الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أسلوب التدريس / الحفظ والتلقين أم الفهم؟
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 184 ــ 188
2025-07-20
45
العلاقة بين أسلوب التدريس والمعلومات التي يقدمها المعلم خلال الدرس، هي من نوع العلاقة بين الشكل والمضمون، وقيمة الأشياء ـ على نسب متفاوتة - من الشكل والمضمون معاً، وفي الحديث: (إن من البيان لسحراً)، إن التدريس هو فن إيصال المعلومة للطالب، والنجاح فيه، وإن كان يقوم على امتلاك قدر مناسب من المعلومات إلا أن الجانب المهاري فيه؛ ذو أهمية بالغة. وقد رأينا كثيراً من المعلمين الذين يملكون من المعرفة ما هو مطلوب، لكن لم ينجحوا في عملهم، كما رأينا منهم من يعد ناجحاً مع قلة بضاعته من العلم في المواد التي يدرسها؛ لأنه يملك ما يتطلبه الموقف التعليمي من مهارة وعتاد.
إن أسلوب الرجل، هو الرجل نفسه، ولا ينطبق هذا على شيء کانطباقه على مهنة التعليم، فالبراعة في أداء الدرس، لا تعتمد على البيان وحده، كما لا تعتمد على المعلومات وحدها، ولا على شكل المدرس، أو طريقة تعامله مع طلابه، وإنما هي عصارة فكر المعلم وثقافته وروحه وأحاسيسه وذوقه وحسن تصرفه؛ ومن نوعية هذه العصارة يكون أداء المدرس في عمله.
نحن لا نريد هنا أن نلج في تفاصيل الأسلوب التعليمي الناجح، فنحن لا نكتب في هذه السلسلة لأهل الاختصاص، وإنما نريد أن نقدم بعض الإضاءات التي نظن أنها ترفع من سوية الوعي العام في المسائل التي نطرقها.
- الحفظ والتلقين أم الفهم؟
من القضايا المثيرة للجدل في ساحتنا التربوية قضية (الحفظ عن ظهر قلب) حيث توجه سهام ناقذة لهذه المسألة، ويلقى اللوم على المعلمين الذين يصرون على تلقين الطلاب أكبر قدر من المعلومات، والتي سيطالبون بإفراغها حرفياً في أوراق الاختبار.
ويمكن القول: إن هناك موجة عالمية، تحط من قدر (الذاكرة) وتدعو إلى ضرورة استناد الطفل في التعليم إلى الذكاء والفهم، والاستجابات الجيدة للمنهج أكثر من استناده للحفظ. لكن بعض الباحثين يرى أننا لا نستطيع في الأحوال كلها أن نتصور بسهولة وجود إنسان مثقف ذي معلومات جيدة جداً، بل ومتعمقة في بعض النقاط دون أن يرجع الفضل فيما اكتسبه إلى (الذاكرة) (1).
ويمكن القول: إن هناك بشأن هذه المسألة ثلاث اتجاهات كبرى: اتجاه، يزهد في أسلوب الحفظ والتلقين إلى أبعد الحدود، كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية. واتجاه يعول على الحفظ أكثر بكثير من التعويل على الفقه والتحليل والاستنتاج، وهذا هو السائد في معظم البلدان الإسلامية. والاتجاه الثالث، يهتم بالحفظ والفهم في آن واحد، وهذا ما يأخذ به التعليم في اليابان.
وأود أن أبدي حول هذه المسألة عدداً من الملاحظات:
أ- إذا نظرنا في القرآن الكريم وجدنا في مسألة (الحفظ) أن الله – جل وعلا - تكفل بحفظ القرآن الكريم حين قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، ولا نجد في الكتاب العزيز آيات تحث المسلمين على حفظ القرآن الكريم (عن ظهر قلب) كما أن كثيراً من أعلام الصحابة ـ رضوان الله عليهم - وكثيراً من الفقهاء العظام، لم يكونوا يحفظون القرآن الكريم كاملا. ولم يشترط علماء الأصول فيمن يريد ممارسة الاجتهاد حفظ القرآن. ونجد إلى جانب هذا ما يفيد أن القرآن الكريم أنزل من أجل تدبره والتفكر فيه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، ومع التقدير لحفظ القرآن الكريم والتقدير لحفظته، إلا أننا نجد أمراً غريباً في عالمنا الإسلامي؛ حيث إن فيه مئات الألوف من المدارس التي تعنى بحفظ القرآن على حين أننا لا نكاد نجد مدرسة واحدة، متخصصة بتدبره وفهمه والتفكر فيه!!
ب- إن (التلقين) ليس أسلوباً في التدريس فحسب، وإنما هو قبل كل شيء جزء من أسلوب حياة، فالمجتمع الذي يجعل حياته تتمحور في كل مجال حول عدد معين من الأشخاص على حين يهمش الجماهير الغفيرة - ينشئ على نحو غير مقصود (المعلم) الملقن الذي تتمحور حوله العملية التعليمية كلها؛ فهو الذي يعلم، ويربي، يؤدب، ويتسلط، وهو الذي يهمش الطالب حين يخصص له وظائف الامتثال والاستقبال والاستيعاب (2)!
وهذا كله نابع من نزوع (تسلطي) لدى (المعلم)، ومن استخفاف بقدرة الطالب على المشاركة في العملية التعليمية. وما دمنا نعتقد في الطالب ذلك فسيكون وسيظل كذلك!
وقد قال (توماس جيفرسون) معلم الثورة الأمريكية، وثالث رئيس للولايات المتحدة لـ(آدمز): (إن كلا منا يحب الشعب، ويعمل على إسعاده، ولكنك تحبه كما لو كان رضيعاً، تخشى أن تتركه بلا حاضنة، في حين أني أحبه كما لو كان راشداً، يستطيع أن يتولى أمر نفسه بنفسه حراً) (3).
ج- إن التلقين لا يقتصر على تحفيظ الطلاب معلومات معينة، ثم مطالبتهم بها، وإنما يتخذ أشكالاً عديدة منها:
ـ عرض وجهة نظر واحدة والتمسك بها.
- عرض وجهات النظر المعارضة بطريقة مشوهة أو غير عادلة.
ـ تغليب العاطفة، واستبعاد التحليل والنقد والدراسة للشواهد العلمية.
ـ استخدام طرق آلية لتحفيظ معلومات معينة.
ـ عرض الموضوعات في صور لا تناسب قدرة الأطفال أو الشباب ومستوى نضجهم (4).
دـ وجد من خلال بعض الدراسات المقارنة أن ذاكرة الطالب الشرقي، أقوى من ذاكرة الطالب الغربي، حيث لم يدرب هذا الأخير ذاكرته على الحفظ وحين عرضت بعض المشكلات التي تتطلب حلا، استطاع الطالب الغربي حلها قبل الطالب الشرقي؛ لأن طريقة تعلمه في الأصل، كانت على نحو أقرب إلى التفكير ونعتقد أن ضعف الإبداع في عالمنا الإسلامي، يعود في بعض أسبابه إلى التعليم التلقيني.
هـ- إن الطفرة (المعلوماتية) الهائلة، قد حطت من شأن المعطيات العلمية الجاهزة، حيث صار بالإمكان الحصول على كم ضخم من المعارف والإحصاءات وأخبار الاكتشافات العلمية بأيسر السبل وأقل الأثمان. وبرزت مسألة معالجة هذه المعلومات، والاستفادة منها في حل المشكلات التي تواجهنا، وفي تلبية الاحتياجات المتزايدة لأمتنا.
ولا يعني هذا أن اختزان المعلومات في الذاكرة، صار غير ذي جدوى؛ إذ إن هناك علوماً قوامها الحفظ مثل علم (القراءات القرآنية) ومثل علوم الطب والتاريخ والجغرافيا. وإضافة إلى هذا فإن المخ البشري، يحتاج إلى معلومات ومعطيات يشتغل عليها، ويستخلص منها شيئاً جديداً نافعاً. في اليابان يحفظ الطلاب كماً كبيراً من المعلومات، إلا أنهم من خلال (الاستراتيجيات) المقصودة يتعلمون كيف يصنفون ويبوبون تلك المعلومات، مما يسمح لهم بفهم العلاقات بينها. ولا ينظرون إليها على أنها شذرات متفرقة، لا روابط بينها؛ إذ إن إدراك الروابط والعلاقات هو الذي يعطي للمعلومات معاني وفوائد (5).
إنني أعتقد أن التركيز على الحفظ قد جلب لنا أضراراً كثيرة، وقد آن الأوان لأن نفسح المجال لأسلوب جديد في التعليم، يقوم على محاولة التحليل والتعليل والتفسير لكل المسائل التي نقررها، كما يقوم على الربط بين الجزئيات العلمية المتشظية بغية دمجها في جسم معرفي واحد؛ حتى نتمكن من فهم أدق لواقعنا المعاصر.
إن الإبقاء على طلابنا مخازن للمعلومات سيقلل من وعيهم بالعالم الملابس لهم، وقبولهم بهذا الدور السلبي المفروض عليهم، يعني بالضرورة تأقلمهم المستمر مع الواقع الذي يعيشونه (6)، مع أن المطلوب من التعليم هو تغيير واقع التخلف ورفضه، وتهيئة الأجيال الجديدة لصناعة حياة أطيب وأكرم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الثقافة الفردية وثقافة الجمهور: 89.
2ـ انظر: التربية العربية: 92.
3ـ لماذا نعلم: 49.
4ـ التربية والتغير الثقافي: 337.
5ـ التربية والتحدي: 83.
6ـ التعليم والثقافة كحاجات أساسية في الوطن العربي: 74.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
