المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8456 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ظهور التلسكوبات
2025-01-12
آثار فسخ عقد الزواج بعد الدخول بالنسبة للنفقة في قانون الاحوال الشخصية الكويتي
2025-01-12
نضج وحصاد وتخزين البسلة
2025-01-12
مقبرة (شيشنق الثالث)
2025-01-12
الفرعون شيشنق الرابع وآثاره
2025-01-12
مندوبات الصلاة
2025-01-12

Hydrocracking Catalysts and Reactions
25-7-2017
الظروف البيئية المناسبة للرمان
24-12-2015
حدود التولي والتبري
2023-09-04
Hofstadter,s Q-Sequence
28-10-2020
الافكار الرئيسىة في سورة الاخلاص
2024-07-28
الأختلافات عن قائمة مصادر الاموال واستخداماتها وقائمة المركز المالي
2023-06-27


قاعدة « حرمة إبطال الأعمال العبادية إلاّ ما خرج بالدليل » (*)  
  
383   10:02 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص251 -262 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / حرمة ابطال الاعمال العبادية الا ما خرج بالدليل /

ومن القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « حرمة إبطال الأعمال العبادية إلاّ ما خرج بالدليل ».

فنقول : البحث من جهات :  

الجهة الأولى

في بيان مفاد هذه القاعدة وأنّه ما المراد منها :

أقول : المراد منها هو أنّ العمل العبادي المركّب التدريجي الوجود لا يجوز إبطاله في الأثناء ، بمعنى رفع اليد عن إتيانها تماما في الأثناء ، أو يأتي بشي‌ء لا يصحّ معه الإتمام ويخرج عن قابليّة التحاق الأجزاء اللاحقة بسابقتها كي يتمّ العمل ويوجد صحيحا.

فلو شرع في الصلاة فليس له أن يرفع اليد عنها في الأثناء ، أو يأتي بأحد قواطع الصلاة كي تخرج عن قابلية الإتمام ووقوعها صحيحا ، أو شرع في الإحرام لعمرة التمتّع كي يتمتّع بها إلى الحجّ ، فرفع اليد عن إتمام العمرة أو الحجّ أو أتى بمانع لا يقع معه الحجّ صحيحا ، مثل أن جامع عمدا وإن كان مع زوجته فيفسد حجّه ، ولا يمكن أن يتمّه صحيحا ، فهذا معنى حرمة الإبطال المراد من هذه القاعدة.

ثمَّ إنّه لا شكّ في أنّ الواجبات المضيقة لا يجوز إبطالها قطعا ، ولكن ليس لأجل‌ هذه القاعدة ، بل لو لم تثبت هذه القاعدة ولم يوجد عليها دليل ، أيضا لا يجوز قطع تلك الواجبات ؛ لأنّ مرجع قطعها وإبطالها بالمعنى الذي ذكرنا للإبطال تفويت تلك الواجبات وتركها في وقتها مع أنّها مضيّقة ، فهذا شي‌ء معلوم. فعمدة الكلام في الواجبات الموسّعة والمستحبّات.

وكذلك جواز قطعها لعذر دلّ الدليل عليه لا ينافي مع هذه القاعدة ، وذلك من جهة أنّ مفاد هذه القاعدة عدم جواز القطع بعنوانه الأوّلي ، فلا ينافي الجواز لطروّ عناوين أخر كطروّ ضرر أو حرج وأمثالها من الحالات الطارئة.

الجهة الثانية

في أنّه ما الدليل على هذه القاعدة؟ أي حرمة إبطال الأعمال العباديّة :

وهو أمور :

الأوّل : الإجماع ، وادّعاه جمع في خصوص الصلاة ، وتعبيراتهم وإن كانت مختلفة ولكن مفاد كلّها واحد ، وهو الاتّفاق وعدم الخلاف في عدم جواز قطع الصلاة اختيارا ولغير عذر ، بل ادّعى في شرح المفاتيح أنّه من بديهيّات الدين.

وفيه : أنّ الإجماع على فرض وجوده لا يثبت كلّية هذه القاعدة ، نعم على تقدير ثبوته يكون دليلا على تحريم قطع الصلاة فقط.

الثاني : قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] .

والاستدلال بهذه الآية ـ على حرمة رفع اليد عن المركّبات العباديّة في أثناء العمل ، أو الإتيان بمانع أو قاطع يمنع عن إتمام العمل صحيحا ـ مبنيّ على أن يكون‌ المراد من الإبطال فيها هو المعنى الذي ذكرنا له ، من ترك العمل ورفع اليد عنه بعد الشروع فيه وفي أثنائه ، أو إيجاد مانع أو قاطع في أثنائه كي يسقط عن صلاحيّة إتمامه صحيحا.

ولكن ظهور لفظ الإبطال وكلمة « لا تبطلوا » في هذا المعنى لا يخلو عن مناقشة ؛ إذ من المحتمل القريب أن يكون المراد منه النهي عن إبطال العمل بالرياء أو الشرك أو العجب أو ارتكاب الكبائر التي أوعد الله عليها النار ، لا بمعنى الحبط الذي لا نقول به نحن الإماميّة الاثنى عشريّة وننكره ، بل بمعنى أنّه لا توجب تلك الأعمال دخول الجنّة بعد ارتكاب الكبائر العظيمة ، كقتل النفوس المحترمة ، والزنا بذات البعل وأمثالهما من الجرائم الكبيرة.

ويؤيّد هذا الاحتمال ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « من قال : « سبحان الله » غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : « الحمد لله » غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : « لا إله إلاّ الله » غرس الله له بها شجرة في الجنّة ». فقال رجل من قريش : يا رسول الله صلى الله عليه واله إنّ شجرنا في الجنة لكثير ، قال صلى الله عليه واله : « نعم ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها ، وذلك أنّ الله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (1).

فاستشهاد الإمام عليه السلام بهذه الآية على أنّ الشرك والكفر والمعاصي الكبيرة يذهب بأثر تلك الكلمات ويحرق الأشجار التي كانت آثار تلك الكلمات ، مؤيّد بل دليل على أنّ المراد من إبطال الأعمال في الآية الشريفة هو ما يوجب ذهاب أثر تلك الأعمال ، لا أنّ المراد من إبطال الأعمال رفع اليد عنها وتركها في الأثناء ، أو إتيان مانع أو قاطع يمنع عن إتمامها صحيحا.

فمع وجود هذا الاحتمال القريب المؤيّد بما ذكرنا من الرواية التي رواها في ثواب الأعمال ، كيف يمكن دعوى ظهور هذه الجملة في مفاد هذه القاعدة ، فلا أقلّ من الإجمال وعدم ظهورها في كلّ واحد من هذين المعنيين.

هذا ، مضافا إلى أنّ حملها على مفاد القاعدة يوجب تخصيص الأكثر المستهجن ؛ وذلك لأنّ إرادة بعض أفراد العامّ من العموم الأفرادي ، أو إرادة بعض الأصناف من العموم الأصنافيّ مستهجن خلاف دأب أهل المحاورة وديدنهم في محاوراتهم ، ودليل المخصّص وظهوره يقدّم على دليل العامّ وظهوره فيما إذا لا يبلغ إلى حدّ الاستهجان.

وفيما نحن فيه لا ريب أنّ « أعمالكم » جمع مضاف ، وهو من صيغ العموم ، فيشمل جميع الأعمال المركّبة التي يمكن رفع اليد عنها في الأثناء على تقدير كون الإبطال بهذا المعنى الذي يدّعيه المستدلّ بهذه الآية على هذه القاعدة ، سواء كانت تلك الأعمال تعبّديا أو كانت توصّليا ، مع أنّ أغلب الأعمال يجوز إبطالها في الأثناء برفع اليد عنها أو بإتيان ما يوجب بطلانها ، وعدم إمكان إتمامها صحيحا.

بل الذي قالوا بعدم جواز قطعه في الأثناء هو فريضة الصلاة والحجّ مطلقا ، واجبا كان أو مندوبا ، مع كلام فيهما أيضا ، فكيف يجوز التعبير عن هذين العملين بهذا العموم الواسع ، وهل هذا إلاّ حصر المراد من العموم فيما هو مستهجن جدّا ، لا يليق مثل هذا بكلام السوقة ، فضلا عن كلام الله تعالى شأنه.

وأمّا ما يقال من أنّ لفظة « الأعمال » وإن كانت بحسب ظاهر الكلام تشمل جميع الأعمال ، عباديّة كانت أو غير عباديّة ، لكن سوق الآية في مقام بيان الأعمال العباديّة ، فبقرينة السياق ينقلب الظهور ويكون ظاهرا في خصوص العبادات.

ففيه : أنّ سياق الآية أنّ أوامرها إرشاديّة ، وأنّ النهي إرشاد إلى أنّ إبطال العمل وعدم إتيانه على الوجه الذي أمر به ليست بإطاعة ، فكما أنّ الأمر المتعلّق بإطاعة الله وإطاعة الرسول إرشادي ولا يمكن أن يكون مولويّا لما تقرّر في محلّه ، فكذلك النهي‌ المتعلّق بالإبطال لوحدة السياق.

وحاصله : أنّ مفاد الآية صدرا وذيلا هو أنّ وظيفة العبد هي الإطاعة وعدم التمرّد بترك الأعمال الواجبة ، أو إبطال أثرها بالعجب والكبر وارتكاب الكبائر ، أو إبطال نفسه بالرياء ، وهذا أجنبي عن عدم جواز رفع اليد عن الواجب الموسّع ثمَّ الإتيان بفرد آخر منه ، أو القول بأنّ سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بأعمالكم فيها هو خصوص الأعمال العبادية لا عموم الأعمال.

فالإنصاف أنّ القول بظهور « أعمالكم » في الآية في خصوص العبادات لا دليل عليه ، مضافا إلى أنّ اختصاصها بالعبادات وظهورها فيها لا يرتفع به تخصيص الأكثر المستهجن ؛ وذلك لكثرة المستحبّات العباديّة التي لا إشكال في جواز قطعها إلاّ في الحجّ المندوب.

هذا ، مضافا إلى أنّ كثيرا من الواجبات التعبديّة يجوز قطعها إذا كانت موسّعة مثل الطهارات الثلاث ، فيجوز رفع اليد عنها في الأثناء والإتيان بفرد آخر ، حتّى أنّه في الصلاة حكى قول بجواز قطعها اختيارا وإن كان خلاف المختار ؛ لما ذكرنا من ادّعاء الإجماع من صاحب المدارك (2) وكشف اللثام (3) وغيرهما ، بل قال في شرح المفاتيح أنّه من بديهيّات الدين.

نعم قلنا إنّ الواجبات المضيّقة لا يجوز قطعها ؛ لأجل أنّ قطعها وإبطالها بهذا المعنى يوجب تفويتها وعصيانها بالمرّة ، فلا ربط لها بهذه القاعدة. وأمّا الواجبات الموسّعة كالنذر الموسّع مثلا ، وكالطهارات الثلاث كما ذكرنا يجوز قطعها ورفع اليد عن الفرد الذي اشتغل بها والإتيان بفرد آخر.

وأمّا الاستدلال بوجوب الإتمام بقوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة: 40] بأن‌ يقال : نيّة العبادة عهد مع الله تعالى بأن يأتي بها تماما ، والأمر في ( أَوْفُوا بِعَهْدِي ) ظاهر في الوجوب ، فيكون المعنى بناء على هذا أنّه يجب عليكم الوفاء بالعهد الذي عاهدتم معي بإتيان العبادة المنويّة تماما ، فيكون قطعه حراما ؛ لأنّه ترك الواجب.

ففيه : أنّه بالخطابة أشبه من البرهان ، وخلاصة الكلام : أنّه ليس دليل على إثبات هذه القاعدة على نحو الكلّية ، بحيث إذا شككنا في جواز قطع عمل من الأعمال نرجع إليها ونحكم بعدم جواز قطعه لأجل هذه الكلّية ، إلى أن يأتي دليل على الجواز وتخصّص هذه القاعدة.

نعم في خصوص الصلاة الواجبة تمسّكوا بأدلّة على عدم جواز قطعها :

ومنها : هذه الآية ، وقد عرفت الحال فيها.

ومنها : الإجماع ، ولا بأس به.

منها : قوله عليه السلام : « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » (4).

وتقريب دلالته على حرمة قطع الصلاة أنّ ظاهره حرمة إيجاد المنافيات من الموانع والقواطع بوقوع التكبير ـ أي بمحض الشروع في الصلاة ـ لأنّ المصلّي بالتكبير يشرع فيها ، ولا شكّ في أنّ إيجاد الموانع والقواطع ملزوم قطع الصلاة ، بل في نظر العرف هو عين قطعها ، فيكون مفاد الرواية عرفا هو حرمة قطع الصلاة ، ولا يجوز إيجادها إلاّ بالتسليم ، لأنّه مخرج ، فإذا خرج بالتسليم يحلّل به كلّ ما كان حراما عليه ؛ لأنّه خرج عن الصلاة.

واستشكلوا على هذا الدليل بأنّ التحريم في المقام ظاهر في الحرمة الشرطيّة من قبيل تعلّق النهي ببعض الموانع ، كقوله عليه السلام : « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » (5). فيكون مثل هذا النهي منشأ اعتبار مانعيّة وجود النهي ، أو شرطيّة وجوده ، أو كليهما على اختلاف‌ المباني في المقام ، ولا أقلّ من الإجمال ، فلا يصحّ استظهار الحرمة التكليفيّة التي هي المدّعاة في المقام.

وقال بعض الأعاظم في مقام الردّ على هذا الإشكال : إنّه لو كان المراد من التحريم الحرمة الشرطيّة لا التكليفيّة ، فكان هناك مركّبات أخر شرعيّة من العبادات ، كالوضوء والغسل ونحوهما ممّا لها منافيات ، فكان يقتضي ذكر هذه العبارة وإطلاقها عليها ، مع أنّه لم يعهد في لسان الشرع هذا الإطلاق ، إلاّ في باب الصلاة والإحرام ، وهذا يدلّ على تمحّض النظر فيه إلى حيث الحرمة التكليفيّة ، سواء اجتمعت مع الوضعيّة كما في قواطع الصلاة ، أم لا كما في بعض المحرّمات حال الإحرام.

وفيه : أوّلا : أنّ عدم إطلاق مثل هذه الجملة في غير الصلاة والإحرام لا يوجب ارتفاع ظهورها في الحرمة الشرطيّة أو إجماله واحتمالها لكلا الأمرين.

وثانيا : ذكرها في الصلاة وبل في الإحرام لأهمّيتهما ، وكثرة المنافيات من الموانع والقواطع فيهما ، فالإنصاف أنّ إثبات حرمة القطع بمثل هذه الجملة ـ التي من المحتمل القريب أن يكون المراد منها أنّه بعد أن شرع في الصلاة وكبّر بتكبيرة الإحرام يحرم عليه إيجاد المنافيات حرمة شرطيّة ، أي صحّتها موقوفة على عدم إيجاد تلك المنافيات ـ بعيد عن الصواب.

ومنها : النواهي المتعلّقة بإيجاد المنافيات من الموانع والقواطع ، كقوله عليه السلام : « استقبل القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك » (6). وكقوله عليه السلام : « الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم » (7) وغيرهما.

وفيه : أنّ ظاهر هذه النواهي إنّها لبيان شرطيّة ما تعلّق النهي بعدمه ، كقوله عليه السلام : « فلا تقلّب وجهك عن القبلة » فهذا النهي مفاده شرطيّة الاستقبال بتمام البدن حتّى الوجه ، ولبيان مانعيّة ما تعلّق النهي بوجوده ، كقوله عليه السلام في خبر أبي هارون : « فإذا أقمت فلا تتكلّم » وسياقها سياق قوله عليه السلام في موثّقة ابن بكير : « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه فإنّ الصلاة في صوفه وشعره ووبره وبوله وروثه وكلّ شي‌ء منه فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة » . وظهور هذا النهي في الحرمة الوضعيّة ممّا لا ينكر.

ومنها : تعليق جواز القطع وجوبا أو إباحة على الخوف من ضياع مال ، كشرود دابّته ، أو إباق عبده ، أو الخوف على تلف نفسه من جهة مثلا ، وأمثال ذلك ، كفرار غريم لك عليه مال ، كما في صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال « إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلامك قد أتى ، أو غريما لك عليه مال ، أو حيّة تتخوّفها على نفسك فاقطع الصلاة وابتغ غلامك أو غريمك واقتل الحيّة » (8). فلو كان قطع الصلاة جائزا ابتداء وبمحض الميل والاشتهاء ، فلا يبقى وجه لهذا التعليق.

لا يقال : إنّ الأمر بالقطع ظاهر في وجوبه ، فما هو المعلّق هو وجوب القطع ، ولا ينافي ذلك جوازه بمعنى الإباحة مطلقا وبدون تعليق.

لأنّه لا يمكن أن يكون الأمر بالقطع ها هنا لخصوص الوجوب ؛ إذ لا يجب عليه طلب الغريم أو عبده الآبق ، ويجوز له أن يصرف النظر عن ماله ، فلا معنى لوجوب القطع إلاّ أن يكون صرف تعبّد وأن يكون مقدّمة لطلب غريمه أو عبده ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.

فقد ظهر أنّه لا دليل على حرمة قطع الصلاة إلاّ الإجماع المدّعى في المقام ومفهوم الرواية الأخيرة. ولكن في وجود المفهوم لها تأمّل.

وعلى كلّ حال يجوز قطعها لأمور :

منها : إذا توقّف حفظ نفس محترمة على القطع ، فيجب لوجوب ذي المقدّمة.

ومنها : جواز قطعها لحفظ مال محترم ، وقد يجب إذا كان حفظ ذلك المال عن التلف واجبا ، كما إذا كان أمانة مالكيّة أو شرعيّة عنده ، وصور وجوب حفظ المال كثيرة ، وملاك وجوب القطع في جميع موارد وجوب حفظ المال واحد ، وهو كونه مقدّمة لواجب ؛ فتطويل الكلام في هذا المقام لا أثر له.

ومنها : إذا تزاحم الصلاة مع واجب أهمّ ، ولو كان أهميّته من جهة كونه مضيّقا وكون الصلاة موسّعا ، كما هو كذلك في المثل المعروف ، أي وجوب إزالة النجاسة عن المسجد مع الصلاة في الوقت الموسّع ، فحيث أنّ أحد المرجّحات الخمسة المعروفة في باب التزاحم هو ضيق أحد الواجبين المتزاحمين بالنسبة إلى الآخر ، فيجوز قطع الصلاة إذا كان وقتها موسّعا بالنسبة إلى الإزالة.

هذا فيما إذا علم بالنجاسة ووجوب إزالتها قبل الصلاة فعصى ودخل في الصلاة ، فحيث أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ ، وحرّرنا المسألة في كتابنا « منتهى الأصول » (9) فالصلاة صحيحة ، إمّا بالأمر الترتّبي ، وإمّا بالملاك. والتفصيل في محلّه.

ولكن الأمر بالصلاة كما أنّه حدوثا كان طوليّا بالنسبة إلى الأمر بالإزالة ، فكذلك يكون بقاء ، لأنّه ما لم يحصل العصيان ولم يسقط الأمر بالإزالة لا يكون الأمر بالصلاة في عرض الأمر بالإزالة ومطلقا ، بل يكون مشروطا بعصيان الإزالة. وعليه بنينا صحّة الترتّب ، وإلاّ يكون من المحالات الواضحة البيّنة.

ومثل هذا الأمر الطولي ـ المشروط بعدم الاشتغال بالإزالة في المفروض ـ لا يمكن أن يكون مانعا عن قطعها والاشتغال بالإزالة ، فلا يمكن أن يكون قطع الصلاة في‌ هذا الفرض والتقدير حراما ، إلاّ أن يأتي دليل خاصّ على أنّ قطع الصلاة حتّى في فرض وجود المزاحم الأهمّ والالتفات إليه قبل الصلاة حرام ، ولكن مرجع هذا يكون إلى سقوط أمر الأهمّ ، وهو خلاف الفرض.

وأما إذا لم يعلم بالنجاسة إلاّ بعد الدخول في الصلاة ، فلا يجوز له قطع الصلاة ؛ وذلك لأنّ ما يمنع عن التكليف بالمهمّ مطلقا ومن غير الاشتراط بعصيان الأهمّ هو فعليّة الأهمّ وتنجّزه ، وإلاّ لو لم يكن منجّزا فصرف وجود التكليف واقعا لا يؤثّر في سقوط أمر المهمّ مطلقا بناء على عدم إمكان الترتّب ، أو إطلاقه بناء على إمكانه ووقوعه.

وذلك لأنّ الملاك في كلا المتزاحمين موجود ، وسقوط أصل خطاب المهمّ أو إطلاقه لأجل عدم القدرة على الجمع ، وإلاّ كان يجب أن يأتي بهما جميعا ، والذي يسلب القدرة شرعا عن المهمّ هو تنجّز الأهمّ ، وإلاّ فصرف وجوده وفعليّته من دون تنجّزه لا يكون موجبا لسلب القدرة عن المهمّ ؛ لأنّ سلب القدرة عن المهمّ يكون بصرف القدرة في الأهمّ ، فإذا لم يكن منجّزا فلا يحكم العقل بصرف القدرة في الأهمّ ، فتبقى قدرته للمهمّ بدون مزاحم ، فيكون وجوبه مطلقا غير مشروط بترك الأهمّ إن كان المهمّ هي الصلاة أيضا مطلقا ، فيقع التزاحم بين حرمة القطع الذي حرمته مطلق ، وبين وجوب الإزالة الذي هو مطلق أيضا بعد الالتفات إلى نجاسة المسجد ووجوب إزالتها عنه.

فشاغليّة وجوب الإزالة في هذا الظرف عن الأمر بالمهمّ متوقّف على تنجّزه ، وتنجّزه متوقّف على ارتفاع النهي عن الإبطال، وارتفاعه متوقّف على شاغليّة وجوب الإزالة ، أي الأمر بالأهمّ عن الأمر بالمهمّ ، وهذا دور واضح.

هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ (10) وفيه تأمّل واضح ، لأنّ تنجّزه ليس متوقّفا على‌ ارتفاع النهي ، بل تنجّزه موقوف على العلم به والالتفات إليه ، وبعد العلم به والالتفات إليه تصير حرمة الإبطال في ظرف الاشتغال بالإزالة كما كان في الأوّل ، لأنّه لا فرق من هذه الجهة بين الحدوث والبقاء ، فبقاء الأمر بالمهمّ أيضا مشروط بترك الأهمّ وعصيانه.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

______________

(*) « عوائد الأيّام » ص 151 ؛ « عناوين الأصول » عنوان 24 ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنّة » ص 125.

(1) « ثواب الأعمال » ص 32 ، ح 3.

(2) « مدارك الأحكام » ج 3 ، ص 477.

(3) « كشف اللثام » ج 1 ، ص 241.

(4) « الكافي » ج 3 ، ص 69 ، باب النوادر ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 1003 ، أبواب التسليم ، باب 1 ، ح 1.

(5) « الكافي » ج 3 ، ص 397 ، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه ... ، ح 1 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 209 ، ح 818 ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ... ، ح 26 ؛ « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 250 ، أبواب لباس المصلّى ، باب 2 ، ح 1 ، مع تفاوت في النصّ.

(6) « الكافي » ج 3 ، ص 300 ، باب الخشوع في الصلاة وكراهيّة العبث ، ح 6 ؛ « الفقيه » ج 1 ، ص 278 ، باب القبلة ، ح 856 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 199 ، ح 782 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 83 ؛ « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 227 ، أبواب القبلة ، باب 9 ، ح 3.

(7) « الكافي » ج 3 ، ص 305 ، باب بدء الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهما ، ح 20 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 54 ، ح 185 ، باب الأذان والإقامة ، ح 25 ؛ « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 630 ، أبواب الأذان والإقامة ، باب 10 ، ح 12.

(8) « الفقيه » ج 1 ، ص 369 ، باب المصلي تعرض له السباع والهوام فيقتلها ، ح 1073 ؛ « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 1271 ، أبواب قواطع الصلاة ، باب 21 ، ح 1.

(9) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 303.

(10) « فوائد الأصول » ج 2 ، ص 378.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.