الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الارتقاء بالتعليم المهني والتقني
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 311 ــ 316
2025-07-20
43
إن ضعف التعليم المهني والتقني في العالم الإسلامي، لا يشكل ظاهرة بسيطة، يمكن الخلاص منها ببلورة فكرة أو اتخاذ قرار على مستوى عال... فهو ظاهرة شديدة التعقيد، وعلى اتصال بجوانب فكرية ونفسية واجتماعية واقتصادية عديدة، فعمل الرجل اليوم واختصاصه يحتل مكانة قريبة من تلك المكانة التي كان يحتلها نسبه في يوم من الأيام.
ولذا فإن النهوض بالتعليم المهني، يحتاج إلى مجموعة من (الحلول المركبة) وإلى التقدم في العديد من المجالات. وفي الصفحات التالية تسليط للضوء على أهم ما نراه من ذلك من خلال الآتي:
1- إضفاء اللمسة الثقافية:
للخيال والتجريد والتنظير والثقافة الواسعة تأثيرات هائلة في الإنسان ويتمتع التعليم غير المهني برصيد ضخم من كل ذلك. وقد ساهمت الجامعات الكبرى التي تقدم العلوم النظرية في ذلك، كما أن الوجاهة والظهور الإعلامي - في بيئتنا العربية على الأقل - تكون من حظ (الأكاديميين) وليس التقنيين أو المهنيين. وهناك إلى جانب هذا صورة قائمة عن ثقافة المهنيين وسعة أفقهم.... فهم أصحاب جهد عضلي، وما يقومون به يقوم على القليل من التحصيل العلمي وخبرتهم في الحياة العامة محدودة، وربما كانوا بحاجة إلى نوع من التهذيب والحساسية الاجتماعية... هذه الصورة المنطبعة في أذهان كثير من الناس عن التعليم المهني والمهنيين - بقطع النظر عن صحتها - بحاجة إلى تغيير إذا ما أردنا للتعليم المهني أن يتمتع بجاذبية أكبر وأعتقد أنه يمكن عمل الكثير في هذه السبيل، من خلال تقرير مواد ذات بعد ثقافي نظري غير تطبيقي، يمتلك الطالب من خلالها لوناً ثقافياً ذا بعد إنساني، وذلك كأن تقرر مادة تحكي نشأة المهنة موضوع التخصص، وأهم الأطوار التي مرت بها، وبعض الطرائف والأشعار والأمثال الشعبية المتعلقة بها، وكذلك تقرير مادة توضح الآفاق المستقبلية لتلك المهنة ومستلزمات ازدهارها وجعل إنتاجها اقتصادياً، وبحث العلاقات الاعتمادية بينها وبين بعض المهن الأخرى، وكذلك حجم البطالة الموجودة فيها، ومعوقات نموها.
ومما يفيد في هذا الباب أيضاً تقرير مساق يوضح الأبعاد الأخلاقية والإنسانية للتقنية على نحو عام ولا سيما (التقانة الحيوية) والهندسة الجينية وما شاكل ذلك، مما يشكل تبصيراً بالاستخدام الأرشد للآلة وانعكاسات ذلك الاستخدام على الناس على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
هذه المواد وأخرى شبيهة بها ستوسع أفق طالب التعليم المهني والتقني، وستوجد لديه حساسية ثقافية وأخلاقية، هو بحاجة إليها للمشاركة في فهم الحياة العامة والتفاعل معها. إن المهمة التي تنتظرنا ليست مقصورة على إعداد الفرد إعداداً مهنياً جيداً، وإنما تهيئته ليكون لبنة صالحة في البنيان الاجتماعي.
2- الارتباط المبكر بالعمل اليدوي:
إن الله - جل وعلا - خلق اليدين لتعملا في كل ما يعود بالنفع على بني البشر، وإن كثرة استخدامهما في جوانب حياتنا المختلفة، هو الذي سيساعد على تنمية مشاعر الاندماج في الأعمال المهنية المختلفة. ينبغي أن تكون البداية في بيوتنا، حيث إن كل بيت، ينبغي أن يحوي (حقيبة عتاد) تمكن أصحابه من إصلاح الأعطال البسيطة في تجهيزات المنزل المختلفة، فليس من اللائق أن يكون المرء كلا على غيره في أمور يمكن أن يقوم بها بنفسه حين يرى الطفل أباه وأمه يباشران بعض الأعمال المهنية، فإنه لن يجد غضاضة في أن يلتحق بالتعليم الفني في المستقبل.
التعليم الابتدائي، لا ينبغي له أن يكون معزولاً عن التطبيق العملي، فنحن بحاجة إلى غرس حب العمل اليدوي في نفوس الطلاب، كما أننا بحاجة إلى اكتشاف مهاراتهم المهنية، ولذا فإن من المهم أن يكون هناك حصص لبعض الأعمال الخشبية والمعدنية، وهذا لن يتم إلا من خلال إلحاق ورش صغيرة بالمدارس الابتدائية، وتوفير المواد لها. وسيساعد على ذلك أيضاً زيارة الحقول والمصانع والورش المهنية.
إن اليهود يعانون من نحو ما نعاني منه من النفور من العمل اليدوي وفي هذا يقول (جوردن) المعروف بأنه صاحب فلسفة (دين العمل): لقد اعتدنا نحن اليهود كل أشكال الحياة ما هذا حياة العمل الذي هو عنصر الحياة القومية. لقد نشأ عندنا نحن اليهود ميل لاحتقار العمل اليدوي، وإن القول المشهور في التلمود: إنه عندما ينفذ اليهود إرادة الله، سيقوم الآخرون بتنفيذ أعمالهم لهم - لهو خير معبر عن طبيعتنا، حيث أصبح ذلك شعوراً غريزياً فينا (1). إلى جانب هذا عانى اليهود من الشتات، وفقد شعور الارتباط بالأرض، فكانوا يمارسون في الغالب التجارة، وانطلاقاً من هذا وذلك كانت أول مدرسة ثانوية يهودية في فلسطين المحتلة، ثانوية زراعية. وفي مدارسهم الابتدائية العديد من الحصص التي يتعلم فيها الطلاب الأعمال المهنية المختلفة (2). وقد نجح اليهود في تغيير موقف أبنائهم من التعليم المهني والتقني إلى حدود جواز تصنيف دولتهم في فلسطين السليبة ضمن الدول الصناعية المتقدمة، واقتصادها اليوم يضارع اقتصاد دولة أوروبية صغيرة مثل هولندا أو بلجيكا!.
الكتاب المدرسي، يجب أن يتلاءم مع هذا التوجه، فالأمثلة والشواهد والقصص والصور، يمكن أن تساعد على غرس حب العمل اليدوي، حين تركز على أشكال النجاح في ميادينه، وحين تكشف عن أهميته في حياتنا المعاصرة.
3- الشفافية نحو سوق العمل:
لعل مما صد كثيراً من الشباب عن الاتجاه إلى التعليم المهني ما يرونه من بطالة أصحاب المهن وسوء أحوالهم، وهذا ناتج على نحو أساسي من قصور خطط التنمية، وقلة المعلومات حول سوق العمل؛ حيث إنه لا يتوفر في أكثر الأحيان معلومات كافية عن حركة سوق العمل وعن حاجاته وأفاقه المستقبلية، مما يجعل كثيراً من خريجي التعليم المهني، يصدمون عند التخرج بوجود أعداد مكدسة من زملائهم، تعاني من البطالة، ومن وجه آخر فإن من واجب المعاهد المهنية أن تتحسس متطلبات السوق من المهن، وتحاول تقديم برامج قصيرة مستحدثة لإعداد طلابها للاستجابة للتطورات الاقتصادية السريعة، وما تمليه من تكثيف الطلب على بعض المهن دون بعضها الآخر لا بد من وجه آخر أن تكون مناهج التعليم المهني مصممة بطريقة تساعد على تكوين (المرونة المهنية) لدى الطلاب بحيث تمكنهم من خلال فلسفتها ونوعيتها من الانتقال من مهنة إلى أخرى حسب الحاجات المتجددة للتنمية والحياة الحضرية فالتطورات الهائلة للمنتجات التقنية. تفرض حراكاً اجتماعياً ومهنياً مكافئاً، وتدريباً منتقلاً ومتطوراً، وإلا فمن السهل أن تقذف أمواج التطور العلمي والصناعي المذهل بأعداد هائلة من المهنيين والتقنيين خارج سوق العمل، ليجدوا أن تخصصاتهم لم يعد لها أي معنی.
4- تبسيط المعارف المهنية وإشاعتها:
كل النظم والهيئات والمؤسسات التي تعزل نفسها عن التيار الاجتماعي، تحجم نشاطها، وتقلل من فاعليتها. وإذا ما أردنا للتعليم المهني والتقني أن ينتعش، ويتطور، فلا بد من السعي إلى جعله حاضراً وقريباً من تناول الجماهير له؛ حتى يتأسس لديها الوعي بأهمية هذا اللون من التعليم؛ مما يدفعهم إلى توجيه الشباب له. وأعتقد أن هذا يتطلب أموراً عديدة منها الأمران التاليان:
أ- إن الروابط المهنية المختلفة، تتحمل مسؤولية خاصة، فلا بد لها كي تتلقى الدعم الحكومي والشعبي للمهن والصناعات التي تنتمي إليها من أن تعرف بنفسها، وتطالب بحقوقها وكم سيكون مفيداً أن يصدر أصحاب كل مهنة مجلة شهرية أو نشرة دورية أو سلسلة مستمرة من الكتيبات الصغيرة التي تنشر الوعي بمهنتهم من خلال استعراض تاريخ المهنة واتجاهات نموها وجمالياتها، إلى جانب تقديم بعض التدريبات والمعلومات التي تمكن المواطن العادي من ممارسة بعض المهارات البسيطة التي تتصل بها، وعرض بعض الأدوات التي صنعت أو طورت محلياً، مما يستخدم في حرفتهم وكذلك إقامة المعارض الثابتة والمتنقلة التي تشرح للجمهور بطريقة حية كل ذلك.
ب- على الأجهزة الإعلامية المختلفة مسؤولية كبرى في دعم التعليم المهني، حيث إن بإمكانها أن تساهم مساهمة فعالة في شرح كل ما ذكرناه آنفاً، وأن تضيف إلى ذلك إجراء المقابلات مع المهنيين، وتخصيص بعض الحلقات في التلفاز والإذاعة لذلك، كما أن بإمكان بعض الصحف اليومية أن تخصص بعض الزوايا والملحقات لذلك. إن القصد من كل هذا ليس نفع المهنيين فحسب وإنما إلى جانب ذلك نفع مجتمع، هو بحاجة إلى أن يتعلم كيف يقوم بشؤون نفسه، ويهيء فرص العمل المناسبة لأبنائه.
5- إن التعليم المهني - كما أسلفنا - عالي التكلفة، وأكثر الحكومات في العالم الإسلامي مشغولة بافتتاح المدارس الجديدة لتعليم الأجيال المتدفقة، وتجفيف منابع الأمية، وحين تخير أية حكومة بين الإنفاق على فتح مدرسة مهنية، وفتح مدرسة ابتدائية، فإنها ستجد أن تلبية الخيار الثاني أكثر إلحاحاً، والتعليم المهني - بالطبع - غير قادر على تطوير نفسه ما لم يتلق المساندة الاجتماعية، وقبل ذلك الدعم الحكومي من خلال زيادة ميزانياته، ومن خلال التحول من نظام التجارة والاستيراد من الخارج إلى نظام الصناعة المحلية مهما كانت بدائية ومتواضعة، وستستطيع الحكومات عمل ذلك في إطار خطة تنموية شاملة وطموحة.
ومن وجه آخر فإن أهل الخير ينفقون الكثير من الأموال على إطعام الفقراء، ومعالجة المرضى، وقضاء الحاجات العاجلة، وهذا كله ضروري ويجب أن يستمر، لكن التجربة علمتنا أن إنفاق الأموال على هذا النحو قد شجع الكثير من الفقراء على الكسل والاتكال على غيرهم، كما أن المتوفر من المال لا يمكنه حل مشكلات الفقراء على نحو جذري، ولذا فلا بد من تخصيص نسبة لا تقل عن 25 % من أموال البر لإنشاء مراكز للتدريب وورش لتعليم حرف لكل أولئك الذين وجدوا أنفسهم خارج سوق العمل، وكل أولئك الذين لم تسمح لهم ظروفهم السيئة بتعلم أية مهنة. وسيكون ذلك عظيم الفائدة للفقراء، حيث يؤدي إلى تغيير جذري في حياة الشاب، ويحوله من إنسان ينتظر الصدقات إلى إنسان عامل منتج. وكما تقول الحكمة الصينية: (إذا قدمت لي سمكة فقد هيأت لي قوت يوم، وإذا علمتني كيف أصيد، فقد ساعدتني على كسب قوت كل يوم)!.
إضاءة: إن الإنسان الذي يحمل نفسية (العبد) لا يستطيع أن يندمج اندماجاً إيجابياً في الجماعة التي يعيش فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التربية اليهودية في فلسطين المحتلة: 49.
2ـ المصدر السابق، 79.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
