جرب القيام بهذا الأمر الممتع قف على ميزان الحمام، ليس ذلك الميزان المعقد الذي تجده في عيادة الطبيب ولا ذلك الميزان الزجاجي الرقمي الذي يتعين عليك أن تطرقه بإصبع قدمك كي يبدأ العمل، وإنما ميزان الحمام العادي الذي تستخدمه كل يوم. ولا بأس إن كنتَ تنتعل حذاءك (فلستَ مطالبا بأن تثير إعجاب أحد)، ولا يهم أي رقم سيظهر لك، ولا ما إذا كان يروق لك. والآن قف على أطراف أصابع قدميك بسرعة، ثم اثبت على هذا الوضع حينها سترى الميزان كما لو جن جنونه. وقد يتعين عليك أن تكرر الأمر عدة مرات كي ترى ما يحدث لأنه يحدث بسرعة.

أولا يتحرك مؤشر الميزان إلى أعلى، أليس كذلك؟ ثم يتراجع تراجعًا كبيرًا قبل أن يعود ليشير إلى وزنك الذي كنت عليه قبل أن تتحرك، رغم أن ذلك المؤشر (أو الشاشة الرقمية) قد يظل يهتز قليلا قبل أن يستقر، وذلك يتوقف على الميزان ذاته. ثم عندما تريح كعبيك على الميزان، خاصة لو فعلت ذلك بسرعة فستجد المؤشر ينخفض ثم يقفز إلى أعلى متجاوزا وزنك قبل أن يعود مستقرًا على وزنك الذي قد تحب معرفته أو لا تحب ما كل هذا؟ في النهاية لن يختلف وزنك سواء خفضت كعبيك لأسفل أو رفعتهما لأعلى واقفًا على أصابع قدميك، أليس كذلك؟ أم لعله سيتغير؟

للإجابة عن هذا السؤال – صدق هذا أو لا تصدقه – نحتاج إلى السير إسحاق نيوتن، الذي أراه أعظم فيزيائي جادَ به الزمان. بعض زملائي يختلفون معي في الرأي، وبالتأكيد يمكنك أن ترى أن ألبرت أينشتاين هو الأعظم وهي وجهة النظر التي لها بكل تأكيد ما يسوغها، لكن لا يختلف اثنان بالقطع في أن أينشتاين ونيوتن هما أعظم فيزيائيين على الإطلاق. فلماذا أرجح أنا نيوتن؟ لأن اكتشافاته كانت. جوهرية ومتنوعة جدا. فقد درس طبيعة الضوء ووضع نظرية الألوان ولكي يدرس حركات الكواكب قام ببناء أول تلسكوب عاكس، الذي كان بمنزلة تطور مذهل، قياسًا إلى التلسكوبات الانكسارية التي كانت تستخدم في عصره. وإلى اليوم ما زالت معظم التلسكوبات الكبرى تتبع المبادئ الأساسية لتصميم تلسكوب نيوتن العاكس. وخلال دراسته خصائص حركة الموائع، صارت له الريادة في مجال كبير من مجالات الفيزياء؛ إذ استطاع حساب سرعة الصوت (لكنه أخطأ الحساب بنسبة حوالي 15 بالمائة). كما أسس نيوتن فرعًا جديدًا كاملا من فروع الرياضيات ألا وهو التفاضل والتكامل. لكن لحسن الحظ لا يتعين علينا الاستعانة بالتفاضل والتكامل كي ندرك أهم إنجازاته وأقواها، التي صارت تعرف باسم قوانين نيوتن وآمل أن أتمكن خلال هذا الفصل من تبيان مدى اتساع نطاق تأثير تلك القوانين التي تبدو بسيطة.

مواضيع ذات صلة

أصول عدم الانعكاس

الانعكاس يولد الانعكاس

الاحتمالية في الميكانيكا الإحصائية

القابلية للانعكاس وعدم القابلية للانعكاس

نظرة في تعددية الفيزياء

الاختزال وعدم القابلية للانعكاس

الواقعية العلمية وتغيير النظريات

نقص الإثبات ومذهب الذرائعية ومذهب الواقعية

مشكلة التمييز: متى يكون المنهج علميا؟

المنهج العلمي: من الاستقراء إلى التكذيب وما بعده

مناهج العلوم وثمارها

!Parity is not conserved