الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
لماذا الاتصال هو سر التربية السعيدة
المؤلف: د. لورا ماركهام
المصدر: آباء مطمئنون أبناء سعداء
الجزء والصفحة: ص72ــ81
2025-01-22
27
يرى الآباء أحيانًا التواصل مع أطفالهم واجباً. إن لدينا، بعد كل شيء، قائمة طويلة من الالتزامات، وما نريده حقًّا هو ساعة لأنفسنا من دون أن يتشبث بنا فيها أحد. لكن الحقيقة أن تلك الرابطة المجزية هي مكافأتنا لكل العمل الشاق الذي نبذله. واللحظات التي تذيب أفئدتنا هي ما تجعل كل تضحياتنا الحقة جدا مستحقة للعناء. أطفالنا يحتاجون إلى معرفة أنهم مصدر بهجة لنا، وإلا فلن يروا أنفسهم جديرين بالمحبة. الواقع أن قدرتك على الاستمتاع بطفلك هي أهم عامل في نموه. ذلك هو ما يدفعك – تلقائيا – إلى فعل كل الأمور التي تساعده على الإزهار، بدءًا من مناغاته وهو رضيع إلى لعبك الخشن معه في الثالثة ودردشتك معه في الخامسة.
ذلك الاتصال العميق هو أيضًا، ما يجعل التربية المطمئنة ممكنة. فالأطفال يتعاونون عن طيب خاطر، بل حتى بحماس، عندما يوقنون بأننا إلى جانبهم. عندما لا يسري ذلك اليقين عميقا في نفوسهم، تبدو لهم معاييرنا السلوكية غير عادلة وتتعارض مع ما يتصورون أنه مصلحتهم الخاصة، سواء كانت تلك المصلحة تتمثل في أخذ أكبر قطعة من الكعكة أو في الكذب علينا.
ليس لأي قدر من ((مهارات التربية)) أن يعوض تآكل الرابطة بين الطفل وأبويه. الأمر أشبه بركوب دراجة لصعود تلة شديدة الانحدار. وفي المقابل، التربية في وجود علاقة قوية تشبه هبوط المنحدر - فما زال عليك الانتباه والبقاء على الطريق، وسوف تواجهك المنعطفات والالتواءات لا محالة لكن الزخم في صالحك.
تسمح لنا الرابطة الوثيقة بأن نلج في معارف التربية الفطرية لدينا، وتتيح لنا أن نرى الأشياء من وجهة نظر طفلنا، مما يجعلنا آباء أفضل. كما تجعل الأطفال أكثر انفتاحا لقدرتنا التأثيرية، حتى بعد خروجهم إلى العالم الرحب من الأصدقاء والمدرسة وبقية حياتهم. تُظهر الدراسات الواحدة تلو الواحدة أن أفضل طريقة لحماية المراهقين من تطرفات الثقافة والأقران هي العلاقة الوثيقة مع الأبوين. وأنت تبني تلك الصلة من الطفولة فصاعدا.
لنلق نظرة على الكيفية التي يتجلى بها التواصل خلال مراحل الطفولة.
التواصل في مراحل نمو طفلك
مرحلة الرضاعة (0ــ13 شهرًا): برمجة الدماغ
ما الشيء الذي يحمل القدر نفسه من الأهمية كالطعام كي ينمو طفلك على أفضل وجه؟ الاتصال. يولد الإنسان مستعدا لمنح الحب وتلقيه. كل تطورنا العاطفي - بما فيه قدرتنا على تنظيم انفعالاتنا والتحكم في أمزجتنا وتأجيل الإشباع وتكوين علاقات رومانسية صحية – إنما هو مبني على الرعاية التي تلقيناها صغارًا. في الواقع، تتشكل أدمغتنا في إطار الاستجابة المباشرة لتفاعلاتنا مع والدينا.
تأتي أدمغة الأطفال حديثي الولادة إلى العالم وفي انتظارها الكثير من عمليات التطور. وهكذا يحتفظ البشر بالمرونة اللازمة للتكيف مع الظروف البيئية المختلفة. لذلك فإن تفاعلاتك مع مولودك خلال عامه الأول ستحدد، بشكل كبير، الطريقة التي يعمل بها دماغه وجهازه العصبي لبقية حياته. يتعلم طفلك تنظيم نفسه فسيولوجيا، ومن ثَمَّ نفسياً، من خلال اتصاله بك. تنظم لمستك الحانية هرمونات الضغط النفسي والنمو لديه. وتتزامن نبضات قلبه مع نبضاتك. كما تقول سو جيرهارد في كتابها ((لماذا الحب مهم: كيف تؤثر المحبة في دماغ الطفل))، فإن الرضيع ((يؤسس... نطاق الإثارة الطبيعي لديه))، لذلك فهو ((ينسق نظامه مع نظام من حوله. فيتأقلم مواليد الأمهات المكتئبات مع التحفيز المنخفض ويعتادون قلة المشاعر الإيجابية.
وقد يظل مواليد الأمهات المهتاجات في حالة من الإثارة المفرطة وينتابهم
إحساس بأن المشاعر تكاد تنفجر من داخلهم)).
وإليك الكيفية التي يعمل بها السجال الطبيعي حينما ينخرط الأبوان تلقائياً مع الرُّضع. تحدق طفلتك إليكِ تبتسمين وتناغينها. ترد لكِ الابتسامة، وتركل بقدميها بحماس. تناغينها وتبتسمين بحماس أكبر للتناغم مع جذلها، فتشعران بحب وسرور متزايدين. بعد فترة تشبع طفلتك من الحماس، تحتاج إلى تهدئة نفسها، والعودة إلى مستوى أدنى من الإثارة تشيح بنظرها بعيدا. قد يواصل بعض الآباء لفت انتباهها لاستحضار مزيد من الابتسامات، إلا أنك ما زلت ملتزمة بالتناغم. تدركين أن طفلتك بحاجة إلى استراحة، فتتحدثين بصوت خافت. ترمقك مرة أخرى: هل صار الانخراط آمنا؟ نعم، إنه كذلك. تبتسمين برقة بعد أن خفضت مستوى طاقتك. تتكور حول نفسها، راضية. لقد التقطت إشارتها. صارت تعلم أن بإمكانها التعبير عن احتياجاتها، وأنك ستستجيبين بالمساعدة. فيا له من عالم لذيذ وآمن عالم يحتوي على الحماس والسكون كليهما. وبمساعدتك، يمكنها التعامل مع كل ما يأتي.
ماذا حدث؟ لقد تعلمت صغيرتك، لتوها، درسا مهما في التنظيم الذاتي من تفاعلها معك. يمكنها أن تشعر بالسعادة، بالانفعال، أو حتى بالحماس الزائد. وعندما يساورها شعور بالاضطراب والانجراف، يمكنها أن ترسل نداء استغاثة. وسوف تساعدينها على تهدئة نفسها. الحياة آمنة. أو بتعبير أدق، أنتِ من تبقينها آمنة. تساعدينها على تنظيم حالتها الشعورية، سواء كانت مشاعرها جيدة أو سيئة. سيبقيها تعلقها بك آمنة. يمكنها الوثوق بالكون. خلال السنة الأولى من حياة طفلك، سيتكرر هذا التفاعل مرات عديدة.
يمكننا القول بدقة إن طفلك يتعلم درسا عن الثقة، درسًا يُنقش فسيولوجيا في دماغه. وخلال هذا التفاعل وكل التفاعلات التي تليه، يقول عالم الأعصاب آلان شور: ((تُحمّل الأم برامج العاطفة في النصف الأيمن من دماغ الرضيع. يستخدم الطفل نتاج الفص الأيمن من دماغ الأم قالبا لدمغ وتشغيل الدوائر في الفص الأيمن من دماغه)). حتى إنك تحددين حجم الحُصين خاصته (كلما زاد تطوره تحسنت القدرة على التعلم وإدارة الضغط النفسي والصحة النفسية)، والقشرة الحزامية الأمامية (المسؤولة عن التنظيم العاطفي) واللوزة الدماغية (المسؤولة عن التفاعل العاطفي). تؤثر هذه البرمجة المبكرة للدماغ في مستويات السعادة والمزاج في وقت لاحق من الحياة، لأن البرمجة الأفضل تعني قدرة أفضل على التواصل مع الآخرين وتنظيم العواطف الإيجابية والسلبية وتهدئة أنفسنا.
إيلاء الأولوية لاتصالك برضيعك يسهل عليك مهمة العناية به، إذ يجعل الرضيع راضيا فيكبر ليكون طفلا آمنا وسعيدًا ومتعاونًا. إن التهدئة ضرورية لجميع الرّضع، الذين تنمي أدمغتهم القدرة على تنظيم العواطف السلبية مباشرة من تجربة التعرض للتهدئة. يصر معظم الرضع، وليس جميعهم، على أن يُحتضنوا ويُحملوا أغلب الوقت، وهو ما يساعدهم على تنظيم أنفسهم فسيولوجيا. تتزامن أنماط نوم الطفل حديث الولادة مع أنماط نوم أمه، لذلك فإن الرضع الذين ينامون بالقرب من أمهاتهم يكونون أقدر على تنظيم مستويات الإثارة والتنفس، مما يقلل من خطر ((متلازمة موت الرضع المفاجئ)) (SIDS). اتصالك مع رضيعتك يساعدك أيضًا على فهم إشاراتها واحتياجاتها الفريدة، فيبني ثقتك بوصفك أمّا. بمجرد أن تعلم الرضيعة أن القائمين على رعايتها سيعتنون بها ويحمونها بشكل موثوق، تستند إلى هذا الأمان الداخلي في حين تمضي قدما إلى المهام التنموية التالية المتمثلة في الاستكشاف وإتقان البيئة وتكوين علاقات مع الآخرين.
لعلك تنظر إلى ما يُسمَّى الآن ((التربية بالارتباط)) کاتجاه جديد، يُنسب في الغالب إلى د بيل سيرز. لكن لا جديد بشأن هذا الموضوع، لقد كنا نمارس هذا النوع من التربية منذ بدء الخليقة. يقول د. سيرز نفسه: ((إن التربية بالارتباط ليست أسلوبًا جديدًا في التربية... في الواقع، تلك هي الطريقة التي اعتنى بها الآباء بأطفالهم على مدى قرون، حتى ظهر مستشارو رعاية الأطفال على الساحة وحثوا الآباء على اتباع الكتب بدلا من أطفالهم)).
وقد صار الآن نهج التربية بالارتباط مدعوما بمجموعة مذهلة من النظريات والبحوث الأكاديمية، لكن الفكرة الأساسية بسيطة وواضحة بداهة. أطفال البشر يولدون بلا حول ولا قوة مقارنة بالثدييات الأخرى، فيحتاجون إلى آباء يبقونهم على مقربة حتى يصيروا قادرين على النجاة بمفردهم.
من سوء الحظ، تطورت أسطورة في مجتمعنا مفادها أن التربية بالارتباط تتطلب من الأبوين العيش وفق قواعد التضحية بالنفس. الأمر ليس كذلك مطلقا. لست مضطرة إلى حمل طفلك باستمرار أو مشاركته النوم لتكوين ارتباط آمن القاعدة الأساسية الوحيدة - التي ينادي بها المنطق كما ذكرنا سالفا - إنما هي أن الارتباط الصحي يتطلب تناغمك مع إشارات رضيعك الفريد واستجابتك لها. وأي أم لا تريد من صميم قلبها، أن تفعل هذا بالضبط؟ لذلك لنُعِد تعريف التربية بالارتباط. إنها ببساطة الاستجابة لاحتياجات مولودك العاطفية والجسدية، التي عادةً ما تتضمن في مرحلة الرضاعة البقاء على مقربة جسدية من الأب / الأم. وكما هي الحال مع كل ما يخص التربية، فإن قدرتنا على فعل ذلك تعتمد على مدى نضجنا العاطفي. الواقع أن البحوث حول هذا الموضوع كاشفة إن بوسعنا التنبؤ في أثناء الحمل - قبل أن يولد الطفل! - إذا كان الطفل سينعم بارتباط آمن بأبويه. كيف؟ عن طريق إجراء مقابلة مع الأبوين ببساطة. إذا كنا قد نعمنا نحن بارتباط آمن بأبوينا، فمن شبه المؤكد أن طفلنا سينعم بارتباط آمن بنا. وفي المقابل، إذا نشأنا مع آباء لا يلبون احتياجاتنا بشكل موثوق، وانكببنا على رغبتنا نحن في التواصل أو تهربنا منها، فلن نشعر براحة إزاء التواصل الحميمي مع طفلنا.
من حسن الحظ، لا تعتمد هذه العلاقة فقط على ما حدث لك، بل على كيفية تعاملك معه. عندما تتأمل طفولتك، وتميط اللثام عن عواطفك، وتعدل قصة حياتك من منظور البالغين العطوف، فأنت في الواقع تنمي القشرة الجبهية الحجاجية لدماغك - وفي أثناء ذلك، تصير قادرًا على تربية رضيعك على نحو متجاوب وصنع ارتباط آمن. الواقع أن الطريقة التي تصالحنا بها بوصفنا آباء مع ماضينا مع الارتباط هي مؤشر أشد موثوقية من أي عامل آخر للارتباط الآمن، بما في ذلك ممارسات التربية مثل النوم المشترك أو حتى مقدار الوقت الذي نقضيه مع طفلنا. والخبر السار هو أنك في حين تعقد السلم مع قصة طفولتك، فإنك تغير بمهارة توفُرك العاطفي بالنسبة إلى طفلتك، وتتفتح طفلتك تبعا لذلك، سواء أكانت رضيعة أم في التاسعة من عمرها.
هل يساورك القلق بشأن ما إذا كان طفلك قد حظي بتناغم كاف وهو رضيع؟ من الجلي أن إعداد الهيكلة المثلى في السنوات الثلاث الأولى إذ يبني صغيرك دماغه أفضل من الترميم لاحقا. لكن أحدث البحوث أظهر أن الدماغ يستمر في النمو والتغير طوال الحياة. عندما تهدئ طفلك ذا الأعوام الأربعة أو الستة، يظل دماغه يتعلم منك كيف يهدئ نفسه. ربما يحتاج إلى المزيد من البكاء للتعافي من تجربته لشعور الانفصال أو الخوف، لكن صغر سنه يجعله منفتحا لذلك التعافي. وصبرك على انهياراته العاطفية هو مفتاح تغلبه على أي أذى سابق. غير أنه في هذه الحالة يصير مهما بقدر أكبر أن تتذكر أن سلوكياته الصعبة هي راية حمراء تنذرك بأنه يحتاج إلى مساعدتك العاطفية. والفهم الذي تمنحه لطفلك هو دائما مداواة.
ولا توجد أم قادرة على التزامن مع رضيعها طوال الوقت. كما يقول الباحث إدوارد ترونيك: ((لا يكون التفاعل متزامناً بشكل ((تام)) إلا ربما لعشرين أو ثلاثين في المائة من الوقت. فيما خلا ذلك، يكون الوالد إما متزامنا وإما غير متزامن وإما عائدا إلى التزامن. فترات عدم التزامن تلك تحرر الأبوين من العبء المتواصل للمثالية - لأنك لا تستطيع أن تكون مثالياً. مهما تحاول، لن تكون كذلك. لكن عندما تعاود التواصل مع طفلك قد يحدث - أحيانًا وليس دائما – أن تبدع شيئًا جديدا. تتوصل إلى طريقة جديدة لفعل شيء معه لم تفعلاه في السابق. وعندما تبدع شيئًا جديدا تنمو. ولشد أهمية هذا النمو للرضيع)).
مرحلة الأطفال الدارجين (13-36 شهرا): ترسيخ الارتباط الأمن
لنرَ ما يحدث للاتصال بين الأبوين والطفل عندما يصل رضيعنا إلى ((سن العامين المرعبة)). لقد صار الآن طفلا دارجًا قادرًا على تنظيم عملياته الفسيولوجية، لكنه ما زال يعتمد عليك بشدة لإعانته في تنظيم نفسه عاطفيا. ما زالت ضوابطه العاطفية الموجودة في القشرة الجبهية قيد البناء. ومن المفارقات أنه في حين أن مهمة الطفل الدارج هي تأكيد ذاته كمستكشف نشط لعالمه، فإنه لا يستطيع البدء بتطوير تلك الأجنحة إلا إذا كان مرتبطاً بأمان في علاقته بنا.
تقييم الارتباط
في تجربة ((الوضع الغريب)) يحدث انفصال قصير الأمد لكنه ضاغط، متبوعا بلم شمل في موقف غريب على الطفل. وعلى حسب استجابة الطفل للموقف، يُصنف الباحثون الأطفال بعمر خمسة عشر شهرًا على النحو الآتي:
* آمنون: يحتج هؤلاء الأطفال على رحيل الأم / الأب، ويسهل على الأم / الأب مواساتهم بعد عودتها / عودته. يُشار إلى هذه الحالة بالارتباط الآمن، حيث يشعر الأطفال بالضغط بسبب الانفصال، لكنهم يثقون بأن الوالد لدى عودته، سيوفر لهم الراحة والأمان. تبيَّن أن لدى هؤلاء الأطفال علاقات أفضل بأبويهم الذين ينعمون معهم بارتباط آمن، غير أن هذا ليس كل شيء. فقد صُنف هؤلاء الأطفال خلال نموهم بأنهم أقدر على التكيف في كل النواحي تقريبا، بما في ذلك العلاقات الشخصية والحياة الأكاديمية.
* ممانعون/ متناقضون/ مشتتون: يحتج هؤلاء الأطفال الدارجون على رحيل الأم / الأب، لكنهم يرفضون المواساة عند عودتها / عودته. يبدو أنهم تعلموا أن والدهم لا يعوّل عليه دائما في تلبية احتياجاتهم ويجدون صعوبة في تلقي المواساة منه. الواقع أنهم يبدون غاضبين، وكأن الوالد يحجب عنهم ما يحتاجون إليه. ومع نضوجهم، يظل تركيز هؤلاء الأطفال منصباً على التماس الطمأنينة في العلاقات، لكن بسبب عوزهم الضاري، يميلون إلى التورط في علاقات غير مرضية. إن انشغالهم بالبحث عن الحب قد يعوقهم عن إيلاء الاهتمام المناسب للمهام التنموية الأخرى التي تليق بأعمارهم مثل التعلم وخوض التجارب باستقلالية. غالبًا ما يغالي هؤلاء الأطفال في تعلقهم بأقرانهم سعيا منهم إلى سد احتياجات الارتباط غير الملباة.
* انعزاليون: من المحتمل ألا يحتج هؤلاء الأطفال الدارجون على رحيل الأم / الأب، ولا يلتمسون المواساة لدى عودتها / عودته.
هم لا يعبرون عن احتياجاتهم إلى المواساة بما يتناسب مع عمرهم، وذلك على ما يبدو لأنهم يفترضون أن تلك الاحتياجات لن تُلبّى في هذه العلاقة. وعلى الرغم من أنهم يبدون أكثر استقلالية في هذا الوضع المختبري، فإنهم لا يتمتعون بالقدر نفسه من الاستقلالية في المنزل أو في المدرسة، ويصنفهم معلمو دور الرعاية في الواقع بأنهم أكثر تذمرا وتطلباً مقارنةً بالأطفال الآخرين في العمر نفسه. في الحقيقة، عندما جرت مراقبة عملياتهم الفسيولوجية خلال ((الوضع الغريب))، اتضح أن هؤلاء الأطفال الدارجين قد عانوا ارتفاعًا هائلا في معدل نبضات القلب ومستويات الكورتيزول، مما يشير إلى أنه في حين أنهم تعلموا إخفاء ذلك، فإنهم في الواقع ينزعجون بشدة لدى مغادرة الأب / الأم الغرفة. ومع تقدمهم في السن، يجد هؤلاء الأطفال الوحيدون أن احتياجاتهم العاطفية طاغية ومخيفة، لذلك يقمعونها. وما لم تواتِهم فرصة الخضوع للعلاج النفسي أو خوض علاقة حب تحويلية أخرى، فلن يطوروا قدرة تُذكر على الحميمية. وفي حين أنهم قد ينجحون على الصعيد الأكاديمي أو الرياضي، فإن افتقارهم إلى المهارات الاجتماعية غالبا ما يحد من سعادتهم، بل وحتى نجاحهم في الحياة المهنية.
لدينا الآن أكثر من أربعين عاما من البحوث، بما فيها الدراسات الطولية التي تتعقب آثار الارتباط الآمن. عندما يكبر الأطفال الرضع الذين نعموا بارتباط آمن، يبنون علاقات أفضل مع الآخرين، ويتمتعون بتقدير أعلى للذات، ويكونون أكثر مرونة وتكيفا تحت الضغط، ويقدمون أداء أفضل في جميع جوانب الحياة، بدءًا من الواجبات المدرسية إلى تفاعلات الأقران على الرغم من أن ذلك قد يبدو غريبًا، فإن الأطفال في سن الخمسة عشر شهرًا يكونون قد طوّروا بالفعل، تأويلات للطريقة التي تسير بها العلاقات واستراتيجيات لتلبية احتياجات التفاعل لديهم. وما لم تطرأ أي تغييرات فسوف يستخدمون هذه الاستراتيجيات لبقية حياتهم.
هب أن طفلتنا الافتراضية البالغة من العمر خمسة عشر شهرا قد طورت ارتباطاً آمنا. تعلمت أن بوسعها الاعتماد على أبويها للاستجابة لإشاراتها. والآن بعد أن خطت أولى خطواتها صارت مستعدة لاستكشاف العالم.
هل ما زالت بحاجة إلى أبويها؟ أمس الحاجة. كما يقول جوردون نيوفيلد وجابور ماتيه، مؤلفا كتاب ((تمسك بأطفالك))، فإن أبويها بمنزلة ((نجم الشمال))، إنهما النقطة التي تدور حولها.
حاوِل فقط اصطحابها إلى الملعب والجلوس بالقرب من صندوق الرمل خاصتها على أحد مقاعد الحديقة. سترفع نظرها إليك باستمرار في أثناء لعبها تنشد التطمين، ثم انتقل إلى المقعد المجاور. المسافة بينكما ما زالت كما هي لم تزد تنتظر منها أن ترفع نظرها إليك حتى تتمكن من المناداة باسمها فورا. ستراك على الفور وأنت تلوح لها كالمعتاد. لكن هل ستواصل اللعب؟ لا. ستعبس. ربما تبكي حتى. ومن شبه المؤكد أنها إما ستناديك وإما تحبو نحوك ((تجدد طاقتها)) - تحصل على عناق - وعندها فقط تعود إلى صندوق الرمل. ما الذي حدث؟ لقد تحرك ((نجم الشمال))
الخاص بها. كان عليها تعديل مدارها.