الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مبادئ وأساليب تربوية / العمل على غرس الاهتمام بالأمور المشتركة
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 60 ــ 63
2025-08-13
9
مسيرة الحضارة كانت دائماً من الانفراد نحو الاشتراك، ومن الخاص نحو العام والإسلام باعتباره بنية تحضيرية للأمم والشعوب، كان دائماً وفي كل مناسبة، يؤكد على ترسيخ هذا المعنى وحين أنشأ النبي (صلى الله عليه وآله) أول مجتمع إسلامي في المدينة، كان من أوائل ما بدأ به عقد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار باعتبار ذلك خطوة مهمة على طريق إخراج المسلم من حيز همومه الشخصية إلى حيز الهم العام. إن مراعاة حقوق الوالدين والأقرباء والجيران، ومراعاة حقوق الصداقة والمعرفة، إلى جانب المحافظة على المرافق العامة وتنميتها، كل ذلك من أجل تنمية الأرضية الاجتماعية التي ستشكل خلفية مهمة للتحضر والعيش الرغيد. ويتصاعد ذلك إلى حد فداء الحياة المشتركة بالنفس والمال، كما يفعل (الشهيد) الذي يقدم حياته في سبيل أن تحيا الأمة ومبادئها وأوطانها في عزة وأمان إن في إشادة النصوص بعمل الشهداء حثاً واضحاً لكل منا على أن يحمل روح الشهيد وأن يتشبه به في البذل السخي في سبيل كل ما يخدم المصلحة الإسلامية العامة.
المجتمع الذي يهتم كل فرد من أفراده بشأنه الخاص دون إعارة الانتباه إلى شؤونه العامة، ليس بمجتمع، وإنما هو حشد أجساد، وسيستحق هذا الحشد اسم مجتمع على مقدار ما يتوفر لديه من مؤسسات ومبادرات فردية همها الحفاظ عليه وصيانته.
إن صلاح أي مسلم، لن يكتمل إذا كان صلاحاً فردياً، ما لم يتجاوز ذلك إلى مرتبة (الإصلاح) وإذا نزل العقاب بأمة، فإن الذين ينجون منه ليسوا أولئك الذين اهتموا بصلاح أنفسهم، وإنما أولئك الذين حاولوا إصلاح محيطهم، وتقويم اعوجاجه، وسد حاجاته، والمحافظة عليه. قال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].
كأن المرء لا يستطيع أن يحافظ على الخير في نفسه وأسرته ما لم يصبح نفعه متعدياً إلى غيره، ولا أظن أن إطلاق الشعارات سيكون مجدياً ما لم تعتمد الأسر والمدارس والجماعات والأحزاب في صلب أدبياتها وبرامجها ما يخدم الحياة العامة على المستوى الخلقي والاجتماعي والمادي، ويثريها.
إن مما ينمي الإحساس والفهم المشترك بيننا أن تجعل الأطفال يمتلكون فضيلة (التعاون) بدل التنافس الذي يضخم الأنانية والأثرة، ويثير الشحناء والبغضاء وقد كان من شأن بعض المدرسين أن يلزموا بعض الطلاب المتفوقين بتدريس الطلاب المتعثرين حتى يرتقي مستواهم إلى المستوى العام في الفصل ومثل هذا موجود اليوم في المدارس اليابانية.
فالطالب المتفوق ينهي واجباته في الفصل قبل الطالب الضعيف، ولذا فإنه يبقى لدى الطفل المتفوق وقت لمساعدة زميله، وهو أيضاً يستفيد من تلك المساعدة (1). والفارق أن تعاون الطلاب لدينا ظاهرة فردية، على حين أنه لدى اليابانيين تقليد عام.
إن روح التعاون يجب أن تتجاوز مسألة إنجاز المصالح المشتركة إلى محاولة حماية الآخرين، والمحافظة على راحتهم ومشاعرهم ومصالحهم.
ومما يذكر في تراثنا أن رجلاً خطف (قلنسوة) من فوق رأس (فقيه) ومضى هارباً، وقد رأى الفقيه أن هذا المسكين سيصبح مجرماً في نظر نفسه ونظر الناس من أجل شيء تافه، فما كان منه إلا أنه جعل يجري وراءه قائلا: وهبتك قل قبلت وهبتك قل: قبلت!!.
في اليابان ترى أيام البرد القارس من وضع على أنفه وفمه كمامة بيضاء، ويتصور الزائر الغريب أن الذين يضعونها يحمون أنفسهم من البرد، أو يخشون تنفس هواء ملوث، ولكن حقيقة الأمر أنهم يعانون من (الزكام) ويخشون أن تنتقل العدوى إلى غيرهم، ولهذا فهم يحاولون حماية المارة!
إن هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه سلامة الآخرين هو الذي يسود العلاقات الاجتماعية في اليابان (2).
وفي بريطانيا يعلم كثير من الناس كلابهم الإمساك عن (النباح) حتى لا تؤذي الجيران أو المارة.
وهكذا حتى يقوى نسيج حياتنا الاجتماعية فإننا بحاجة إلى المزيد من التعاون واللطف والإيثار والمراعاة لمشاعر الآخرين ومصالحهم.
إن من المهم أن نعلم أننا لن نستطيع أن نجني مكاسب فردية في وسط منهار، وما يستحوذ عليه بعض الناس سيكون محدوداً ومؤقتاً، وقبل ذلك مكدراً.
إن الشرط الأساسي لتوسيع الأرضية المشتركة وتربية الناشئة على الإحساس المشترك هو إبراز نماذج وصور تتجلى فيها التضحية والخدمة وروح العطاء والمجانية، وهذه وظيفة عامة، علينا جميعاً أن ننهض بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التربية والتحدي: 208.
2ـ المصدر السابق: 89.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
