أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2018
11356
التاريخ: 24-11-2018
1679
التاريخ: 13-11-2018
3765
التاريخ: 24-11-2018
1088
|
الوحدة الكبرى لأية مجموعة كلامية، هي الجملة، مثل قولنا: "محمد في البيت" مثلا. وتتركب الجملة من وحدات أصغر منها، هي ما يطلق عليها اسم الكلمات، مثل: "محمد" و "في" و"البيت" في الجملة السابقة، كما تتركب الكلمات هي أيضا من وحدات أصغر منها، هي ما يطلق عليه اسم: الأصوات، مثل ما نراه في كلمة "محمد" من صوت الميم، ثم صوت الضمة، ثم صوت الحاء، ثم صوت الفتحة، ثم صوت الميم، ثم صوت الفتحة، ثم صوت الدال، على الترتيب.
وهذه الوحدات الأخيرة، هي موضوع "علم الأصوات" الذي يدرس الأصوات اللغوية، من ناحية وصف مخارجها، وكيفية حدوثها، وصفاتها المختلفة، التي يتميز بها صوت عن صوت، كما يدرس القوانين التي تخضع لها هذه الأصوات في تأثرها بعضها ببعض، عند تركبها في الكلمات أو الجمل.
فالصوت الإنساني الحي، هو موضوع علم الأصوات اللغوية. ولم يكن هذا العلم وليد العصر الحاضر. فقد شغل اللغويون من قديم(1)، بالنظر في الأصوات اللغوية، غير أن ما وصلوا إليه قديما، لم يكن قائما على أساس علمي ثابت، ولهذا فإنه لا يبلغ من الدقة والإتقان والضبط، ما وصل إليه المحدثون من علماء اللغات.
ص13
وإذا نظرنا إلى جهود علماء العربية في هذا الشأن، نجد أن أصوات اللغة، كانت من الأمور، التي جذبت انتباه علماء العرب الأوائل، فعملوا في جهد لا يعرف الملل، على إتقان النطق بها، وعلى الأخص عندما انتشر الإسلام في بقاع الأرض المختلفة، وطرقت أسماع العرب أصوات اللغات الأخرى، فخشي العلماء أن تنحرف أصوات العربية، بتأثرها بأصوات تلك اللغات، فلم يكد القرن الثاني الهجري يبدأ، حتى قام بين علماء العرب، من يصف الأصوات العربية، معتمدا على التجربة باللسان والأذن، لا على المعامل والأجهزة؛ إذ لم تكن قد عرفت بعد، في ذلك العصر.
واشتهر من بين العلماء في ذلك العصر الأول، الخليل بن أحمد الفراهيدي "توفي سنة 175هـ" الذي عني كثيرا بدراسة الأصوات، وموسيقى اللغة، وقد ساعده سمعه المرهف الحساس على التفوق في هذه الناحية، فوجه عنايته لأوزان الشعر وإيقاعه، واستخرج لنا بحور الشعر وقوافيه أو علم العروض، الذي لا يعدو أن يكون دراسة صوتية، لموسيقى الشعر، واتجه كذلك إلى الألحان والأنغام، وألف في الإيقاع والنغم. وأخيرا حين بدا له وضع معجم لألفاظ اللغة، رتبه على حسب مخارج الأصوات، وهذا المعجم هو كتاب: "العين". ومهما يكن القول في شأن هذا المعجم من أنه تضمن مسائل لغوية، نقدها علماء العربية، بعد ظهوره، وأنكروا نسبتها إلى الخليل، ونزهوه عن الوقوع في أمثالها، وذهب بعضهم لهذا إلى نفي نسبة هذا الكتاب إليه فالذي لا شك فيه أن الخليل، قد وضع هيكل هذا المعجم، ورسم منهجه ونظامه، وأن ما جاء فيه مما أنكره هؤلاء العلماء، إنما أقحم في ثناياه بعد الخليل.
رأى الخليل بن أحمد، أن الترتيب المألوف لحروف الهجاء العربية، وهي: أب ت ث ج ح خ ... إلخ، إنما استمده النساخ والكتبة من
ص14
الترتيب السامي القديم، الذي اشتهر عند الأمم السامية القديمة، كالفينيقيين والعبريين، وهو ترتيب أبجدهوز ... إلخ، وأن النساخ قد وضعوا الرموز المتشابهة الصورة، بعضها بجوار بعض، ومن هنا جاء الترتيب الهجائي المألوف لنا. كما وجد الخليل أن هذا الترتيب الهجائي المألوف، ليس قائما على أساس علمي، فآثر أن يختار ترتيبا آخر، أساسه مخارج الأصوات، ورتب معجمه العين" على ذلك، فبدأ بأصوات الحلق، وجعلها أقساما، ثم أصوات أقصى الفم، ثم أوسط الفم، ثم أدنى الفم، ثم الشفتين، فجاء ترتيبه للأصوات اللغوية في العربية، على النحو التالي(2):
ع ح هـ خ غ/ ق ك/ ج ش ض/ ص س ز/ ط د ت/ ظ ذ ث/ ر ل ن/ ف ب م/ وا ي.
وكان الخليل بن أحمد أسبق من ذاق الحروف، ليتعرف مخارجها، يقول عنه تلميذه الليث بن المظفر: "وإنما كان ذواقه إياها، أنه كان يفتح فاه بالألف، ثم يظهر الحرف، نحو: أب، أت، أح، أع، أغ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق، فجعلها أول الكتاب"(3).
وهذا معناه تجربة النطق بالصوت ساكنا، لئلا يختلط بغيره، ويلتبس على الناطق معرفة كيفية صدوره ومخرجه الدقيق. وهذه الطريقة تقرب مما يدعو إليه المحدثون، من علماء الأصوات.
وجاء "سيبويه" تلميذ الخليل بن أحمد، فخصص للدراسة الصوتية فصولا، في كتابه، "الكتاب"، فذكر عدد الحروف العربية، ومخارجها،
ص15
ومهموسها ومجهورها وأحوال مجهورها ومهموسها، واختلافها، وذلك في باب عقده للإدغام، وقال في آخره: "وإنما وصفت لك في حروف المعجم بهذه الصفات، لتعرف ما يحسن فيه الإدغام، وما يجوز فيه، وما لا يحسن فيه ذلك، وما تبدله استثقالا كما تدغم، وما تخفيه وهو بزنة المتحرك"(4). وقد رتب سيبويه الأصوات العربية، حسب مخارجها على النحو التالي مخالفا في بعضه لترتيب الخليل:
ء اهـ ع غ خ/ ق ك/ ج ش ي ض/ ل ر ن/ ط د ت/ ص ز س/ ظ ذ ث/ ف ب م و.
وقد تأثر بكتاب سيبويه كل من جاء بعده من النحاة واللغويين، لا في آرائه النحوية فحسب، بل في آرائه الصوتية كذلك، فأخذوا يرددون كلامه في الأصوات دون أن يزيدوا عليه ما يستحق الذكر، فهذا ابن جني في القرن الرابع الهجري، يؤلف كتابا مستقلا في علم الأصوات هو: "سر صناعة الإعراب"، لا يكاد يخرج فيه عن كلام سيبويه، في تعداد المخارج، ووصف الحروف، فكثيرا ما يقتبس نص العبارات التي جاءت في كتاب سيوبه، ويقف عند حدودها.
وهو في بداية كتابه، يلتمس لحدوث الأصوات وسيلة للإيضاح، لم يهتد إليها سيبويه من قبل؛ إذ يشبه ابن جني مجرى النفس في أثناء النطق بالمزمار، كما يشبه مدارج الحروف ومخارجها، بفتحات هذا المزمار، التي توضع عليها الأصابع، أو بوتر العود وأثر الأصابع، فيقول: "شبه بعضهم الحلق والفم بالناي، فإن الصوت يخرج فيه مستطيلا أملس ساذجا، كما
ص16
يجري الصوت في الألف غفلا بغير صنعة، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة.
ونظير ذلك أيضا وتر، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها قليلا سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى إصبعه من أول الوتر، تشكلت لك أصداء مختلفة ... فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة عليه بالمضراب، كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور، كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع، كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا، وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب"(5).
وجاء القرن الخامس الهجري، يحمل إلينا رسالة صغيرة في الأصوات العربية، للرئيس ابن سينا، فيلسوف الإسلام، واسمها: "أسباب حدوث الحروف"، وهي مقسمة على ستة فصول، الأول منها في سبب حدوث الصوت، ويقصد به صوت الإنسان وغيره، والثاني في سبب حدوث الحروف، ويقصد بالحروف الأصوات الإنسانية، والثالث في تشريح الحنجرة واللسان، والرابع في الأسباب الجزئية لحرف حرف من حروف العرب، والخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف، وليست في لغة العرب، والسادس في أن هذه الحروف من أي الحركات غير النطقية قد تسمع. وحديث ابن سينا في هذه الرسالة، أشبه بحديث علماء وظائف الأعضاء،
ص17
فلا نكاد نلمح فيها أنه تأثر كغيره بكتاب سيبويه، فله مصطلحاته، وله وصفه الأصيل لكل صوت، مما جعله محل إعجاب وتقدير من بعض اللغويين المحدثين.
وفي القرن السادس الهجري، يؤلف الزمخشري كتابه "المفصل" في النحو، ويخصص القسم الأخير منه للدراسة الصوتية، فيردد فيه كلام الخليل وسيبويه، دون زيادة تذكر.
ولا نكاد نجد بعد هذا في كتب المتأخرين، ما يمكن أن يتسم بالأصالة في دراسة أصوات اللغة، سوى تلك المحاولة التي جاءت في كتاب السكاكي: "مفتاح العلوم" في أوائل القرن السابع الهجري، من رسم بدائي لأعضاء النطق.
ورغم كثرة كتب القراءات في العصور المتأخرة، وعلاجها المسهب للقراءات السبع والعشر وغيرها، نرى أنها حين تعرض لأصوات اللغة، تكتفي ببضع صفحات، تصف فيها مخارج الحروف وصفاتها، في صورة مقتضبة مختصرة، لا تخلو من الغموض أو التحريف، في بعض الأحيان، كما أن عناية أصحابها قد وجهت كلها، إلى رواية القراءات وسندها، معتمدين على تلقين القراءات وضبطها، عن طريق التلقي الشفوي، جيلا بعد جيل، حتى انتهى الأمر إلى بضعة متون صغيرة، سميت "بعلم التجويد" يحفظها الطالب عن ظهر قلب، دون فهم لها في غالب الأحيان. وقد التزمت هذه المتون في غالب أحوالها، نصوص سيبويه وعباراته في شرح أصوات اللغة ووصفها.
تلك هي الدراسات الصوتية عند قدامى العرب. أما الدراسات الصوتية عند علماء الغرب، فقد ظهرت بوادرها في الربع الأول من القرن
ص18
التاسع عشر الميلادي، حين أخذ العلماء هناك، يقارنون اللغات الهندأوربية بعضها ببعض(6).
أما المؤلفات الحديثة في علم الأصوات باللغة العربية، فمنها:
1- الباب الأول من كتاب "التطور النحوي" ص11-73 وهو عبارة عن سلسلة محاضرات، ألقاها المستشرق الألماني "برجشتراسر" باللغة العربية، على طلبة كلية الآداب، بالجامعة المصرية القديمة سنة 1929م. وهو يهتم فيها بالمقارنات السامية اهتماما بالغا.
2- "علم الأصوات عند سيبويه وعندنا" محاضرة للمستشرق الألماني: "شاده" ألقاها في قاعة الجمعية الجغرافية الملكية في سنة 1931 باللغة العربية، ونشرت بصحيفة الجامعة المصرية سنة 1931م. وهذه المحاضرة خلاصة مؤلف باللغة الألمانية لهذا المستشرق.
3- "الأصوات اللغوية" للدكتور إبراهيم أنيس، وهو أول كتاب متكامل باللغة العربية عن الدراسات الصوتية على المنهج اللغوي الحديث. وقد صدرت أولى طبعاته في عام 1947م.
4- "منهج الأصوات" فصل من كتاب: "مناهج البحث في اللغة" ص59-70 للدكتور تمام حسان، وفيه اهتمام كبير بعلم الأصوات التجريبي. وقد ظهر سنة 1955م.
5- "الأصوات اللغوية" فصل من كتاب "فقه اللغة" لمحمد المبارك ص29-50 وهو عبارة عن دراسة تقليديه، تعتمد على ترديد أقوال
ص19
السابقين من اللغويين العرب. والكتاب مطبوع بدمشق سنة 1960م.
6- الباب الثاني من كتاب "علم اللغة" للدكتور محمود السعران ص91-220 وقد أفاد فيه مؤلفه من كثير من مؤلفات الغرب في الدراسات الصوتية. وقد ظهر الكتاب في عام 1962م.
7- مقالة بعنوان: "جهود علماء العرب في الدراسة الصوتية" للدكتور إبراهيم أنيس، بمجلة مجمع اللغة العربية "سنة 1963" 15/ 41-49.
8- "أصوات اللغة" للدكتور عبد الرحمن أيوب. صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1963م والثانية سنة 1968. وقد اعتمد فيه صاحبه اعتمادا كبيرا على كتاب "هفنر" Heffener "علم الأصوات العام" General Phoetics المطبوع في أمريكا سنة 1952م.
9- "دروس في علم أصوات اللغة العربية" لجان كانتينو ترجمه إلى العربية "صالح القرمادي" ونشره في تونس سنة 1966.
10- "الأصوات" للدكتور كمال محمد بشر، وهو القسم الثاني من كتابه: "صالح القرمادي" ونشره في تونس سنة 1966م.
11- مقالة بعنوان: "مشكلة الضاد العربية، وتراث الضاد والظاء" للدكتور رمضان عبد التواب، بمجلة المجمع العلمي العراقي "المجلد الحادي والعشرون" في سنة 1971م.
12- "دراسة الصوت اللغوي" للدكتور أحمد مختار عمر، نشر بالقاهرة سنة 1976م.
ص20
13- في علم الأصوات الفيزيقي "مدخل إلى التصوير الطيفي للكلام" لإرنست بولجرام، ترجمة الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح، القاهرة 1077م.
14- "دراسة السمع والكلام" للدكتور سعد عبد العزيز مصلوح، القاهرة 1980م.
15- "في البحث الصوتي عند العرب" للدكتور خليل إبراهيم العطية، بغداد 1983م.
16- "علم الأصوات" لبرثيل مالبرج، ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين، القاهرة 1985م.
ص21
__________
(1) انظر تفصيل القول في الدراسات الصوتية الأولى، عند اليونان والرومان والهنود، في كتاب: علم اللغة للسعران 92-96.
(2) انظر كتاب العين للخليل بن أحمد 1/ 53، 1/ 65.
(3) العين للخليل بن أحمد 1/ 52.
(4) كتاب سيبويه 2/ 406، 407
(5) سر صناعة الإعراب 1/ 9.
(6) انظر في ذلك مقالة الدكتور مراد كامل: "علم الأصوات، نشأته وتطوره" بمجلة مجمع اللغة العربية 16/ 57-79.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
في مدينة الهرمل اللبنانية.. وفد العتبة الحسينية المقدسة يستمر بإغاثة العوائل السورية المنكوبة
|
|
|