد وردت إشارة إلى حركة عسكرية لليماني ، والظاهر أنها نحو مكة « الكافي : 8 / 224 » قال عليه السلام : « وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني » وطبيعي أن يطلب الإمام عليه السلام من اليماني أن يدخل بجيشه ويحرر مكة ، لأن حكومة الحجاز رغم ضعفها تكون شرسة !
فعندما يخرج الحسني مدعياً أنه المهدي الموعود يثورون في وجهه ويقتلونه ، ثم يرسل الإمام عليه السلام قبل أسبوعين من ظهوره شاباً حسنياً ، ليقرأ رسالة منه في المسجد ، فيبتدرون اليه ويقتلونه بوحشية .
لذلك كان طبيعياً أن تدخل قوات اليماني وتحرر مكة . والظاهر أن الإمام عليه السلام لايواجه معركة مهمة في مكة والمدينة ولا في الخليج ، بسبب خوفهم جميعاً من الجيش اليماني ، فيأتون اليه خاضعين .
ولذلك ورد أن المهدي عليه السلام ينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله في العراق عندما يريد التوجه إلى الشام ، وليس قبله .
وذكرت رواية دوراً عسكرياً لليماني في العراق ، وهو بعيد ، لأن الإمام عليه السلام لا يحتاج اليه هناك ، نعم يحتاج اليه في معركته في سورية وفلسطين مع السفياني ومن ورائه اليهود . لكن لم أجد رواية معتبرة تذكرجيش اليماني فيها .
ومهما يكن ، فإن اليماني سيكون حاكم اليمن والحجاز والخليج من قبل المهدي عليه السلام ويتوجه المهدي إلى العراق فيرتب وضعه ، وبعد أشهرقليلة يتوجه إلى معركته الموعودة في دمشق ، وبانتصاره فيها يدخل القدس ويخطب في اليهود بالعبرية ، ويستخرج لهم أسفاراً من التوراة من جبل بفلسطين ، فيؤمن له منهم ثلاثون ألفاً .
عندها ، يتحرك الغرب ضده ويعلن الحرب عليه ، فينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام ، ويقنع الغرب بهدنة واتفاقية سلام مع المهدي عليه السلام . . الخ .
قيل اسم اليماني حسن أو حسين
ورد قول مرسل أن اسم اليماني « حسن أو حسين » من ذرية زيد بن علي صلى الله عليه وآله . ففي مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي / 196 ، وطبعة / 246 ، قال : « ثم يخرج ملكٌ من اليمن ، من صنعاء وعدن أبيض كالقطن ، اسمه حسين أو حسن ، فيذهب بخروجه غمر الفتن ، فهناك يظهر مباركاً زكياً ، وهادياً مهدياً ، وسيداً علوياً ، فيفرح الناس إذا أتاهم ، بمن الله الذي هداهم ، فيكشف بنوره الظلماء ، ويظهر به الحق بعد الخفاء ، ويفرق الأموال في الناس بالسواء ، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء ، ويعيش الناس في البشر والهناء ، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى ، ويرد الحق على أهل القرى » .
وهو كما ترى قول مرسل مسجوع مرصوف ، قائله مجهول ، وليس رواية ، لكن قد يكون صاحبه أخذه من رواية ! وله شبيه من رواية ابن حماد وغيره ، لكن لا يمكننا أن نبني على رواية مرسلة .
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا
كما رووا حديثين لا يمكننا أن نبني عليهما ، فقد روى الشافعي في البيان / 510 : « عن عبد الله بن عمر : قال رسول الله : يخرج المهدي من قرية باليمن يقال لها كرعة . وقال : هذا حديث حسن رزقناه عالياً ، أخرج أبو الشيخ الأصبهاني في عواليه كما سقناه ، ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي » . ومعجم البلدان : 4 / 452 ، والأربعون البلدانية 4 / 452 »
وروى الخزار في كفاية الأثر / 147 ، بثلاث طرق : « عن الأصبغ بن نباتة ، وشريح بن هاني بن شريح وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن علي عليه السلام قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ، فقال سلمان : يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين ، فمن وصيك وسبطاك ؟ فأطرق ساعة ثم قال ، من حديث عدد فيه الأئمة من أهل بيته عليهم السلام : « ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رافعاً صوته : الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي . قال علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة ؟ قال : الصمت حتى يأذن الله له بالخروج ، فيخرج من اليمن من قرية يقال لها أكرعة ، على رأسه غمامة ، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ، ويغار بضعهم على بعض ، فلا الكبير يرحم الصغير ، ولا القوي يرحم الضعيف ! فحينئذ يأذن الله له بالخروج » .
وروى ابن حماد في الفتن : 1 / 381 : « قال أبو عبد الله نعيم : يخرج من قرية يقال لها يكلا خلف صنعاء بمرحلة ، أبوه قرشي وأمه يمانية » . ووادي يكلا قرب صنعاء كما في معجم البلدان ، والأربعين البلدانية لابن عساكر : 5 / 346 .
والثابت أن المهدي عليه السلام يخرج من مكة من المسجد الحرام ، فلا يمكن قبول رواية كرعة أو يكلا ، إلا أن يكون المقصود بها أن حركة وزيره اليماني تبدأ من هذه القرية أو تلك ، شبيهاً بما ورد من أن أمر المهدي عليه السلام يبدأ من المشرق ، ومقصودهم أنصاره أهل المشرق ورايات خراسان .